الرد على الإلحاد والملاحدة

هل تثبت النبوة بغير المعجزات (لأخينا الشيخ منير خلوفي وفقه الله)

الرد على هذا الكلام السخيف في نقطتين:

1- القولُ بأنه لا سبيل لإثبات صدق النبوة إلا بالمعجزة = هذه طريقةٌ ضعيفة، وإن قال بها بعضُ النُظّار، وهو ظاهر كلام أبي المعالي في كتابه “الإرشاد”.
بل صِدْقُ الرسول يتبيَّنُ بطرق شتى يفيد مجموعها اليقين وإن كانت آحادها ظنية، كالاستدلال بأحوال الرسول وسيرته وحسن أخلاقه وكمال خِلْقته، واتساق أحكامه وتعاليمه وجمعها للمحاسن والمصالح، وخُلوّها من التناقض والفساد..الخ.
ولهذا قال ابن حزم رحمه الله في كتابه “الفصل”: (إن سيرة محمد صلى الله عليه وسلم لمن تدبَّرها تقتضي تصديقه ضرورة، وتشهد له بأنه رسول الله حقا، فلو لم تكن له معجزة غير سيرته صلى الله عليه وسلم لكفى) اهـ.

ولاشك أن الناس يميِّزون الصادق من الكاذب في أمورٍ هي أهون بكثير من أمر النبوة، فما ظنك بمن ادعى أنه نبيٌّ يوحى إليه من الله تعالى، ومن المحال أن لا يتبين الناس الصادق من الكاذب في مثل هذه الدعوى العظيمة !!.
وهذا معنى قول حسان بن ثابت رضي الله عنه:
لو لم تكن فيه آياتٌ مبيّنةٌ
كانت بديهتُه تأتيك بالخبر

وقصة هرقل ملك الروم واستدلاله على صدق النبي صلى الله عليه وسلم بأحواله وأموره = مشهورة جدا، وقد خرجها البخاري في أوائل صحيحه.

وهذه الطريقة في الاستدلال قد ارتضاها كثيرٌ من أئمة الكلام كالجاحظ وثمامة بن أشرس من المعتزلة، وأشار إليها حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتابيه “المنقذ” و”القسطاس”، ورجَّحها الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله في كتابه “المعالم في أصول الدين” حيث قال:
“وهذه الطريقة عندي أفضل وأكمل من الطريقة الأولى (أي الاستدلال بالمعجزة) لأن هذا يجري مجرى برهان اللم، وأما الطريق الأول فهو يجري مجرى برهان الإنّ، فإنا نستدل بحصول المعجزات على كونه نبيا، وهو يجري مجرى الاستدلال بأثر من آثار الشيء على وجوده، ولا شك أن برهان اللمّ أقوى من برهان الإن”.

بل إن ابن رشد الحفيد في كتابه (مناهج الأدلة) ينتقد بشدةٍ هذه الطريقة التي تقوم على المطالبة بالخوارق الكونية لإثبات صدق النبوات، وهو يرى أن وظيفة الأنبياء هي التشريع، والإعجاز الحقيقي هو ما تعلق بالشرائع لا بالخوارق الكونية، فمن جاء بشريعةٍ كاملة جامعةٍ لمصالح العباد فهو نبيٌّ مرسل، سواء جرى على يديه خارق أم لا.

2- المعجزات ليست تبديلا للقوانين الكونية، بل هي استثناء، والنافي للمعجزات مطالب أيضا بالدليل على نفيها وامتناعها، وهذا لا سبيل إليه، ولا يقع عبء الدليل على المثبت لها فقط.
ثم الكلام في وقوع المعجزة أو عدمه = هو بحثٌ تاريخي يتوقَّفُ على صحة النقل، وليس بحثا علميا يخضع للتجربة.

السابق
(1) هل الأشاعرة معطلة ينفون الصفات؟ أبو الحسن الطبري تلميذ الاشعري نموذجا.
التالي
من أسخف شبهات الربوبيين المنكرين للنبوات (منير خلوفي)