فوائد في العقيدة وعلم الكلام

ما القاعدة العقلية التي أسسها الإمام الرازي ومشى عليها واستفاد منها سائر الِفرق، مع أمثلة تطبيقية لها؟

نعم هي : “بطلان الدليل لا يعني بطلان المدلول” وإليك بيان ذلك. كتب أحدهم: “القاعدة الثانية … الإمام الرازي مؤسس طريقة المتأخرين من أهل السنة القائلين بأن بطلان الدليل لا يعني بطلان المدلول قال العلامة ابن خلدون في مقدمته في باب علم الكلام ما ملخصه أن أهل السنة على طريقتين 1- طريقة المتقدمين كالشيخ أبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر الباقلاني والآستاذ أبي إسحق الإسفراييني حيث ذهبوا إلى أن أدلة العقائد منعكسة بمعنى أن بطلان الدليل يعني بطلان المدلول وجعل القاضي أبو بكر المقدمات العقلية مثل إثبات الجوهر الفرد والخلاء ، وأن العرض لا يقوم بالعرض ، وأنه لا يبقى زمانين ، وأمثال ذلك ، جعل هذه القواعد تبعاً للعقائد الإيمانية في وجوب اعتقادها ، وجعل القدح فيها قدح في العقائد لابتنائها عليها.

2- أما طريقة المتأخرين من لدن الإمام الغزالي والإمام الرازي فمن بعدهم فإنهم : أنكروا انعكاس الأدلة ، ولم يلزم عندهم من بطلان الدليل بطلان المدلول ، بل واستدلوا على إبطال كثير من تلك المقدمات الكلامية كالجوهر الفرد والخلاء وبقاء الأعراض وأتوا بأدلة أخرى صححوها بالنظر والقياس العقلي ولم يقدح ذلك عندهم في العقائد السنية بوجه . انتهى كلام ابن خلدون بتصرف.

إذن فطريقة الإمام الرازي تعتمد على أن : بطلان الدليل لا يعني بطلان المدلول أو انتفاء الدليل لا يعني انتفاء المدلول أو عدم الدليل لا يعني عدم المدلول وكلها عبارات بمعنى واحد كما لا يخفى عليكم وهذه القاعدة أفرد الإمام الرازي لها ورقاتٍ في مقدمات كتابه نهاية العقول وأطال في الاستدلال لها وجوّد ذلك جدا ، ثم هو في فصول الكتاب يحيل إليها كثيرا بأدنى إشارة.

وكان محمود الخوارزمي المعتزلي ذاهبا إلى أن ما لا دليل عليه يجب نفيه وعلى هذا مشى في كثير من كتابيه المعتمد والفائق في أصول الدين فكان رد الرازي عليه في كل مرة بإبطال القاعدة من أساسها والإحالة إلى الموضع الأول الذي أبان فيه ذلك . بل وفي مناظرة الإمام الرازي لبعض النصارى علمّه الإمام هذه القاعدة وأفهمه إياها ثم أقام عليه الحجة بها (التفسير الكبير 8/70 ) وقد استفاد كثيرون هذه القاعدة بتقريرها من الإمام الرازي فمن هؤلاء :

1- الإمام الآمدي في أبكار الأفكار

2- العلامتان الإيجي و الشريف الجرجاني في المواقف وشرحها

3- الشيخ تقي الدين ابن تيمية الحنبلي في مواضع من كتبه

4- تقي الدين العجالي المعتزلي في كتاب الكامل في الاستقصاء ص 322

5- يحيى بن حمزة الزيدي في كتابيه التمهيد والشامل بل إنه اقتبس مقدمات نهاية العقول للرازي كلها ولخصها في مقدمة التمهيد والشامل

6- حسن بن يوسف بن المطهر الحلي في مباحثه وهكذا استفاد من الرازيِ : الأشعريُ والحنبليُ والمعتزليُ والزيديُ والإماميُ !

وهذه القاعدة مهمة جدا ؛ لأن الإمام يطيل في بيان الأسئلة والأجوبة ويستقصي استقصاء عجيبا ثم يجيب على الإيرادات، وأحيانا لا يجد جوابا فيتوقف في قوة الدليل ودلالته لا المدلول ، وقد يعدل إلى دليل آخر عقلي أو سمعي وأضرب لك أمثلة مهمة :

1- مسألة الرؤية يثبت الإمام وقوعها في الآخرة للمؤمنين قولا واحدا لكن مباحثته في كيفية الاستدلال فهو لا يسلم بدليل الوجود ويورد عليه أربعة عشر سؤالا دقيقا في الأربعين في أصول الدين بل ويقول : “وأنا غير قادر على الإجابة عنها فمن أجاب عنها أمكنه أن يتمسك بهذا الدليل” ثم ينزع إلى الدليل السمعي فيثبت به الرؤية ويكتفي به. … الأربعين ( 1/278) وهو في كل ذلك مثبت للرؤية أولا وآخرا ، وإنما كلامه في تحرير الأدلة و تنقيحها، نعم رد التلمساني في “شرح لمع الأدلة” على إشكالات الرازي الأربعة عشر لكن هدفنا هنا بيان طريقة الإمام الرازي لا المسألة نفسها. كذا في: http://www.aslein.net/showthread.php?t=15830&highlight=%C7%E1%C8%C7%DE%E1%C7%E4%ED وانتظر أمثلة أخرى

السابق
الوجه السابع في بطلان ما تدعيه السلفية المعاصرة من حجية فهْم السلف للكتاب والسنة.
التالي
تنزيل ملف نماذج من التجسيم عند ابن تيمية (جمع الشيخ ياسين بن الربيع وفقه الله)