ابن تيمية حكما على الأمة

مناظرة الحسينيّ وابن شَمْسِ الوهابيّة في الإمام النوويّ (منقول)

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبيّ الكريم

{وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ}..

{فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ}..

《أحَادِيثُ الصُّمِّ إذَا سَكِرُوا》

(مناظرة الحسينيّ وابن شَمْسِ الوهابيّة في الإمام النوويّ)

من سخيف الجدل، وقبيح التنطّع، ومُستهجَن المُناظرات، ما شاهده الناسُ قبل أيام في مواقع التواصل بين السفيه الوهابيّ اليوتيوبر المدعوّ محمد بن شمس، والوهابيّ حسن الحسيني.

والعادة جارية بأن يَقع النزاع بين أهل المذاهب في عالِمٍ مشهور، بأن يَدَّعيَ أهلُ مذهب مّا إمامًا مَذكورًا، ويُنازعهم الآخَرون، أمّا أن يقع النّزاع بين وهابيٍّ ووهابيٍّ في العارف بالله تعالى محيي الدين النوويّ، رضي الله عنه، فذلك عجيب!

كان الوهابيّ حسن الحسيني يمثّل في هذه المناظرة طائفةً من الوهابية تجعل مِن التّقِيَّة شعارًا، ومِن التّلوُّن دِثارًا، وتُخفِي تشدُّدَها ما استطاعت، وتتجنّبُ تكفيرَ بعض المشهورين من الأئمة كالنوويّ، وابن حجر، أو تبديعَهم بإطلاق.

لِعِلْمِهم أنّ الله تعالى قد وضع القبولَ لهؤلاء، ونفع بهم وبمؤلّفاتهم، وانتشر ذكرُهم في الآفاق، ولا غنى لعالِمٍ ولا طالبٍ عن كتبهم، وأيُّ تصريح بتكفيرهم أو تبديعهم سيرفضه الجمهورُ، وسيؤثّر سلْبًا في الدعوة الوهابيّة، والعقيدة الكراميّة التيميّة.

فتعاملت هذه الطائفةُ مع هذا الإشكال من وجهين:

أحدهما موجّهٌ إلى الداخل، والثاني موجّهٌ إلى الخارج:

أما التعامل الموجّه إلى الداخل فحاصِلُه أن يَعتقِدَ صغارُ الوهابيّة أن النوويَّ وأمثالَه لا يُقتدى بهم في العقيدة وإن كانوا أئمةً في بعض العلوم؛ لأنّ لهم أخطاء عقديّة، لا يُوافقون فيها فهمَ السلف: (أي ابن تيمية)، فيُستفاد منهم في تلك العلوم، لأنّه لا يُوجد اكتفاءٌ ذاتيٌّ عنهم، ويُحَذَّرُ منهم في المسائل العقديّة، لئلا يُغْتَرَّ بهم، ولا يُؤخذ منهم في هذا الباب إلا ما نصّ أئمةُ السّلف: (ابنُ باز، وابن عثيمين، والفوزان، وفركوس، والمدخلي)، على موافقته للعقيدة الصحيحة!

وأما أن يُستَدلّ بكلام النوويّ في العقيدة، ويُجعَل حُجّة كابن تيميّة، أو (على الأقل) كالفوزان، والحويني، وفَركُوس، أو كمصطفى العدوي، فذلك بعيدٌ!

وأبعدُ منه أن يُجمَع كلامُه في العقيدة مِن كتبه المشهورة: “كشرح صحيح مسلم”، ويُطبَع و”يُوزّع مجانًا ولا يُباع”، دون تعليق، ولا تصحيح!

وأما التعامل الموجه إلى الخارج: فحاصله أن لا يُصرّح الوهابيُّ بتبديعهم مطلقًا، بل يُفصِّل في ذلك، ويقول: “لهم أخطاء عقديّة”! أو “في كلامهم شيءٌ من كلام أهل البدع”!

ثم يُعلِّل ذلك، ويعتذر عنهم بعذر أقبح من الذنب! فيقول: “النوويّ لم يكن مُحقّقا، وتأثّر بانتشار الأشعريّة في زمنه”! أو “رجع في آخر حياته”! أو “ابن حجر مضطرب”!

أو يقول ما قال الألبانيّ: (ظنوا أن الإمامَ الأشعريّ يقول بما وَرِثُوه من العقيدة الأشعرية، وهو قد رجع عنه، أو توهّموا أن ما ورثوه من العقيدة الأشعرية صوابًا، وهو ليس صوابًا)!

ونحو ذلك من العبارات الباردة الساذجة!

ولك أيها الوهابيّ أن تقول: (هم من أهل السنة فيما وافقوا فيه أهل السنة (أي الوهابية)!

ولكن حذار أن تقول: (ابن حجر من أئمة أهل السنة). أو (عقيدة النووي صحيحة). وتطلق القول في ذلك، فلا بدّ من التقييد والاستدراك.

