حكم الاستغاثة ودعاء غير الله

اعتراض العثيمين، والجواب عليه (وذلك حول تفسيره لآية {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64]) /منقول/

اعتراض العثيمين، والجواب عليه

وقد اعترض (محمـد بـن صـالح العثيمين) على الاستدلال بالآيـة
المذكورة فقال في فتاويه (۸۹/۱) ما نصه:
(( “إذ” هذه ظرف لما مضى وليست ظرفاً للمستقبل لم يقل الله: ولو أنهم إذا ظلموا بل قال: ” إذ ظلموا” فالآية تتحدث عن أمـر وقـع في حيـاة الرسول ﷺ، واستغفار الرسول ﷺ بعد مماتـه أمـر متعذر، لأنه إذا مـات انقطع عمله إلا من ثلاث كما قال الرسول ﷺ: صدقة جارية أو علـم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد بل ولا يستغفر لنفسه أيضاً، لأن العمل انقطع)). انتهى.

قلت: هذا إقدام جرئ من العثيمين نسأل الله العافية
وإليك تفنيده بالآتي :
أما قصـره “إذ” على الزمـن المـاضي فقط ففيـه نظـر لأن “إذ” كما تستعمل في الماضي فتستعمل أيضاً في المستقبل، ولها معـان أخـرى ذكرهـا ابن هشام في مغني اللبيب
(۸۰/۱ – ۸۳).

وقد نص على أن “إذ” تستعمل للمستقبل: الأزهري فقال في تهذيب اللغة (47/15): العرب تضع “إذ” للمستقبل و ” إذا” للماضي قال الله عز وجل:ولو ترى إذ فزعوا ( سورة سبأ آية رقم ٥١).

قلت: ومن استعمال “إذ” للمستقبل قوله تعالى: «ولو تـرى إذ وقفـوا على النار» (الأنعام الآية ٢٧).

« ولو ترى إذ وقفوا على ربهم » (الأنعام الآية 30).

« ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت» (الأنعام الآية ٩٣).

« ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم »
(السجدة الآية ١٢)

وأما قوله: واستغفار الرسول ﷺ أمر متعـذر لأنه إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث اهـ.

فخطأ : واستغفار سيدنا رسول اللہ ﷺ غير متعذر لأمور:

الأول: قـد صـح أن النبي ﷺ قال: (الأنبيـاء أحياء في قبورهـم يصلون ) أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء (ص١٥). وأبو يعلى في مسنده (147/6)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (٤٤/٢)، وابن عدي في الكـامل .(۷۳۹/۲)
وقال الهيثمي في المجمع (۲۱۱/۸): ((ورجال أبي يعلى ثقات)). اهـ والحديث له طرق.

وقال رسول اللہ ﷺ: (مررت على موسى وهو قائم يصلي في قبره) أخرجه مسلم (١٨٤٥/٤)، وأحمـد (۱۲۰/۳) والبغوي في شرح السنة(۱۳/٣٥١) وغيرهم.

وقال ابن القيم في نونيته عند الكلام على حياة الرسول بعـد مماتهم (النونية مع شرح ابن عيسى ١٦٠/٢).

والرسل أكمـل حـالـة منـه بـلا
شـك وهـذا ظـاهر التبيـان

فلذلك كانوا بالحيـاة أحـق مـن
شـهدائنا بـالعقل والبرهـان

وبـأن عقد نكاحـه لم ينفسـخ
فنسـاؤه في عصمـة وصيـان

ولأجـل هـذا لم يحـل لـغــيره
منهـن واحـدة مـدى الأزمـان

أفليـــــس فـي هـذا دليل أنـه
حي لمـن كـانـت لـه أذنـان

الثاني: ثبت أن النبي ﷺ قد صلى إماماً بالأنبياء عليهم السلام في الإسراء، وهذا متواتر، وكانوا قد ماتوا جميعا، وراجعه موسى عليه السلام في الصلوات ورأى غيره في السموات .

فمن كان هذا حاله فكيف يتعذر عليه الاستغفار؟ والصلاة دعاء، واستغفار، وتضرع.

الثالث: قد صح أن النبي ﷺ قال: (حيـاتـي خـير لـكـم تـحدثـون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمـالكـم فـمـا رأيـت مـن خير حمدت الله عليه، وما رأيت من شر استغفرت لكم).
وهو حديث صحيح وقال عنه الحافظ العراقي في طرح التثريب (٢٩۷/۳): إسناده جيد.

