حكم الاستغاثة ودعاء غير الله

[2] “القول الجيد ببطلان التفريق في الاستغاثة بين الحي والميت”

[2] “القول الجيد ببطلان التفريق في الاستغاثة بين الحي والميت”*

الوجه الثاني: نسألكم: ما هو الضابط أو المعيار الذي يميّز بين ما يَقدر عليه الإنسان وما لا يقدر عليه، حتى يُسأل الأول ولا يكون شركا؛ ولا يسأل الثاني لأنه شرك؟

قالوا: الخلق والإحياء والإماتة والرزق والنصر والشفاء والولد والمطر وعلم الغيب ونحو ذلك هي مما لا يقدر عليه الإنسان وإنما هي خاصة بالله فلا تُسأل من غير الله، والأمور العادية كحمل المتاع وسقي كوب من الماء ونحو ذلك مما يقدر عليها الحي فيجوز سؤالها من الحي القادر عليها.[1]

قلنا: هذا كله لا معنى له، لأن الإنسان الحي ـ بل الميت والجماد أيضا كما سيأتي ـ إذا أمكنه الله وأذن له قَدَرَ على الخلق وإحياء الموتى وعلى إبراء الأكمه والأبرص وشفاء المرضى والنصر والرزق، وإعطاء الولد للعقيم ونحوه، وإنزال الغيث والإخبار بالمغيبات؛ إلى غير ذلك مما جعلتموه مقدورا لله فقط.

وفي المقابل نقول: إذا لم يأذن الله بأمر لا ينفذ مهما كان بسيطا أو مقدورا عليه ولو كان أمرا عاديا كالمشي أو الأكل أو الشرب أو حمل تمرة؛ بل كل شيء بإذنه تعالى؛ قال تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23، 24]، وقال أيضا: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } [التكوير: 29]، وقال: { وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا } [الإنسان: 30].

وليس هذا فحسب بل ما يحدث في الكون من صغير أو كبير هو بخلق الله تعالى وقدرته فضلا عن أن يكون بمشيئته وعلمه، قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } [الزمر: 62]، وقال: { إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]؛ فما يحدث في العالم والكون كافة هو بعلم الله وإرادته وقدرته وحده، ولا تأثير قط في شيء من ذلك للأحياء ولا للأموات ولا للحاضرين ولا للغائبين، لا في ما يُقدر عليه عادة ولا فيما لا يقدر عليه، اللهم إلا ما ينسب إلى الخلق من الكسب كما سيأتي.

وعليه فمن يعتقد أو من يعطي تأثيرا ولو محدودا للأحياء أو الأموات أو يعطي تأثيرا ـ سوى الكسب ـ للأحياء ولو محدودا ويسلبه عن الأموات، أو العكس، فهذا عقيدته فاسدة أصلا، وتوحيده ناقص، فعليه أن يتعلم التوحيد ويستكمله هو قبل أن يعلّم الناس التوحيد ويتهمهم بالشرك…!!

وما سبق هو دليل إجمالي وإليك الدليل التفصيلي؛ أمّا الدليل على أن الإنسان الحي إذا أمكنه الله وأذن له قَدَرَ على الخلق وإحياء الموتى وعلى إبراء الأكمه والأبرص وشفاء المرضى والنصر والرزق وإنزال الغيث والإخبار بالمغيبات؛ فلما ورد في نصوص الكتاب والسنة من معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء، واستدراج الكفرة والفاسقين[2]؛ وأضرب على كل واحد من ذلك بعض الأمثلة:

1ـ مثال على معجزات الأنبياء؛ قال الله تعالى على لسان المسيح: {أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ} [آل عمران : 49]، فدلت الآية على أن المسيح عليه السلام كان يخلق الطيور ويبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى ويعلم الغيب، وكل ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله على حسب قولكم، ومع ذلك صدرت هذه الأمور من بشر ولكن بإذن الله.

فإن قلتم: إنما كانت هذه معجزة لنبي الله عيسى عليه السلام، والمعجزة لا بد فيها من خرق العادة تصديقا للرسول على أنه مرسل من الله.

قلنا: نعم هي معجزة، ولكن هل المعجزة تكون شركا؟ كيف، والأنبياء جميعا ما جاؤوا إلا بدعوة التوحيد فهل يُبعثوا بالتوحيد وتكون معجزاتهم التي هي دليل صدقهم وصدق دعوتهم إلى التوحيد: شركا؟

فإن قلتم: هذه المعجزات كانت بإذن الله.

قلنا: وهل يحدث شيء في الكون من المعجزات أو العادات إلا بإذنه؟ فما الداعي إذن إلى التفريق بين ما يُقدر عليه وما لا يقدر إذا كان الكل بإذنه تعالى؟!

وانظر اللاحق: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=573763795987813&id=551774174853442

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق: https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=570060969691429&id=551774174853442

[1] انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية – (1 / 109)، كشف الشبهات لابن عبد الوهاب (ص: 50) قوله: الفرق بين الاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه، والاستغاثة بغيره ولهم شبهة أخرى….

[2] المعجزة والكرامة والاستدراج كلها أمور خارقة للعادة، ولكن المعجزة تكون للنبي، والكرامة تكون للصالحين والأولياء دون ادعاء النبوة، والاستدراج يكون للكافرين والفاسقين. انظر: شرح المقاصد في علم الكلام، للإمام سعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني (793هـ)، دار المعارف العثمانية بباكستان، ط1/1981م.

السابق
[1] “القول الجيد ببطلان التفريق في الاستغاثة بين الحي والميت”
التالي
نصوص المذاهب الأربعة في طلب الشفاعة من النبي -صلى الله عليه وسلم- عند زيارته وغيرها/ أقوال السادة الشافعية / منقول