مقالات قيمة في التفويض

(3) ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات…. معنى عبارة “الاستواء معلوم والكيف مجهول” على فرض ثبوتها[1]

(3) ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات…. معنى عبارة “الاستواء معلوم والكيف مجهول” على فرض ثبوتها[1]

وبذلك يبطل المعنى الذي فهمه ابن تيمية وأتباعه لعبارة “الاستواء معلوم والكيف مجهول” وهو أن المقصود بها ـ كما زعموا ـ إثباتُ المعنى الحقيقي الحسي للاستواء ونحوه من الصفات الخبرية، وإثبات الكيف له تعالى من حيث الجملة مع تفويض تفصيله وتحديده إلى الله، فهذا معنى باطل لما يؤدي إليه أو لما يحتويه من أمور مضحكة وسخيفة لا تستأهل حتى مجرد النظر فيها كما سبق بيانه.

وإنما المعنى الصحيح لعبارة “الاستواء معلوم والكيف مجهول” على فرض ثبوتها ـ وهي لا تثبت كما سبق ـ هو أن الاستواء معلوم أي ثابت لله لا يجوز إنكاره لوروده صريحا في القرآن في آيات عديدة، وأما شطر الآخر وهو “الكيف مجهول” فهذا الشطر يحتمل هنا معنيين:

المعنى الأول: أن الكيف مجهول أي منفي من أصله وغير ثابت لله، أو غير معلوم الثبوت، لأن الكيف من خواص الأجسام كما سبق بيانه، والله ليس بجسم حتى يثبت له كيف؛ بل الكيف منفي عنه تعالى، فمعنى كلمة “مجهول” هنا هو الشيء المنفي أو غير الثابت أو الذي لا يعلم أنه يكون، كما قال تعالى: { وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18].

قال الإمام الطبري في جامع البيان ط هجر (12/ 142): قال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} يقول: أتخبرون الله بما لا يكون في السماوات ولا في الأرض؛ وذلك أن الآلهة لا تشفع لهم عند الله في السماوات ولا في الأرض.اهـ

فتأمل كيف فسّر الطبري ـ رحمه الله ـ قولَه تعالى ” بِمَا لَا يَعْلَمُ ” بـ ” بما لا يكون “، وكذا حين يقال في صفات الله الخبرية: الكيف غير معلوم، أو الكيف مجهول، أي أن الكيف منفي الثبوت عن الله، ولا يكون أصلا، كما في هذه الآية… ويؤكد ذلك الرواياتُ الكثيرة الثابتة عن مالك وغيره من السلف التي هي صريحة في نفي أصل الكيف عنه تعالى، منها ما أخرجه البيهقي بسنده عن ابن وهب قال كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل ، فقال : يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} كيف استواؤه ؟ قال : فأطرق مالك وأخذته الرحضاء} ثم رفع رأسه فقال : {الرحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه ، ولا يقال : كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه . قال : فأخرج الرجل[2].اهـ

ونحو ذلك قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} [الرعد: 33] فقوله ” بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ” المقصود به شريك الباري ـ كما هو سياق الآية وكما قال المفسرون[3] ـ وهو غير معلوم لله؛ لأنه منفي وغير موجود، وما لا وجود له لا يُعلم وجوده، إذ الله يعلم الأشياء على ما هي عليه؛ فكيف يعلم الله بوجود شيء لا وجود له في حقيقة الأمر وهو شريك الباري الذي كان يفتريه المشركون….؟!!!

وفي ذلك يقول شيخنا العلامة د.سعيد فودة في نقض التدمرية، ص 40 – 42 وهو يبين المعنى الصحيح لعبارة “والكيف مجهول”: (((يجب علينا أن نفهم حقيقة السؤال ونبين ما الذي توجه إليه الاستفهام، فمعلوم أن كلمة (كيف) سؤال عن حقيقة الكيف ووصفه وهيئته التي تميزه عن الكيفيات الكثيرة المحتملة، فإذا قال رجل لأخيه: كيف حالك؟ فإن هذا السؤال يشتمل على أمور:

الأمر الأول: إثبات أن له حالاً.

