مقالات في الصفات

هل فعلا الأشاعرة لا يعرفون مذهبَ السلف وأقوالهم في التوحيد والعقيدة؟! … صفة الوجه نموذجا

فأين قال البدريون أو غيرهم من الصحابة من المهاجرين أو الأنصار: لله وجه؟ أين مصداق هذا الكلام الذي ألزم به ابنُ تيمية نفسَه مِن أنه لا يقول إلا بقول البدريين والمهاجرين والأنصار؟!!

فإذا كان هو لم يلتزم به كيف يُلزم به خصومه؟!!

ثم أهذا هو إجماع السلف الذي جهله السادة الأشاعرة رضي الله عنهم ؟!!!! نعم إنه جهلوا هذا الإجماع لأنه لا وجود له أصلا على الأقل عن الصحابة بل لم يثبت عن أحد منهم أن لله وجها فضلا عن أن يثبت عن جميعهم….!!!!

هل فعلا الأشاعرة لا يعرفون مذهبَ السلف وأقوالهم في التوحيد والعقيدة؟!

(1) صفة الوجه نموذجا

(سلسلة الأشاعرة في الميزان، مدى خبرتهم بأقوال السلف):

بعد أن تكلمنا عن مذهب الصحابة في صفة اليد[1] ، نأتي الآن إلى صفة خبرية أخرى وهي صفة الوجه لننظر فيما يزعمه ابن تيمية وأتباعه من أن الأشاعرة جاهلون بمذهب السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم[2]، لننظر ما هو مذهب السلف في صفة الوجه ثم ننظر هل الأشاعرة كانوا على علم بمذهب السلف في ذلك أم لا؟

ادعى ابن تيمية أن السلف أجمعوا على إثبات صفة الوجه لله عز وجل، وفي ذلك يقول في مجموع الفتاوى (4/ 174): قد اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها من أهل الفقه والحديث والتصوف والمعرفة وأئمة أهل الكلام من الكلابية والكرامية والأشعرية كل هؤلاء يثبتون لله صفة الوجه واليد ونحو ذلك.اهـ (انظر الصورة رقم 6)

وتبعه على نقل هذا الإجماع كثير من أتباعه مثل ابن عثيمين حيث قال في القول المفيد على كتاب التوحيد (2/ 258): وقوله : ” بوجه الله ” . فيه إثبات الوجه لله عز وجل ، وهو ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف .اهـ

وكرر ابن عثيمين نقل هذا الإجماع في بعض كتبه الأخرى[3]، ونقله أيضا ابن جبرين[4]، وغيره كثير من التيمية أو الوهابية[5]، ومنهم أيضا جابر إدريس علي أمير الذي سبق أن استشهدنا به وذكرنا أنه قد قام بإعداد رسالة جامعية ضخمة ـ وهي رسالة دكتوراة على ما يبدو ـ بعنوان ” منهج السلف والمتكلمين في موافقة العقل للنقل وأثر المنهجين في العقيدة”، فقال ص393 “اتفق سلف الأمة وأئمتها أهل العلم والإيمان على إثبات صفة الوجه لله تعالى”؟!!! (انظر الصورة رقم: 1، 2)

قال وليد ابن الصلاح : والجواب عن هذا الإجماع المزعوم من وجوه:

الأول: من تقصدون بالسلف الذين أجمعوا على صفة الوجه، هل هم الصحابة والتابعون وأتباعهم كما هو المعروف من إطلاق كلمة السلف ، أم تقصدون سلف آخرين؟

فإن كنتم تقصدون بالسلف: الصحابة والتابعين وأتباعهم، فتعالوا بنا نبدأ بالصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فهل تزعمون أنهم أجمعوا على ثبوت صفة الوجه لله؟

فإن زعمتم ذلك فالجواب عنه: أن هذا كذب سمج بل هو من أفحش الكذب وأقبحه ….!!! فإن ابن تيمية وكذا أتباعه الذين نقلوا الإجماع السابق لم يستطيعوا أن ينقلوا رواية واحدة بسند ضعيف فضلا عن أن يكون صحيحا عن أحد من الصحابة قال فيها بأن لله وجها، وهذا بعد بحثي الشديد والطويل في كتب القوم وغيرهم كما سبق الإشارة إلى ذلك…. هذا فضلا عن أن الكلام في هذه المسألة ونحوها لم يُفتح أصلا إلا في منتصف القرن الثاني تقريبا أي بعد موت الصحابة أجمعين رضي الله عنهم…. فأنى يجمع الصحابة على ذلك؟!!!!!