وقال الهيثمي (المجمع ٢٤/٩): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. وصححه السيوطي في الخصائص (۲۸۱/۲).
وكلام العراقي والهيثمي بالنسبة لإسناد البزار فقط.

وإلا فالحديث صحيح كما قال الحافظ السيوطي، وغيره، وسيأتي الكلام على الحديث بتوسع إن شاء الله تعالى.

الرابع: استغفار الرسول ﷺ حاصل لجميع المؤمنين سـواء مـن أدرك حياته أو من لم يدركها قال الله تعالى: « واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات» وهذه منة من الله تعالى، وخصوصية من خصوصيات سيدنا رسول اللہ ﷺ

وقد علم مما سبق أن الأمور الثلاثة المذكورة في الآية وهي:

  1. المجيء إليه .
  2. والاستغفار.
  3. واستغفار الرسول ﷺ للمؤمنين. هذه الثلاثة حاصلة في حياته وبعد انتقاله.
    ولا يقال: إن الآية وردت في أقوام معينين لا يقال ذلك لأنه كما هو معروف “العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب”.
    ولذلك فهم المفسرون وغيرهم من الآية العمـوم واستحبوا لمـن جـاء إلى القبر الشريف أن يقرأ هذه الآية: «ولو أنهـم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما» ويستغفر الله تعالى. وهذه التفاسير بين أيدينا والمناسك التي صنفها علماء المذاهب كذلك وكلها تظهر صدق دعوى الاستدلال بالآية. ولماذا نذهب بعيداً فهذا العلامة أبو محمد ابن قدامة الحنبلـي صـاحب المغني، الذي يقول فيه ابن تيمية: مادخل الشام بعد الأوزاعي أفقه من ابـن قدامة. يذكر هذه الآية في المغني (٥٩٠/٣) في صفـة زيارة المصطفی ﷺ وقد تقدم نحو ذلك في (ص65). فقد قال في صفة الزيارة ما نصه : ثم تأتي القبر فتول ظهرك وتستقبل وسطه وتقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليـك يا نبي الله وخيرته من خلقه… إلى أن قال بعد الثناء والصلاة على النبي ﷺ: اللهم إنك قلت وقولك الحق: «ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهـم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما» وقـد أتيتك مستغفراً من ذنوبـي، مستشفعاً بك إلى ربي فأسألك يا رب أن توجب لي المغفرة كمـا أوجبتهـا لمـن أنـاه في حياته، اللهـم اجعلـه أول الشافعين، وأنجح السائلين، وأكرم الآخرين والأولين، برحمتـك يـا أرحـم الراحمين.
    ثم يدعو لوالديه ولإخوانه وللمسلمين أجمعين. انتهى باختصار. بقي الكلام على قول العثيمين: لأنه إذا مات انقطع عمله إلا مـن ثلاث …الخ. قلت: سيدنا رسول اللہ ﷺ له مـن الكمالات والخصوصيات مـا لم يصح لأحد، وهذا قرره ابن تيمية في كتابه (الصارم المسلول على شاتم الرسول) وهو أحسن كتبه، وهو ﷺ في ترق وارتفاع إلى يوم الدين، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة ومقرر في كتب الخصائص، ودلائل النبوة، والشفا وشروحه. فقد قال ﷺ : من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجـور مـن اتبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا. أخرجه مسلم وغيره . فجميع الأعمال التي تصدر عن الأمة المحمدية راجعـة لـدعـوة رسـول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فثوابها راجع إليه، وهو ينتفع به قطعا مـن غير أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً . وفي هذا الصواب قال ابن تيمية في الفتاوي (۱۹۱/١): ثبت عنه في الصحيح أنه قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور مـن اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء .
    ومحمد ﷺ هو الداعي إلى ما تفعله أمته من الخيرات، فما يفعلونـه لـه فيه من الأجر مثل أجورهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء)) . انتهى كلام ابن تيمية. والحاصل أن ابن عثيمين زل فيما قال. نعوذ بالله من الكلام في كتاب الله بغير علـم، والتعدي على مقـام سيدنا رسول الله ﷺ. رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة
السابق
تنزيل بحث “تنبيه الحاضر والباد إلى عدم جواز الاعتماد على أحاديث الآحاد في مسائل الاعتقاد”
التالي
(2) فأين في هذا كله ما يفيدك يا فهّامة؟!! أم أنك فقط تخلط وتخبط خبط عشواء وتهذي بأي شيء؛ لتنجي ابن تيمية من الكذب في قصة أصنام قوم نوح .. وهيهات؟!![1]