المحكم والمتشابه

اعتراف ابن تيمية بأن الأشعري يثبت الصفات الخبرية كمَعَان لا كأعيان!…. مقال للأخ الفاضل:عثمان محمد النابلسي

اعتراف ابن تيمية بأن الأشعري يثبت الصفات الخبرية كمَعَان لا كأعيان!…. مقال للأخ الفاضل:عثمان محمد النابلسي

بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على أشرف النبيين , وبعد :

هناك خرافة عند الوهابية تقول بأن الأشاعرة اليوم ليسوا على مذهب الأشعري , وأن أصحاب الأشعري الذين نقلوا مذهبه لم ينقلوا إثباته للصفات الخبرية , ثم وجدوا بعض أئمة الأشاعرة ينقلون عن الأشعري إثباته الصفات الخبرية , ففرحوا بذلك وتوهموا أنّ مذهب الإمام الأشعري هو عينُ مذهبهم

فأقول رداً لهذه الفرية المكشوفة :

أولاً : إن الذين نقلوا مذهب الإمام الأشعري, والذي عليه الأشاعرة الآن , نقلوا عنه إثباته الصفات الخبرية , مع نقلهم عنه نفي التركيب والتأليف والجوارح التي يقول بها الوهابية , فقد جاء في مجرّد مقالات الأشعري (ص40 ط السايح) :
(( فأما ما يثبت من طريق الخبر , فلا يُنكر –أي الإمام الأشعري- أن يَرِد الخبرُ بإثبات صفات له تُعتقد خبراً , وتطلق ألفاظها سمعاً , وتحقق معانيها على حسب ما يليق بالموصوف بها , كاليدين والوجه والجنب والعين .
لأنها فينا : جوارح , وأدوات , وفي وصفه نعوت وصفات , لما استحال عليه التركيب , والتأليف , وأن يوصف بالجوارح والأدوات ) .

فهذا نصُ ينسف دعوى الوهابية , بأن الذين نقلوا مذهب الأشعري وانتشر بهم المذهب , لم ينقلوا عنه إثباته الصفات الخبرية .

ثانيًا : الصفة عند الإمام الأشعري معنى يقوم بالموصوف , وليس عيناً كما يقول التيمية , ومن تأمل مجرّد المقالات علم ذلك , بل تجده أحياناً يبني كثيراً من المسائل على كون الصفة معنى يقوم بالموصوف , ومن الأمثلة على ذلك إنكاره “وصف الصفة بصفة تقوم بها” , وعلله بقوله :
( لأن ذلك يؤدّي إلى قيام معنى بها , فلا يتحمّل المعنى معنى) .
(مجرد المقالات , ص39)

وهذا دليل على أنّ الصفة عند الأشعري هي معنى يقوم بالذات , وليست عيناً .

ثالثًا : نقل أئمة الأشاعرة عن الإمام الأشعري إثباته الصفات الخبرية ونفيه حقيقتها , خلافاً للوهابية القائلين بإثباتها على حقائقها , فقد قال الإمام السنوسي في شرح الوسطى :
( اختلف في أشياء وردت في الشرع مضافة لله تعالى، وهي الاستواء واليد والعين والوجه، بعد القطع بتنزهه تعالى عن ظواهرها المستحيلة عقلا إجماعا، فقال الشيخ أبو الحسن الأشعري: إنها أسماء لصفات تقوم بذاته تعالى، زائدة على الصفات الثمانية السابقة، والسبيل إلى إثباتها عنده السمعُ لا العقل، ولهذا تسمى على مذهبه: صفات سمعية، والله تعالى أعلم بحقيقتها )

ثم قال:
( وأما الشيخ الأشعري فاعتمد في إثبات هذه الصفات ـ أي السمعية ـ على ظواهر من القرآن؛ أمّا الاستواء فاحتج على ثبوته بقوله تعالى: ﴿عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾[طه:5] فقال: الاستواء بمعنى الاستقرار والتمكن والجلوس مستحيلٌ عقلًا وإجماعاً، وتأويله بالاستيلاء على العرش بالقدرة يوجب أن لا يكون لتخصيص العرش بذلك فائدة ؛ إذ سائر الممكنات تماثل العرش في ذلك، فوجب أن يحمل الاستواء على صفة تليق به جل وعز، والله تعالى أعلم بحقيقتها ) .

