[3] ابن تيمية ومذهب التفويض في الصفات*
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/457991904314837
المرصد الأول: مناقشة الدعوى الأولى لابن تيمية رحمه الله، وهي: أن مالك وغيره من السلف كانوا يقولون “الاستواء معلوم والكيف مجهول”.
والجواب عنها من وجوه:
الوجه الأول: المطالبة بتصحيح سند هذا القول وهو “الاستواء معلوم والكيف مجهول” إلى الإمام مالك أو إلى غيره من السلف رحمهم الله؛ فإن هذا القول بهذا اللفظ لم يُسنده أحد من الحُفاظ في كتبهم ، هذا بعد الاستقصاء في البحث عن هذا القول مني ومن عدد كبير من الباحثين والعلماء قديما وحديثا حتى من السلفية أنفسهم فقد جَهِدوا على أن يجدوا له سندا واحدا فلم يجدوا[1].
هذا على الرغم من أن هذا القول له أصل أصيل جاء في روايات كثيرة وألفاظ متشابهة عن غير واحد من السلف، ولكن ليس بهذا اللفظ الذي يكرره ابن تيمية في كتبه كثيرا ويصر عليه.
جاء في حاشية المهند على المفند (ص: 11) لمولانا خليل أحمد السهارنفوري: “ومما ينبغي لفت النظر إليه : هو أن ما اشتهر على الألسنة من قول إمام دار الهجرة سيدنا مالك بن أنس أحد الأئمة الأربعة المتبوعين رضي الله تعالى عنهم أجمعين ” الاستواء معلوم و الكيف مجهول” فغير ثابت عنه . و الثابت عنه و عن غيره من السلف رضي الله عنهم هو : ” الرحمن على العرش استوى كما وصف به نفسه ، و لا يقال كيف ، و كيف عنه مرفوع ” أخرجه البيهقي …..إلخ.اهـ ثم سرد روايات أخرى مماثلة وكلها مغايرة للفظ ابن تيمية السابق؛ وإليك هذه الروايات وغيرها مما أسندها الحفاظ والمحدثون لهذه العبارة:
أولا: أسانيد وألفاظ الروايات عن مالك
الرواية الأولى: أخرج البيهقي بسنده عن ابن وهب قال كنا عند مالك بن أنس فدخل رجل ، فقال : يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} كيف استواؤه ؟ قال : فأطرق مالك وأخذته الرحضاء} ثم رفع رأسه فقال : {الرحمن على العرش استوى} كما وصف نفسه ، ولا يقال : كيف ، وكيف عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه . قال : فأخرج الرجل[2].
الرواية الثانية: روى البيهقي نحوه من طريق يحيى بن يحيى قال كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل….. فأطرق مالك برأسه ….. ثم قال: “الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة” [3]
الرواية الثالثة: روى أبو نعيم في حلية الأولياء (6/ 325) والذهبي في سير أعلام النبلاء (8/ 100) بسندهما ….. حدثنا مهدي بن جعفر، حدثنا حدثنا جعفر بن عبد الله قال: كنا عند مالك، ……. وقال: “الكيف منه غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة “[4]
الرواية الرابعة: روى أبو عثمان الصابوني عن جعفر بن ميمون قال سئل مالك بن أنس عن قوله: (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا ضالا وأمر به أن يخرج من مجلسه)[5].
الرواية الخامسة : روى أبو الشيخ الأصبهاني (ت 369 هـ ) في طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها (2/ 214) بسنده ….. قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ النُّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ , يَقُولُ: أَتَى رَجُلٌ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ فَقَالَ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] , كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ وَجَعَلَ يَعْرَقُ , وَجَعَلْنَا نَنْتَظِرُ مَا يَأْمُرُ بِهِ , فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: «الِاسْتِوَاءُ مِنْهُ غَيْرُ مَجْهُولٍ , وَالْكَيْفُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ , وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ , وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ , وَمَا أَرَاكَ إِلَّا ضَالًّا , أَخْرِجُوهُ مِنْ دَارِي» [6]
الرواية السادسة : روى ابن عبد البر في التمهيد (7/ 151( بسنده …. حدثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة قال كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها فطأطأ مالك رأسه فقال له يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: سألتَ عن غير مجهول وتكلمتَ في غير معقول؛ إنك امرؤ سوء، أخرِجوه ، فأخذوا بضبعيه فأخرجوه.[7]
الرواية السابعة: جاء في معجم ابن المقرئ (ص: 310): حَدَّثَنَا الْقَاضِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَيِّدَةَ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا اللَّيْثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَالِسِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ يَقُولُ: كُنْتُ عِنْدَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ فَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْحَاجِّ عَنْ مَسْأَلَةِ الشَّامِيِّينَ، مَعَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ: ” نَعَمْ، كُنْتُ ذَاتَ يَوْمٍ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكٍ إِذِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الشَّامِيِّينَ فَأَذِنَ لَهُ، فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: اشْفِنِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، شَفَاكَ اللَّهُ قَالَ: وَمَا وَرَائِكَ؟ قَالَ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] كَيْفَ اسْتَوَى؟ قَالَ: فَأَطْرَقَ مَلِيًّا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: «الِاسْتُوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، قُمْ عَنِّي، لَا أَقَامَ اللَّهُ رِجْلَيْكَ، فَمَا أَرَاكَ إِلَّا ضَالًّا».