وتعالوا نعود إلى المدعو جابر أمير في كتابه المشار إليه ” منهج السلف والمتكلمين في موافقة العقل للنقل ” فإنه لم يورد رواية واحدة في ذلك لا عن الصحابة ولا عن التابعين ولا عن أتابعهم، وإنما أورد ثلاثة نصوص الأول لابن خزيمة والثاني لابن القيم والثالث لابن كثير….!!!! (انظر الصور: 1، 2، 3، 4، 5).

أصلا ليس في هذه النصوص الثلاثة أي ذكر للصحابة ولا للتابعين ولا لأتباعهم….!!! أما ابن خزيمة فمتوفى سنة ( ٣١١ هـ) يعني أنه لم يدرك أحدا من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم، غاية ما في الأمر أنه نقل ـ بدون ذكر أسماء ولا أسانيد ـ عن علماء الحجاز ونحوهم ـ ممن عاصرهم على ما يبدو ـ إثباتَ الوجه(انظر الصورة 3)، وهذا أمر آخر إذ نحن هنا ـ وكذا جابر أميرـ نتحدث عن النقل الصحيح عن الصحابة ثم عن التابعين وأتباعهم كما سيأتي، لا عمن بعدهم، فهذا يأتي بحثه في موضع آخر.

وأما ابن القيم فهو يحاول أن يثبت ـ في نصه المنقول ـ صفةَ الوجه بالعقل بكلام غاية في الطرافة كما ترى وليس هنا موضع بسط طرافته….!!! (انظر الصورة 4)

وأما ابن كثير فإن ذِكره هنا أمر مضحك(انظر الصورة: 2)، لأنه أوّل صفة الوجه من أصلها في ثلاث آيات يستدل بها القوم، حيث قال ابن كثير في تفسيره (6 / 261): وقوله: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } : إخبار بأنه الدائم الباقي الحي القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، كما قال تعالى: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } [ الرحمن : 26 ، 27 ]، فعبر بالوجه عن الذات، وهكذا قوله ها هنا: { كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ } أي: إلا إياه.اهـ

وهكذا نرى أن لم يثبت عن الصحابة في ذلك شيء قط ، وهنا نُذَكِّر ابنَ تيمية بما نقله هو نفسه عن سعيد بن جبير حيث قال ” ما لم يعرفه البدريون فليس من الدين”[6] ، ونُذكِّره أيضا بقوله في مجموع الفتاوى – (5 / 7) في سياق جوابه عن آيات الصفات المتشابهة التي سئل عنها حيث استهل الجواب بقوله: قولنا فيها ما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون : من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ؛ وما قاله أئمة الهدى بعد هؤلاء الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم وهذا هو الواجب على جميع الخلق في هذا الباب وغيره.اهـ

قال وليد: فأين قال البدريون أو غيرهم من الصحابة من المهاجرين أو الأنصار: لله وجه؟ أين مصداق هذا الكلام الذي ألزم به ابن تيمية نفسه به من أنه لا يقول إلا بقول البدريين والمهاجرين والأنصار؟!!

فإذا كان هو لم يلتزم به كيف يُلزم به خصومه؟!!

ثم أهذا هو إجماع السلف الذي جهله السادة الأشاعرة رضي الله عنهم ؟!!!! نعم إنه جهلوا هذا الإجماع لأنه لا وجود له أصلا على الأقل عن الصحابة بل لم يثبت عن أحد منهم أن لله وجها فضلا عن أن يثبت عن جميعهم….!!!!!

