مقالات في الصفات

(1) هل الأشاعرة معطلة ينفون الصفات؟ أبو الحسن الطبري تلميذ الاشعري نموذجا.

نعم إن أبا الحسن الطبري ـ تلميذ الأشعري المقرب ـ هو من نفاة الصفات عند ابن تيمية وأتباعه حتى ولو كان من متقدمي الأشاعرة وقدمائهم حتى ولو أثبت الصفات الخبرية كلها أو بعضها، وهل تعلمون لماذا؟ لأنه نفى عن الله الجسمية والجارحة والتبعض والانتقال والمماسة والمباينة ونحو ذلك من المعاني الحسية للصفات الخبرية….!!!! فهل علمتم ماذا يقصد القوم بنفي الصفات؟!!!! وهل أدركتم الخداع الرخيص لهؤلاء عندما يقولون إن الأشاعرة أو متأخريهم من نفاة الصفات؟!!!!

(2) سلسلة حذارِ أن يخدعك ابن تيمية ـ وكذا أتباعه ـ بالتهويل والتشنيع والخلط ونقْل الإجماعات المضحكة وبعقيدة السلف المزعومة.

(1) هل الأشاعرة معطلة ينفون الصفات؟ أبو الحسن الطبري تلميذ الاشعري نموذجا.

نأتي إلى مثال آخر كشاهد على أن الأشاعرة لا ينفون الصفات حتى بعض المتشابهة منها، وإنما ينفون المعاني الحسية لها وهذا ما راح ينكره عليهم ابن تيمية وأتباعه باسم أو بزعم أن الأشاعرة ينفون صفات الله التي أثبتها لنفسه وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم وأثبتها المهاجرون والأنصار وأجمع عليه السلف وأهل السنة، وقد سبق أن رددنا هذا الزعم ببعض الأمثلة والشواهد من رسالة ماجستير لأحد الوهابية أنفسهم وهي بعنوان “مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات “[1].

وهنا آتي ـ بعون الله ـ بأمثلة وشواهد أخرى ولكن من رسالة دكتوراة ضخمة وهي بعنوان “موقف ابن تيمية من الأشاعرة” لأحد كبار الوهابية وهو د.عبد الرحمن المحمود، ونتوقف فيها على ما كتبه د. المحمود حول شخصية أشعرية متقدمة وهي شخصية الإمام أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري[2] تلميذ أبي الحسن الأشعري، وهو ممن شهد ابن تيمية[3] ـ وابن القيم أيضا[4] ـ والدكتور المحمود أيضا[5] بأنه كان من مثبتي الصفات الخبرية، لأنه كان من متقدمي الأشاعرة ومن أصحاب أبي الحسن الأشعري القدماء، وهذا وفقا لنظرية ابن تيمية وأتباعه ـ ومنهم د. المحمود[6] ـ في التفرقة بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم، وأن المتأخرين منهم أشد تأويلا وبُعدا عن السلف…!!!

ولكن بالرجوع إلى كتاب الطبري هذا وهو بعنوان ” تأويل الأحاديث المشكلة الموضحة وبيانها بالحجة والبرهان” نجد أنه ما ألفه إلا للرد على مشبهة أهل الحديث[7] فيقول في كتابه هذا ((( ” أما بعد فإنك كتبت إليّ شكوى مافشا بالناحية من معتقد الفرقة المنتسبة إلى الحديث، المنتحلة الأثر، حتى مالوا إلى قوم من ضعفه المسلمين بمعاهدتهم بالتلبيس والتمويه” ، ثم يصف هؤلاء الذين يوردون الأخبار فقط بأنهم: ” تقصر معرفتهم عن استخراج تأويلها … لقلة عنايتهم بمعرفة مصادر الكلام وموارده، وظاهره وباطنه، ومجازه وحقيقته واستعارته، وما يجوز إطلاقه في القديم ومالا يجوز إطلاقه”، ثم يقول عنهم:” قد قنع الواحد منهم من العلم برسمه، ومن الحديث بجمعه واسمه، فأبعد غاية هذه الطائفة أن يكتبوا أجزاء من الحديث وأجلادا من القصص ثم يقبلوا على تفسيرها بغير ما أذن الله بها”)))[8].(انظر الصورة:3).

ونجد فيه أيضا أنه فعلا يثبت الصفات بما فيها بعض الصفات الخبرية (المتشابهة) كالاستواء والعلو واليدين، ولكنه يجزم بأن الله ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض[9]، وأن استواءه ليس بقعود ولا مماسة ولا حتى مباينة فيقول: والقديم جل جلاله عال على عرشه لا قاعد ولا قايم ولا مماس له ولا مباين[10].

