المحكم والمتشابه

لماذا نثبت السمع والبصر على حقيقتها مع أنها فينا أعراض، ونصرف العين واليد والوجه عن حقيقتها بحجة أنها أبعاض؟ (منقول)

تفريغ جواب صوتي للشيخ عثمان النابلسي حفظه الله
رابط الجواب الصوتي:
👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼👇🏼
https://t.me/othman_nabulsi/126
قام بتفريغه : إسلام سهاونة
عن سؤال أحد الإخوة:
لماذا نثبت السمع والبصر على حقيقتها مع أنها فينا أعراض، ونصرف العين واليد والوجه عن حقيقتها بحجة أنها أبعاض؟

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين:

هذا السؤال أخي محمد سؤال متكرر، وجوابه بسيط وواضح.. لماذا نثبت لله تعالى السمع والبصر والقدرة والعلم على حقيقتها، ولا نثبت اليد والوجه والعين على حقيقتها..

الجواب: أولا: نسبة السمعِ والبصر والعلم والقدرة إلى الله تعالى، جاءت في الشريعة على جهة الإسناد التام، وجاءت هذه النسبة مقصودة لذاتها، فجاءت في الكتاب والسنة لا لإثبات أمر آخر، بل لإثباتها هي لله تعالى.
إذا أخذنا صفة السمع مثلًا، قال الله تعالى: «قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ».
نلاحظ في هذه الآية أنّ نسبة السمع إلى الله تعالى جاءت على وجه الإسناد التام، فعندنا «قد» حرفُ تحقيق جاء مع الفعل «سمع»، وهذا الفعل أُسْنِدَ إلى الله تعالى: «قد سمع الله»، فهذه إسنادٌ تام.
ثم أسندت الآية السمع إلى الله تعالى مرة أخرى بقوله تعالى: «والله يسمع تحاوركما»، فالمبتدأ هنا لفظ الجلالة «الله» وخبره هو جملة «يسمع تحاوركما»، فعندنا إسناد تام أيضًا، إسناد الخبر إلى المبتدإ.
والفعل «يسمع» فاعله ضميرٌ مستترٌ يعود على الله تعالى، وإسناد الفعل إلى فاعله إسنادٌ تامٌ أيضًا.
ثم أكّدت الآية نسبة السمع إلى الله تعالى بقوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ»، فــ«إن الله سميعٌ»: «إنّ» حرف توكيد، ولفظ الجلالة «الله» اسمها، و«سميع» خبرها، فنسبة السمع إلى الله تعالى جاءت نسبةً تامّة.. ومؤكَّدة بحرف «إنّ».
إذًا، نلاحظ أنّ نسبة السمع إلى الله تعالى جاءت على وجه الإسناد التام الذي يكون بين المبتدأ وخبره، وبين الفعل والفاعل، جاءت نسبة السمع إلى الله تعالى مقصودة لذاتها.. المقصود منها إثبات السمع لله تعالى، وإذا استقرأنا آيات السمع في القرآن الكريم ظهرت هذه الحقيقة بكل وضوح:
(إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، (وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، (وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)، (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ)، (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ)، (لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ)، (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)، (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ)، (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم)، (وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا)..
فلاحظ أن السمع ومشتقاته في هذه الآيات، أسند إلى الله تعالى إسنادًا تامًا، بألوان متعددة وطرائق مختلفة من أساليب البيان والتعبير، وهذا يدل على أنّ نسبة السمع إلى الله تعالى نسبة قطعية مقصودة لذاتها.