نتقل إلى التابعين لننظر فيما قالوه في مسألة الوجه…. #انتظره_لاحقا

—————————————

[1] انظر:https://www.facebook.com/…/permalink/925984244182265/

[2] انظر: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/925210037593019/

[3] فقال ابن عثيمين في تقريب التدمرية (ص: 56) : وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن نصوص الصفات تجري على ظاهرها اللائق بالله عز وجل من غير تحريف، وأن ظاهرها لا يقتضي تمثيل الخالق بالمخلوق. فاتفقوا على: أن لله تعالى حياة، وعلماً، وقدرة، وسمعاً، وبصراً، حقيقة، وأنه مستوٍ على عرشه حقيقة، وأنه يحب ويرضى، ويكره ويغضب حقيقة، وأن له وجهاً ويدين حقيقة؛ لقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان: 58] .اهـ

وقال ابن عثيمين أيضا في مذكرة على العقيدة الواسطية (ص: 26): الوجه صفة من صفات الله الذاتية الثابتة له حقيقة ً على الوجه اللائق به، ودليله قوله تعالى: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالاكْرَامِ) (الرحمن: 27). والجلال العظمة، والإكرام إعطاء الطائعين ما أعد لهم من الكرامة. ولا يجوز تفسير الوجه بالثواب، لأنه مخالف لظاهر اللفظ وإجماع السلف، وليس عليه دليل.اهـ

[4] قال عبد الله بن عبد العزيز بن حمادة الجبرين في مختصر تسهيل العقيدة الإسلامية (ص: 44):”الوجه” من صفات الله تعالى الذاتية، الثابتة له بالكتاب والسنة وإجماع السلف.اهـ

[5] قال د. غالب بن علي عواجي في فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها (3/ 1273): نفوا أن يتصف الله بالوجه وأولوه بمعنى نفس الذات. أي ويبقي ذات ربك أو يبقى ثوابه أو هو بمعنى القبلة، أو هو كما تقول العرب: وجه الدار ووجه الكلام، وهذا تكذيب لله ورسوله وتأويل باطل لا مبرر له، وهو من تلاعب الشياطين بهؤلاء المعطلة النفاة، والسلف يؤمنون بأن لله تعالى وجهاً من غير تشبيه وجه يليق به، وهذا هو الحق الموافق لكتاب الله وسنة نبيه. … (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} . … الوجه لله تعالى: صفة ذاتية لله تعالى.اهـ

وجاء في شرح كتاب التوحيد لابن خزيمة – للشيخ محمد حسن عبد الغفار (7/ 2): ونحن نعتقد اعتقاداً جازماً أن الله يوصف بأن له وجهاً، ووجه الله له صفات كما سنبينها، وهذه الصفة صفة ثبوتية خبرية لا مدخل للعقل فيها، وهي ثابتة بالكتاب والسنة وإجماع السلف، أما الكتاب فقد قال الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88].

وجاء في شرح لمعة الاعتقاد لخالد المصلح (3/ 5): وصفة الوجه صفة ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، دليل ذلك ما ذكره المؤلف رحمه الله في قوله: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] حيث أثبت الله عز وجل لنفسه وجهاً، وأضافه إليه.اهـ

وقال أبو أحمد محمد أمان بن علي جامي علي (المتوفى: 1415هـ) في الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه (ص: 302): نكتفي بالآيتين الكريمتين والحديثين الشريفين مع وجود غيرهما من أحاديث الرؤية التي تصرح أكثرها بذكر الوجه، لأن العبرة في إثبات صفة من الصفات ليست بكثرة الأدلة، وإنما العبرة بصحة الأدلة وصراحتها، وهذان العنصران متوافران هنا ولله الحمد والمنة، ولذا أطبق السلف وأتباعهم على الإيمان بهذه الصفة كغيرها من صفات الرب تعالى وإثباتها على ما يليق بالله لا يفسرونها بالذات.اهـ

[6] مجموع الفتاوى (4/ 5)

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/950355545078468

السابق
والحاصل أن السمعاني ـ رحمه الله ـ سلك مسلكي الأشاعرة في الصفات المتشابهة وهما التأويل أو التفويض؟!!!
التالي
صفات لذات الله، جل، قديمة …… كذا الأشعري الحبر ذو العلم والتقى