https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/788875611180016/
الوجه الثالث: إن قول ابن تيمية: “وقوله (أي محمد بن الحسن) من غير تفسير: أراد به تفسير الجهمية المعطلة” يلزم منه أن كلمة “تفسير” كلمة مجملة تحتمل أكثر من معنى، لأنها تحتمل أن يكون المراد بها تفسير الجهمية، ويحتمل أن يراد بها تفسير غيرهم من أهل السنة أو المجسمة أو….، فتصبح كلمة “تفسير” تحتاج إلى تفسير يوضحها، فآل الأمر إلى أن كلمة “تفسير” تحتاج إلى تفسير، وهذا تهافت كما هو ظاهر، وأشد تهافتا منه أن ابن تيمية فسّر ـ في مواضع أخرى ـ كلمة “التأويل” بالتفسير[1]، وهذا لا يستقيم قط، إذ كيف يفسّر ابن تيمية كلمةً ـ وهي “التأويل” ـ بكلمةٍ ـ وهي التفسيرـ هي أصلا مجملة تحتاج إلى تفسير كما رأينا هنا في تعامل ابن تيمية مع كلمة التفسير الواردة في كلام محمد بن الحسن الشيباني؟!
والواقع أن هذا تلاعب مكشوف من ابن تيمية بالألفاظ للتهرب من الحق الوضح؛ فابن تيمية في مقام إنكاره للتأويل يزعم أن التأويل الوارد في الكتاب والسنة وكلام السلف هو التفسير، لا صرف اللفظ عن ظاهره كتأويل المتكلمين والجهمية، وفي مقام إنكاره للتفويض يزعم أن السلف حين قالوا عن آيات الصفات تُمر دون تفسير أن التفسير هنا المقصود به تفسير الجهمية، وهذا تلاعب مفضوح، يريد به ابن تيمية إنكار التأويل والتفويض معا بأي طريقة.
ونزيد الأمر بيانا فنقول: لو جمعنا كلام ابن تيمية في المقامين السابقين لنتج كلاما متهافتا، أول من يفر منه ابن تيمية نفسه لأنه يهدم مذهبه؛ وبيان ذلك أن ابن تيمية يقول في مقام إنكار التأويل في كتاب الصفدية: ” والمقصود هنا أن السلف كان أكثرهم يقف عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه} بناء على أن التأويل هو الحقيقة التي استأثر الله بعلمها، لا يعلمها إلا هو، وطائفة كمجاهد وابن قتيبة وغيرهما قالوا: بل الراسخون يعلمون التأويل، ومرادهم بالتأويل المعنى الثاني وهو التفسير، فليس بين القولين تناقض في المعنى”.اهـ
إذن ابن تيمية يقرر هنا أن السلف كانوا يقصدون بالتأويل: التفسير؛ ولكن “التفسير” يحتاج إلى تفسير لما سبق، وبما أن ابن تيمية في مقام إنكاره للتفويض فسّر التفسيرَ في كلام السلف الذي نقله عنهم الشيباني: بتفسير الجهمية، فالآن سوف نفسر “التفسير” في الصفدية وهو قول ابن تيمية: “ومرادهم (أي السلف) بالتأويل المعنى الثاني وهو التفسير ” سوف نفسره بكلمة “تفسير الجهمية” تماما كما قال ابن تيمية في مقام إنكاره للتفويض؛ فيصير معنى كلامه في الصفدية “ومرادهم بالتأويل المعنى الثاني وهو تفسير الجهمية المعطلة”، وابن تيمية أول من يفر من هذا الكلام، إذ سيصير المعنى أن السلف كانوا يُفسرون آيات الصفات بتفسير الجهمية، وإذا كان الأمر كذلك فكيف يكون تفسير الجهمية ضلالا وبدعة؟! ثم كيف يدعي ابن تيمية بعد هذا أن الشيباني قصد بقول السلف في الصفات: بلا تفسير، أي بلا تفسير الجهمية المعطلة، إذا كان السلف أنفسهم فسروا آيات الصفات بتفسير الجهمية بناء على ما يلزم من تلاعب ابن تيمية بلفظي التأويل والتفسير؟!
قال وليد ابن الصلاح هذا المنشور نشرته سابقا على https://www.facebook.com/Soufiahdrmut/posts/504715472899329
وانظر السابق:https://www.facebook.com/Soufiahdrmut/posts/503458409691702
وانظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/418444334936261/
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] إن ابن تيمية حين أنكر تأويل المتكلمين وجعله بدعة، اعتُرض عليه بأن التأويل أمر ممدوح ووارد في الكتاب والسنة وكلام السلف، فرد ابن تيمية قائلا إن التـأويل في الكتاب والسنة وكلام السلف لا يقصد به صرف اللفظ عن ظاهره فإن هذا المعنى لم يكن معروفا عند السلف بل هو من بدع المتكلمين الذين ذمهم السلف، وإنما معنى التأويل في الكتاب والسنة كلام السلف هو: التفسير، أو حقيقة الشيء. انظر: الصفدية لابن تيمية (1/291) نقلا عن موقف ابن تيمية من الأشاعرة، د.المحمود ص 1144.