مقالات وردود حول التوسل

[4] مناقشة الألباني في تأويله لحديث الأعمى في التوسل، وحَمْله لحديث الأعمى على الأحاديث التي سأل فيها الصحابةُ رسولَ الله الدعاء لهم في المحل والجدب.

[4] مناقشة الألباني في تأويله لحديث الأعمى في التوسل، وحَمْله لحديث الأعمى على الأحاديث التي سأل فيها الصحابةُ رسولَ الله الدعاء لهم في المحل والجدب.

رابعا: إن الألباني ومن معه ذكروا أن تأويل حديث الأعمى وحمله على التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم [1] يتفق مع سائر الأحاديث التي فيها توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث كانوا يأتون النبي عند المحل والجدب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليدعو لهم، كما سيأتي.

قال وليد: حاصل كلامهم أن توسل الأعمى هو من عين باب توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته عند المحل والجدب؛ وهذا غير صحيح؛ بل التوسل في حديث الأعمى هو توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وتوسلُ الصحابة في المحل والجدب بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم هو توسل من نوع آخر، وكلاهما جائزان واردان في السنة؛ ولو كان التوسل في حديث الأعمى من عين الباب الذي ذكرتموه من توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند المحل في حياته، لما كان للدعاء الذي علمه رسول الله للأعمى معنى، بل لاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء له كما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالدعاء للصحابة عند توسلهم بدعائه عند المحل، ولم يعلمهم دعاء يقولونه كالدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى، ولنسوق حديثا من ذلك يوضح ذلك.

قد روى أنس أنه: “أتى رجل أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة فقال يا رسول الله هلكت الماشية هلك العيال هلك الناس. فرفع الرسول الله صلى الله عليه و سلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون قال فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الأخرى….” ([2]).

فهذا الحديث وأمثاله مما احتججتم به على أن توسل الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم هو توسل بدعائه: يبطل تأويلكم لحديث الأعمى وحملكم له على حديث أنس، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فيه دعاء صريحا لا مفترضا، ولم يُعلّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصحابةَ ذلك الدعاء في حديث أنس، كما علّم الدعاء للأعمى في حديث عثمان بن حنيف، فلو حملنا حديث الأعمى على حديث أنس واعتبرناهما من باب واحد وهو التوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لما كان للدعاء الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعمى معنى، بل كان تعليمه عبثا، لأن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وحده كاف في إزالة الضر عن الأعمى، تماما كما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في المحل والجدب كان كافيا في نزول الغيث؛ فلِم علّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأعمى ذلك الدعاء وفتح الذريعةَ لخصومكم المبتدعة ليحتجوا به على ما قلتم من أنه توسل مبتدع؟! ألم يكن الأولى بالنبي صلى الله عليه وسلم الرؤوف الرحيم بأمته أن يكتفي بالدعاء له، لئلا يفتح بابا قد يؤول إلى الشرك؟!

ولعل الألباني أدرك هذا الإشكال فأجاب بأنه إنما علّمه الدعاء وأرشده إلى الوضوء والصلاة والدعاء ليكون أضمن للإجابة، وليُعلِّم الأعمى أن يتوسل بالعمل الصالح لئلا يتكل على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم [3].

قلتُ: فما بال رسول الله لم يُعلّم ذلك الأعرابي الذي جاء يشكو الجدب في حديث أنس السابق أن يتوضأ ويصلي ويدعو لئلا يتكل على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ؟! بل لِم لم يأمر الصحابة بالوضوء والصلاة في هذا الحديث وأمثاله قبل أن يدعو لهم لنفس السبب الذي ادعاه الألباني؟

فإن قلتم: إن حديث أنس فيه توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم مباشرة، وفي حديث الأعمى توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى التوسل الأعمى بالعمل الصالح من وضوء وصلاة ودعاء، والتوسل بدعاء الغير والتوسل بالعمل الصالح نوعان جائزان عندنا، غاية ما في الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم الأعمى توسلا آخر مشروعا وهو أن يقرن توسله بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم بتوسله بالعمل الصالح.

