ابن تيمية حكما على الأمة

كثيرا ما يروَّج لعقايد ابن تيميَّة في الغرب الإسلامي بعبارات من قبيل: “فلان العالِم الشَّنقيطي أثنى على عقيدة ابن تيميَّة!…الخ” (منقول)

ياسين بن ربيع

كثيرا ما يروَّج لعقايد ابن تيميَّة في الغرب الإسلامي بعبارات من قبيل: “فلان العالِم الشَّنقيطي أثنى على عقيدة ابن تيميَّة!…الخ”

وهذا يستدعي بعض الوَقفات:

  • أوَّلًا: أنَّ فئة مِن أعلام بلاد شنقيط على غرار الشَّيخ محمَّد الأمين صاحب “أضواء البيان” والشَّيخ سالم ولد عدُّود وأضرابهم؛ كانوا ينسبون لابن تيميَّة مذهب الإثبات مع التَّفويض أي: الإثبات مع نفي الجِسميَّة على طريقة الإمام الباقلَّاني وغيره، والحقيقة أنَّ الحرَّاني كان على عقيدة التَّجسيم، يعدُّ الظَّواهر الموهمة للتَّشبيه في حقِّه تعالى كاليد والسَّاق والعين وغيرها: صفات عَينيَّة أي أنَّه: لها أحياز وجِهات في الذَّات العليَّة، وهذا عين التَّركيب والتَّجسيم كما لا يخفى، بخلاف قُدماء الأشاعرة حيث كانوا يعدُّونها صفات معاني ويصرِّحون بنفي الجسميَّة.

وهكذا، فجعلوا من ابن تيميَّة حامل لواء طريقة الإثبات مع التَّفويض والتَّنزيه أي: عقيدة السَّلف – عندهم -، بمقابل التَّأويل مذهب أغلب الأشاعرة!

وهذا خلطٌ مشينٌ لا يمتُّ للحقيقة بصلة، وبالمثال يتَّضح المقال:

قَال ابنُ تيميَّةَ في إثبات اليد لربِّه: ((وَأَنَّهُ [=تَعَالَى] خَلَقَ آدَمَ بِيَدَيْهِ اللَّتَيْنِ هُمَا اليَدَانِ!!!)) [جوابُ الاعتراضاتِ المِصريَّة (ص: 151)، ط. دار عالم الفَوَائِد] فالرَّجل يتكلَّم عن اليد (المعروفة!) التي لها حجمٌ وكمٌّ ومساحة وامتداد في الجهات!!!

وقال أيضا: ((وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، هِيَ أَعْضَاءُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، فَالْغَنِيُّ الْمُنَزَّهُ عَنْ ذَلِكَ مُنَزَّهٌ عَنْ آلَاتِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الْيَدِ فَإِنَّهَا لِلْعَمَلِ وَالْفِعْلِ، وَهُوَ – سُبْحَانَهُ – مَوْصُوفٌ بِالْعَمَلِ وَالْفِعْلِ)) [مجموع الفتاوى (3/53-54)، ط. دار الوفاء] فاليد في حقِّه تعالى – عند هذا الرَّجل – هي (الآلة!) التي يعمل ويفعل بها جلَّ وعزَّ عن ذلك!!!

بينما قال الشَّيخ محمَّد الأمين الشِّنقيطي بعد أن ذكر كلام الإمام الأشعري في “الإبانة”: ((وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ – رَحِمَهُ اللَّهُ – يَعْتَقِدُ أَنَّ الصِّفَاتِ الَّتِي أَنْكَرَهَا الْمُؤَوِّلُونَ كَصِفَةِ الْيَدِ مِنْ جُمْلَةِ ‌صِفَاتِ ‌الْمَعَانِي ‌كَالْحَيَاةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ الْبَتَّةَ بَيْنَ صِفَةِ الْيَدِ وَصِفَةِ الْحَيَاةِ، فَمَا اتَّصَفَ اللَّهُ بِهِ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ فَهُوَ مُنَزَّهٌ عَنْ مُشَابَهَةِ مَا اتَّصَفَ بِهِ الْخَلْقُ مِنْهُ)) [أضواء البيان (7/492)، ط. دار عالم الفوائد] فأنت ترى كيف جعل اليد في حقِّه تعالى مِن جملة صفات المعاني، على العكس تماما من عقيدة ابن تيميَّة.

وهذا التَّقرير من الشِّنقيطي مع قوله بالظَّاهر في “الصِّفات الخبريَّة”، لا يتخرَّج إلا بحمل الإثبات في كلامه على معنى: عدم التَّصرف في ظاهر اللَّفظ، مع إحالة المعنى اللُّغوي الظَّاهر = المُقابل للمجاز، وإلَّا فالظَّاهر اللُّغوي لليد هو العضو والجارحة، أي: الجزء والجسم المُتحيِّز، وليس هو معنى يقوم بالذَّات كالقدرة، فتأمَّل.

  • ثانيا: وبهذا تدرك مدى تجنِّي الشَّيخ الشِّنقيطي – ومن تبعه – حين شنَّع على العلَّامة المقَّري نفي حمل الصِّفات الموهمة للتَّشبيه على ظواهرها اللُّغويَّة المعروفة، وتُدرك أيضا مدى اضطراب الرَّجل في مسألة “المجاز في الصِّفات الإلهيَّة”…
  • ثالثاً: تزكيتهم لعقايد ابن تيميَّة حتَّى بعد إذاعة وإشاعة الوَهَّابيَّة لتواليف الرَّجل القاطعة في إرادة التَّجسيم: أمر خطير جدًّا، وفيه مسؤوليَّة عظمى أمام الله..
    نسأل الله السَّلامة والعافية..

وعسى أن يتمّ تناول كلّ هذا في مناشير بأكثر تفصيل إن شاء الله تعالى..

والله الموفِّق..

السابق
وفاة الرجل الصالح المعمَّر أبو سباع إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريم الزعيم الحمويُّ (منقول)
التالي
ذكر بعض من ألف في الرد على محمد بن عبد الوهـاب النجدي أو ذمه أو عابه (منقول)

اترك تعليقاً