مقالات قيمة في التفويض

“ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”[1]

‘‘‘‘الزركشي :”كيف” استفهام عن حال الشيء لا عن ذاته…. ولهذا لا يجوز أن يقال في الله كيف’’’’
“ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”[1]
…لأن “كيف” هنا ـ أي في قول أبي عبيد “ولكن إذا قيل: كيف وضع قَدَمه؟ وكيف ضحك؟” ـ للاستغراب والتعجب، لا للسؤال عن الهيئة وعن الحال؛ إذ كلمة “كيف” تأتي لهذين المعنيين غالبا، وتأتي لغيرهما أحيانا….ولنبسط ذلك من كتب أهل اللغة ونحوها.
جاء في مختار الصحاح (ص: 276): ك ي ف: (كَيْفَ) اسْمٌ مُبْهَمٌ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ وَإِنَّمَا حُرِّكَ آخِرُهُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَبُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ دُونَ الْكَسْرِ لِمَكَانِ الْيَاءِ. وَهُوَ لِلِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْأَحْوَالِ. وَقَدْ يَقَعُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} [البقرة: 28] . وَإِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ (مَا) صَحَّ أَنْ يُجَازَى بِهِ تَقُولُ: كَيْفَمَا تَفْعَلْ أَفْعَلْ.اهـ
وجاء في تاج العروس من جواهر القاموس (24/ 349): الكَيْفُ : القطْعُ ….ومنه : كَيَّفَ الأَدِيمَ تَكْيِيفاً : إذا قَطَعه . وكَيْفَ …. قال الجَوهرِيُّ : اسمٌ مُبْهَمٌ غيرُ مُتَمَكِّنٍ … وقال الأَزْهرِيُّ : كَيْفَ : حرفُ أَداةٍ ، ونُصِبَ الفاءُ فِراراً به من الياءِ الساكنةِ فيها ، لئلاّ يَلْتَقِي ساكنانِ . والغالبُ فيه أَنْ يَكُونَ اسْتِفهاماً عن الأَحْوالِ إِما حَقِيقِيّاً ،ككَيْفَ زَيْدٌ؛ أَو غَيْرَهُ مثل : “كَيْفَ تَكْفُرُونَ باللهِ” فإنَّهُ أُخْرِج مُخْرَجَ التَّعَجُّبِ والتّوْبِيخِ …. وكذلِكَ قولُ سُوَيْدِ بنِ أَبي كاهِلٍ اليَشْكُرِيِّ :
( كيفَ يَرْجُونَ سِقاطِي بَعْدَما … جَلَّلَ الرّأْسَ مَشِيبٌ وصَلَعْ )…. وقولُ المُتَكَلِّمِينَ في اشْتِقاقِ الفِعْلِ من كَيْفَ : كَيَّفْتُه فتَكَيَّفَ، فإِنَّه قِياسٌ لا سَماعَ فِيه ، من العَرب ، ونَصُّ اللِّحْيانِيّ : فأَمّا قَوْلَهم : كَيَّفَ الشيءَ، فكلامٌ مُوَلَّدٌ . قلتُ : فَعَنى بالقِياسِ هُنَا التَّوْلِيدَ ، قال شيخُنا : أَو أَنَّها مَوَلَّدَةٌ ، ولكن أَجْرَوْهَا على قِياسِ كلامِ العَرَب . قلتُ : وفيه تَأَمُّلٌ …. وأَمّا قولُ شَيْخِنا : ويَنْبَغِي أَن يَزِيدَ قوَلَهم : الكَيْفِيَّةُ أيْضاً ، فإِنَّها لا تكادُ تُوجَدُ في الكلامِ العَربِيِّ . قلتُ : نَعَمْ قد ذكَرَه الزَّجّاجُ ، فقالَ : والكَيْفِيَّةُ : مصدَرُ كَيْفَ ، فتأَمَّل .اهـ
وجاء في لسان العرب لابن منظور (5/ 3968): … وكيْفَ اسم معناه الاستفهام…فأَما قولهم كَيَّف الشيءَ فكلام مولّد….وقال الزجاج في قول اللّه تعالى “كيف تكفرون باللّه وكنتم أَمواتاً” ( الآية ) تأَويل كيف استفهام في معنى التعجب، وهذا التعجب إنما هو للخَلق والمؤمنين: أَي اعجَبوا من هؤلاء كيف يكفرون وقد ثبتت حجة اللّه عليهم، وقال في مصدر كيف: الكَيْفِيَّة.اهـ
