حكم الاستغاثة ودعاء غير الله

نسف خرافة الوهابية بأن المشركين كفروا لأنهم كانوا يتوسلون ويستغيثون ويستشفعون بالأنبياء والصالحين.

فإذا كان المشركون من كل الأمم يُنكرون أصلَ الرسالة والرسل، ويسبونهم ويرمونهم بالسفاهة والضلال والجنون ويحاربونهم ويتشاءمون منهم فكيف يتوسلون ويتشفعون بهم؟! أم كيف يتوسلون بالأولياء؟!! إذ الأولياء هم خُلّص أتباع الأنبياء فكيف يتوسلون بالأولياء إذا كانوا ينكرون الأنبياء ويحاربونهم ويحاربون أتباعهم؟! إن هذا لمن أعجب العجب..!!!

وردني سؤال آخر عن الوهابية بأنهم يقولون بأن الامام الرازي رضي الله عنه نسب المستغثين بالصالحين الى الشرك في تفسيره حيث قال: أنه متى مات منهم رجل كبير يعتقدون فيه أنه مجاب الدعوة ومقبول الشفاعة عند الله تعالى اتخذوا صنما على صورته يعبدونه على اعتقاد أن ذلك الإنسان يكون شفيعا لهم يوم القيامة عند الله تعالى على ما أخبر الله تعالى عنهم بهذه المقالة في قوله: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وقيل: إنهم وضعوا هذه الأصنام والأوثان على صور أنبيائهم وأكابرهم، وزعموا أنهم متى اشتغلوا بعبادة هذه التماثيل فإن أولئك الأكابر يكونون شفعاء لهم عند الله. قال الرازي: “ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله”. أريد الجواب الكافي الشافي الحاسم.اهـ

قال وليد – رأف الله به وبكم جميعا -: كنت قد ناقشت في كتابي الكبير حول نظرية تقسيم التوحيد، ناقشت هذا الكلام ضمن جملة نصوص لبعض المتكلمين كالرازي والشهرستاني والجرجاني والتفتازاني حاصلها أن المشركين كان يتشفعون ويعبدون الصالحين، وقد استشهد مرارا بها بعض الوهابية كدمشقية منتشيا بها لأنها توافق ما يقوله ابن عبد الوهاب ومن قبله ابن تيمية في نظريته لتقسيم التوحيد، ولكني رددت على دمشقية وأمثاله وبينت أنه يدلس ويجتزأ النصوص كعادته .. وسأنشر لاحقا ما كتبه في هذا الخصوص بعون الله.

ولكن أنشر هنا بعض ما كتبته قبل ذلك في كتابي حول نقض:

دعوى أن المشركين كانوا يتشفعون بالصالحين

حيث قلت هناك: من المقدمات والدعاوى التي قامت عليها نظرية ابن تيمية في تقسيمه التوحيد هو أن المشركين “كانوا يتخذون من دون الله شفعاء من الملائكة والأنبياء والصالحين[1]. وكانوا يقولون “نحن نستشفع بهمبعد مماتهم”[2]. فهم “يعتقدون أن هذه تماثيل قوم صالحين من الأنبياء والصالحين، ويتخذونهم شفعاء، ويتوسلون بهم إلى الله، وهذا كان أصل شرك العرب”[3]. وهذا الشرك يتمثل في “قصْدهم الملائكة ، والأنبياء ، والأولياء ، يريدون شفاعتهم والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم([4])”.

لا يقال العرب كانت تتشفع بالأصنام والأحجار وتعبدها دون سواها؛ لأن العرب “إنَّما اتَّخذوا الأصنام تماثيل أو تذاكير للملائكة..وطمعوا أنَّ تعظيمهم لها يقرِّبهم من الملائكة، فيشفعوا لهم”[5]. بمعنى أنهم “إنما عظموا الأصنام على أنها تماثيل أو تذاكر للإناث الوهميات التي هي في زعمهم بنات الله عز وجل، وهي عندهم الملائكة “[6]، فالمعبود “لهم لم يكن هذا الحاضر من الصنم المنحوت من الحجر أو الخشب، بل المعبود إنما كان ذلك الغائب الذي صوروه وجعلوا له صنمًا[7]. فكان “ قصدهم هؤلاء الأنبياء والصلحاء دون الأحجار[8]. فالأوثان “والأنصاب إنما نحتت وصورت وعبدت حبا وغلوا في الصالحينكما فعل قوم نوح بود وسواع ويغوث ويعوق ونسر لأنهم رجال صالحون”[9]. فالخلاصة أن المشركين “ كان شركهم شرك شفاعة وتوسل إلى الله بالصالحين أنبياء وأولياء لمكانتهم ووجاهتهم عند الله”[10].

