ابن تيمية حكما على الأمة

مخالفة عقد الحافظ ابن عبد البر رحمه الله للعلامة ابن تيمية رحمه الله تأصيلا وتفريعا (منقول)

مخالفة عقد الحافظ ابن عبد البر رحمه الله للعلامة ابن تيمية رحمه الله تأصيلا وتفريعا

اعلم رحمك الله أن علة بثّ هذه الحلقة في هذه السلسلة كثرة استدلال العلامة ابن تيمية رحمه الله بالحافظ أبي عمر النمري رحمه الله، وقد علّق عليه في غير ما موضع أنه مرضي العقيدة، ولو نرى مذهب ابن عبد البر سنجده مؤولا في مواضع، نافيا لجنس الجسميه ولوازمها في مواضع أخرى، فهو أقرب إلى مذهب التفويض من مذهب الحشو والتجسيم، والكلي الذي أطلقه ويوهم القول بظاهر الكلي في ما كانت مصاديقه ذواتا مخصصٌ بما سنذكره فهو ليس على أطلاقه كما يوهمه بعض من تلبس بالعلم والعلم منه براء، وبه يفسر كلامه على ما هو عليه.

ونحن إذ نستدل بالرجال – مهما علا قدرهم – فنحن لا نجعلهم محكا للحق من وافقهم فهو هو ومن لا فلا ، بل نجري عليهم الخطأ كسنة كونية عملا بمنصوص الكتاب والسنة إلا إذا حفّ قول رجل منهم القبول فيصبح قوله مرضيا عند الأمة جميعا فلزمنا كما يلزمهم، وهذه مسألة نظرية لا واقع لها خارجا في الغالب الأعم.

ومن النصوص الموهمة التي يرويها المتسلفة:

أ‌- التمهيد (7/143): (…وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَنْزِلُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ التَّنَازُعَ فِيهِ وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْزِلُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُصَدِّقُونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُكَيِّفُونَ وَالْقَوْلُ فِي كَيْفِيَّةِ النُّزُولِ كَالْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِوَاءِ وَالْمَجِيءِ وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ وَاحِدَةٌ وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ أَيْضًا إِنَّهُ يَنْزِلُ أَمْرُهُ وَتَنْزِلُ رَحْمَتُهُ وروى ذلك عن حبيب كاتب ملك وَغَيْرِهِ وَأَنْكَرَهُ مِنْهُمْ آخَرُونَ وَقَالُوا هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ أَمْرَهُ وَرَحْمَتَهُ لَا يَزَالَانِ يَنْزِلَانِ أَبَدًا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَعَالَى الْمَلِكُ الْجَبَّارُ الَّذِي إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ وَيَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ مَتَى شَاءَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالُ …).

وقطعا هم لا يروون ما سنذكره في الباب من نفيه لمعان النزول والمجيء والحركة والانتقال، ولا يفسرون معنى قوله (أمروها كما جاءت بلا كيف)، كما أنهم لا يررون تتمة هذا النقل والذي قبل فيه الحافظ أبو عمر النمري تأويل الإمام مالك بن أنس رحمهما الله رحمة واسعة، فقد قال في التمهيد1 (7/143): (وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَبَلِيُّ وَكَانَ مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ بِالْقَيْرَوَانِ قَالَ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ سَوَادَةَ بِمِصْرَ قَالَ حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِي اللَّيْلِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَقَالَ مَالِكٌ يَتَنَزَّلُ أَمْرُهُ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ)

1- ينفي ابن عبد البر رحمه الله عن الله الجسم والجوهر، ويقول العلامة ابن تيمية بجسم لا كالأجسام، ومنه بجوهر لا كالجواهر.

  • في كتابه التمهيد (7/137): (…فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر…).

