عبد الوهاب الشعراني (تـ973).. وقفة إنصاف وتأني
بسم الله
يكثر تداول الناس لنصوص من كتاب طبقات الشعراني وفيها من الفحش والفجور شيء عجيب! كإتيان البهائم وكشف العورات وما يأنف منه صغار الناس فضلا عن كبارهم وعلمائهم بله زهادهم وصالحيهم، ومثل الشعراني في ذكائه وسعة اطلاعه يبعد منه الإتيان بمثل هذه الغرائب والمنكرات، فضلا عن نسبتها للأولياء وأهل الله! مع العلم بكون الرجل صاحب عبادة وتأله، إذ ذكر عن نفسه أنه كان يقرأ في ركعة بختمة كاملة وهو دون البلوغ.
فهل كان الشعراني بهذا الانحراف؟!
قد تعجب إن علمت أن الشعراني حين ذكر مسألة صفات الله تعالى والتفويض والتأويل فيها كان مما قال: “وكل من رد شيئا أثبته الحق تعالى لنفسه على ألسنة رسله فقد كفر بما جاء من عند الله، وكل من آمن ببعض ذلك وكفر ببعض فقد كفر بذلك… والتأويل إلى الخطأ أقرب، مع ما في التأويل من فوات كمال الإيمان بآيات الصفات لأن الله تعالى ما أمرنا أن نؤمن إلا بعين اللفظ الذي أنزله لا بما أولناه بعقولنا، فقد لا يكون ذلك التأويل الذي أولناه يرضاه تعالى… ولا يخفى نقص إيمان المؤول من حيث إن الله تعالى أمره أن يؤمن بما أنزله الله لا بما أوله عقله، فقد لا يكون الأمر الذي أوله يرضاه”.
وقد نقل عن غيره مقرا لكلامه “ولا يخفى أن الشخص إذا كان مؤمنا بالقرآن قاطعا بأنه كلام اللّه تعالى فالواجب عليه أن يأخذ عقيدته منه من غير تأويل ولا عدول إلى أدلة العقول مجردة عن الشرع فإن القرآن دليل قطعي سمعي عقلي فقد أثبت سبحانه وتعالى أنه منزه عن أن يشبهه شيء من المخلوقات أو يشبه هو شيئا منها”
فضلا عن تقريره الحكم بكفر من اعتقد الحلول أو الاتحاد وأنهم زنادقة ملحدون! في غير موضع من كتبه!
ومن طالع كتابه الميزان وجد فيه نصوصا عجيبة في وجوب اتباع الأثر والتزام السنة وتعظيمها، فمن ذلك قوله: “فإن قلت: فما أصنع بالأحاديث التي صحت بعد موت إمامي، ولم يأخذ بها؟ فالجواب: الذي ينبغي لك: أن تعمل بها؛ فإن إمامك لو ظفر بها، وصحت عنده: لربما كان أمرك بها؛ فإن الأئمة كلَّهم أسرى في يد الشريعة، ومَن فعل ذلك: فقد حاز الخير بكلتا يديه”.
وله تقرير واضح بأن الغرض من بعثة الأنبياء والرسل إفراد الله تعالى بالتوحيد والعبودية وليس مجرد إثبات الصانع كما يزعم بعض المتكلمين، فيقول “فالناس كلهم يشيرون إلى الصانع جل وعلا وإن اختلفت طرائقهم ولا يجهلون سوى كنه الذات؛ ولذلك لم تأت الرسل ليعلمونا وجود الصانع وإنما أتوا ليدعونا إلى التوحيد ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ) (وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) ولم يقل: إن لك إلها… فما بعث الرسل إلا للتذكير بتوحيد الفطرة وتطهيره من تسويلات الشيطان” [استفدته من مولانا ( @tr728 )]
ومن مشهور عباراته في الاتباع: “كل طريق لم يمش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي ظلام، ولا يأمن سالكها من العطب”.
ونصَّ في (لواقح الأنوار) أن “ظهور الكرامات ليس بشرط في الولاية وإنما يشترط امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، فيكون أمره مضبوطا على الكتاب والسنة، فمن كان كذلك فالقرآن يشهد بولايته وإن لم يعتقد فيه أحد” وله عبارات في هذا الكتاب حسنة في السلوك والتعبد كقوله “وتأمل طالب العلم إذا ترك فعل السنن والفضائل وأكثر من الجدال وترك الأوراد السنية، كيف يذهب منه الأنس .. [ثم نقل عن شيخه زكريا الأنصاري قولَه]: إذا كان الفقيه تاركا للسنن والأوراد وآداب القوم فهو كالخبز الجاف اليابس”.
وما أحسن قوله في مدح أهل الحديث عليهم رضوان الله: “واعلم أنه ما متَّ [أي: اتصل] بالإرث للأنبياء عليهم السلام على الحقيقة إلا المحدثون الذين رووا الأحاديث بالسند المتصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلهم حظ في الرسالة لأنهم نقلة الوحي، وهم ورثة الأنبياء في التبليغ، والفقهاء بلا معرفة دليلهم ليس لهم هذه الدرجة، فلا يحشرون مع الرسل إنما يحشرون في عامة الناس، فلا ينطبق اسم العلماء حقيقة إلا على أهل الحديث. وكذلك العباد والزهاد وغيرهم من أهل الآخرة، إذا لم يكونوا من أهل الحديث حكمهم حكم الفقهاء الذين ليسوا من أهل الحديث، فيحشرون مع عموم الناس ويتميزون عنهم بأعمالهم الصالحة لا غير كما أن الفقهاء يميزون عن العامة في الدنيا لا غير”
ومما لم يشتهر أن للشعراني كتابا شنع فيه على القول بالعمل بالإلهام سماه “حد الحسام في عنق من أوجب العمل بالإلهام”.