قال وليد – وفقه الله -: قد نقضت هذه الدعوى في كتابي من أوجه وأدلة كثيرة أقتصر على أول دليلين منها يدلان على أن المشركين ما كانوا يعبدون الأنبياء ولا الأولياء وإنما كانوا يعبدون الجمادات.

الدليل الأول:أن المشركين ومن كل الأمم كانوا أصلا “منكرين لبشرية الرسل، ويعتقدون أن الرسل ليسوا من جنس البشر”[11] ويزعمون أنها لا بد أن تكون من الملائكة. وقد بيّن الله “عجبهم من إرسال رجل وبين في مواضع أخر أن جميع الأمم عجبوا من ذلك..وصرح بأن هذا العجب من إرسال بشر مانع للناس من الإيمان”[12]، ولم يكونوا ينكرون الرسلَ والأنبياء فحسب، بل “ما زال المشركون يسبون الأنبياء ويصفونهم بالسفاهة والضلال والجنون إذا دعوهم إلى التوحيد”[13]. بل كانوا “يقاتلون الأنبياء، وأتباعهم، ويمانعونهم، ليصيروهم إلى العجز عن أمر الله”[14].

عِلاوة على أن المشركين من سائر الأمم ” كانوا يتطيرون بالأنبياء والصالحين، قال قوم صالح له: {اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ} [النمل: 47]”[15]، “أي: ما رأينا على وجهك ووجوه من اتبعك خيرًا وذلك أنهم لشقائهم كان لا يصيب أحدًا منهم سوء إلا قال هذا من قبل صالحٍ وأصحابه. قال مجاهد: تشاءموا بهم وهذا كما قال تعالى إخبارًا عن قوم فرعون: {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ} [الأعراف: 131]”[16]، “أي: يتشاءمون بهمويقولون ما أصابنا هذا إلا بسببهم، بل قريش تطيرت بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث أخبر الله تعالى عنهم {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ} [النساء: 78] أي: يقولوا هذه بشأمك”[17].

ولذلك عُدّ من خصال الجاهلية “التشاؤم بالرسل وأتباعهم[18]. وكذلك فإن “فرعون وقومه إن أصابتهم سيئة أي قحط وجدب ونحو ذلك، تطيروا بموسى وقومه فقالوا: ما جاءنا هذا الجدب والقحط إلا من شؤمكم..وبيّن تعالى أن شؤمهم من قِبل كفرهم، ومعاصيهم، لا من قِبل الرسل؛ قال في «الأعراف»: ألا إنما طائرهم عند الله، وقال في سورة «النمل» في قوم صالح: قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون، وقال في «يس»: قالوا طائركممعكم”[19].

فإذا كان المشركون من كل الأمم يُنكرون أصلَ الرسالة والرسل، ويسبونهم ويرمونهم بالسفاهة والضلال والجنون ويحاربونهم ويتشاءمون منهم فكيف يتوسلون بهم؟! أم كيف يتوسلون بالأولياء؟!! إذ الأولياء هم خُلّص أتباع الأنبياء فكيف يتوسلون بالأولياء إذا كانوا ينكرون الأنبياء ويحاربونهم ويحاربون أتباعهم كما سبق؟! إن هذا لمن أعجب العجب..!!!

فإن قلتم: ولكن مشركي قريش كان يُقرون ببعض الأنبياء كإبراهيم الخليل عليه السلام. قلت: هذا غير ثابت بل عموم الآيات السابقة ترده إذ هي تدل على أن أصل فكرة أن يرسل الله رسولا أو نبيا من البشر: ممتنع عندهم، حتى على فرض ثبوته فهذا يدل على اضطرابهم وتناقضهم في فكرة الرسالة كما اضطربوا في قضية الألوهية وإثبات وجود الله كما سبق[20]، ولذا يقول الألوسي عند قوله تعالى {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا} [الإسراء: 94]: وظاهر ذلك أن القوم لا يقولون في رسالة أحد من الرسل المشهورين كإبراهيم وموسى عليهما السلام أصلا وصرح بعضهم بأنهم لم ينكروا إرسال غيره منهم وبأن قولهم هذا كان تعنتا وهذا خلاف الظاهر هنا ولعل القوم كانوا في ريب وتردد لا يستقيمون على حال فتدبر[21].اهـ

