حكم الاستغاثة ودعاء غير الله

عقيدتنا نحن المسلمين أن أهل القبور أحياء في قبورهم، _ يُنَعَّمون أو يعذبون، وأن الموت ليس فناءً، بل هو انتقال من دار إلى دار/د.سيف العصري/

عقيدتنا نحن المسلمين أن أهل القبور أحياء في قبورهم، _ يُنَعَّمون أو يعذبون، وأن الموت ليس فناءً، بل هو انتقال من دار إلى دار

الذين يقولون: إن أهل القبور لا يسمعون ولا يعقلون ولا ينفعون ولا يدعون، أقول لكم:
على رسلكم أيها الإخوة، هنا أمورٌ:
الأمر الأول:
عقيدتنا نحن المسلمين أن أهل القبور أحياء في قبورهم، يُنَعَّمون أو يعذبون، وأن الموت ليس فناءً، بل هو انتقال من دار إلى دار، والموتى انتقلوا إلى حياة برزخيَّةٍ لها قانونها الخاص، والكفار هم الذين يقولون: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام: 29].
فتصوركم أيها الإخوة عن حقيقة الموت باطلة.
الأمر الثاني:
سماع أهل القبور ثابت، وهو مذهب جماهير أهل السنة، وأما قوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] فالنفي هنا معناه إنك لا تسمع الموتى بطاقتك وقدرتك، بل الذي يخلق السمع فيهم هو الله، كقوله تعالى: {وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم} [النمل: 81]، لأنَّ هداية التوفيق من الكفر إلى الإيمان والتوفيق للرشاد بيد الله دون من سواه، والاحتمال الثاني أن يكون معنى النفي: فإنك لا تسمع الموتى إسماعا ينتفعون به؛ لأنهم قد انقطعت عنهم الأعمال، وخرجوا من دار الأعمال إلى دار الجزاء، فلا ينفعهم دعوتك لهم إلى الإيمان بالله، فكذلك هؤلاء الذين كتب ربك عليهم أنهم لا يؤمنون، لا يسمعهم دعاؤك إلى الحق إسماعا ينتفعون به، وهذا خلاصة كلام الإمام المجتهد شيخ المفسرين ابن جرير الطبري في كتابه . تهذيب الآثار (2/518)، وكلامه طويل يمكن لمن رغب أن يعود إليه.
وقال الشيخ ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (5/ 362): «‌واستفاضت الآثار بمعرفة الميت أهله ‌وبأحوال ‌أهله وأصحابه في الدنيا، وأن ذلك يُعرض عليه، وجاءت الآثار بأنه يَرى أيضاً، وبأنه يدري بما يُفعل عنده فيسر بما كان حسنا ويتألم بما كان قبيحا».
وقال ابن القيم في الروح (ص: 45): «فسياق الآية يدل على أن المراد منها أن الكافر الميت القلب لا تقدر على إسماعه إسماعاً ينتفع به كما أن من في القبور لا تقدر على إسماعهم إسماعا ينتفعون به، ولم يرد سبحانه أن أصحاب القبور لا يسمعون شيئاً البتة، كيف وقد أخبر النبي أنهم يسمعون خفق نعال المشيعين …». وكلامه طويل فراجعه في كتاب الروح.
قال الإمام مرعي الكرمي الحنبلي في غاية المنتهى (1/286): «ويسمع الميت الكلام مطلقا ويعرف زائره يوم الجمعة قبل طلوع الشمس وفي الغنية يعرفه كل وقت، وهذا الوقت آكد. انتهى. وهذا هو الصواب بلا ريب». انتهى، وبمثله قال العلامة منصور بن يونس البهوتي الحنبلي في شرح منتهى الإرادات (1/384).
قال الإمام ابن كثير في تفسيره (6/325): «والصحيح عند العلماء رواية ابن عمر، لما لها من الشواهد على صحتها من وجوه كثيرة، من أشهر ذلك ما رواه ابن عبد البر مصححا له عن ابن عباس مرفوعا: “ما من أحد يمر بقبر أخيه المسلم، كان يعرفه في الدنيا، فيسلم عليه، إلا رد الله عليه روحه، حتى يرد عليه السلام”.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له … ».
وذكر ابن كثيرٍ آثاراً كثيرة في هذا فراجعها يا طالب الحق.
الأمر الثالث:
هل يمكن أن ينفعَ الميتُ الحيَّ بالدعاء، والجواب نعم، للآثار الكثيرة في ذلك، راجعها في تفسير ابن كثير في الموضع الذي أحلناك عليه سابقاً، ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده، عن أنس بن مالك يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن ‌أعمالكم ‌تعرض على أقاربكم وعشائركم من ‌الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك، قالوا: اللهم لا تمتهم، حتى تهديهم كما هديتنا». فهذا دعاء من أصحاب القبور للأحياء، وقد ورد في الآثار بألفاظٍ متنوعة، منها: «اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا»، ومنها: «اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك».
ولا يصح أن يوفقهم الله تعالى للدعاء للأحياء ثم لا يكون لهذا الدعاء فائدة ولا ثمرة، وهذا الحديث وإن كان إسناده ضعيفاً إلا أنَّ الآثار في ذلك كثيرة جداً، راجعها في كتاب التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة للإمام القرطبي (ص229) وقد بوب لذلك فقال: «‌‌باب ما جاء في تلاقي الأرواح في السماء والسؤال عن أهل الأرض وفي عرض الأعمال»، وراجعها أيضاً في كتاب الإمام ابن رجب الحنبلي أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور (ص90): «‌‌فصل: معرفة الموتى في قبورهم بحال أهليهم وأقاربهم في الدنيا»، والإمام السيوطي رحمه الله في كتابه شرح الصدور بشرح حال الموتى والقبور (ص257): «باب عرض أعمال الأحياء على الموتى».
وأقوال العلماء سبقتَ بين يديك، فدع عنك المعاندة والمكابرة، ورمي الناس بعظائم الأمور، والله الهادي إلى سواء السبيل.
كتبه/ الفقير إلى مولاه القدير سيف بن علي العصري
21 محرم 1444 الموافق 19 أغسطس 2022

السابق
تعريف المكان
التالي
مؤلفات الإمام زروق/ منقول