[1] هل تعلم أن ابن تيمية يدعي أن الرسل لم تأمر الناس بالإيمان بالله عز وجل؟
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/399939473453414/
الفرع الثالث: الادعاء الثاني لابن تيمية وهو: أن الرسل لم يبعثوا بتوحيد الربوبية ولا بعثوا بالإيمان بالله أصلا وإنما بعثوا بتوحيد الألوهية.
والواقع أن هذا الادعاء ما هو إلا نتيجة للادعاء السابق، إذ بعد أن ادعى ابن تيمية أن الناس جميعا عارفون بربهم معرفة ضرورية لا ينفكون عنها، استنتج أن الرسل يستحيل أن تُبعث إلى الناس لتعريفهم بأن لهم خالقا وأنه واحد في ربوبيته، لذلك اخترع توحيدا آخر بُعث الأنبياء به وهو ما يسميه بتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة، وفي ذلك يقول ابن تيمية: “وقول صاحب الشرع أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله، لم يقل حتى يقولوا أن لهم ربا، إذ هم عارفون بذلك، وإنما أمرتهم الرسل أن يصلوا معرفة التوحيد بمعرفة الربوبية والوحدانية فأبوا”([1]).
أي لم يُبعث الرسل للدعوة إلى أنه لا رب إلا الله، لأن هذا يقر به جميع الناس فيكون الدعوة إليه تحصيل الحاصل وهو محال، وإنما بُعث الرسل لكي يأمروا الناس بأن يقروا بتوحيد الألوهية والعبادة، ويَصلِوا هذا التوحيد بذلك كما يزعم ابن تيمية.
وحاصل هذا الكلام أن التوحيد قسمان؛ توحيد الربوبية، وهذا مركوز في الفطرة ولا نزاع فيه، ولذلك لم تأت الرسل به؛ وتوحيد الألوهية، وهو الذي حدث فيه النزاع بين البشر، لذلك بعثت الرسل بالدعوة إليه.
هكذا قرر ابن تيمية؛ وكذا أتباعه([2])؛ فقال ابن أبي العز الحنفي: التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ونزلت به الكتب، هو توحيد الإلهية المتضمن توحيد الربوبية، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، فإن المشركين من العرب كانوا يقرون بتوحيد الربوبية([3]).
وقال السهسواني في كتابه صيانة الإنسان: (اعلم أن الله لم يبعث رسله ولم ينزل كتبه لتعريف خلقه بأنه الخالق لهم، والرازق لهم ، ونحو ذلك ؛ فإن هذا يقر به كل مشرك قبل بعثة الرسل)([4]).
إذن الرسل لم تأت بالإيمان بالله ووحدانيته، ولم تأمر الناسَ بذلك، وإنما جاءت بتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة لله وهو المعبر عنه بقول الرسل: لا إله إلا الله.
هكذا قرروا، وأنت خبير بأن هذه النتيجة مبنية على مقدمة أخرى وهي أن مشركي العرب وسائر الناس أجمعين أكتعين أبصعين مقرون بتوحيد الربوبية، وهذه المقدمة مبنية هي الأخرى على مقدمة ثانية وهي أن التوحيد منقسم إلى توحيد ربوبية وتوحيد ألوهية؛ وهذه المقدمة الثانية مبنية بدورها على مقدمة ثالثة وهي التباين بين لفظي “الإله” و”الرب”.
فهذه ثلاث مقدمات بنى عليها ابن تيمية قوله: إن الرسل لم تبعث بالإيمان بالله وبتوحيده في الربوبية، ولكن هذه المقدمات الثلاثة ما هي إلا دعاوى باطلة منقوضة بالكتاب والسنة وكلام السلف والعقل والحس، قد سبق بيان ذلك بما يغني عن إعادته هنا.
ولكن بغض النظر عن بطلان هذه المقدمات الثلاث، فإن دعوى ابن تيمية الجديدة بأن الرسل لم تبعث بالإيمان بالله ووحدانيته، دعوى باطلة ينقضها الكتاب والسنة والمعقول، حتى لو سلمنا جدلا بصحة تلك المقدمات الثلاث التي بنى عليها ابن تيمية دعواه الجديدة؛ وقبل أن أنقض دعواه، لا بد أن أسرد دليله على دعواه الجديدة التي زعم فيها أن الرسل لم يبعثوا بالإيمان بالله وبتوحيده في الربوبية وإنما بعثوا بتوحيد الألوهية كما يدعي ابن تيمية وأتباعه؟ فمن أين أتى بهذه الدعوى وبم استدل عليها؟!
في الواقع لقد استدل ابن تيمية على دعواه هذه بعدة آيات منها قوله تعالى عن نوح {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 59] ، وقوله عن هود: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف : 65] ، وكذا قال صالح لثمود وشعيب لمدين، بل كل الرسل قالوا لأقوامهم ذلك، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل : 36] ، وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء : 25]. فاستدل ابن تيمية بهذه الآيات ونحوها على أن الرسل جاءت بتوحيد الألوهية وهو قول لا إله إلا الله، ولم تأت بتوحيد الربوبية([5]).
