ماذا يستفيد الغرب من انتشار السلفية ولماذا يريدها؟
أول ذي بدء إذا أردت أن تعرف فائدة دعم جهة لفئة ما عليك أن تتصور ماذا سيحصل لو انتشرت الفئة المدعومة، فماذا لو كان كل المنتسبين للإسلام من أندونيسيا إلى المغرب سلفية؟
للجواب على هذا السؤال عليك أولًا أن تعرف ما الذي حصل من وجود السلفية أنفسهم الآن وماذا يحصل بينهم، السلفية متواجدة الآن في الخليج ومصر والسودان والمغرب الإسلامي والشام وبشكل أقل في إيران وتركيا وأفغانستان وباكستان والهند.
السلفية في الخليج ليسوا على نمط واحد، فسلفية الكويت ينتشر بينهم الحركيون بكثرة، مع قلة مدخلية وبعض السلفية العلمية (الذين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء وأقرب مثال لهم هو العدوي والحويني ونحوهم)، سلفية قطر الغالب فيها السلفية العلمية، سلفية الإمارات لا يكاد يوجد فيهم إلا المداخلة، سلفية السعودية كانت الحركية والعلمية مهيمنة عليهم لكن بعد 2015 اندثر الحركيون وهيمن المداخلة وتحجمت السلفية العلمية.
في الشام فإن السلفية المهيمنة هي السلفية القتالية بفروعها (تنظيم الدولة – حركة تحرير الشام -…إلخ)، وفي مصر تهيمن السلفية العلمية الممثلة بالعدوي ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان، والحركية الممثلة بحزب النور، وللمداخلة وجود محدود في رسلان وطلعت زهران، وللقتالية أيضًا بخلايا تنظيم الدولة.
في المغرب الإسلامي فليس السلفية فيه على نمط واحد، فسلفية ليبيا منقسمون إلى مداخلة بالشرق وحركية بالغرب، وسلفية الجزائر مداخلة صرف إلا قليل، وسلفية المغرب حركية وعلمية ويقل فيها المداخلة.
أما سلفية العجم فيهيمن فيها القتالية والعلمية بلا واسطة.
- ما مواقف هذه الاتجاهات السلفية المختلفة من بعضها؟
القتاليون يعتقدون أن الحركيين علمانيون ديمقراطيون، وأن المداخلة عبدة للطاغوت، وأن العلمية مثلهم وكاتمين للحق الذي يجب أن يبوحوا به.
المداخلة يعتقدون أن باقي السلفية خوارج لتجويزهم إما الخروج على الحكام الحاليين بالسلاح وإما بالتظاهرات وإما بتجويزهم الإنكار العلني على الحكام.
الحركيون يعتقدون أن كثيرًا من القتاليين متشددون غلاة يعطون فرصة للحكام ليبطشوا بالمتشرعين، وأن المداخلة صناعة مخابراتية وهم علماء للسلطان، وأن العلمية خانعون للظلمة كاتمون للحق وأنهم يشغلون الأمة بقضايا أقل أهمية من قضايا الأمة الكبيرة.
السلفية العلمية يعتقدون أن الحركيين يدورون مع الكرسي ويتظاهرون بالدين ليصلوا للحكم، وأن القتاليين غلاة خوارج، وأن المداخلة يغالون في طاعة الحكام ومناصرتهم.
تخيل الآن لو أن المنتسبين للإسلام حاليًا صاروا جميعًا سلفية، مع وضعك في الحسبان أن السلفية أكثر فرق العالم تشرذمًا وانقسامًا وافتراقًا ويكفي في تصور ذلك استحضار مثال واحد وهو انقسام مداخلة الجزائر أنفسهم بعدما كانوا يعظِّمون فركوس، انقسموا إلى معظِّم له وإلى منشق عنه كسنيقرة وجمعة، ويكيلون لبعض التهم ويجيشون لبعضهم الردود؟
انظر كم فرقة ستكون عليها الأمة وكيف يكون حالها مع وضعك في الحسبان وجود فرق سلفية صاعدة أخرى كالحدادية الذين يعتقدون أن الخلاف في مسائل الصفات أكبر من قضايا الأمة ومسائل الحكام ويوالون ويعادون عليها ويتهمون السلفية القتالية والحركية بالإرجاء والتجهم؟.
لذلك فإن السلفية يراد لها أن تنتشر، لأنها أكثر الفرق تحزبًا، وأكثر الفرق التي لها أصول غير واضحة يمكن لفرقتين أن تدعي أنها تفعِّل هذه الأصول في هجومها على فرقة أخرى، إذا جئت بمجموعة عشوائية من السلفية الذين يجمعهم تعظيم ابن تيمية وابن عبد الوهاب والأخذ بمذهبيهما في الاعتقاد وسُئلَت خمسة أسئلة فقط سينقسمون إلى أكثر من خمس فرق، لو سُئلوا عن موقفهم من النووي والغزالي، وعن موقفهم من أي حاكم عربي، وعن موقفهم من الحروج على الحاكم بالسلاح أو التظاهرات أو الإنكار العلني، وعن موقفهم من التمذهب،….إلخ، فمع كل سؤال ستجدهم ينقسمون لعدد أكبر من الفرق فتصور لو أن الأمة جميعها صارت على مذهب هذه المجموعة التي كلما سُئلت انقسمت.