ابن تيمية حكما على الأمة

الحنابلة ينقلون عن ابن تيمية فيما يؤيد طريقتهم من الإثبات ورد التأويل ونحو ذلك، ويتجاهلون تقريراته في المواضع المشكلة؛ كحلول الحوادث والتسلسل وفناء النار… السفاريني نموذجا (منقول)

الرواق المنهجي والحنبلي( بإشراف الشيخ محمد عبد الواحد الأزهري الحنبلي).
تتمة للمنشور السابق في قدم الصفات الإلهية عند السادة الحنابلة:
قررت مرارا أن الحنابلة ينقلون عن ابن تيمية فيما يؤيد طريقتهم من الإثبات ورد التأويل ونحو ذلك، ويتجاهلون تقريراته في المواضع المشكلة؛ كحلول الحوادث والتسلسل وفناء النار؛ كأن لم يخلق الله ابن تيمية أصلا ولا خلق له كلاما فيها!
وهذا هو الشائع الغالب عليهم، فلا عبرة بالنادر.
وأما في الفقه فهو إمام مقدم، يكثرون النقل عنه ويحتجون بما ينسبه للمذهب ولو تفرد، ومع ذلك فهم يوافقونه ويخالفونه ويقبلون منه ويردون عليه، كما يفعلون مع غيره، وليس هو ذا مذهب مستقل ولا الإمام الفرد الأوحد.
وما ينقله بعض الناس من كلام الحنابلة في احتجاجهم بكلام ابن تيمية واحتفائهم بتقريراته= لا يخرج عما ذكرته من مقاصدهم لمن تأمل وأنصف.
وبينت ذلك أمس بوضوح من كلام الإمام المرداوي، وزدته بيانا بابن مفلح وابن النجار.
وذلك ردا على من نسب للمرداوي موافقة ابن تيمية في حلول الحوادث بالله تعالى من أجل كلام المرداوي في صفة الكلام.
ولنزد ذلك بيانا في هذا المنشور بالنقل عن واحد من أكثر الحنابلة نقلا لتقريرات ابن تيمية وتلميذه واحتفاء بها وتبجيلا لهما ونشرا لكلامهما، وهو العلامة السفاريني؛ فتنبه لما سأكتبه:
١- قال السفاريني عند شرح قوله: (صفاته كذاته قديمة):
“(صفاته) سبحانه وتعالى: الذاتية والفعلية والخبرية= (كذاته) عز شأنه (قديمة)، لا ابتداء لوجودها، ولا انتهاء؛ إذ لو كانت حادثة لاحتاجت إلى محدث، تعالت ذاته المقدسة وصفاته المعظمة عن ذلك، فإن حقيقة ذاته مخالفة لسائر الحقائق، وكذلك صفاته تعالى”. انتهى.

  • فانظر إلى نصه على جميع الصفات وتعميمها، ثم لم ينقل شيئا من كلام ابن تيمية في حدوث آحاد صفات الأفعال.
    وهذا السفاريني الذي هو أكثر المصنفين في العقائد نقلا عن الشيخ تقي الدين!
    فأنت تراه هنا لم يلتفت لكلامه أصلا.
    بل إن تعجب أيها القارئ الكريم؛ فالعجب أنه نقل بعد هذا الكلام مباشرة كلام ابن تيمية في تقسيم الفِرق إلى أهل إثبات وأهل تأويل وأهل تخييل وأهل تجهيل، ونقل تقريره في الأمر بتمامه.
    بقطع النظر عن كونه بعد ذلك وقبله نصر التفويض مرارا، وعن توجيه ذلك!
    يعني: أنه راح ينقل كلامه في مسألة أخرى متعلقة بإثبات الصفات، وترك كلامه في صلب المسألة المذكورة في البيت وهي قدم الصفات، ولم يلتفت إليه بحال.
    أليست هذه نظرية (التطنيش) التي ذكرتها لكم؟!
    وما قرره السفاريني هنا لا شك في مخالفته لطريقة الشيخ تقي الدين رحمه الله، ولذلك ترى شراح السفارينية من الوهابية يعترضون على السفاريني هنا.
    فابن عثيمين مثلا لما جاء يشرح هذا البيت قال:
    “وقول المؤلف: (صفاته قديمة) مجمل يحتاج إلى تفصيل، فالصفات بالنسبة لله عز وجل ثلاثة أقسام: صفات ذاتية، وصفات فعلية، وصفات خبرية”.
    ثم فصلها، وقال في الفعلية:
    “لكن هذا القسم من صفات الله آحاده حادثة، تحدث شيئا فشيئا، وأما جنس الفعل فإنه أزلي أبدي، فجنس كون الله فعالا -أي: جنس الفعل في الله عز وجل- أزلي، فلم يزل ولا يزال فعالا، لم يأت وقت من الأوقات يكون الله تعالى معطلا فيه عن الفعل، فإن الله لم يزل ولا يزال فعالا لما يريد سبحانه وتعالى.
    لكن نوع الفعل أو آحاده هي التي تكون حادثة”.
    وهذا تقرير تيمي محض.
    فهل كان هذا غائبا عن السفاريني؟
    لا والله!
    ولكنه ليس موافقا لاتجاه عامة الحنابلة،
    ولذا أهمل ذكر كلام ابن تيمية وتقريره فيه.

٢- وقال السفاريني في موضع آخر بعد أن أكثر النقل عن ابن تيمية وأطاله:
“(فسائر الصفات) الذاتية من الحياة والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعلم والكلام وغيرها، وسائر الصفات الخبرية من الوجه واليدين والقدم، والعينين ونحوها، ((و)) سائر صفات ((الأفعال)) من الاستواء والنزول والإتيان والمجيء والتكوين ونحوها= ((قديمة لله))، أي هي صفات قديمة عند سلف الأمة وأئمة الإسلام ((ذي الجلال)) والإكرام ليس منها شيء محدث، وإلا لكان محلا للحوادث، وما حل به الحادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك”. انتهى.
وهذا التقرير والاحتجاج هو الذي عليه عامة الحنابلة، ونص عليه أئمتنا؛ كالقاضي أبي يعلى وابن الزاغوني وابن حمدان وعبد الباقي وابن بلبان وعثمان وغيرهم كثير: (أن الله تعالى لا تحله الحوادث) و (ليس محلا للحوادث)، وهكذا.

  • والسفاريني هنا ينص على كون صفات الأفعال قديمة، ويمثل لها بالنزول والاستواء والإتيان والمجيء والتكوين!
    فهل لهذا أدنى علاقة بابن تيمية وما ينسبه للمذهب والسلف؟!
    وقول السفاريني: “ليس منها شيء محدث، وإلا لكان محلا للحوادث، وما حل به الحادث فهو حادث تعالى الله عن ذلك”= لا شك في مباينته لكلام ابن تيمية وتقريره وحجاجه.
    أكتفي بهذا، وفي الجعبة الكثير، ومحل ذلك عند الدرس وفي التصنيف إن شاء الله، وإنما أردنا بيان المذهب وطريقة أصحابه حقا.
السابق
من أفضل شروح العقيدة الطحاوية: العصيدة السماوية شرح العقيدة الطحاوية
التالي
رد شبهة”كل بدعة ضلالة”.. (منقول)