وجاء في شرح المفصل لابن يعيش (3/ 140): “كَيْفَ” سؤال عن حال, وتضمّنت همزة الاستفهام، فإذا قلت: “كيف زيدٌ؟ ” فكأنك قلت: “أصحيح زيد أم سقيم؟ أآكل زيدٌ، أم شاربٌ؟ إلى غيرِ ذلك من أحواله. والأحوالُ أكثرُ من أن يحاط بها، فجاؤوا بـ “كَيْفَ” اسم مبهم يتضمن جميعَ الأحوال. فإذا قلت: “كيف زيدٌ؟ ” أغنى عن ذلك كلِّه.اهـ
وقال الزركشي في البرهان في علوم القرآن (4/ 330): “كيف”: استفهام عن حال الشيء لا عن ذاته، كما أن “ما” سؤال عن حقيقته، و”مَن” عن مشخصاته، ولهذا لا يجوز أن يقال في الله كيف.
وهي مع ذلك مُنزّلة منزلة الظرف فإذا قلت: كيف زيد؟كان زيد مبتدأ، وكيف في محل الخبر، والتقدير على أي حال زيد؟
هذا أصلها في الوضع لكن قد تَعرِض لها معانٍ تُفهم من سياق الكلام، أو من قرينة الحال مثل معنى التنبيه والاعتبار وغيرهما.
وقال بعضهم لها ثلاثة أوجه.
أحدها: سؤال محض عن حال نحو كيف زيد؟
وثانيها: حال لا سؤال معه، كقولك لأكرمنك كيف أنت، أي على أي حال كنت.
ثالثها: معنى التعجب.
وعلى هذين تفسير قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}.
قال الراغب في تفسيره: كيف هنا استخبار لا استفهام، والفرق بينهما أن الاستخبار قد يكون تنبيها للمخاطب وتوبيخا ، ولا يقتضي عدم المستخبر والاستفهام بخلاف ذلك؛ وقال في المفردات كل: ما أَخبر اللهُ بلفظ “كيف” عن نفسه فهو إخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو توبيخ نحو: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً}
{كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ}
{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الأَمْثَالَ}
{فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ}.
{أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}
وقال: غيره قد تأتي للنفي والإنكار كقوله: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ}
{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ}
ولتضمنها معنى الجحد شاع أن يقع بعدها إلا كقوله: { إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ}
وللتوبيخ كقوله: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ} {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ}
وللتحذير كقوله: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ}
وللتنبيه والاعتبار كقوله: {انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
وللتأكيد وتحقيق ما قبلها كقوله: {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ ُنْشِزُهَا}….. ثم ذَكر الزركشي لها أغراضا أخرى كالتهويل ونحو ذلك.
وقال السيوطي في الإتقان في علوم القرآن (ص: 1152):
“كيف” اسم يرد على وجهين:
الشرط وخُرِّج عليه “ينفق كيف يشاء”، “يصوركم في الأرحام كيف يشاء”، “فيبسطه في السماء كيف يشاء”؛ وجوابها في ذلك كله محذوف لدلالة ما قبلها.