2- ينفي الحافظ ابن عبد البر رحمه الله عن الله تعالى لوازم الجسمية من الاتيان والنزول ولا يقول بالحركة والانتقال ولا الدنو والقرب ولا الهرولة ولا المشي ولا المجيء خلافا للعلامة ابن تيمية رحمه الله الذي يثبتها على ظاهرها بلا كيف.

  • في كتابه التمهيد (7/137): (قال الله تعالى: {وجاء ربك والملك صفا صفا}، وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقلة ولو اعتبرت ذلك بقولهم جاءت فلانا قيامته وجاءه الموت وجاءه المرض وشبه ذلك مما هو موجود نازل به ولا مجيء لبان لك وبالله العصمة والتوفيق).
  • في كتابه التمهيد (7/145): (أخبرنا أحمد بن عبدالله أن أباه أخبره قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح بمصر قال سمعت نعيم بن حماد يقول حديث النزول يرد على الجهمية قولهم قال وقال نعيم ينزل بذاته وهو على كرسيه، قال أبو عمر: ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عيانا وقد جل الله وتعالى عن ذلك وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).

أقول أي أبومسلم: فجعل القول بمطلق النزول من التكييف، وبه يفهم مفهومه هو لقولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف.

أقول أي ابومسلم: ثم أردف هذا البيان في هذا المقام بالكلي الذي يستدل به المتسلفة على إمامة الحافظ ابن عبد البر لهم وهو الكلي محمول ومفسر بما قبله لا على ما يفسرونه هم بهواهم، قال (7/145): (قال أبو عمر أهل السنة مجموعون عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصِّفَاتِ الْوَارِدَةِ كُلِّهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِيمَانِ بِهَا وَحَمْلِهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى الْمَجَازِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَا يُكَيِّفُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَحُدُّونَ فِيهِ صِفَةً مَحْصُورَةً وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ وَالْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ كُلُّهَا وَالْخَوَارِجُ فَكُلُّهُمْ يُنْكِرُهَا وَلَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِهَا مُشَبِّهٌ وَهُمْ عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا نَافُونَ لِلْمَعْبُودِ وَالْحَقُّ فِيمَا قَالَهُ الْقَائِلُونَ بِمَا نَطَقَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَهُمْ أَئِمَّةُ الْجَمَاعَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَوَى حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ مَنْ وَصَفَ شَيْئًا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ مِثْلَ قَوْلِهِ وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى عُنُقِهِ وَمِثْلَ قَوْلِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فَأَشَارَ إِلَى عَيْنَيْهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ قُطِعَ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّهُ شَبَّهَ اللَّهَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ مَالِكٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ الْبَرَاءِ حِينَ حَدَّثَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا يضحى بأربع من الضحايا وأشر الْبَرَاءُ بِيَدِهِ كَمَا أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ قَالَ الْبَرَاءُ وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى).

أقول: طالع هذا الذي يستدل به علينا بما قبله وسيحل عندك أنه مما يستدل به عليهم لا علينا، لأن قولهم اتهام لابن عبد البر بالتناقض في المقال الواحد في المقام الواحد، ونحن نزهه عن هذا التجهيل الذي يرمونه به.

  • في كتابه التمهيد (2/530): (وقد روي من حديث أبي ذر أنه قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الغابر، وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة إنه ينزل بذاته ! وهذا قول مهجور لأنه تعالى ذكره ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات).

3- يؤوّل الحافظ ابن عبد البر رحمه الله اهتزاز العرش لموت الصحابي الجليل سعد بن معاذ رحمه الله ، ويقول العلامة ابن تيمية رحمه الله أن العرش هز حقيقة بلا كيف.

  • قال في كتابه الدرر في اختصار المغازي والسير (ص،54): ( وكان فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من الهجرة فلما تم أمر بني قريظة أجيبت دعوة الرجل الصالح سعد بن معاذ فانفجر جرحه، وانفتح عرقه، فجرى دمه ومات، رضي الله عنه. وهو الذي أتى الحديث فيه أنه اهتز لموته عرش الرحمن يعني سكان العرش من الملائكة، فرحوا بقدوم روحه واهتزوا له).