الدليل الثاني: قوله تعالى { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ } [الزمر: 43] فنصّ الله نصا على أن هؤلاء الذين يستشفع بهم المشركون “لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ” فالآية صريحة جدا بأن آلهة المشركين “ليس لها عقل تعقل به ولا سمع تسمع به ولا بصر تبصر به بل هي جمادات أسوأ حالا من الحيوان بكثير”[22]. وهذا أقر به مفسرو السلفية، قال صديق خان: “(ولا يعقلون) شيئاً من الأشياء لأنها جمادات لا عقل لها”[23]وكذا قال الشوكاني[24]، وقال السعدي: “{لا يملكون شيئا } ..بل وليس لهم عقل، يستحقون أن يُمدحوا به، لأنها جمادات من أحجار وأشجار وصور وأموات، فهل يقال: إن لمن اتخذها عقلا؟ أم هو من أضل الناس وأجهلهم وأعظمهم ظلما؟”[25]، ولو كانت ترمز تلك الجمادات لرجال صالحين لردّ المشركون الآيةَ بالقول: معبودنا ليس “هذا الحاضر من الصنم المنحوت من الحجر أو الخشب، بل المعبود إنما كان ذلك الغائب[26]” النبي أو الولي.اهـ

كذا قلت في كتابي الكبير .. طبعا والمسألة بسطتها بكلام كثير هناك كما أشرت ولكن أكتفي بهذا القدر هنا في هذا المقام، بقي أن أرد على شبهة أن بعض الأشاعرة قالوا بأن المشركين كانوا يتشفعون بالصالحين كما جاءني في السؤال ..وهذا ما سيكون موضوع المنشور اللاحق بحول الله

انظر اللاحق https://www.facebook.com/…/permalink/3075791962534805/

وانظر أيضا: https://www.facebook.com/…/permalink/3071233819657286/

——

[1] مجموع الفتاوى (1/ 150)

[2] مجموع الفتاوى (1/ 150)

[3] شرح الطحاوية – ط الأوقاف السعودية (ص: 31)

([4]) كشف الشبهات لمحمد بن عبد الوهاب ص16

[5] آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني (6/ 177)

[6] آثار الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيي المعلمي اليماني (2/ 500)

[7] جهود علماء الحنفية – (1 / 504(

[8] عداء الماتريدية للعقيدة السلفية 3/ 198

[9] انظر بحث المدخلي بعنوان: منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة (31/ 174).

[10] موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 135)

[11] جهود علماء الحنفية (2/ 894)

[12] أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (2 / 381)

[13]مجموع الفتاوى (15/ 48)

[14] أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (5/ 790)

[15] شرح مسائل الجاهلية للحازمي (15/ 28، ت.ش)

[16] تفسير القرآن العظيم لابن كثير (10/ 414)

[17] شرح مسائل الجاهلية للحازمي (15/ 28، ت.ش)

[18] زوائد مسائل الجاهلية لعبد الله درويش (ص: 12)

[19] أضواء البيان في تفسير القرآن بالقرآن (2/ 389)

[20] يقول القرطبي في تفسيره ط/ الرسالة (12/ 47): في أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول للمشركين: ” قل من رب السماوات والأرض” ثم أمره أن يقول لهم: هو الله إلزاما للحجة إن لم يقولوا ذلك، وجهلوا من هو.اهـ

[21] روح المعاني (15/ 171)

[22] تفسير القرآن العظيم لابن كثير (12/ 134)

[23] فتح البيان في مقاصد القرآن (12/ 122)

[24] فتح القدير للشوكاني (4/ 535)

[25] تفسير السعدي (ص: 726)

[26] جهود علماء الحنفية لابن قيصر الأفغاني (1 / 504)

السابق
اجتمع الموحِّدُون من أهل القبلة وغيرهم على فساد وَصْفِ الله تعالى بالحركة والسكون/ منقول
التالي
[6] هل صحيح ما زعمه ابن عبد الوهاب وأتباعه من أن من ينطق بكلمة التوحيد “لا إله إلا الله ” ولا يعرف المعنى الصحيح لها الذي كان يعرفه أبو جهل وسائر المشركين فهو كالحمار يحمل أسفارا وهو أشد كفرا وشركا من أبي جهل وأبي لهب ….؟!!