هذا كله مع أنه ينفي أن يكون الاستواء بمعنى الاستيلاء بل يرد على من يذهب هذا المذهب[11].

ويصرح ـ أعني أبا الحسن الطبري ـ تصريحا بأن يد الله ليس جارحة بل يصرح بأن يد الله لا يصح أن تُفسر قط[12].

وأما عن النزول فيقول : ولا يجوز حمْل ذلك على النزول والنقلة … لما فيه من تفريغ مكان وشغل آخر، والقديم قد جل أن يكون موصوفا بشيء من ذلك كذلك وقد حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (الأنعام:76)[13].(انظر الصورة:18)

وأما عن صفة الإتيان والمجيء فيقول عنها: إن الله سبحانه قد صح أنه لا يجوز وصفه بالإتيان والمجيء الذي بمعنى الإنتقال والزوال، إذ كان ذلك من صفات الأجسام تعالى الله أن يكون جسما أعرضا، وكلام العرب واسع له ظهر وبطن لاتباع العرب في المجازات وطرق الكلام[14].(انظر الصورة: 19)

وأما عن الرؤية فيقول إنها ثابتة بدون مقابلة[15].(انظر الصورة: 19)

وهذا كله نقله د.المحمود في كتابه موقف ابن تيمية من الأشاعرة كما بيّنا، وراح يتعقبه بين الفينة والأخرى، ثم تبيّن له أن أبا الحسن الطبري هذا من المفوضة فقال د. المحمود تعقيبا على كلام الطبري في اليد مثلا: ” والخلاصة أنه يثبت اليدين مع التفويض الكامل لها”[16].

قال وليد ابن الصلاح غفر الله له ولإخوانه في هذه المجموعة الميمونة : فإذا كان أبو الحسن الطبري هذا من المفوضة كما ثبت للمحمود، والتفويض عند ابن تيمية ” من شر أقوال أهل البدع والإلحاد “[17] وتبعه على ذلك د. المحمود[18]، فكيف يكون الطبريُّ هذا من متقدمي الأشاعرة الذي أثبتوا الصفات الخبرية خلافا لمتأخري الأشاعرة كالجويني ومن بعده الذين تأولوها كما قال ابن تيمية[19]؟!!

إن ابن تيمية صرح في منهاج السنة[20] بأن المفوضة هم من نفاة الصفات وهذا ذكره ابن تيمية بعد أن ذكر أن أبا الحسن الطبري من قدماء الأشعري المثبتين للصفات الخبرية كما سبق أن ذكرنا. (انظر الصورة 11)

فإذا تبين أن أبا الحسن الطبري من المفوضة كما ظهر لنا من عباراته السابقة وكما أقر بذلك د. المحمود فمعنى ذلك أن الطبري هذا من نفاة الصفات وفقا لنص ابن تيمية السابق…!!!!

نعم إن أبا الحسن الطبري ـ تلميذ الأشعري المقرب ـ هو من نفاة الصفات عند ابن تيمية وأتباعه حتى ولو كان من متقدمي الأشاعرة وقدمائهم حتى ولو أثبت الصفات الخبرية كلها أو بعضها، وهل تعلمون لماذا؟ لأنه نفى عن الله الجسمية والجارحة والتبعض والانتقال والمماسة والمباينة ونحو ذلك من المعاني الحسية للصفات الخبرية….!!!! فهل علمتم ماذا يقصد القوم بنفي الصفات؟!!!! وهل أدركتم الخداع الرخيص لهؤلاء عندما يقولون إن الأشاعرة أو متأخريهم من نفاة الصفات؟!!!!

ثم لو قارنا بين الاستواء والعلو الذي أثبته أبو الحسن الطبري وهو من متقدمي الأشاعرة، وبين الاستواء والعلو الذي يثبته الغزالي الذي هو من متأخريهم وممن تبع شيخه الجويني في التأويل بل إن الغزالي قام بـ”تكريس قانون التأويل الكلامي في المذهب الأشعري” حسب ما يدعي د. المحمود[21]، فسنرى أن هذا الأشعري المتأخر ـ أي الغزالي ـ يقول في كتابه إحياء علوم الدين (1/ 155): وأنه مستو على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ومقهورون في قبضته وهو فوق العرش والسماء وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء كما لا تزيده بعدا عن الأرض والثرى بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض والثرى.اهـ (انظر الصور: 15، 16)

فهل يا ترى تجد فرقا بين الاستواء والعلو الذي يثبته المتقدم (وهو أبو الحسن الطبري) والمتأخر (وهو أبو حامد الغزالي) وكلاهما من الأشاعرة، رحمهم الله جميعا؟!!

فأين تلك التفرقة بين متقدمي الأشاعرة ومتأخريهم، التي يزعمها ابن تيمية وأتباعه ومنهم د. المحمود كما رأينا؟!!

