Uncategorized

النصوص المتشابهة “أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ”

معنى قول بعض السلف عن النصوص المتشابهة “أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ”

قال الأخ الفاضل يوسف زمزم في بحثه القيّم “الأخبار المتشابهات سبيل سلف الأمة وطريق العلماء الأئمة” :
‘‘‘‘الأدلة على مذهب التفويض :
الدليل الأول على مذهب التفويض : أمروها بلا كيف ، ودلالته على ذلك .
أخرج البيهقي بإسناد صحيح عن الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ قال : سُئِلَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ فِي التَّشْبِيهِ فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفِيَّةٍ . [1]
قالوا : وأي دلالة في هذا ؟
قلنا : الدلالة هو معنى الإمرار ، ومعنى نفي التكييف التفويض والتنزيه ، وإليكم البيان :
أولا : معنى الإمرار : التجاوز والسكوت عن التفسير والمعنى .
قال ابن منظور : أَمْرَرْتُ الشيءَ أُمِرُّه إِمْراراً إِذا جَعَلْتَهُ يَمُرُّ أَي يَذْهَبُ . [2]
فمعنى إمرار الشيء أي تجاوزه وذهاب الشيء دون أن تفعل فعلا معينا .
فما الفعل الذي أمر السلف أن تُتجاوز النصوص دون أن يفعل ؟ وما مرادهم بالإمرار ؟
الأفضل أن أسكت أنا ويسكت خصومي ونترك علماء المسلمين يجيبوننا عن ذلك .
نصوص العلماء في تفسير كلمة السلف ” أمروها بلا كيف ” :

  • يقول الإمام ابن الجوزي الحنبلي ( 597 هــ ) : أَكثر السّلف كَانُوا يمتنعون من تَفْسِير مثل هَذَا ويمرونه كَمَا جَاءَ … فَيكون معنى إمرار الحَدِيث الْجَهْل بتفسيره . [3]
    ويقول : وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى فِي مِثْلِ هَذَا الْإِمْرَارِ اعْتِقَادُ أَنَّهُ لَا تُشْبِهُ صِفَاتُ اللَّهِ صِفَاتِ الْخَلْقِ ، وَمَعْنَى الْإِمْرَارِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْمُرَادِ مِنْهُ مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ . [4] وأيضا استدل ابن الجوزي بقول السلف : أمروها ، على السكوت عن الكلام في هذه النصوص . [5]
    فالإمرار معناه بشهادة الإمام ابن الجوزي الحنبلي : الجهل بتفسير النص وتجاوزه والسكوت عليه وعدم العلم بالمراد منه .
    قالوا : من الممكن أن يكون ابن الجوزي تفرد بهذا ، وما يدرينا أن الإمرار معناه عدم تفسير النص وبيان معناه ، هذا يحتاج لنص إمام من القرون الثلاثة .
    قلنا : هذا الإمام المحدث أبو حاتم الرازي ( 277 هــ ) يسأله ابنه أبو محمد عن ” تفسير ” بعض المتشابهات فيجيبه بكلمة الإمرار . [6]
    فلو كان تفسير النص على ظاهره أو مجازه جائزا عنده لأجاب ، ولكنه اكتفى بالإمرار .
    وهذا معناه أن إمرار النص عند السلف معناه عدم العلم بتفسيره .
  • وهذا أيضا قاله الإمام مكحول ( 100 هــ ) والإمام الزهري ( 125 هــ ) عند سئلا عن ” تفسير هذه الأحاديث ” قالوا : أمروها . [7]
  • وهذا الإمام أبو إسحاق الثعلبي ( 427 هــــــ ) يستشهد بكلمة الإمرار على ” عدم الخوض في المعنى والتوقف عن التفسير ” . [8]
  • واستشهد بكلمة الإمرار الإمام أبو المظفر السمعاني الشافعي ( 489 هــ ) والإمام محيي السنة البغوي ( 510 هــ ) والإمام الخطيب الشربيني الشافعي ( 977 هـــ ) والإمام السفاريني الحنبلي ( 1188 هــ ) على أن هذه النصوص من ” الآيات المتشابهات ” وأن ما ورد فيها ” صفات متشابهات ” . [9]
    ومعلوم أن المجسمة يرفضون وصف هذه النصوص بالمتشابهات بل يزعمون أنها من المحكمات المعلومة معناها في حق الله .
