فوائد وفرائد في التصوف والصوفية

معنى قول الشافعي إن صح ” لو أن رجلا عاقلا تصوف لم يأت الظهر حتى يصير أحمق”


جاء في حسن التنبه للغزي 10/ 42: روى أبو نعيم عن يونس بن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: لو أن رجلا عاقلا تصوف لم يأت الظهر»
حتى يصير أحمق (1).
قلت: كثيرا ما كنت أحسب أن الشافعي – رضي الله عنه – أراد بذلك ذم التصوف كما فهمه من كلامه غير واحد، ثم ظهر لي أنه لا يريد الذم لأن العاقل لا يدخل في باب إلا خرج من عهدة ما فيه، والتصوف إذا أريد به التعبد وتطهير القلب من الأخلاق الذميمة، وتبديل الأخلاق الجميلة بها، والتأدب بآداب الشريعة فلا ينبغي ذمه أصلا.
وإنما أراد الشافعي رضي الله تعالى عنه أن العاقل إذا تصوف رفض الدنيا، ولم يعبأ بها، وآثر زي الفقراء، وغلب عليه الحب والوله، وخوف العاقبة، فتبدو عليه أحوال هي عند أهل الدنيا من صفات المجانين، وسمات الحمقى والمغفلين، وذلك على حد قوله – صلى الله عليه وسلم -: “أكثروا ذكر الله حتى يقولوا: مجنون” (2).
فقول الشافعي: حتى يصير أحمق معناه: حتى يرى الناس أنه أحمق.

‌‌_________
(1) رواه أبو نعيم في “حلية الأولياء” (9/ 142).
(2) تقدم تخريجه.

كذا في :
الكتاب: حسن التنبه لما ورد في التشبه «وهو كتاب فريد في بابه يشتمل على بيان ما يتشبه به المسلم وما لا يتشبه به»
المؤلف: نجم الدين الغزي، محمد بن محمد العامري القرشي الغزي الدمشقي الشافعي (المولود بدمشق سنة ٩٧٧ هـ، والمتوفى بها سنة ١٠٦١ هـ)
تحقيق ودراسة: لجنة مختصة من المحققين بإشراف نور الدين طالب
الناشر: دار النوادر، سوريا
الطبعة: الأولى، ١٤٣٢ هـ – ٢٠١١ م

=======

وجاء في مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 207):
أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال: سمعت أبا محمد: جعفر بن محمد بن الحارث يقول: سمعت أبا عبد الله: الحسين (1) بن محمد بن بحر يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول:
سمعت الشافعي يقول: لو أن رجلا تصوّف من أول النهار لم يأت عليه الظهر إلا وجدته أحمق.
وأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت جعفر بن محمد المراغي (2) يقول: سمعت الحسين بن بحر يقول. فذكره.
أخبرنا محمد بن عبد الله قال: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: سمعت أحمد بن محمد بن السندي يقول: سمعت الربيع بن سليمان يقول:
سمعت الشافعي يقول: ما رأيت صوفيا قطّ إلا مسلم الخَوَّاص.
قلت: وإنما أراد به من دخل في الصوفية واكتفى بالاسم عن (3) المعنى، وبالرسم عن الحقيقة، وقعد (4) عن الكسب، وألقى مؤنته على المسلمين، ولم يبال بهم، ولم يرع حقوقهم، ولم يشتغل بعلم ولا عبادة، كما وصفه في موضع آخر. وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت أبا عبد الله الرازي يقول:
سمعت إبراهيم بن المولد يحكي عن الشافعي أنه قال: لا يكون الصوفي صوفيا حتى يكون فيه أربع خصال: كَسُولٌ أكُول، نئوم، كثير الفضول.
وإنما أراد به ذمّ من يكون منهم بهذه الصفة، فأمّا من صفا منهم في الصّوفية بصدق التوكل على الله عز وجل، واستعمال آداب الشريعة في معاملته مع الله عز وجل في العبادة، ومعاملته مع الناس في العشرة – فقد حُكِيَ عنه أنه عاشرهم وأخذ عنهم.
وذلك فيما أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن الحسين ابن موسى السلامي يقول: سمعت علي بن أحمد يقول: سمعت أيوب بن سليمان يقول: سمعت محمد بن محمد (1) بن إدريس الشافعي يقول: سمعت أبي يقول:
صحبت الصوفية عشر سنين ما استفدت منهم إلا هذين الحرفين: الوقت سيف، ومن العصمة أن لا تقدر (2).
وبلغني أنه رأى مِنْ بعض مَنْ تسمّى باسم الصّوفية ما كَرِه، فخرج قوله في ذمّ أمثاله.
وذلك فيما قرأته من كتاب أبي الحسن العاصمي: أخبرني الزبير ابن عبد الواحد قال: حدثني سعيد بن عبد الله بن سهل أبو عثمان البغدادي، بمصر، قال سمعت علي بن بحر الورّاق يقول:
كان الشافعي، رحمه الله، رجلا عَطِراً: وذلك أنه كان به بَاسُور، وكان يجيء غلامه كلَّ غداة بِغَالِيَةٍ فيمسح بها الاسطوانة التي يجلس عليها. وكان إلى جنبه إنسان من الصّوفية، وكان يسمى الشافعي «البَطَّال» يقول: هذا البطال وهذا البطال قال: فلما كان ذات يوم عمد إلى شاربه فوضع [فيه] (3) قَذَراً، ثم جاء إلى حلقة الشافعي، فلما شمّ الشافعي الرائحة أنكر فقال: فتشوا نعالكم، فقالوا: ما نرى شيئا يا أبا عبد الله. قال: فيشمّ بعضكم بعضا، فوجدوا ذلك الرجل، فقالوا: يا أبا عبد الله، هذا. فقال له: ما حملك على هذا؟ قال:
رأيت تجبرك فأردت أن أتواضع لله. قال: خذوه فاذهبوا به إلى «عبد الواحد» – وكان على الشرطة – فقولوا له: يقول (1) لك أبو عبد الله: اعتقل هذا إلى أن ينصرف (2). قال: فلما خرج الشافعي دخل عليه فدعا به فضربه ثلاثين دِرَّة أو أربعين دِرَّة، فقال: هذا بما تخطّيت المسجد بالقَذَر، وصلّيت على غير الطهارة.

أما «السماع» فأخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال: سمعت عبد الله بن محمد بن علي بن زياد يقول: سمعت محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول:
سمعت يونس بن عبد الأعلى (3) يقول: سألت الشافعي عن إباحة أهل المدينة السماع؟
فقال الشافعي: لا أعلم أحدا من علماء الحجاز كره السماع، إلا ما كان منه في الأوصاف. وأما الحداء وذكر الأطلال والمرابع وتحسين الصوت بألحان (4) الأشعار – فمباح.
قلت وقد نقلت إلى «كتاب المبسوط» ثم إلى «كتاب المعرفة» شرط الشافعي – رحمه الله – في السماع، من أراده رجع إليهما، إن شاء الله تعالى.

الكتاب: مناقب الشافعي للبيهقي
المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (384 – 458 هـ)
المحقق: السيد أحمد صقر
الناشر: مكتبة دار التراث – القاهرة
الطبعة: الأولى، 1390 هـ – 1970 م

السابق
رابط تنزيل وتفعيل مجاني للبرنامج العملاق لاستعادة الملفات المحذوفة على الحاسوب والأقراص الصلبة الخارجية (الهارد ديسك) واسمه “EaseUS Data Recovery Wizard”
التالي
الدين الرابع: الديانة الإبراهيمية الجديدة (منشور للدكتور ثائر حلاق)