الأمر الثاني: إثبات أن لهذا الحال كيفية، أي: هيئة ووضعاً.

الأمر الثالث: إثبات أن هذه الكيفية قابلة لعدة أوضاع وهيئات، ومن هنا جاء السؤال ليعين الكيفية ويرفع جهل السائل بها. ثم نقول: إن حقيقة الابتداع اختراع أمر غير ثابت في أصل الدليل، فلو أن إنساناً سأل: كيف أصلي الصلوات الخمس؟ لما كان مبتدعاً لأن الصلاة ثابتة، أما لو قال: كيف استوى الرحمن على العرش؟ فهو مبتدع لا لأنه أراد تعيين الكيفية الثابتة وتحديدها ومعرفتها، بل لأنه أثبت أصل الكيفية وطلب معرفتها مع أنها غير ثابتة أصلاً، لأن الكيفية تدل على الجسمية والإمكان، إذ هي هيئة ووضعية معينة لشيء اختيرت من بين هيئات وأوضاع أخرى، فلا كيف لله، وكيف عنه مرفوع كما قال الإمام مالك، لأنه غير معقول أي: مستحيل على الله كما قال الإمام مالك، وعلى هذا تحمل رواية: (الكيف مجهول) أي: نجهل نسبته إلى الله، فيترتب على ذلك نفيه عنه ولا نسأل عنه، لأن سؤالنا عنه فرع إثباتها له، مع أنها رواية ضعيفة سنداً، والصحيح من الروايات: والكيف غير معقول))).انتهى كلام د.فودة.

وأما المعنى الثاني فهو: …. انتظره

———————————————

[1] انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/898473133600043/

[2] انظر: الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 304)، قال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد كما في فتح الباري 13-407)، وقال الحاشدي محقق الكتاب: صحيح عن مالك. وانظر: معارج القبول (1/ 186)، تيسير العزيز الحميد (ص: 675).

وانظر المزيد من هذه الروايات في نفي الكيف ، على https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/457991904314837/

[3] جاء في تفسير السمعاني (3/ 96): قَوْله: {أم تنبئونه بِمَا لَا يعلم فِي الأَرْض} مَعْنَاهُ: أم أَنْتُم تنبئون الله بِمَا لَا يعلم. يَعْنِي: تذكرُونَ لَهُ شَرِيكا وإلها آخر، وَهُوَ لَا يُعلمهُ.اهـ

وفي تفسير ابن أبي زمنين (2/ 357):(أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض) أي: قد فعلتم، ولا يعلم أن فيها إلهاً معه، ويعلم أنه ليس معه إلهٌ في الأرض ولا في السماء.اهـ

وفي تفسير ابن كثير (8/ 154): ” قل سموهم ” أي أعلمونا بهم واكشفوا عنهم حتى يعرفوا فإنهم لا حقيقة لهم ولهذا قال ” أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض ” أي لا وجود له لأنه لو كان لها وجود في الأرض لعلمها لأنه لا تخفى عليه خافية “.اهـ

وجاء في الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/ الرسالة (12/ 77): وقيل: ” أم تنبئونه ” عطف على قوله: ” أفمن هو قائم ” أي أفمن هو قائم، أم تنبئون الله بما لا يعلم، أي أنتم تدعون لله شريكا، والله لا يعلم لنفسه شريكا، أفتنبئونه بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه ! وإنما خص الأرض بنفي الشريك عنها وإن لم يكن له شريك في غير الأرض لأنهم ادعو له شركاء في الأرض.اهـ

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/899521563495200/

السابق
ماذا يستفيد الغرب من انتشار السلفية ولماذا يريدها؟ (منقول)
التالي
هل صحيح أن الأشاعرة لا يثبتون سوى سبع صفات للباري عز وجل؟