💎.الدرس الخامس والعشرون
تابع الصفات الخبرية/ التأويل والتفويض
قد اتفق السلف من أهل العلم في القرون الثلاثة الأولى ، وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم” والأئمة الأربعة وكبار
علماء مذاهبهم ـ والخلف ـ وهم من كان من العلماء بعد نهاية القرن الثالث الهجري – على صرف النصوص المتشابهة عن ظواهرها المستحيلة، واعتقاد أن هذه الظواهر غير مرادة للشارع قطعاً، وأن هذه الظواهر باطلة بالأدلة القطعية، وبما هو معروف عن الشارع من الآيات المحكمات”.
🌺 قال الإمام السبكي رحمه الله : أجمع السلف والخلف على تأويـل الآيات المتشابهة تأويلا إجمالياً بصرف اللفظ عن ظاهره المحال على الله تعالى، لقيام الأدلة القاطعة على أنه تعالى مخالف للحوادث “). ثم بعد اتفاقهم على صرف النص عن مظاهره ذهب السلف إلى تفويض معاني هذه المتشابهات إلى الله تعالى وحده بعد تنزيهه عن ظواهرها المستحيلة”. وطريقتهم هذه تشتمل على السلامة من تعيين معنى لا نستطيع أن نجزم أنه مراد الله تعالى، ولأن التأويل التفصيلي أمر مظنون بالاتفاق، والقول في صفات الله تعالى بالظن غير جائز، وربما أولت الآيـة عـلى غيـر مـراد الله تعالى فيكون سبباً للوقوع بالزيغ.
🧊وذهب الخلف إلى حمل اللفظ على معنى يسوغ في اللغة، ويليق بالله تعالى. وقد كان إمام الحرمين يذهب هذا المذهب ثـم رجـع عنه وقال: الذي نرتضيه ديناً، وندين الله به عقداً: اتباع سلف الأمة، فإنهم درجوا على ترك التعرض لمعانيها). وطريقة الخلف تشتمل على مزيد إيضاح، ولا يلجأ إليها إلا عند الضرورة بأن نخشى على عقيدة إنسان من الذهاب، وحاصل المذهبين أن الخلف والسلف قد اتفقوا على وجوب تنزيه الله تعالى عما دل عليه ظاهر اللفظ، وتفسير المتشابه على ضـوء المحكـم مـن الآيـات كقوله تعالى: «ليس كمثله شي ﴾ [الشورى: ۱۱]
وقوله: « ولم يكن له كفوا أحـد .
فهاتان الآيتان من المحكم الذي لا شبهة في معناه، فاتفقوا على أن الله تعالى لا يشبهه شيء من المخلوقين وصفاتهم وأحوالهم، ثم وكـل السلف تحليل معاني النصوص المتشابهة وشرحها إلى الله ﷺ مع الإيمان بأنه تعالى لا مثيل له، وبأنه منزه عن الجارحة والمكان. وأما الخلف فقد آثروا أن يحملوا ألفاظ الآيات المتشابهة على محمـل يـلـيـق بـذات الله تعالى، مع التزام الدلالة اللغوية وعدم الخروج عليها، أو التكلف في معالجتها. وحجتهم في التأويل: أن المطلوب صرف اللفظ عن مقام الإهمال الذي يوجب الحيرة، وما دام في الإمكـان حمل كلام الشارع على معنى سليم، دون معارضة القطعي المحكم، فالنظر قاض بوجوبه انتفاعاً بما ورد. وقد تقدم أن حمل الكلام على بعض المعاني المحتملة في النصوص القطعية لا يورث القطع بأنها مراد الله تعالى.
يتبع ….