مقالات قيمة في التفويض

19ـ “ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”

19ـ “ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”*
وأما قول ابن تيمية “إن من ينفي الصفات الخبرية – أو الصفات مطلقا – لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف، فمن قال : إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف”
فالجواب عليه من وجوه:
أولا: نقلب هذا الكلامَ عليه فنقول: إن من يثبت الكيف[1] لا ينفيه ولا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف، فمن قال : إن الله جالس أو مستقر على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف ….. فلو كان مذهب السلف إثبات الكيف لما قالوا بلا كيف….!!!!
ثانيا: قوله ” فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف “: فيه مغالطة ظاهرة؛ إذ نحن لم نزعم أن السلف كانوا معتزلةً من نفاة الصفات حتى يلزم منه عدم فائدة نفي الكيف حينئذ، وإنما نقول هم ـ أي السلف ـ كانوا مفوضة؛ ومعلوم أن نفي الصفات شيء، وتفويض معناها شيء آخر؛ فالأول ذهب إليه المعتزلة وأضرابهم، والثاني ذهب إليه جمهور السلف وبعض الخلف وهو أحد قولي الأشاعرة؛ فقول ابن تيمية هذا فيه خلط واضح….!!!!
ونبسط الكلام أكثر فنقول: إن مذهب جمهور السلف في الصفات هو التفويض المتضمن لأمرين:
الأول: الإيمان بما جاءت به النصوص المتشابهة؛ مع تنزيه الله عن الظاهر الحسي لتلك النصوص، وهو ـ أي هذا التنزيه ـ ما عبّروا عنه بنفي الكيف.
الثاني: عدم الخوض في معنى تلك النصوص وتفويض معناها إلى الله وهو ما عبّروا عنه بقولهم “بلا تفسير”[2].
فهذا هو مذهب التفويض الذي أَخذ به جماهيرُ السلف، وهو بهذه الصورة الموضَّحة لا يُستشكل منه نفي الكيف كما توهم ابن تيمية؛ بل نفيهم للكيف معناه نفي المعنى الظاهر الحسي لتلك النصوص المتشابهة، ولكن إذا سُئلوا ما معنى تلك النصوص إذا لم تكن على ظاهرها: لم يخوضوا في معاني تلك النصوص، بل فوضوا معناها إلى الله[3]؛ كما قال أبو عبيد القاسم بن سلام:هذه الأحاديث صحاح، وهي عندنا حق، ولكن إذا قيل: كيف وضع قدَمَه؟ وكيف ضَحك؟ قلنا: قلنا لا نفسر هذا، ولا سمعنا أحدا يفسره[4]”.
وبذلك يبطل إشكالُ ابنِ تيمية السابق؛ نَعَم إشكاله يَرِد فيما لو قال السلف مثلا: ليس لله يد، ويده بلا كيف؛ فحينها سيكون قولهم هذا مشكلا ومتنافيا؛ إذ ما هو منفي أصلا ـ وهو اليد ـ لا يتصور له كيف حتى ينفى….!!!!! ولكن قد بيّنا أن هذا ليس مذهبا للسلف، وإنما مذهبهم هو الإيمان بالنصوص المتشابهة، وبما تضمنته ولكن مع نفي المعنى الظاهر الحسي لها، وذلك حين نفوا الكيف، وأما المعنى الذي وراءه فلم ينفوه، ولم يخوضوا في ذلك أصلا كما سبق؛ وبذلك فلا إشكال قط في نفي السلف للكيف مع التفويض.
نَعم ابنُ تيمية يعتبر نفيَّ المعنى الظاهري الحسي لآيات الصفات وأحاديثها المتشابهة نفيا للصفات مطلقا….. ولذلك راح يستَشكل نفيَ السلفِ للكيف، وجليٌّ أن ابن تيمية ينطلق من مذهبه لا من مذهب السلف؛ إذ إن السلف أثبتوا ما ورد في النصوص المتشابهة ونفوا المعنى الحسي لها، وأبسط دليل على ذلك أن من أثبت اليدين لله من السلف والخلف نفوا أن تكونا جارحتين[5] كما بينت ذلك من نصوصهم سابقا[6].
وأما قول ابن تيمية: ” فقولهم : أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان” فحاصله….وانظر اللاحق:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/827214230679487/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/795129933887917/
[1] كما يزعم ابن تيمية وأتباعه فينسبون إلى السلف أنهم كانوا يثبتون الكيف لله ولكن يفوضون تفصيله إلى الله، وقد سبق ذلك.
انظر:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/795129933887917/
[2] انظر بيان ذلك على:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/506912476089446/
[3] مع التنبيه إلى أن السلف فهموا المعنى الإجمالي لتلك النصوص المتشابهة، ولكن المعنى التفصيلي للألفاظ المتشابهة الواردة فيها لم يخوضوا فيها بل فوضوا معناها إلى الله، مثلا قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] قد فهم السلف المعنى الإجمالي لهذه الآية وهو عناية الله وتأييده للمبايعين، ولكن هل وراء هذا المعنى شيء آخر في قوله تعالى “يد الله”؟ هذا ما لم يخوضوا في معناه، بل فوضوه إلى الله كما مبسوط في موضعه. انظره على

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/447914681989226/
[4] انظر تفصيل الكلام علي هذه الرواية على:

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/796408067093437/
[5] وهو ما لم يعجب بعض الوهابية ـ كالغنيمان ـ فاعتبروا نفي الجارحة من أقوال أهل البدع؛ انظر منشور الأخ الفاضل ياسين بن ربيع على :

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=1551344501766847&set=a.1442484502652848.1073741829.100006739351796&type=1
وبعضهم ـ كالبرّاك ـ اعتبر الجارحة لفظ مجمل لا يجوز نفيه ولا إثباته مطلقا حتى يُستفصل القائل عن معنى الجارحة التي يثبتها أو ينفيها.
انظر:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/437312749716086/
[6] انظر:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/437312749716086/

السابق
(1) الفتح القُدسيّ في تحقيق مسألة الكلام النفسيّ
التالي
(23) “ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”[1]