ولكن قل: (من أئمة المسلمين)! لأن كلمة المسلمين تجمع أهل السنة وغيرهم!

وأما السفيه ابنُ شَمْسِ الوهابيّة فكان يُمثِّل الطائفة الملتزمة بالمنهج الوهابيّ حرفيًّا، وهي التي لا تخرج عن المنصوص قِيد أنملة، ولا تأخذ بالمصالح “الوهابية” المرسلة، ولا تراعي تقلّب الأزمنة، ولا تغيّر أمزجة الدُّوَل الراعية، وإنما تطبّق المنهج الوهابيَّ على الجميع، ولا تُجامِل النوويَّ ولا غيره.

وهذه الطائفة ــ على عِلّاتها ــ أكثرُ صِدقًا مع أنفسها ومع الناس، وأقرب إلى باب “التديّن”، لأن الصّدق هو أوّلُ ركيزةٍ مِن ركائز الإيمان، وما يعتقد المرء أنه الحقّ ينبغي أن يصرح به، وأن يطبق القواعد على الجميع، وأن لا يكيل بمكيالين، فإن كسْبَ الجُمهورِ بالمُداهَنة والمُخَاتَلَة و”قلة الوضوح” أقربُ إلى باب “السياسة”.

وتطبيقًا للمنهج الوهابيّ “بفهم السلف” قَعَّد ابنُ شمس قواعدَه في أول المداخلة، ورتَّبَ مقدّماتِه، ولو كان خصمه غير مُداهِن لأقرّ له بالغلبة في أول اللقاء، وانتهت المناظرة العبثيّة! لأن من يُسلّم المقدمات يجب أن يسلّم النتيجة، وإلا فهو مكابر ومُمَوِّه.

وإليك فقراتٍ مِن كلام ابن شمس، فقد قال لخصمه:

(القاعدة الخامسة: اتفاق أهل السنة – يعني التيميّة الوهابيّة – ومن وافقهم – أي الكراميّة والمعتزلة نحوهما – على أن الأشعرية طائفة بدعية، على ما عندهم من اختلاف: هل بدعتهم مكفرة أم هناك تفاصيل، لكن كلمة “بدعة” هذا ما أظن أن أحدا من أهل السنة يخالف فيه). اهـ

ولا شك أن الوهابيّة مجمعون على هذه القاعدة، ولذلك لم يعترض خصمه على هذه القاعدة، بل كرّر ابنُ شمسٍ سُؤالَه لخصمه الحسينيّ قائلا: (هل الأشعرية مبتدعةٌ أم لا؟ وإن كانوا مبتدعةً فكيف يُستثنى أحدٌ منهم؟).

إذن فالخصم يعترف بضلال الأشاعرة! وإنما يُنازِعُ في أشعريّة النوويّ. وهنا سأله ابن شمس قائلا:

(هل عندك ما يخرج النووي من بدعة الأشعريّة؟ وهل أنا إن تركت معتقدي واعتقدت عقيدةَ النوويّ الموجودةَ في كتبه المعروفة، كـ”شرحه لصحيح مسلم”، هل أنا أكون قد ضللتُ أم أكون اتّبعتُ العلماءَ ولا تثريبَ عليّ، كما أنه لا تثريب على النوويّ؟).

فسكت، ولم يُجِبْ!!

ولك أن توجه هذا السؤال إلى أيّ وهابيٍّ متظاهر بالاعتدال الزائف، أيْ قُلْ له: هل أنا إن اعتقدتُ عقيدةَ النوويّ التي في “شرح صحيح مسلم” أكون على هُدًى أم في ضلال؟ فإنه سيُفصِّل ويُطوِّل ويُخلِّط.

ومختصر هذه القواعد الوهابيّة:

“الأشعرية طائفة بدعيّة”، هذه المقدمة الأولى.

“والنوويّ أشعريّ” وهذه المقدمة الثانية.

فالنتيجة: النوويّ مبتدع!

أو “الأشعرية ضُلاّل، والبيهقيّ أشعريّ، فالنتيجة: البيهقيّ ضالٌّ”!

وهذا واضح، فإن مَن سلَّم بأن الأشاعرةَ ضُلاّل، يلزمه التسليم بضلال الإمام النوويّ، والإمام البيهقيّ، والإمام ابن حجر، والإمام ابن العربيّ، والإمام القرافيّ، والإمام السيوطيّ، والإمام الخطابيّ، والإمام الباقلانيّ، والإمام خليل بن إسحاق، والإمام العدويّ، والحطاب، والخرشيّ، والعينيّ، وجماهير علماء هذه الأمة.

ولا شك أن التيميّة الوهابيّة متفقون على المقدمة الأولى، فلِمَاذَا التَّمْوِيهُ؟!