  • وهذا الإمام أبو العباس القرطبي المالكي ( 656 هــــ ) يفسر كلمة السلف : اقرؤوها بلا كيف بــــ التوقف عن الكلام في النصوص المشكلات . [10]
    وهنا نأخذ معنى وهو أن كلمة الإمرار معناه أن هذه النصوص مشكلات متشابهات .
  • وهذا الإمام أبو عبد الله القرطبي المالكي ( 671 هـ ) يقول : وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لِتَأْوِيلِهَا مَعَ قَطْعِهِمْ بِاسْتِحَالَةِ ظَوَاهِرِهَا ، فَيَقُولُونَ أَمِرُوهَا كَمَا جَاءَتْ . [11]
    وهنا نأخذ معنى آخر وهو أن الإمرار معناه القطع باستحالة ظواهر المتشابهات على الله .
  • وهذا الإمام محيي الدين النووي الشافعي ( 676 هــــــــ ) والإمام جلال الدين السيوطي ( 911 هـــــ ) الشافعيان نراهما يستدلان بكلمة الزهري ” أمروها كما أمرها من قبلكم ” على عدم الخوض في المعنى وعدم العلم بالمعنى . [12]
  • وهذا الإمام ابن المنير المالكي ( 683هـــ ) يقول في مذهب السلف : إمرارها على ما جاءت مفوضا معناها إلى الله تعالى . [13]
  • وهذا الإمام ابن حمدان الحنبلي ( 695 هــــ ) يقول : وكل ما صح نقله عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أو أمته ، وجب قبوله والأخذ به ، وإمراره كما جاء وإن لم يعقل معناه . [14]
  • يقول الإمام ولي الدين العراقي الشافعي ( 826 هـــ ) : إمرارها كما جاءت من غير خوض فيها ، ولا تعقل لمعناها . [15]
  • وهذا الإمام ابن حجر العسقلاني الشافعي ( 852 هـــــــ ) يستشهد بكلمة الإمرار في حكاية من ذهب لتفويض تفسير المتشابهات . [16]
    وهذا قاطع بأن إمرار السلف المقصود به : 1- الحكم بتشابه النص 2- الإيمان الإجمالي به والسكوت عليه 4- القطع بعدم إرادة ظاهره 5- تفويض معناه إلى الله .
    دليل آخر : على أن السلف قصدوا بالإمرار عدم التفسير للنصوص المتشابهات وترك البحث عن تأويلها وتفويض علمها إلى الله :
  • ومن الأدلة على ذلك أن السلف قالوا هذه الكلمة ( الإمرار ) في نصوص أخرى غير نصوص الصفات أصلا ، ومن غير المعقول ولا المتصور أن يكونوا قصدوا بها هي الأخرى تفويض كيفية ما في هذه النصوص فقط ، وإليكم أمثلة :
    1- : في حديث ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” يقول الزهري : أمروا الأحاديث كما أمرها من قبلكم … ويقول الإمام الكلاباذي ( 380 هــــ ) : قَوْلُ الزُّهْرِيِّ : ” أَمِرُّوا الْأَحَادِيثَ كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ ” تَسْلِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَانْقِيَادٌ لِرَسُولِ اللَّه ِ، وَتَصْدِيقٌ لَهُ ، وَإِيمَانٌ بِهِ فِيمَا عُلِمَ وَجُهِلَ ، وَتَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ، وَالْحُكْمُ عَلَيْهِمَا بِالْعُقُولِ الضَّعِيفَةِ ، وَالْأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ ، إِيمَانًا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَتَصْدِيقًا لَهُمَا، وَتَوْكِيلًا لَعِلْمِ تَأْوِيلِ مَا جَهِلْنَاهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ …. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَشَابِهَةِ . [17]