والاستفهام وهو الغالب؛ ويستفهم بها عن حال الشيء لا عن ذاته؛ قال الراغب: وإنما يسأل بها عما يصح أن يقال فيه شبيه وغير شبيه ولهذا لا يصح أن يُقال في الله كيف؛ قال: وكلما أخبر الله بلفظ كيف عن نفسه فهو استخبار على طريق التنبيه للمخاطب أو التوبيخ نحو “كيف تكفرون كيف يهدي الله قوما”.اهـ
وقال الكفوي في الكليات (ص: 752): والكيفية: اسم لما يجاب به عن السؤال بكيف، أُخذ من كيف، بإلحاق ياء النسبة وتاء النقل من الوصفية إلى الاسمية بها كما أن الكمية اسم لما يجاب به عن السؤال بكم بإلحاق ذلك أيضا.اهـ
وجاء في كتاب دراسات لأسلوب القرآن الكريم 2/ 410، للدكتور محمد عبدالخالق عضيمة:
دراسة (كيف) في القرآن الكريم
تأتي (كيف) استفهامية. والاستفهام يكون معها على حقيقته، استفهامًا عن الحالة، وهذا كثير كقوله تعالى: {أرني كيف تحيي الموتى} [2: 260].
ويخرج الاستفهام معها عن حقيقته إلى معانٍ أخرى من التعجب والإنكار كقوله تعالى:
1- {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم} [2: 28].
في [معاني القرآن :1/23]: «على وجه التعجب والتوبيخ.
وفي [الكشاف:1/ 59]: «الإنكار والتعجب». وفي [القرطبي:1/ 248] : «تقرير وتوبيخ».
وفي [البحر:1/ 129] : «صحبة معنى التقرير والتوبيخ، فخرج عن حقيقة الاستفهام» في [البرهان:4/ 330]: «التعجب».
2- {كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم} [3: 86].
في [القرطبي:3/ 3: 179]: «(كيف) لفظة استفهام، ومعناه الجحد، أي لا يهدي الله. ونظيره قوله: {كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله} أي لا يكون لهم عهد. وقال الشاعر:
كيف نومى على الفراش ولمايـشـمــل الــقــوم غــــارة شــعـــواء
أي: «لا نوم لي».
وفي [البحر:2/518]: «(كيف) سؤال عن الأحوال وهي هنا للتعجب والتعظيم لكفرهم بعد الإيمان، أي كيف يستحق الهداية من أتى بما ينافيها».
وفي [البرهان:4/ 331]: «التعجب»……اهـ ثم ضرب د.عضيمة كثيرا من الأمثلة ـ التي زادت على العشرين ـ على مجيء “كيف” في القرآن للتعجب ونحوه[2].
فتحصل مما سبق أن “كيف” تأتي …..وانظر اللاحق:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/807445129323064/
كتبه وليد ابن الصلاح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/796408067093437/
[2] انظرها بتمامها على:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/693848770729148/
وانظر أيضا في معنى “كيف”: التجسيم والمجسمة وحقيقة عقيدة السلف في الصفات الإلهية، للشيخ عبد الفتاح قديش ص42؛ ط1/ بيروت. والقول التمام القول التمام بإثبات التفويض مذهبا للسلف الكرام ص292، للشيخ سيف العصري؛ وحروف المعاني وأثرها في اختلاف الفقهاء ص468، رسالة دكتوراة للباحث حسين الترتوري.

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/806348049432772/

السابق
لماذا نثبت السمع والبصر على حقيقتها مع أنها فينا أعراض، ونصرف العين واليد والوجه عن حقيقتها بحجة أنها أبعاض؟ (منقول)
التالي
‘‘‘‘فأبو عبيد ـ رحمه الله ـ يَقصد بقوله ” ولكن إذا قيل كيف وضع قدمه؟ ” أي إذا جاء من قال لنا مستغربا من هذا الخبر: كيف يضع اللهُ قدَمه، والله ليس له قَدَمٌ أصلا؛ لأنه ليس مركبا من أعضاء؟!!!!! فحينها نقول له ـ أي يقول له أبو عبيد ـ: نحن لا نُفسِّر هذا الخبرَ، ولم نَسمع أحدا فسَّره’’’’”ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”[1]