والواقع أن ادعاء ابن تيمية ومن تبعه من أن الرسل لم يبعثوا بالإيمان بالله ووحدانيته: أمر عجيب وخطير.
أما أنه عجيب فلأن الإيمان بالله ووحدانيته مما علم من الدين بالضرورة، للآيات والأحاديث الكثيرة التي تأمر بالإيمان بالله ووحدانيته، ولنسرد أولا بعض النصوص التي تأمر بالإيمان بالله، فمن الكتاب:
أولا: قال تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } [آل عمران : 193]*. فالآية نص صريح على أن الرسول أو القرآن على الاختلاف في تفسير المنادي([6]) دعا إلى الإيمان بالله؛ فأين قول ابن تيمية أن الرسل لم تبعث بالإيمان بالله؟ وأين قول أتباعه أيضا كالسهسواني وابن قيصر الأفغاني؟ ألا تكفي هذه الآية بمفردها ـ دون أن نسرد آيات وأحاديث كثيرة مثلها ـ على بطلان ما يريد ابن تيمية أن يشيّده؟!
وسبحان الله فإن الآية جاءت بلفظ { آمِنُوا بِرَبِّكُمْ} [آل عمران : 193] ولو جاءت بلفظ آمنوا بإلهكم، أو بلا إله إلا الله، لزعم ابن تيمية أنه المراد من الآية توحيدَ الألوهية لا توحيد الربوبية على أصله في تقسيم التوحيد إلى هذين القسمين، والتفريق بين “الإله” و”الرب”، تماما كما قال ابن تيمية في حديث ابن عمر تعليقا عليه: : “وقول صاحب الشرع أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله إلا الله، لم يقل حتى يقولوا أن لهم ربا، إذ هم عارفون بذلك، وإنما أمرتهم الرسل أن يصلوا معرفة التوحيد بمعرفة الربوبية والوحدانية فأبوا”([7]).
ولكن الآية جاءت بلفظ “ربكم” لا “إلهكم”، فلئن سلمنا لابن تيمية ما ذكره في حديث ابن عمر بأنه لم يقاتلهم حتى يقولوا بأن لهم ربا، فإن هذه الآية في آل عمران تنص على أن الرسول دعاهم إلى الإيمان بالرب؛ فلِم انتقى ابن تيمية حديث ابن عمر وترك هذه الآية؟!
إن الاجتهاد في أمور الحيض والنفاس لا يكون إلا بجمع نصوص الكتاب والسنة في المسألة الواحدة، ثم النظر فيها مجتمعة للخروج بحكم فيها، فما بالك إذا كان الكلام في استنتاج نظرية في تقسيم التوحيد بنى عليها ابن تيمية أمورا خطيرة مثل تكفير الناس وسفك دمائهم واستحلال أعراضهم وأموالهم؟
ثانيا: قوله تعالى ……… انظر اللاحق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/400084346772260/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1])درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية – (8 / 510).
([2]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1 / 124)، موقف ابن تيمية من الأشاعرة ص973.
([3]) شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي ص28، ط/ الرسالة.
([4]) صيانة الإنسان ص164. ثم نقض السهسواني غزله فقال في موضع آخر رغما عنه تحت مطرقة الحجة: لا مرية أننا مأمورون باعتقاد أن الله وحده ربنا ليس لنا رب غيره. انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1/ 236)
([5]) الفتاوى الكبرى – (5 / 156) وما بعدها.
- ثم وجدتُ أصرحَ من قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا } [آل عمران : 193]، وهو قوله تعالى : {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (7) وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الحديد: 7، 8] فتأمل قوله تعالى: “وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ” فهو صريح جدا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناسَ إلى الإيمان بالله ربا…. وهذا يبطل زعم ابن تيمية أن الرسل لم تأت لتدعوا الناسَ إلى الإيمان بالله ربا واحدا، لأن ذلك مركوز في الفطرة بزعمه….وإنما دعتهم إلى الإيمان بالله إلها واحدا؛ وهذا على أصل ابن تيمية في التفريق بين الإله والرب، وما بناه على ذلك من تفريقه بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية؛ وهذا كله باطل تبطله آية الحديد بمفردها، فضلا عن أدلة أخرى كثيرة شرعية وعقلية ولغوية بسطتها في مواضع أخرى، والله الموفق.
([6]) فقيل المراد بالمنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المروي عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج واختاره الجبائي وغيره. وقيل: المراد به القرآن، وهو المحكي عن محمد بن كعب القرظي وقتادة، واختاره الطبري. انظر: روح المعاني للآلوسي (4 / 163)، الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/ الرسالة (5 / 476).
([7])درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية – (8 / 510).