لكننا إذا أخذنا مثلًا «الوجه»، فهل أُسند إلى الله تعالى على طريقة الإسناد التام، كما تبيّن معنا في السمع؟
قطعًا لا، انظر إلى جميع الآيات التي ذكرت الوجه، كقول الله تعالى:
(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)، فهذه الآية تتحدث عن تغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، لما تغيرت القبلة قال اليهود: «ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها»، فأنزل الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ) يعني قبلة الله تعالى. وهذا المعنى صحيح أيضًا على الأقوال الأخرى في تفسير الآية.
فهنا نسبة الوجه إلى الله تعالى لم تأت على وجه الإسناد التام، ولم يأت مقصودا لذاته.
وهكذا في بقية الآيات: (وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّه)، (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ)، (يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)، (ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ)، (وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا)..إلخ هذه الآيات.
ففي هذه الآيات وغيرها، نرى فيها أنّ «الوجه» لم يسند إلى الله تعالى على طريقة الإسناد التام كما في «السمع» مثلًا، بل نسب إلى الله تعالى على وجه الإضافة فقط، كما أضيف الوجه إلى النهار: (وَقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ)، فهذه الإضافة لم تأت لإثبات الوجه، ولا تدل دلالة محكمة على إثبات الوجه لله تعالى، بل سيقت لإثبات أمور أخرى، ككون القبلة ليست محصورة في جهة، أو أن المؤمنين يفعلون ما يفعلون ابتغاء ثواب الله أو الإخلاص أو تعظيم الله: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا). ولا نجد آية تقول: «إن الله له وجه» أو: «إن الله ذو وجه عليم» كما في السمع: «إن الله سميع عليم».
لذلك، إذا حملنا السمع على غير حقيقته بطل معنى الآيات، (وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).
لكن إذا حملنا الوجه على حقيقته ومعناه الوضعي بطل معنى الآيات، فماذا يصبح معنى: (كل شيء هالك إلا وجهه)؟! وماذا يصبح معنى: (يريدون وجهه)، هل يريدون الوجه الحقيقي لله تعالى؟!! معاذ الله.
(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ)؟! هل المؤمنون يبتغون ويطلبون وجهًا هو من الأعيان المتصلة بالذات؟ هذا معنى ممجوج لا تقبله الآية.
فلو حملنا الوجه على معناه الوضعي الحقيقي لفسد معنى الآيات وخرجت عن الذوق السليم والفهم المستقيم، لكن لو لم نحمل السمع والعلم على المعنى الحقيقي لبطل معنى الآيات.
وكذلك قوله تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)، فلو قلنا إن الباقي هو الوجه بالمعنى الوضعي لفسد معنى الآية، ولكانت الذات والصفات فانية باستثناء الوجه، وهذا يدل على أنّ معنى الوجه هو الذات.. أي: كل من عليها فان، ويبقى الله ذو الجلال والإكرام. ومما يؤكّد أنّ الوجه هو يعنى ذات الله تعالى، أنّ «ذو الجلال والإكرام» جاء صفة للوجه، ومعلوم أنّ هذا الاسم من أسماء الله الحسنى كما ثبت في القرآن وفي السنة الصحيحة، وليس اسمًا لصفة من صفات الله تعالى، فدلّ نعت الوجه به على أنّ المراد بالوجه هنا هو الله تعالى.. الذي ثبت أن من أسمائه: «ذو الجلال والإكرام».
وإذا رجعنا إلى الأسماء الحسنى الثابتة قطعًا لله تعالى، وجدنا منها: السميع والبصير والعليم والقادر، وليس من أسماء الله الحسنى: ذو الوجه وذو العينين وذو الرِّجل وذو الأصابع.
