التأويل

إضافة الإتيان إلى الله تعالى وتأويله عند القاضي ابن العربي (منقول)

عقيدةأهل السنة

إضافة الإتيان إلى الله تعالى

قال القاضي أبو بكر بن العربي المالكي (ت:543 هج): ((قوله: {هل ينظرون إلا أن ياتيهم الله} [البقرة:210]:
هذا اللفظ وأمثاله أضل الغاوين وحير الشاذين، وقد قال ابن عباس: “يأتي ثوابه وعذابه”. والحقيقة فيه، أن حقيقة الإتيان والمجيء: حركة، وذلك وصف حدوث يتعالى عنه الرب.

• فإذا توقف المرء فيه، فقال: “أنا لا أتأوله”، كان قد امتنع من تنزيه الباري تعالى عن الحوادث، وذلك: شك أو شرك.

• وإذا قال: “أنا لا أصفه بالحركة، ولكني أقول: إنه إتيان لا كإتيان الناس”، كان جهلا وتغريرا؛ أما الجهل: فلأن الإتيان ليس له إلا حقيقة واحدة وهي: الحركة، وأما التغرير: فلأنه إذا قال: “إتيان لا كالإتيان”، أدخل الحركة على الباري سبحانه بالإمكان.

وإنما يجب أن يقال فيه: إنه صفة فعل من أفعال الباري ومخلوقاته، والوجه فيه أن كل شيء يريد سبحانه تشريفه وتكريمه أضافه إليه أو عبر بنفسه وضميره سبحانه عنه، وكل فعل يريد تعظيمه أو التخويف به عبر عنه بنفسه كقوله: {حتى? ياتي الله بأمره} [التوبة:24]، وكقوله: {نات بخير منها أو مثلها} [البقرة:105]، وقوله: {ان يشأ يذهبكم أيها الناس ويات بآخرين} [النساء:132]، وقوله: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} [النحل:26]، وكذلك قوله: {وجاء ربك} [الفجر:24]، ألا ترى إلى قوله: {قد جاءكم من الله نور} [المائدة:17]، وقوله: {إنما ياتيكم به الله} [هود:33]، وقوله: {ناتي الارض ننقصها من اطرافها} [الرعد:42]، وقوله: {بل اتيناهم بالحق} [المومنون:91]، وقوله: {يات بها الله} [لقمان:15]، وقوله: {ولقد جئناهم بكتاب} [الأعراف:52]، وقوله: {فقد جاءكم الفتح} [الأنفال:19]، وقوله: {جاءتكم موعظة من ربكم} [يونس:57]، وقوله: {جاءكم الحق} [يونس:108]، فالمقيد يفسر المطلق)) (1).

والظاهر من تقرير القاضي ابن العربي هنا؛ أنه يقطع بطريقة التأويل في لفظ “الإتيان” مضافا إليه تعالى، وكلامه هذا – عند التحقيق – وجيه جدا.

وقال العلامة محمد الخضر الشنقيطي: ((ومن أحسن ما يستدل به عندي على مثل هذه الإسنادات المجازية ما نقله في “فتح الباري” عن ابن بطال في حديث ابن عباس في تفسير {لا تحرك به لسانك} [القيامة:16] … فإنه قال [=ابن بطال] في قوله تعالى: {فإذا قرأناه فاتبع قرآنه} [القيامة:18]: “فيه إضافة الفعل إلى الله تعالى والفاعل له من يأمره بفعله، فإن القارئ لكلامه تعالى على النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم هو جبريل، ففيه بيان لكل ما أشكل من كل فعل ينسب إلى الله تعالى مما لا يليق به فعله من المجيء والنزول ونحو ذلك. انتهى” (2))) (3) وهو استنباط ثاقب.


(1) كتاب الأفعال: أفعال الله عز وجل (ص:111 إلى 115)، تأليف: القاضي أبي بكر بن العربي المعافري الإشبيلي، طبعة الرابطة المحمدية للعلماء: الرباط، الطبعة الأولى: 1438 هج – 2017 م.
(2) فتح الباري للحافظ ابن حجر العسقلاني (500/ 13)، الطبعة السلفية.
(3) استحالة المعية بالذات وما يضاهيها من متشابه الصفات (ص:289 – 290)، دار البصائر.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=3154185424816072&id=100006739351796&post_id=100006739351796_3154185424816072&notif_id=1638627372014983&notif_t=close_friend_activity&ref=notif

السابق
2-شرح نظم “نصيحة الأمة الإسلامية بالحذر من الفرقة الوهابية” للعلامة محمد الحسن ولد الخديم.
التالي
تابع الصفات الخبرية/ التأويل والتفويض (منقول)