مقالات حول حجية فهم السلف

الوجه السابع في بطلان ما تدعيه السلفية المعاصرة من حجية فهْم السلف للكتاب والسنة.

إن قولكم بأن فهم القرآن موقوف على فهم السلف يلزم منه أن ألفاظ القرآن لا يستفاد منها اليقين قط، وإنما يستفاد منها اليقين شريطة فهم السلف لها، وهذا إلغاء للقرآن والسنة دون فهم السلف، كالصلاة من غير طهارة، ما قيمتها؟ وهكذا هنا القرآن دون فهم السلف ما قيمته؟ وهذا في غاية الشناعة والسقوط، وهو أقل بكثير مما استشعنه ابن تيمية وتلميذه ابن القيم على الإمام فخر الدين الرازي حين قال: إن اليقين لا يستفاد من الألفاظ حتى تنتفي الاحتمالات العشرة عنها من المجاز والاشتراك والتخصيص والنسخ. . . إلى ألخ (1) ، وقد اشتد نكير ابن تيمية (2) ، ومن بعده ابن القيم على الرازي وكان مما قال ابن القيم: “من ادعى أنه لا طريق لنا إلى اليقين بمراد المتكلم لأن العلم بمراده موقوف على العلم بانتفاء عشرة أشياء فهو ملبوس عليه مُلبّسٌ على الناس فإن هذا لو صح لم يحصل لأحد العلم بكلام المتكلم قط وبطلت فائدة التخاطب وانتفت خاصية الإنسان وصار الناس كالبهائم بل أسوأ حالا. . وهذا باطل بضرورة الحس والعقل وبطلانه من أكثر من ثلاثين وجها (3).

قال وليد: فهذا كله لازم لكم في قولكم بأن فهم الكتاب والسنة موقوف على فهم السلف، للثلاثين وجها نفسها التي ذكرها ابن القيم ردا على الرازي، بل يلزمكم ذلك من باب أولى؛ لأن الرازي إنما قال: إن اليقين لا يستفاد من الألفاظ إلا بعد انتفاء الاحتمالات العشرة، وإنما يستفاد منها الظن الغالب قبل انتفائها، ويستفاد منها اليقين بعد انتفائها، وأما أنتم فلا تستفيدون ظنا ولا يقينا من ألفاظ الكتاب والسنة قبل فهْم السلف حتى ولو انتفت الاحتمالات العشرة، وهذا أشنع مما استشنعتموه على الرازي كما هو ظاهر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) المحصول للرازي – (1/408).

(2) مجموع الفتاوى لابن تيمية (4/104)، (11/337)، (13/140).

(3) ثم ذكرها، انظر: إعلام الموقعين (3/109)، وقال ابن القيم أيضا في الصواعق المرسلة2/640: “ولا يعرف أحد من فرق الإسلام قبل ابن الخطيب (أي الرازي) وضع هذا الطاغوت وقرره وشيد بنيانه وأحكمه مثله!

السابق
[1] هل صحيح أن تأويل الأشاعرة هو من قبيل التحريف؟
التالي
ما القاعدة العقلية التي أسسها الإمام الرازي ومشى عليها واستفاد منها سائر الِفرق، مع أمثلة تطبيقية لها؟