فمن خلال المقارنة بين إسناد «السمع» إلى الله تعالى وبين إسناد «الوجه» إلى الله تعالى، نقطع بأن السمع صفة من صفات الله تعالى، أسندت إلى الله على وجه الإسناد التام، وكانت نسبتها إلى الله تعالى هي المقصودة، وأنّ إخراجها عن حقيقتها يفسد معنى الآية، أما «الوجه» فقد أضيف إلى الله تعالى من باب الإضافة فقط، ولم يسند إسنادًا تامًا كما في السمع، بل سيق لبيان أمور أخرى، كبيان إخلاص المؤمنين وأنهم لا يطلبون إلا رضوان الله وثوابه، وأن القبلة ليست منحصرة في جهة معينة، ونحو هذه الأمور. والآيات التي أثبتت السمع لا تحتمل إلا معنى واحدًا، فهي نصوص قطعية في الدلالة على إثبات صفة السمع، أما الآيات التي ذُكر فيها الوجه فتحتمل معانيَ متعددة، ولا تدلّ أصلًا على إثبات صفة اسمها الوجه كدلالة آيات السمع على إثبات السمع، ولذلك وجب إثبات صفة السمع على حقيقته دون الوجه.
أيضًا، إذا جئنا إلى «السمع» أو «البصر» الذي أثبته القرآن لله تعالى بطريقة الإسناد التام، ولنأخذ مثلًا البصر، ننظر في معاني هذا اللفظ، ونحذف منها ما يستحيل في حق الله تعالى، فإن بقي من معانيه معنى لا يستحيل في حق الله تعالى وقبله السياق .. أثبتناه، فالبصر يدل على إدراكٍ للمبصَرات، وهذا الإدراك له محل وهو الجارحة الباصرة .. العين الباصرة، وله متعلَّق وهو المبصَرات كالبياض والسواد.
هل المحل الذي هو الجارحة الباصرة ركنٌ في صحة تسمية البصر بصرًا؟
حقيقة، العضو الباصر ليس ركنًا في إطلاق لفظ «البصر»، فمن الممكن أن يحصل البصر دون العين الباصرة المعهودة، فالله تعالى بصير وهو منزّه عن الأركان والأعضاء والادوات، بل ثبت أن النبي ﷺ قال: «إني والله لأُبصِر من ورائي كما أبصِر من بين يدي»، فإدراك المبصَرات وقع للنبي ص بغير العين الجارحة، ومع ذلك سماه النبي ﷺ بصرًا ورؤية. فعضو العين الباصرة ليس ركنًا في صحة إطلاق البصر.. في تسمية البصر بصرًا.
وكذلك مُتعلَّق البصر بخصوصه ليس ركنًا في إطلاق اسم البصر، فلو سمي البصر بصرًا بسبب تعلّقه بالسواد مثلًا، لما كان الإدراك المتعلّق بالبياض بصرًا، ولو كان البصر بصرًا لخصوص تعلّقه باللون مثلًا.. لما كان الإدراك المتعلّق بغير الألوان بصرًا، لكننا نقطع بأن ذلك الإدراك المتعلّق بالبياض والسواد وبغير الألوان يسمى بصرًا.
إذًا، متعلّق هذا الإدراك ليس ركنًا في إطلاق لفظ «البصر».
وكون هذا الإدراك حادثًا أو قديمًا ليس ركنًا في تسميته بصرًا، فالله تعالى بصير وبصره قديم، وإدراكنا للألوان مثلًا يسمى بصرًا وهو عَرَضٌ حادث، ويطلق لفظ البصر على الأمرين كليهما.
فثبت أن الركن في تسميته بصرًا هو هذا الإدراك.. إدراك المبصَرات، فنثبته لله تعالى ونجرده عن جميع المعاني الباطلة.. كالحدوث والزوال وكونه بأداة وعضو ونحو ذلك، ويبقى إطلاق البصر على هذا الإدراك إطلاقًا حقيقيًا.
لكن إذا جئنا إلى العين مثلًا، فعندنا معنى لغوي حقيقي للفظ «العين»، وهو كما قال ابن فارس: «عضوٌ يُبصَر به ويُنظَر»، أو كما قال بعض أصحاب المعاجم: «الجارحة المعروفة».
وهناك لوازم لهذه الجارحة الباصرة.. لوازم قريبة أو بعيدة، كإدراك المبصَرات، أو الرعاية والحفظ والكلاءة.. لأن الحافظ للشيء عادة يديم النظر إليه.
فهل المصحح لإطلاق لفظ العين هو أداة الإبصار المعروفة.. العين الباصرة، أم لوازمها كإدراك المبصَرات؟