الرواية الثامنة: جاء في بحر الفوائد المسمى بمعاني الأخبار للكلاباذي (ص: 356): …ثُمَّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: ح الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا الْمُقْرِئُ قَالَ: ح مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: ح الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْ بَعْضِ الْأَخْبَارِ الْمُتَشَابَهَةِ؟ فَقَالَ: «مِنَ اللَّهِ الْعِلْمُ، وَعَلَى رَسُولِهِ الْبَلَاغُ، وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ، أَمِرُّوا أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا جَاءَتْ» وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ[8]: سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ قَوْلِهِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، كَيْفَ اسْتَوَى؟ فَقَالَ: الِاسْتِوَاءُ غَيْرُ مَجْهُولٍ، وَالْكَيْفُ غَيْرُ مَعْقُولٍ، وَالْإِيمَانُ بِهِ وَاجِبٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْهُ بِدْعَةٌ، وَمَا أَرَاكَ إِلَّا ضَالًّا. اهـ
وبعد، فهذه ثمانية روايات لألفاظ هذه العبارة عن الإمام مالك، وقد جمعتها بعد بحث مستقص ومطول وشاق بكل الوسائل المتاحة، ولم أجد سواها عن مالك، وليس فيها اللفظ الذي يردده ابن تيمية دائما، وسوف أسردها مرة أخرى بشكل مختصر وندقق فيها ونقارنها بعبارة ابن تيمية ولكن بعد أن نسرد باقي الروايات في الباب عن سوى مالك… فقد وردت العبارة السابقة أيضا عن ربيعة الرأي شيخ مالك ـ رحمهما الله ـ وجاءت عنه من عدة طرق وبعدة ألفاظ … وإليك سردها عنه …. انظر اللاحق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/458185224295505/?hc_location=ufi
ثم وجدت رواية أسندها ابن عبد البر من طريق ابن نافع عن مالك بلفظ “استواؤه معقول وكيفيته مجهولة” ولكن ابن نافع هذا فيه كلام كما بسطته على هذا الرابط:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/819678681479489/
ثم عثرت على رواية عاشرة فقد قال ابن عبد البر رحمه الله في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (7/ 151): وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا بكار بن عبد الله القرشي قال حدثنا مهدي بن جعفر عن مالك بن أنس أنه سأله عن قول الله عز وجل الرحمن على العرش استوى كيف استوى قال فأطرق مالك ثم قال استواؤه مجهول والفعل منه غير معقول والمسألة عن هذا بدع.اهـ
وقد بسطت الكلام على هذه الرواية العاشرة على هذا الرابط:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3510144762432854
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/457020584411969/
[1] ولقد بحثت منذ سنين إلى الآن عن سند لهذا اللفظ فلم أجده، مع الاستعانة بكتب العقائدة المسندة والمحققة والمخرجة، بالإضافة إلى الاستعانة بالحاسوب والبحث في آلاف الكتب المتنوعة، فضلا عن البحث في الشبكة العنكبوتية ……وبحثت أيضا في كتب السلفية القديمة والحديثة فكلهم يسردون هذه العبارة ويستشهدون بها على مذهبهم في التجسيم، ولكن لم يستطع أحد منهم أن يعزوها إلى كتاب مسند، وإنما يعزونها دون إسناد إلى كتب ابن تيمية وأتباعه؛ ثم وقعتُ مؤخرا على بحث خاص بالموضوع وهو بعنوان ” الأثر المشهور عن الإمام مالك رحمه الله في صفة الاستواء دراسة تحليلية”، لأحد السلفية وهو الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر، ولقد استعرض الروايات والألفاظ المختلفة له إلا أن هذا اللفظ لم يسنده سوى من طريقين، الأولى إلى ربيعة الرأي، ولكن في المتن قلب وتصحيف لم يتنبه له، وإنما تنبه له الحاشدي محقق الأسماء والصفات للبيهقي، والثانية ليس في الاستواء وإنما في النزول لأبي جعفر الترمذي، وسنأتي على كلا الموضعين، إن شاء الله.
[2] الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 304)، قال الحافظ ابن حجر: إسناده جيد كما في فتح الباري 13-407)، وقال الحاشدي محقق الكتاب: صحيح عن مالك. وانظر: معارج القبول (1/ 186)، تيسير العزيز الحميد (ص: 675).
[3] الأسماء والصفات (2/ 305)، قال الحاشدي محقق الكتاب: صحيح إلى مالك.
[4] وأخرجه أيضا عثمان الدارمي في الرد على الجهمية (104)، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 3/398، وأبو نعيم في الحلية 6/235، وأبو عثمان الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (25) (26). كذا في أفاده الحاشدي في حاشيته على الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 305) .
[5] انظر: عقيدة السلف وأصحاب الحديث لأبي عثمان الصابوني (24)
[6] طبقات المحدثين بأصفهان : ج 2 ص 214 .
[7] التمهيد : ج 7 ص 151 ؛ وتتمة الكلام في التمهيد: وقال يحيى بن إبراهيم بن مزين إنما كره مالك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة وتشبيها والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام …اهـ
[8] ثم وجدت رواية أخرى من طريق عبد الله بن نافع أيضا أوردها ابن عبد البر في التمهيد (7/138) ولكن بلفظ: …وقيل لمالك: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى كيف استوى؟، فقال مالك -رحمه الله-: استواؤه معقول، وكيفيته مجهولة، وسؤالك عن هذا بدعة، وأراك رجل سوء .اهـ وانظر الكلام على هذا الطريق :
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/819678681479489/