ابن تيمية حكما على الأمة

منهج ابن تيمية الجدلي 8‏/ م.محمد أكرم أبو غوش


م.محمد أكرم أبو غوش

#منهج_ابن_تيمية_الجدلي 8‏

‏[لا، لأنَّه نعم!]‏

قرَّر المنطقيُّون أنَّ تحقُّق الاستدلال (البسيط) لا بدَّ فيه من حصول خبرين (تصديقَين – قضيَّتَين) لا أقلَّ من ذلك، وذلك لأنَّ ‏النَّتيجة خبر عن علاقة مذكور (أ) بآخر (ب) بأن يكون أحدهما موضوعاً (موصوفاً) والثَّاني محمولاً (وصفاً) ثبوتاً ‏وانتفاء، فنحتاج لمعرفة العلاقة بينهما إلى معلومة أخرى، ولا تكفي معلومة ثالثة أخرى واحدة للوصول إلى هذه العلاقة ‏لأنَّها مهما كانت فهي ليست وصف (أ) بـ (ب). بل إنَّنا نحتاج للوصول إلى تلك العلاقة إلى معلومة نعرف فيها علاقة (أ) ‏بمذكور ثالث (ج) ومعلومة أخرى نعرف فيها علاقة (ب) بـ (ج)، وبناء على معرفة هاتين العلاقتين نعرف علاقة (أ) بـ ‌‏(ب) –هذا في القياس الاقترانيِّ، وفي القياس الاستثنائيِّ لا بدَّ من ذكر الملازمة أو التَّعاند وذكر حصول طرف أو انتفاء ‏ثان، فلا بدَّ من مقدِّمتين كذلك-.‏

يعلق على هذا ابن تيميَّة في كتاب (الرد على المنطقيِّين) –وهذا الكتاب من العجائب، لأنَّه بحر من بحار المغالطات-: ‏
‏”وأما قولهم: إن {((الاستدلال)) لا بد فيه من مقدمتين} بلا زيادة ولا نقصان، فإن كان الدليل مقدمة واحدة قالوا: الأخرى ‏محذوفة وسموه هو قياس الضمير. وإن كان مقدمات قالوا: هي أقيسة مركبة ليس هو قياسا واحدا.‏
فهذا قول باطل طردا وعكسا‎.‎
وذلك أن احتياج المستدل إلى المقدمات مما يختلف فيه حال الناس، فمن الناس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة <لعلمه مما ‏ سوى ذلك> كما أن منهم من لا يحتاج في علمه بذلك إلى الاستدلال <بل قد يعلمة بالضرورة> ومنهم ‏من يحتاج إلى مقدمتين ومنهم من يحتاج إلى ثلاث ومنهم من يحتاج إلى أربع وأكثر.‏
فمن أراد أن يعرف أن هذا المسكر المعين محرم فان كان يعرف أن كل مسكر محرم ولكن لا يعرف هل هذا المعين مسكر ‏أم لا لم يحتج إلا إلى مقدمة واحدة وهو أن يعمل أن هذا مسكر فإذا قيل له هذا حرام فقال ما الدليل عليه فقال المستدل الدليل ‏على ذلك أنه مسكر فقال لا نسلم أنه مسكر فمتى أقام الدليل على أنه مسكر تم المطلوب.‏
كذلك لو تنازع اثنان في بعض أنواع الأشربة هل هو مسكر أم لا؟ كما يسأل الناس كثيرا عن بعض الأشربة فلا يكون ‏السائل ممن يعلم أنها تسكر أو لا تسكر ولكن قد علم أن كل مسكر حرام فإذا ثبت عنده بخبر من يصدقه أو بغير من الأدلة ‏أنه مسكر علم تحريمه وكذلك سائر ما يقع الشك في الدراجه تحت قضية كلية من الأنواع والأعيان مع العلم بحكم تلك ‏القضية كتنازع الناس في النرد والشطرنج هل هما من الميسر أم لا؟ وتنازعهم في النبيذ المتنازع فيه هل هو من الخمر أم ‏لا؟ وتنازعهم في الحلف بالنذر والطلاق والعتاق هل هو داخل في قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أم لا؟ ‏وتنازعهم في قوله: {أو يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} هل هو الزوج أو الولي المستقل؟ وأمثال ذلك.‏
وقد يحتاج الاستدلال إلى مقدمتين لمن لم يعلم أن النبيذ المسكر المتنازع فيه محرم ولم يعلم أن هذا المعين مسكر فهو لا يعلم ‏أنه محرم حتى يعلم أنه مسكر ويعلم أن كل مسكر حرام‎.‎
وقد يعلم أن هذا مسكر ويعلم أن كل مسكر خمر لكن لم يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر لقرب عهده بالإسلام أو لنشأه بين جهال ‏أو زنادقة يشكون في ذلك‎.‎
أو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل مسكر حرام” أو يعلم أن هذا خمر وان النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر لكن لم يعلم أن محمدا رسول الله أو ‏لم يعلم أنه حرمها على جميع المؤمنين بل ظن أنه أباحها لبعض الناس وظن أنه منهم كمن ظن أنه أباح شربها للتداوي أو ‏غير ذلك فهذا لا يكفيه في العلم بتحريم هذا النبيذ المسكر تحريما عاما إلا أن يعلم أنه مسكر وأنه خمر وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم ‏الخمر أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم كل مسكر وانه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فما حرمه فقد حرمه الله وأنه حرمه تحريما عاما لم يبحه ‏للتداوي ولا للتلذذ”.‏

ااااااااااااااااا

الحاصل: ابن تيميَّة يُبطل قول من يقول إنَّه لا بدَّ من مقدِّمتين للقياس بالقول إنَّ من النَّاس من لا يحتاج إلا إلى مقدمة واحدة ‏في الاستدلال.‏
طيِّب، كيف ذلك؟
يقول: لأنَّ الإنسان قد يكون عالماً بغير هذه المعلومة سابقاً.‏
ويضرب على ذلك غير ما مثال، مثل أن يعلم الإنسان حرمة المسكرات، لكنَّه لا يعلم كون مشروب معيَّن مسكراً، فإذا ‏عرف أنَّه مسكر عرف أنَّه حرام. فإذن هو قد انتقل من مقدِّمة واحدة إلى النَّتيجة.‏

ااااااااااااااااا

أقول: أليس هذا إقراراً بعدم كفاية مقدِّمة واحدة؟!‏
وهل منصوص المنطقيِّين إلا أنَّه لا بدَّ من معلومتين؟!!‏
أو إنَّ ابن تيميَّة توهَّم أنَّ المنطقيِّين أرادوا غير ذلك؟!!!‏
أو إنَّ ابن تيميَّة متعمِّد لإيهام المغفَّلين أنَّه بهذا الإقرار قد أبطل قول المنطقيِّين هذا فعلاً؟!!!!‏

السابق
منهج ابن تيمية الجدلي 15/ م.محمد أكرم أبو غوش
التالي
من الشذوذات التي ذكرتها للشيخ الألباني قوله أن السنة تقتضي وضع اليدين على الصدر في الصلاة ..(منقول)