قطعًا ليس الركن في صحة إطلاق لفظ «العين» هو إدراك المبصَرات؛ لأنّ هذا الإدراك لا يسمى عينًا، فبقي أن الركن المصحح لإطلاق هذا اللفظ هو عضو العين الباصرة.. أداة الإبصار المعروفة.
فهل إثبات جارحة الإبصار.. هل إثبات هذه الأداة جائز في حق الله تعالى؟ لا.. هذا مستحيل نقلاً وعقلًا، (ليس كمثله شيء)، «تعالى عن الحدود والغايات، والأركان والأعضاء والأدوات».
فإذا أثبتنا العين وجردناها عن معنى الأعضاء والجوارح والأدوات، فقد أبطلنا كونها عينًا حقيقية، لأنّ الركن المصحح لإطلاق «العين الباصرة» هو كونها عضوًا وأداة للإبصار، أما صفة «البصر» فالركن المصحح لإطلاق هذا اللفظ هو إدراك المُبصَرات، فإذا جردنا «البصر» عن كونه عَرَضًا أو حادثًا، ونزّهناه عن التبعيض والتجزّؤ والعضوية..
لم نبطل كونه بصرًا حقيقيًا، بل بقي إطلاق البصر عليه إطلاقًا حقيقيًا، أما إذا جرّدنا «العين الباصرة» عن كونها أداة وعضوًا للإبصار.. فقد أبطلنا كونها عينًا حقيقية.
فالسمع والبصر يُطلقان حقيقة دون إثبات العضو وأداة الفعل، أما العين واليد والرجل فلا تطلق حقيقة إلا بإثبات عضو وجارحة، لذلك نثبت السمع والبصر على الحقيقة، ولا نثبت العين على الحقيقة، بل نفوض معناها إلى الله تعالى، أو نفسرها بلوازمها مثلًا، كما في قول الله تعالى: «ولتصنع على عيني»: أي على مرأى منّي، أو على رعايتي وكلاءتي ومحبتي، ونحو هذه المعاني الواردة عن أئمة السلف والخلف من أهل التفسير.
ونفي المعنى الحقيقي للبصر يفسد معنى الآيات، أما إثبات المعنى الحقيقي للعين فيفسد معنى الآيات، ويبطل مفعولها الإيماني وأثرها في النفس، فاستخراج: «ولتصنع على عيني» من سياقها، والقول بأنها دليل على إثبات العين الحقيقة، يفصلها عما قبلها وما بعدها، وكأنّ المقصود من الآية هو إثبات عين لله تعالى، مع أنّ القارئ إذا نظر في السياق علم أنها سيقت لبيان منن الله تعالى على سيدنا موسى، ولا علاقة لها بإثبات العين الحقيقية!
قال الله تعالى:
(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَامُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41).
لاحظ هذا السياق المليء بالتأثير والمفعول الإيماني، سياق بيان المنن الإلهية على سيدنا موسى عليه السلام، هذه المعاني وما تحمله من تأثير في القلوب.. تزول وتتلاشى بحمل العين على المعنى الوضعي الحقيقي، ويصبح قوله تعالى: «وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي» خارجًا عن ترابط الموضوع وتناسقه..
حتى مجيء ظرف التعليل: «إذ تمشي أختك فتقول..» بعد قوله: «ولتصنع على عيني».. (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) يدل دلالة واضحة جدًا على أن المقصود ليس هو العين الحقيقية.
《وقد يقول قائل: هل يصح إثبات الوجه والعين واليد ونحوها صفات لله تعالى، مع تنزيه الله تعالى عن كونها أبعاضًا وأعيانًا وأجزاء، بلا هي صفات معنوية؟
فالجواب: نعم يصح ذلك، وهذا مذهب بعض أئمة أهل السنة كالإمام الأشعري والباقلاني وغيرهم، فقد أثبتوها صفات لله تعالى مع تنزيهه سبحانه عن كل ما يستلزم التجزأة والتبعيض، والفرق بينهم وبين المجسمة أن المجسمة أثبتوا تلك الأمور كأعيان وأبعاض، أما أهل السنة فأثبتوها صفات معاني كالسمع والبصر، وليست عندهم أعيانًا وأجزاء…..

السابق
إلجام المجنون في تشبيهه اللام_بالنون (منقول، الرد على من قال بأن الأشاعرة حرفوا استوى إلى استولى كما حرف اليهود حطة إلى حنطة)
التالي
“ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”[1]