(من مذكرات الشيخ المحقق الدكتور محمود ميرة رحمه الله تعالى)
مع نسختي المستدرك بصنعاء اليمن
عندما قرأتُ المطبوع من المستدرك وجدت فيه أخطاءً وتقصيرًا، وعدم اعتمادٍ على نسخة مخطوطة موثقة من المستدرك، والنسخ كلها التي اعتمد عليها الطابِعون لطبعة دائرة المعارف متأخرة وغير موثقة، وغير متَّصلة السند.
لذلك اضطررتُ للبحث عن مخطوطات، فاهتديتُ إلى نسختين في صنعاء عاصمة اليمن، وقالوا قديمًا: لا بدَّ مِنْ صَنْعَا وَإِنْ طَالَ السَّفَرْ.
فذهبتُ إلى صنعاء ورحلتُ إليها، فوجدت في هذه الرحلة منَ الغرائب والنوادر ما يحسن ذكره ..
صورت نسخة آل الوزير، ونسخةً من المراوعة من آل عبد الباري، والنسخة العائدة لآل عبد الباري تامَّةٌ، والنسخةُ الثانية ساعدَني على تأمين تصْويرها في بيتِه الشَّهمُ الكريمُ النَّبيلُ الشَّيخُ الأكْوعُ، فقد أَبى إلّا أن يُنزلَني ضيفًا عليْه في بيته، وجعلَني أقوم بعملي، وكانَ أمينًا للمكتبةِ الشّمالية في الجامع الكبير في صنعاء، ونسخة آل الوزير كانت مُصادَرةً في مكتبة الإمام ثمَّ آلتْ إلى هذه المكتبة، وقد بحثتُ عنها وأخرجتُها.
وبعدَ الجمعِ لأجزائها وجدتُها تنقصُ القسمَ الأخيرَ من كتابِ معْرفة الصحابة إلى آخر المستدرك، ثمَّ بعد ذلك تفقَّدتُ المكتبة الشمالية فوجدتُ فيها جزءًا من القسم الأَخيرِ بعنْوان كتاب “معرفة الصحابة” ثمَّ تحقَّقتُ أنَّهُ متمِّم للأجزاء الأولى من نُسخة آل الوزير، وألحقتُه بِها، وكتبتُ عليه بخطّي أنَّه تتمَّة للنُّسخة، لكن معَ هذا بقيتِ النسخة ناقصةً.
ونسخة آل عبد الباري تعبتُ في تصويرها، وهي نسخةٌ موزَّعة مقسَّمةٌ، فحاولتُ بقدْرِ الإمكان أن أبذلَ جهدي لتصْويرها، وقد صورتُها كاملةً، وصورت بعضَ النَّوادر التي وجدتُها أثناءَ بحْثي في فهرس المكتبتَين أو في الأكْياس التي كانت مليئةً بالأجْزاء التي كانت في الجزءِ المُصادَرِ وقد وجدتُه في حالةٍ يُرثَى لها.
والمكتبةُ الشمالية أُصيبتْ بِقذيفةٍ وخلفتْ آثار دمارٍ أثَّرت على بعض المخطوطات، والأمرُ بقِيَ كما هُو لم يستطِعْ أحدٌ أن يصلح ما هُدِمَ، أو يَستدركَ ما فَسَدَ.
ومثل هذا وقع في مكتبة خاصَّة فيها نسخة تامَّة من “سير أعلام النبلاء” زُرتُها في اليمَن فكانتْ خزانتها كلها متراميةً على بعضِها لا تَستطيعُ أن تَستفيدَ منها إلا بعدَ جَهْدٍ وعَناءٍ، وقد حاولتُ أن أكتشِفَ بعضَ المخْطوطاتِ فيها، وذكرت ذلك لبعضِ الكُتْبيّينَ فاستفادَ منْها.
وعلمتُ قِصصًا أَذكُرُ بعضَها: علمتُ أنَّ هناك صيدليًّا منْ إيطاليا كان يَبيعُ الأدويةَ بالكُتبِ المخْطوطةِ فيُعطيهِ النّاسُ كتابًا مَخْطوطًا ثمنًا لِدواءٍ هو يقدِّرُه، واستطاعَ أن يَسرقَ عَددًا مِن مخْطوطاتِ اليَمنِ.
وذكر لي شيْخي وأُستاذي الدكتور يوسف العُش بِجامعة دمشق في كلية الشَّريعةِ أنَّه وضعَ فهرسًا لمكتبة الفاتيكان فوجدَ فيها بعضَ المخْطوطات النَّادرة من مكتباتِ اليمن، منْها أصْل كتاب “المحلَّى” لابنِ حزم: “الإيصال”، قالَ: وجدتُ الجزءَ الأوَّلَ في مكتبة الفاتيكان من “الإيصال: وأصله مأخوذ من اليمن.
وذكرَ لي الشيخ العمري وهو قاضٍ معمَّر أنَّ نسخةً من “المعجَم الكبير” للطَّبراني رآها بعيْنِه في اليمن، ثم فُقِدَتْ بعد ذلك، ولم نعلَمْ أينَ مقرُّها الآن.
(فرغه محمود النحال)
رحم الله شيخنا د محمود ميرة رحمة واسعة وكذلك كان يمتلك نسخة المحمودية الأصل وهي مقروءة في الدرعية قرأها ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بكاملها في سنة 1232هـ والسماع مثبت عليها بخط الشيخ ثم انتقلت إلى المحمودية وهي الآن مستقرة في مكتبة أحمد الثالث في استنبول وختم المكتب واضح كالشمس على الصفحة الأولى وفي أماكن آخر.