أهي في التأويل؟ فلقد تأول أبو الحسن الطبري عدةَ صفات، فقد تأول صفةَ العين والقبضة[22] والضحك والعجب[23]، والفرح والإتيان والمجيء والنزول[24]، بإقرار د. المحمود.

وبيان ذلك …. #انتظره_لاحقا

———————————–

[1] انظر : https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/955736971206992/

[2] وقد ترجم له محقق كتاب منهاج السنة(2/ 223) د.محمد رشاد سالم فقال :أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري، قال ابن عساكر في ترجمته (تبيين كذب المفتري، ص [0 – 9] 95 – 196) : ” صحب أبا الحسن – رحمه الله – بالبصرة مدة وأخذ عنه وتخرج به واقتبس منه وصنف تصانيف عدة تدل على علم واسع وفضل بارع وهو الذي ألف الكتاب المشهور في تأويل الأحاديث والمشكلات الواردة في الصفات.اهـ (انظر الصورة رقم: 11)

قال وليد ابن الصلاح: وهو غير أبي الحسن الطبري إلكيا الهراسي تلميذ إمام الحرمين، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (19/ 350): إلكيا * العلامة، شيخ الشافعية، ومدرس النظامية، أبو الحسن علي بن محمد بن علي الطبري الهراسي. رحل، فتفقه بإمام الحرمين، وبرع في المذهب وأصوله، وقدم بغداد، فولي النظامية سنة 493 وإلى أن مات. تخرج به الائمة، وكان أحد الفصحاء، ومن ذوي الثروة والحشمة، له تصانيف حسنة…. مات إلكيا في المحرم سنة أربع وخمس مئة، وله ثلاث وخمسون سنة وشهران، وكانوا يلقبونه شمس الاسلام.اهـ

وذكره الحافظ عبد الغافر الفارسي في ” السياق ” فقال: كان من رؤوس معيدي إمام الحرمين في الدرس، وكان ثاني أبي حامد الغزالي، بل آصل وأصلح وأطيب في الصوت والنظر…وكان محدثا يستعمل الاحاديث في مناظرته ومجالسه، ومن كلامه: إذا جالت فرسان الاحاديث في ميادين الكفاح، طارت رؤوس المقاييس في مهاب الرياح.

[3] انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (2/ 17)، و منهاج السنة النبوية (2/ 222، 223) ، وانظر الصور رقم: 7، 8، 9، 10، 11.

[4] انظر: اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 286) بتحقيق عواد عبد الله المعتق.

[5] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 518)، وانظر الصورة 4 اللون الأزرق.

[6] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1035)

[7] وذلك كعثمان الدارمي ونحوه من أئمة ابن تيمية وسلفهم.

[8] انظر نصوصه هذه في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 517)

[9] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 518، و519)، وانظر الصور: 4، 5

[10] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 519)، وانظر الصورة 5، 6

[11] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 520)، وانظر الصورة 6

[12] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 518) ، وانظر الصورة: 4.

[13] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 522)

[14] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 523)

[15] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 523)

[16] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 519)، انظر الصورة: 5، اللون الأزرق.

[17] جاء في درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/ 297): فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.اهـ

[18] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1177)

[19] جاء في درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (2/ 17): و الأشعري وأئمة أصحابه ك أبي الحسن الطبري و أبي عبد الله بن مجاهد الباهلي و القاضي أبي بكر متفقون على إثبات الصفات الخبرية التي ذكرت في القرآن كالاستواء والوجه واليد وإبطال تأويلها وليس له في ذلك قولان أصلا ولم يذكر أحد عن الأشعري في ذلك قولين أصلا بل جميع من يحكي المقالات من أتباعه وغيرهم يذكر أن ذلك قوله ولكن لأتباعه في ذلك قولان وأول من اشتهر عنه نفيها أبو المعالي الجويني فإنه نفى الصفات الخبرية وله في تأويلها ففي الإرشاد أولها ثم إنه في ( الرسالة النظامية ) رجع عن ذلك وحرم التأويل.اهـ (انظر الصور: 7، 8، 14)

[20] منهاج السنة النبوية (2/ 222)، وانظر الصورة 9، 10، 11

[21] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 643)

[22] (انظر الصورة: 5 اللون الأخضر والأصفر)

[23] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 521)

[24] موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 522).

السابق
إجابات على تساؤلات حول اعتقاد أهل السنة والجماعة الأشاعرة في تنزيه الله تعالى عن الجهة والمكان…إذا سألك سائل فقال: أين الله؟ (منقول)
التالي
هل تثبت النبوة بغير المعجزات (لأخينا الشيخ منير خلوفي وفقه الله)