4- قول الحافظ ابن عبد البر النمري في أمروها كما جاءت بلا كيف في المتشابه قصد بها التفويض المعنى والكيف، ويقصرها ابن تيمية وأتباعه على تفويض الكيف دون المعنى.

  • التمهيد (7/149): (قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْجَارُودِ قَالَ حَدَّثَنَا سَحْنُونُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، أَلَيْسَ تَقُولُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ، وَيَرَى أَهْلُ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ، وَبِحَدِيثِ لَا تُقَبِّحُوا الْوُجُوهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا حَتَّى يَضَعَ اللَّهُ فِيهَا قَدَمَهُ، وَأَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَطَمَ مَلَكَ الْمَوْتِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ أَحْمَدُ: كُلُّ هَذَا صَحِيحٌ وَقَالَ إِسْحَاقُ: كُلُّ هَذَا صَحِيحٌ وَلَا يَدَعُهُ إِلَّا مُبْتَدِعٌ أَوْ ضَعِيفُ الرَّأْيِ.

قَالَ أَبُو عُمَرَ: الَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَأَئِمَّةُ الْفِقْهِ وَالْأَثَرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا الْإِيمَانُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا وَالتَّصْدِيقُ بِذَلِكَ وَتَرْكُ التَّحْدِيدِ وَالْكَيْفِيَّةِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ نَصْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَجْعَلُ السَّمَاءَ عَلَى أُصْبُعٍ) وَحَدِيثُ (إِنَّ قلوب بني آدَمَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ) و(َإِنَّ اللَّهَ يَعْجَب أَوْ يَضْحَكُ مِمَّنْ يَذْكُرُهُ فِي الْأَسْوَاقِ) وَ(أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ) وَنَحْوُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ نَرْوِيهَا وَنُقِرُّ بِهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ الْهَيْثَمَ بْنَ خَارِجَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ، وَسُفْيَانَ الثوري، وملك بْنَ أَنَسٍ، وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الصِّفَاتِ فَقَالُوا: أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا كَيْفٍ، وَذَكَرَ عَبَّاسٌ الدُّورِيُّ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ شَهِدْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ سَأَلَ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ فَقَالَ: يَا أَبَا سُفْيَانَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَعْنِي مِثْلَ الْكُرْسِيُّ مَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ وَنَحْوِ هَذَا فَقَالَ أَدْرَكْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ وَسُفْيَانَ وَمِسْعَرًا يُحَدِّثُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلَا يُفَسِّرُونَ شَيْئًا قَالَ عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ وَسَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ الْقَاسِمَ بْنَ سَلَّامٍ وَذَكَرَ لَهُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تُرْوَى فِي الرُّؤْيَةِ وَالْكُرْسِيِّ مَوْضِعَ الْقَدَمَيْنِ وَضَحِكَ رَبُّنَا مِنْ قُنُوطِ عباده وأن جهنم لتمتلىء وَأَشْبَاهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَقَالُوا إِنَّ فُلَانًا يَقُولُ يَقَعُ فِي قُلُوبِنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ حَقٌّ فَقَالَ: ضَعَّفْتُمْ عِنْدِي أَمْرَهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ حَقٌّ لَا شَكَّ فِيهَا رَوَاهَا الثِّقَاتُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ إِلَّا أَنَّا إِذَا سُئِلْنَا عَنْ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَمْ نُفَسِّرْهَا وَلَمْ نَذْكُرْ أَحَدًا يُفَسِّرُهَا.

وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ حَدَّثَ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذَكَرَهُ أَصْبَغُ وَعِيسَى عن ابن القاسم قال سألت ملكا عَمَّنْ يُحَدِّثُ الْحَدِيثَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ على وصورته وَالْحَدِيثَ إِنَّ اللَّهَ يَكْشِفُ عَنْ سَاقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنَّهُ يُدْخِلُ فِي النَّارِ يَدَهُ حَتَّى يُخْرِجَ مَنْ أَرَادَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ إِنْكَارًا شَدِيدًا وَنَهَى أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ أَحَدًا وَإِنَّمَا كَرِهَ ذلك ملك خَشْيَةَ الْخَوْضِ فِي التَّشْبِيهِ بِكَيْفٍ هَاهُنَا، وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ وَضَّاحٍ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنِ التَّنَزُّلِ فَقَالَ أَقِرَّ بِهِ وَلَا تُحِدَّ فِيهِ بِقَوْلٍ كُلُّ مَنْ لَقِيتُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يُصَدِّقُ بِحَدِيثِ التَّنَزُّلِ قَالَ وَقَالَ لِيَ ابْنُ مَعِينٍ صَدِّقْ بِهِ وَلَا تَصِفْهُ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دُلَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ قَالَ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنِ التَّنَزُّلِ فَقَالَ أَقِرَّ بِهِ وَلَا تُحِدَّ فِيهِ.

وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ قَالَ حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ القرشي قَالَ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَيْفَ اسْتَوَى قَالَ فَأَطْرَقَ مَالِكٌ ثُمَّ قَالَ: اسْتِوَاؤُهُ مَجْهُولٌ وَالْفِعْلُ مِنْهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَالْمَسْأَلَةُ عَنْ هَذَا بِدَعَةٌ، قَالَ بَقِيٌّ وَحَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ صَلَاحٍ الْمَخْزُومِيُّ بِالرَّمْلَةِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ مَالِكٍ إِذْ جَاءَهُ عِرَاقِيٌّ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَسْأَلَةٌ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهَا فَطَأْطَأَ مَالِكٌ رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى كَيْفَ استوى قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير مَعْقُولٌ إِنَّكَ امْرُؤُ سَوْءٍ أَخْرِجُوهُ فَأَخَذُوا بِضَبْعَيْهِ فأخرجوه وقال يحيى بن إبرهيم بن مزين: إنما كره مالك أَنْ يَتَحَدَّثَ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ فِيهَا حَدًّا وَصِفَةً وَتَشْبِيهًا وَالنَّجَاةُ فِي هَذَا الِانْتِهَاءُ إِلَى مَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَوَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ وَبَسْطٍ وَاسْتِوَاءٍ وَكَلَامٍ فَقَالَ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وَقَالَ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وَقَالَ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القيامة والسموات مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ وَقَالَ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى فَلْيَقُلْ قَائِلٌ بِمَا قَالَ اللَّهُ وَلْيَنْتَهِ إِلَيْهِ وَلَا يَعْدُوهُ وَلَا يُفَسِّرُهُ وَلَا يَقُلْ كَيْفَ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ الْهَلَاكَ لِأَنَّ اللَّهَ كَلَّفَ عَبِيدَهُ الْإِيمَانَ بِالتَّنْزِيلِ وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ الْخَوْضَ فِي التَّأْوِيلِ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ وَقَدْ بَلَغَنِي عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَأْسًا بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ ضَحِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الضَّحِكَ مِنَ اللَّهِ وَالتَّنَزُّلَ وَالْمَلَالَةَ وَالتَّعَجُّبَ مِنْهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ مَا يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ .

سيأتي بسط النقولات مع شرحها الشرح المستوفى في الكتاب الذي سأجمع فيه هذه السلسلة ، والله الموفق والمعين إلى ما فيه الخير كله.

السابق
( سلسلة ابن تيمية حَكَما على الأمة ودينها، بسلفها وخلفها، البغوي نموذجا)
التالي
فليت شعري كيف صارت الروايات الإسرائيلية هي المعربة عن عقيدة السلف …؟!!! فلا أدري هل يقصد العميري بالسلف: اليهود والنصارى حتى يستشهد برواياتهم؟!!!!