[2] هل صحيح أن الأشاعرة لم يهتموا ببيان الشرك في كتبهم ولا حذّروا من عبادة غير الله، ولذلك وقعوا فيه؟
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/400231460090882
نعم هذا مسلّم إن كنتم تقصدون بالشرك مسائل القبور كالسفر إليها والتبرك والاستغاثة والطواف بها والذبح لها ونحو ذلك، كما زعم ذلك د. عبد الرحمن المحمود حيث قال في كتابه موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 977): وهذا المنهج الخطير الذي سلكه الأشاعرة أثر في كتاباتهم العقدية، فقلما تجد لعالم من علمائهم كتابا أو رسالة في بيان توحيد العبادة، وأنواع العبادة التي لا يجوز صرفها إلا لله، أو في بيان الشرك وأنواعه، أو حكم السفر لزيارة القبور والدعاء والنذر لها، بل على العكس من ذلك تجد الكثير فهم يميل إلى مثل هذه الشركيات أو ما هو من وسائله.اهـ
قال وليد: نحن نسلّم أن الأشاعرة لم يدرجوا هذه المسائل في كتب العقائد ولم يجعلوها من الشرك، وقد أصابوا في ذلك، لأن هذه مسائل هي مسائل فقهية، فموضعها كتب الفقه التي تبين الحلال من الحرام، فهناك ذكر الفقهاء أحكامها، بل أجازوا معظمها على تفصيل في ذلك، وربما ندبوا إلى بعضها لأدلة ناهضة استدلوا بها من الكتاب والسنة مقررة في موضعها.
وأول من حظر هذه المسائل وغلا فيها فجعلها من مسائل العقيدة واعتبرها شركا أو ذريعة إليه هو ابن تيمية المتوفى سنة (728هـ) الذي انطوى مذهبه بعد وفاته ووفاة من تأثر به من تلامذته كابن القيم المتوفى سنة (751هـ)، ومن بعده ابن أبي العز الحنفي المتوفى (792هـ) ثم اندثر مذهب ابن تيمية ما يقارب خمسة قرون إلى أن جاء ابن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري فأحيا مذهب ابن تيمية من جديد وراح يكفر المسلمين من أجل مسائل القبور، بل ذهب أبعد من ذلك، إذ حمل السلاح هو وشيعته وراح يذبّح المسلمين ويمعن في استحلال دمائهم وأموالهم وأعراضهم تطبيقا لفتاوى ابن تيمية في مسائل القبور التي أعجب بها ابن عبد الوهاب.
فيا عجبا كيف تشنعون على الأشاعرة لأنهم لم يتابعوا ابنَ تيمية في أمر ابتدعه وشذ فيه، وهو اعتباره لمسائل القبور من مسائل العقيدة وأنها تقدح في الإيمان والتوحيد وتفضي إلى الشرك!!!!
ثم لئن كان هذا التشنيع لازم للأشاعرة المتأخرين ممن جاؤوا بعد ابن تيمية وبلغهم فتاواه في مسائل القبور واعتباره لها من الشرك، فلم يقلدوه في ذلك، فكيف يلزم هذا التشنيعَ على الأشاعرة الذين سبقوا ابن تيمية، ولم يبلغهم نظريته المبتدعة في تقسيم التوحيد ولا ما ترتب عليها من مسائل خطيرة كمسائل القبور التي كفّر بها الناسَ، وشنّع هو وأتباعه على الأشاعرة لعدم متابعتهم له في ذلك؟ إن الله قال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15]، أفيبلغ ابنُ تيمية مبلغا أكبر من رُسل الله الذين لا يؤاخذ المرء بشرائعهم إلا بعد أن يُرسَل أحدُهم إلى المكلف ويبلغه ما يلزمه ما لا يلزمه؟! فكيف إذن ينكر ابنُ تيمية وأتباعه على غيره من الأئمة الذين سبقوه لعدم متابعتهم له فيما ابتدعه من مسائل القبور؟!
ثم إن تشنيعكم على الأشاعرة لأنهم لم يدرجوا مسائل القبور في كتبهم ولم يعتبروها شركا، أقول: إن هذا التشنيع والنكير لا يلزم الأشاعرةَ فحسب إذ ليسوا هم وحدهم من تفرد بذلك، ولا وافقهم على ذلك الماتريدية والصوفية وغيرهم من الفِرَق فحسب، بل معهم أيضا السلف من الصحابة والتابعين وأتباعهم من أهل القرون الثلاثة المفضلة فهؤلاء لم يعتبروا مسائل القبور شركا[1]، ولا فهموا ذلك من الآيات والأحاديث التي يستدل ابن تيمية بها على ذلك، وقد بسطت ذلك في الكلام على الاستغاثة، وبينت أن كل الآيات التي استدل بها ابن تيمية على هذه المسألة لم يفهم أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أتباعهم ما فهمه من أنها دالة على حرمة وشرك من يدعو الغائبين والأموات.
ومع الأشاعرة أيضا أهل الحديث والحنابلة الذين يرتضيهم ابن تيمية ويُعوّل على كتبهم في العقيدة أمثال الدارمي وابن خزيمة وابن بطة وابن مندة والسجزي والطلمنكي وابن عبد البر والطحاوي وابن جرير الطبري وابن قدامة وابن خويزمنداد والآجري وابن أبي عاصم وغيرهم، فكل هؤلاء لا تجد في كتبهم ما تجده في كتب ابن تيمية وأتباعه من تقسيم التوحيد إلى توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية، ولن تجد عندهم أيضا أن التبرك بالقبور شرك، وكذا السفر إليها أو الاستغاثة بها أو الطواف بها أو الذبح لها أو نحو ذلك من مسائل القبور[2]؛ فتشنيعكم لازم لكل هؤلاء المحدثين والحنابلة.
بل لن تجد في كتب هؤلاء المحدثين والحنابلة ذكرا لمسائل القبور قط لا من قريب ولا من بعيد، بل لدى الاستعانة بالحاسوب وبعد البحث عن كلمة “قبور” ولواصقها في الكتب التالية: ………. انتظر هذه الإحصائية الهامة للغاية.
وانظر السابق: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=581336285230564&id=551774174853442&fref=nf
انظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/400682736712421/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] نعم قد تجد رواية هنا أو هناك عن فلان أو فلان من السلف كره هذه المسألة أو تلك من مسائل القبور كراهة تنزيهية أو تحريمية على أكبر تقدير ولكن لا يصل إلى حد الحكم بالشرك أو الكفر كما يزعم ابن تيمية، كما أن هذا معارض بأثار كثيرة عن السلف أجازوا كثيرا من مسائل القبور التي حظرها ابن تيمية وجعلها شركا أو ذريعة إليه.
[2] بل على العكس ربما تجد في كتبهم جواز بعض مسائل القبور التي يرى ابن تيمية أنها شرك أو ذريعة إليه، فابن قدامة أجاز شد الرحال لزيارة القبور، وابن خزيمة كان حين يزور مقام علي الرضا يظهر من الخشوع والتضرع ما يتعجب منه تلميذه ابن حبان ومن معه، وابن عبد البر أجاز الصلاة في المقابر، وهكذا مما هو مبين في موضعه.