مقالات في الرد على نظرية تقسيم التوحيد وما بني عليها

(4) التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى”*

(4) التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى”*

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/420993151348046/

الوجه الرابع: من أركان الحج الوقوف بعرفة، بل “الحج عرفة” كما في الحديث([1])، ولِم نقفُ بعرفة؟ إننا نقف بعرفة تقربا إلى الله؛ وكذا القول في المبيت بمزدلفة والذبح بمنى ورمي الجمرات والطواف والصلاة والدعاء عند الكعبة وتقبيل الحجر الأسود واستلام ركني الكعبة وما شاكل ذلك، فهل تقولون: إن فعل هذه الأمور للتقرب إلى الله: شركٌ، لأنها عين ما فعله المشركون بأصنامهم حيث كانوا يطوفون بأصنامهم ويصلون ويدعون عندها ويقبلونها ويتمسحون بها وو… تقربا إلى الله زلفى، ولم يعتقدوا فيها التدبير والخلق([2])؟

فإن قلتم: ما يفعله المسلمون حول الكعبة ليس شركا بخلاف ما فعله المشركون بأصنامهم؛ لأنه ثمة فرق بين ما فعله المشركون بالأصنام وما يفعله المسلمون بالكعبة من وجهين:

الأول: أن المسلمين يتقربون بهذه المناسك إلى الله وليس إلى الكعبة ولا عرفات ولا مزدلفة ولا الحجر الأسود ولا منى، وأما المشركون فكانوا يتقربون بتلك الأفعال إلى الأصنام، لتُقرِّبهم الأصنامُ بعد ذلك إلى الله، وكذا “القبورية” تَقربوا إلى القبور بالطواف حولها ونحوه لتقربهم إلى الله.

الثاني: أن المسلمين يفعلون هذه المناسك لأن الله أمرهم بها ليتقربوا بها إليه، فالطواف حول الكعبة مأمور به في قوله تعالى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج : 29]، والذبح في الحج مأمور به في قوله: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [الحج : 36]، وكذا الوقوف في عرفات: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ } [البقرة : 198]، وسائر مناسك الحج مأمور بها، بل الحج فريضة فرضها الله في كتابه وسنة نبيه، كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا } [آل عمران : 97]، وهذا بخلاف فِعل المشركين بالأصنام، فإن تلك الأفعال التي يفعلونها للأصنام من الذبح والنذر والسجود لها: ليست من أمر الله، إنما هي من وحي الشيطان ومن افتراءاتهم، قال تعالى: {فَلَوْلَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأحقاف : 28]، {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ } [يوسف : 40]، وكذا “القبورية” فإن ما يفعلونه من السفر إلى القبور والطواف حولها والدعاء والصلاة عندها والذبح لها والاستغاثة والحلف بها؛ فكل هذا لم يأمر به الله، بل قد نهى عنه.

فإذا اتضح الفرق فكيف تقيسون الطواف حول الكعبة والذبح بمنى ونحو ذلك بالطواف حول الصنم أو القبر والذبح لهما ونحو ذلك؟

قلنا في الجواب عن ذلك ما يلي:

أولا: وكيف تقيسون الطوافَ[3] حول القبر بالطواف حول الوثن، وكيف تقيسون الذبحَ للقبر على الذبح للوثن، فقياسكم لما يُفعل حول القبور ـ من طواف وذبح ونحو ذلك بغض النظر عن الحكم الفقهي لذلك ـ على ما يُفعل حول الأصنام والأوثان واعتبار كليهما شرك وعبادة لغير الله: ليس بأولى من قياس ما يُفعل عند القبور على ما يفعل حول الكعبة وسائر المشاعر، واعتبار كل ذلك عبادة لله وحده، لا للقبور ولا للكعبة.

فإن قلتم: إن قولنا ليس بقياس، لأن الوثن يشمل كل ما يعبد من دون الله قبرا كان أو حجرا أو شرا أو حيا أو ميتا كما قال ابن عبد البر[4] استدلالا بحديث: “اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد”[5]. وعليه فمن يطوف حول القبر أو يذبح أو يصلي عنده أو يستغيث به فهو ممن يعبد الأوثان.

قلنا: يلزمكم أن من يطوف حول الكعبة هو ممن يعبد الأوثان؛ لأن الكعبة ما هي إلا أحجار مبنية[6].

فإن قلتم: ولكن لا أحد من المسلمين يعبد الكعبةَ.

قلنا: وكذلك المسلمون لا أحد منهم يعبد القبور، بل يعبدون الله الواحد الأحد.

فإن قلتم: إن نفس الطواف والاستغاثة بالقبر عبادة له.

قلنا: يلزمكم على هذا أن نفس الطواف بالكعبة عبادة لها.

وما هو جوابكم هو جوابنا، والسلام.

ثانيا: أما ما فرّقتم به بين ما يُفعل حول الكعبة وبين ما يُفعل حول الأصنام والقبور فالجواب عنه فيما يلي:……………..انتظره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/418630301584331/

([1]) أخرجه أبو داود “2/485- 486″، كتاب المناسك “الحج”: باب من لم يدرك عرفة، حديث “1949”، والترمذي “3/237″، كتاب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، حديث “889”، والنسائي “5/256″، كتاب الحج: باب فرض الوقوف بعرفة، وابن ماجه “2/1003″، كتاب المناسك: باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة بجمع، حديث “5/30”

([2]) كما يهذي الأفغاني وشيوخه دائما، انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية – (1 / 303)، (1 / 471)،(3 / 1299)، (3 / 1425).

[3] https://www.facebook.com/video/video.php?v=541943499187251

[4] التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد – (5 / 45)

[5] رواه مالك في الموطأ مرسلا، ووصله ابن عبد البر عن أبي سعيد الخدري، ووصله أيضا أحمد عن أبي هريرة. انظر: التمهيد (5 / 42)، مسند أحمد، ط/ الرسالة – (12 / 314).

[6] ولا سيما أنه قد جاءت بعض الروايات تشير إلى أن سبب شرك العرب قبل البعثة هو أن من جاء مكة “احتمل معه حجرا من حجارة الحرم، تعظيما للحرم وصبابة بمكة، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة تيمنا بالحرم وحبا به ….ثم سلخ ذلك بهم إلى عبادة ما استحبوا ..فعبدوا الأوثان. انظر الشرك في القديم والحديث ص1/416، نقلا عن الأصنام ص7 لابن الكلبي.

السابق
(13) التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى”*
التالي
(7) التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى”*