وابنُ شَمْسِ الوهابيّة وإن كان جاهلاً سفيهًا، “لا يُحسِنُ التَّعرِيضَ إلّا ثَلْبًا”، إلاّ أنه صادقٌ في التعامل مع قواعد مذهبه، ومُتَمَاهٍ مع منهجهم، ومُتقيِّدٌ بنصوصهم، فلذا كانت له الغلبة على خصمه، ولم يكن عند خصمه أكثرُ من الصّياح، وشرب القهوة، والاشتغال بطَيْلَسانِه!

وقد رأينا بعض صبيان الطائفة الأولى التي تميل للتّقِيَّة والتّدليس، وعدم التصريح بما لا يتحمّلُه الجمهور، قد هجموا على ابن شَمْسٍ، وذمُّوه غاية الذمّ؛ لأنه بصراحته سيُفسِد عليهم سياسَتَهم في اسْتِمالة الجمهور إلى حظيرة التَّوَهُّب والتّجسيم والتشدّد.

ثم تظاهروا بالدفاع عن الإمام النوويّ، وربما قرنه بعضهم بابن تيميّة! وهذا نفاقٌ وتَزلُّفٌ لا يَروجُ إلا عند من لا يقف على حقائق الأمور، ولا يعرف المنهج الوهابيّ.

فهل يشفع لمن يستبيح حمى الأشاعرة كُلِّهم أن يستثني النوويّ وابن حجر؟! فأيُّ منطق هذا؟!

والنوويّ رضي الله عنه لا يَرغَبُ بنفسه عن نفوس أصحابه، ولا يرضى بأن يُضَلَّل الحليميُّ، والبيهقيّ، والباقلانيّ، وإمام الحرمين، والغزاليّ، وغيرُهم من أصحابه وأئمّة مُعْتَقَدِه.

ولسان حال ابن شمسهم يقول لإخوانه متعجبا من تظاهرهم بالتّعَفف عن شتم أهل السنة الأشاعرة: (مَا هَذا الشَّفَقُ الطَّارِفُ حُبَّى)؟!

والعجيب أن بعض هؤلاء الغِلمان جعل ابن شمسٍ قد أتى عظيمًا، وأنه نبش عن معارك تلك القرون الماضية، وشغل الناس بها عن معارك هذا القرن! وهم لا شغل لهم إلا في هذا المستنقع، ولعلهم يظنون أن تضليل الغزاليّ، والسنوسيّ، والمختار بن بونا، وغيرهم من سائر أئمة الدين، يدخل في باب الذكر والدعاء والتضرع، وليس استدعاء لمعارك القرون الغابرة!

ثم أمعن السفيه الوهابيّ ابنُ شمسٍ في تطبيق قواعدهم على النوويّ، وحمل كلّ ما ورد في ذمّ البدعة والمبتدعة على الإمام النوويّ، مستعملا الفهم الذي يسميه الوهابية “فهم السلف”!!

فقال: (القاعدة الرابعة: اتفاق السلف على قولهم: مَن وَقَّرَ صاحبَ بدعةٍ فقد أعانَ على هَدْمِ الإسلام).

ومقتضى هذا أن من وقّر النوويّ فقد هدم الإسلام!

وقال: (وقال السجزيّ: وإن زمانًا يُقبَلُ فيه قولُ من يَرُدّ على الله سبحانه، وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ويخالف العقلَ، ويُعَدّ مع ذلك إمامًا، لزمانٌ صعبٌ).

فالنوويّ عندهم هو من يرُدّ على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم!

وقال: (وقال أبو الزناد: وما كان الرجل يُعَدّ رجلاً حتى يَعرِفَ السنة)، قال السفيه الوهابيّ: (وأيُّ سنة موجودة في كتب النوويّ بالنسبة لعقيدته)؟!

وقال: (قال الدشتيّ: ولا أئمة إلا أصحاب الحديث)، قال السفيه الوهابي: (والنووي ليس من أصحاب الحديث)! وذكر أن عقيدة النووي في المسائل المتعلقة بالله تعالى ساقطة! وعقيدته في مسائل الإيمان، وتقريراته في الإيمان ساقطة.

وأطال لسانه في هذا الإمام العارف بالله تعالى بالسب والشتم، عامله الله بما يستحق وعجَّلَه إليه، وأخذه أخذ عزيز مقتدر.

وليس هو أوَّلَ مُجسّم أطلقَ لسانَه في أئمّة أهل السنة، ولكن “لا يضر السحاب نبح الكلاب”، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.

صفحة أهل السنة الشناقطة.

السابق
الألباني يقرّ بأن الدارمي وابن بطة والبربهاري عندهم غلو في إثبات الصفات ويروون عمن هب ودب ويأخذون بالضعيف في العقيدة كأثر مجاهد في الإقعاد على العرش !
التالي
ابن تيمية: كل من رأى قولا عنده هو الصواب قال: ” هذا قول السلف لأن السلف لا يقولون إلا الصواب وهذا هو الصواب ” فهذا هو الذي يجرئ المبتدعة على أن يزعم كل منهم: أنه على مذهب السلف!!! (منقول)