وقال الإمام النفراوي في الفواكه الدواني :
( ولفظ الاستواء من جملة المتشابه كاليد والوجه والعين والأصابع ونحو ذلك مما ظاهره مستحيل على الباري سبحانه ، ولا يعلم معناه على القطع إلا الله سبحانه وتعالى ، وأما العلماء فقد اتفق السلف والخلف على وجوب اعتقاد حقيقة وروده على وجوب تنزيه الباري عن ظاهره المستحيل واختلفوا بعد ذلك على ثلاث طرق :

  • طريق أبي الحسن الأشعري إمام هذا الفن أنها أسماء لصفات قائمة بذاته تعالى زائدة على صفات المعاني الثمانية أو السبعة التي هي العلم والقدرة والإدراك على القول به ونحو ذلك من بقيتها ، والدليل عنده على ثبوتها السمع لورودها إما في القرآن أو السنة لذلك تسمى على مذهبه صفات سمعية .
  • وطريق السلف كابن شهاب ومالك الإمام ومن وافقهما من السلف الصالح تمنع تأويلها عن التفصيل والتعيين , وقال أهلها انقطع بأن المستحيل غير مراد ، ونعتقد أن له تعالى استواء ويدا وغير ذلك مما ورد به الشرع لا يعلم معناه على التفصيل إلا الله .
  • وطريق الخلف تؤول المتشابه على وجه التفصيل قصدا للإيضاح ولذلك تسمى المؤولة ، فأولوا الاستواء بالاستيلاء واليد بالقدرة والعين بالبصر والأصابع بإرادات القلب) .

وقال الإمام الآمدي في أبكار الأفكار :
(ذهب الشيخ أبو الحسن الأشعرى فى أحد قوليه , والأستاذ أبو اسحاق الاسفرايينى والسلف الى أن الرب تعالى متصف بالوجه , وأن الوجه صفة ثبوتية زائدة , على ماله من الصفات , متمسكين فى ذلك بقوله تعالى [ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ] لا أنه بمعنى الجارحة.
ومن المشبهة من أثبت الوجه بمعنى الجارحة .)

ثم قال :
(والحق فى ذلك أن يقال : لا سبيل الى اثبات الوجه بمعنى الجارحة , لما سنبينه فى ابطال التشبيه وما لايجوز على الله تعالى .
وكونه زائدا على ذاته , وما له من الصفات لا بمعنى الجارحة , وأنه وجه لا كوجوهنا , كما أن ذاته لا كذواتنا , كما هو مذهب الشيخ فى أحد قوليه ومذهب السلف , وان كان ممكنا , الا أن الجزم بذلك يستدعى دليلا قاطعا , ضرورة كونه صفة للرب تعالى , ولا وجود للقاطع ههنا , وان جاز أن يكون الدليل ظاهرا , فلفظ الوجه فى الآية لادلالة له على الوجه بهذا المعنى لغة , لاحقيقة ولا مجازا , فانه لم يكن مفهوما لأهل اللغة , حتى يقال انهم وضعوا لفظ الوجه بازائه , وما لايكون مفهوما لهم لايكون موضوعا لألفاظهم , فلم يبق الا أن يكون محمولا على مقتضاه لغة ) .

