مقالات في علم التحقيق والمكتبات والكتب

مسائل في غير مظانها، والكتب المؤلفة في ذلك (منقول)

مسائل في غير مظانها !!.

ورد في فتاوى الشيخ أبي عمرو بن الصلاح (٦٤٣): “حدثني أحد المفتين بخراسان أيام مقامي بها عن بعض مشايخه أن الإمام أحمد الخوافي قال للغزالي في مسألة أفتى فيها: أخطأت في الفتوى، فقال له الغزالي من أين والمسألة ليست مسطورة؟
فقال له: بلى في #المذهب_الكبير، فقال له الغزالي: ليست فيه ولم تكن في الموضع الذي يليق بها، فأخرجها له الخوافي من موضع قد أجراها فيه المصنف استشهادا، فقال له الغزالي عند ذلك: لا أقبل هذا واجتهادي ما قلت، فقال له الخوافي: في هذا شيء آخر، إنما تسأل عن مذهب الشافعي أو عن اجتهادك، فلا يجوز أن تفتي على اجتهادك”. انتهى.

في هذا النص ملاحظات مهمة لطالب العلم، أهمها:

أن لا ينفي طالب العلم وجود مسألة ما في كتاب ما؛ لعدم وجودها في مظانّها المناسب، وهذا رغم وجوده قديما ندرة مع توفر العلم والعلماء إلا أنه يكثر في هذه الأزمنة التي يدور البحث العلمي في محركات البحث، ولذلك ينبه الشراح مثل هذه المسائل، ويقولون هذه مسألة في غير مظانها، وربما تفصل المسألة في غير فنها، فتراها المسألة الأصولية والفقهية تحقق أحيانا في كتب محدثي الفقهاء وأصولييهم.

ولأهمية ذلك أفرد العلماء في ذلك المصنفات التي تهتم بهذه المسائل الواردة في الزوايا الضيقة البعيدة عن مظانها، ومن أشهر تلك المصنفات في الفقه الشافعي، كتاب(خبايا الزوايا) لبدر الدين الزركشي (٧٤٩) ، ذكر فيه ما ذكره الرافعي والنووي في غير مظنتها من الأبواب، فرد كل شكل إلى شكله، وكل فرع إلى أصله.

واستدرك علي الزركشي الفقيه المؤرخ حمزة بن أحمد عز الدين الحسيني الدمشقي الشافعي (٨٧٤)، وسمى مستدرَكه: (بقايا الخبايا).

ومن تلك المؤلفات: كتاب بدائع الفوائد لابن قيم الجوزية (٧٥١).

وتعد المدونة التي هي للمالكية بمنزلة الأم للشافعية من الكتب التي يحصل التداخل بين مسائلها، ومن تلك المسائل الواردة في غير مظانها: مسألة الاكتفاء بتبييت نية الصيام في أول ليلة من رمضان، المشهورة عند المالكية، والتي وردت في كتاب الرهون، وهي المسألة التي يسميها الفقهاء: (غريبة الرهون) ؛ لوقوعها في غير مظانها.

ولكثرة مسائل المدونة الواقعة في غير مظانها ألفت كتب تعتني باستخراج تلك المسائل من المدونة، وتمييزها من غيرها؛ لسهولة الاطلاع عليها، ومن تلك المصنفات:

— تجريد المسائل الأجنبيات الواقعة في غير تراجمها من المدونة، لأبي إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع الرَّبعيّ التونسيّ (٧٣٣)
— المسائل الواقعة في المدونة في غير مواضعها، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن العافية، المعروف بالأحول المكناسيّ، من علماء القرن التاسع الهجري.

وتنبيها لهذه النقطة يقول الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم: ابذل الجهد في حفظ العلم حفظ كتاب؛ لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها، ومن أجل فوائده أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجرّ منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي، ولذا فاجعل لك (كناشا) أو (مذكرة) لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها.

إيضاحات

–الخوافي هو: الإمام أحمد بن محمد أبو المظفر الخوافي، المتوفي سنة خمسمائة، قرين الغزالي، وكان أبو المعالي الجويني يقول في تلامذته الثلاثة إذا ناظروا: التحقيق للخوافي، والجريان للغزالي، والبيان لإلكيا.

وهم ثلاثة من كبار الفقهاء الشافعية، وكانوا متعاصرين، الخوافي المتقدم، والغزالي(٥٠٥) ، وإلكيا الهراسي (٥٠٤).

— المذهب الكبير هو كتاب (نهاية المطلب في دراية المذهب) لإمام الحرمين الجويني(٤٧٨)، وهذه التسمية كانت معروفة بالكتاب في الأزمنة المتقدمة.

السابق
حول بواعث الإمام مالك في دعواه د. المغرواي أن الإمام ألف الموطاء في الرد على (الجهمية) (منقول)
التالي
الغنيمان الوهابي يقر بأن أكثر العالم الإسلامي أشاعرة (منقول)