قلنا: هذا إقرار منكم بأن حديث الأعمى ليس من باب حديث أنس وأمثاله من الأحاديث، وهذا خلاف ما قررتم من قبل أنهما من باب واحد؛ أما وأنكم سلّمتم بأن بأنهما ليس من باب واحد، فنحن ندعي أن حديث أنس وأمثاله هو توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث الأعمى فيه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وهذا أولى مما ادعيتموه، لأن ما ذكرتم من أن الأعمى توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما هو إلا افتراض افترضتموه بناء على قولكم إنه وعده بالدعاء وأنه هو أحق من وفى بوعده؛ وهذا ليس متعينا إذ يمكن أن يكون دعا النبي صلى الله عليه وسلم له وعلمه أيضا أن يدعو بذلك الدعاء لئلا يتكل الأعمى على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بمفرده، تماما كما قال الألباني من قبل إنه علمه الدعاء والوضوء والصلاة لئلا يتكل على دعاء النبي صلى الله عليه وسلم فقط.

أو يمكن أن نحمل قوله “دعوت لك” أي علّمتك دعاء تقوله، فإن قلتم هذا تأويل للحديث، قلنا وأنتم أوّلتم قوله ” وأتوجه إليك بنبيك ” فقلتم أي بدعاء نبيك، فحملتم قوله “إن شئتَ دعوتُ لك” على ظاهره وأوّلتم قوله ” وأتوجه إليك بنبيك ” فحملتم الثاني على الأول، وهذا ليس بأولى من حمل الأول على الثاني، أي أننا نعكس فنؤول قوله “إن شئتَ دعوتُ لك” فنقول معناه علّمتك دعاء، ونحمل قوله ” وأتوجه إليك بنبيك ” على ظاهره.

بل تأويلنا أولى لأمرين: الأول أنه لو كان كما زعمتم لقال الأعمى: يا الله إني أتوجه إليك بنبيك، أي بدعاء نبيك على قولكم، ولم يقل: يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي.

الثاني: أنه ليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، ولكن في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه الدعاء، فعلمنا أن معنى قوله “إن شئت دعوت..” أي علمتك الدعاء، بدليل أن هذا الذي حَدَث وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم علّمه دعاء لا أنه دعا له، فعَلِمنا أن وعْده بالدعاء مجاز عن تعليمه الدعاء، والذي سوّغ هذا المجاز أن الدعاء الذي علمه رسول الله للأعمى طالما أن فيه توسلا بالنبي صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فلذلك قال “إن شئت دعوتُ لك”؛ ولذلك قال الأعمى في آخر الحديث: اللهم فشفّعه فيّ؛ أي هذا الدعاء الذي دعوتُه فيه توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فاقبل دعاءه ورد بصري [4].

وبذلك يُعلم الجواب عما ملأ الألباني به ضجيجا من أن قوله “فشفعه فيّ” دليل على التوسل بدعاء النبي لا بالنبي نفسه، بحجة أن معناه: اقبل دعاءه فيّ، لأن الشفاعة في اللغة الدعاء[5].

قلنا: هذا غير متعين، بل لقائل أن يقول: إنما قال الأعمى “فشفعه فيّ” لأنه حين توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه الذي علمه إياه، كأنّ النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، فالأعمى و كُلُّ من يتوسل إلى الله في دعائه بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته هو يتوسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علّمه للأعمى؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن لا يَحرِم أحدا من أمته من أن يدعو له النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فعَلّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الأعمى هذا الدعاء ليكون سنة لمن بعده، فكل من أراد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له، ما عليه إلا أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول الدعاء الذي علمه للأعمى، فيكون كأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن شئت دعوتُ لك” وأراد بذلك توسل الأعمى به في دعائه الذي علمه إياه رسولُ الله والذي فيه صيغة التوسل ” وأتوجه إليك بنبيك …..”، فعَلِمنا أن من يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فكأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له؛ فبطل ضجيج الألباني، والله أعلم.

خامسا: ……..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] وكذا قالوا في توسل عمر بالعباس، انظر: التوسل للألباني ص52

([2]) صحيحح البخاري (983)، كتاب الاستسقاء، باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء.

[3] التوسل للألباني ص71

[4] أو يكون معنى “فشفعه فيّ” أي اجعله شفيعا لي أولا، فاقبل شفاعته فيّ ثانيا؛ ليتم المقصود والله المحمود. انظر الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 4/303، لابن علان، دار إحياء التراث العربي ببيروت.

[5]التوسل للألباني ص73.

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/410465702400791

السابق
معاني (يقال)
التالي
قيل في الصمت