رابعًا: يرى هؤلاء الوهابية , أن اليد اليمنى غير اليد الأخرى غير العين غير الرِّجل غير الوجه , فالإشارة إلى اليد اليمنى غير الإشارة إلى اليد الأخرى غير الإشارة إلى العين غير الإشارة إلى الرجل غير الإشارة إلى الوجه , وتكون الرؤية يوم القيامة كذلك , وقد صرّح الإمام الأشعري بنفي ذلك كلّه , فقد جاء في (مجرد المقالات ص91) :
( وكذلك كان يقول في جواب من يسأله : “إذا قلتم : أنه يُرى , فهل يُرى كلّه أم بعضه؟” :
إن جميع ذلك محال , لأن ما لا كلّ له , ولا بعض له , يُرى على ما هو به كما يُعلم , وكما يُرى ما له كلّ على ما هو به , فلا ينقلب بالرؤية , كذلك ما لا كلّ له يُرى ولا كلّ له ) .

أخيراً والأهم :
صرّح ابن تيمية بأن الإمام الأشعري أثبت الصفات الخبرية كصفات معنوية لا عينية , ثم خالف هذا وذكر بأنها عينية لا معنوية , ودليله هو قياس الغائب على الشاهد , فقال في (بيان تلبيسه 1/126 ط العثمانية) :

( الوجه الحادي والأربعون : وهو قوله: “معلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه مما لا يقبله الوهم والخيال”
أ‌- إما أن يريد به المعنى الذي يذكره المتكلمة الصفاتية الذين يقولون هذه صفات معنوية , كما هو قول الأشعري والقلانسي , وطوائف من الكرامية وغيرهم , وهو قول طوائف من الحنبلية وغيرهم .
ب‌- وإما أن يريد بمعنى أنها أعيان قائمة بأنفسها.
فإن أراد به المعنى الأول : فليس هو الذي حكاه عن الحنبلية فإنه قال: “وأما الحنابلة الذين التزموا الأجزاء والأبعاض فهم أيضا معترفون بأن ذاته مخالفة لسائر الذوات” إلى أن قال: “وأيضا فعمدة مذهب الحنابلة أنهم متى تمسكوا بآية أو خبر يوهم ظاهره شيئا من الأعضاء والجوارح صرحوا بأنا نثبت هذا المعنى لله على خلاف ما هو ثابت للخلق فأثبتوا لله وجها بخلاف وجوه الخلق ويدا بخلاف أيدي الخلق ومعلوم أن اليد والوجه بالمعنى الذي ذكروه عما لا يقبله الوهم والخيال”
فإذا كان هذا قوله , فمعلوم أن هذا القول الذي حكاه هو قول من يثبت هذه بالمعنى الذي سماه هو (أجزاءً وأبعاضاً) , فتكون هذه صفاتٍ قائمة بنفسها كما هي قائمة بنفسها في الشاهد، كما أن العلم والقدرة قائم بغيره في الغائب والشاهد لكن لا تقبل التفريق والانفصال كما أن علمه وقدرته لا تقبل الزوال عن ذاته وإن كان المخلوق يمكن مفارقة ما هو قائم به وما هو منه يمكن مفارقة بعض ذلك بعضاً , فجواز ذلك على المخلوق لا يقتضي جوازه على الخالق , وقد عُلم أن الخالقَ ليس مماثلاً للمخلوق وأن هذه الصفاتِ وإن كانت أعياناً فليست لحماً ولا عصباً ولا دماً ولا نحو ذلك ولا هي من جنس شيء من المخلوقات..) .

فها هو إمامكم معاشر الوهابية , ينقل عن الإمام الأشعري إثبات الصفات الخبرية كمَعَان لا كأعيان كما تقولون .

كذا في : http://www.aslein.net/showthread.php?t=15092
وانظر أيضا تعليق شيخنا العلامة د.سعيد فودة في الرابط نفسه.

https://m.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/764486680332023/?mibextid=Nif5oz

السابق
انتقل إلى رحمة الله تعالى العالم أبو الفاروق أحمد بن المجاهد فَتْحُ الله بن العلامة الفقيه عبد الله بن الشيخ الفقيه إسماعيل ابن العلامة الفقيه مَلَّا جَامِي القرشي المخزومي (منقول)
التالي
ماذا يقصد #المالكية بقولهم “ليس عليه العمل” (منقول)