    2- مثال آخر : في حديث صلاة موسى بقبره ليلة الإسراء قال سالم بن هانئ : سألت وكيعا عن هذا الحديث فقال : يا خراساني ، أخبار رويت فأمروها كما نقلت . وعقب على هذا الإمام الكلاباذي قائلا : هَذَا مَذْهَبُ وَكِيعٍ ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَثَرِ ، وَكَثِيرٍ مِنْ فُقَهَاءِ النَّظَرِ فِي أَخْبَارِ الْمُتَشَابِهَةِ ، يَرَوْنَ رِوَايَتَهَا، وَلَا يَرَوْنَ الْبَحْثَ ، وَبَحَثَ عَنْهَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَأَجَازُوا طَلَبَ تَأْوِيلِهَا ، فَأَوَّلُوهَا عَلَى الْأَوْجَهِ، وَالْأَبْعَدِ مِنَ الشُّبَهِ، وَالْأَشْبَهِ بِالْأُصُولِ. فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ …. [18]
  • وبهذا يظهر واضحا أن الذين أمرُّوا لم يتكلموا في المعنى ، فلم يقولوا : نفسرها على ظاهرها ، كما يقول هؤلاء المنتسوب للسلف ، ويظهر أيضا أن الإمرار معناه تفويض تفسير ومعاني هذه النصوص .’’’’’
    وانظر أيضا ما كتبتُه في هذه المسألة على: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/795129933887917/
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] الأسماء والصفات للبيهقي [ 2 / 377 ] ط السوادي
    [2] لسان العرب لابن منظور [ 5 / 165 ] ط صادر
    [3] كشف المشكل لابن الجوزي [ 3 / 506 ] ط الوطن
    [4] فتح الباري لابن حجر [ 6 / 40 ] ط المعرفة
    [5] كشف المشكل لابن الجوزي [ 3 / 379 ] ط الوطن
    [6] العلل لابن أبي حاتم ( 2118 ) ط الرشد
    [7] فتح الباري لابن رجب [ 7 / 234 ] ط الحرمين
    [8] تفسير الثعلبي [ 2 / 129 ] ط إحياء التراث
    [9] تفسير السمعاني [ 3 / 320 ] ط الوطن ، تفسير البغوي [2 / 197 ] ط إحياء التراث ، وتفسير الخطيب الشربيني [ 1 / 480 ] ط بولاق ، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني [ 1 / 99 ] ط الخافقين
    [10] المفهم لما أشكل من تلخيص صحيح مسلم للقرطبي [ 1 / 411 ] ط ابن كثير – الكلم الطيب ، وكون مذهب السلف هو التوقف في المتشابهات هو ما يقوله أبو البقاء الكفوي الحنفي . الكليات للكفوي [ 549 ] ط الرسالة
    [11] تفسير القرطبي [ 4 / 14 ] ط الكتب المصرية
    [12] شرح النووي على مسلم [ 2 / 42 ] ط إحياء التراث ، شرح ابن ماجة للسيوطي [ 282 ] ط قديمي كتب خانة
    [13] فتح الباري لابن حجر [ 13 / 390 ] ط المعرفة
    [14] نهاية المبتدئين لابن حمدان [ 35 ] ط الرشد
    [15] الأجوبة المرضية عن الأسئلة المكية للعراقي [ 26 ] ط التوعية الإسلامية
    [16] فتح الباري لابن حجر [ 13 / 407 ] ط المعرفة
    [17] معاني الأخبار للكلاباذي [ 218 ، 219] ط العلمية
    [18] معاني الأخبار للكلاباذي [ 221 ] ط الكتب العلمية ، وانظر التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي [ 37 ] ط الكتب العلمية
السابق
حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، تُعرض علي أعمالكم” …
التالي
ما نوع الإضافة في قولنا “فاتحة الكتاب”؟