مقالات قيمة في التفويض

ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات

“ابن تيمية وأتباعه وموقفهم من مذهب التفويض في الصفات”*

https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/795129933887917

استدل ابن تيمية وأتباعه بأن السلف لم يكونوا مفوضة بما جاء عنهم حين قالوا عن آيات الصفات “أمروها كما جاءت”.

ووجه الدلالة ما قاله ابن تيمية في مجموع الفتاوى – (5 / 41): …. موافق لقول الباقين : “أمروها كما جاءت بلا كيف” فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة . ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه – على ما يليق بالله – …ولما قالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف …. فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى ؛ وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا أثبتت الصفات . وأيضا : فإن من ينفي الصفات الخبرية – أو الصفات مطلقا – لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف فمن قال : إن الله ليس على العرش لا يحتاج أن يقول بلا كيف فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف . وأيضا : فقولهم : أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معان ؛ فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يقال : أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ؛ أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت ولا يقال حينئذ بلا كيف ؛ إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول[1] .اهـ

والجواب من الوجوه التالية:

الوجه الأول: قول ابن تيمية ” فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة”:غير صحيح؛ لأن السلف نفو الكيفية من أصلها، ولم ينفوا العلمَ بالكيفية فحسب، وهذا صريح قولهم “الكيف مرفوع” و”الكيف غير معقول” و”بلا كيف”، وكل هذا نفي للكيف من أصله.

نَعَم تمسك ابنُ تيمية بلفظ “والكيف مجهول” ولكن هذه الرواية لم تثبت، وإنما الثابت ما سبق، وقد بينتُ ذلك بشكل مطول في موضع آخر[2]؛ وعلى فرض ثبوتها فلا دلالة فيها، إذ المقصود من عبارة “الكيف مجهول”: أن الكيف غير معلوم الثبوت، فهو منفي وغير ثابت لله، كشريك الباري عز وجل فهو مجهول أي لم يثبت كما قال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ}، ونحوه قوله {قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] فقوله ” بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ ” وقوله” بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ” المقصود بكليهما شريكُ الباري عز وجل، فهو مجهول وغير معلوم لأنه لم يثبت، فهو منفي؛ قال البغوي في سورة يونس (4/ 126):{ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله} أتخبرون الله، {بما لا يعلم} الله صحته. ومعنى الآية: أتخبرون الله أن له شريكا، أو عنده شفيعا بغير إذنه، ولا يعلم الله لنفسه شريكا؟! {في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون}.اهـ

وقال البغوي أيضا في تفسيره لسورة الرعد (4/ 321): {أم تنبئونه} أي: تخبرون الله تعالى: {بما لا يعلم في الأرض} فإنه لا يعلم لنفسه شريكا ولا في الأرض إلها غيره، {أم بظاهر} يعني: أم تتعلقون بظاهر، {من القول} مسموع، وهو في الحقيقة باطل لا أصل له.اهـ

وقد بسطت ذلك في موضع آخر سأنشره لاحقا بإذن الله.

وعليه فقول ابن تيمية ” فإنما نفوا علم الكيفية ….” مغالطة مكشوفة لما سبق من أن السلف نفوا أصلَ الكيف بقولهم “بلا كيف”؛ وهذا اللفظ ثابت عنهم وقد نقله عنهم ابن تيمية نفسه في النص السابق؛ ولكن ابن تيمية الذي أنكر المجاز لاسيما مجاز الحذف حين حَملَ بعضُ العلماء آيةَ المجيء وحديثَ النزول عليه …وأقام الدنيا حينها معتبرا ذلك من “باب تحريف الكلم عن مواضعه، من جنس تأويلات القرامطة والباطنية، وهذا هو التأويل الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه”[3]…!!!!!

أقول: ابن تيمية نفسه الذي أنكر هناك مجاز الحذف أشدَ الإنكار في صفتي المجيء والنزول هو نفسه استخدم مجازَ الحذف في آيات المعية، وهو نفسه أيضا جَعَل هنا قولَ السلفِ: ” أمروها كما جاءت بلا كيف ” من قبيل مجاز الحذف حيث قدّرَ ابنُ تيمية لفظَ “العِلم” في عبارة السلف السابقة فصار معنى “بلا كيف” أي بلا عِلم بالكيف؛ لذلك زعم أن السلف نفوا العلم بالكيفيّة ولم ينفوا الكيفية نفسها** ….!!!!!

وهذا طريف جدا من ابن تيمية كما ترى… حيث ينكر المجازَ والتأويل ويعتبرهما بدعة وتحريفا لاسيما في باب الصفات … ثم يستخدمهما ـ حتى في تأويل بعض نصوص الصفات التي لا تتمشى مع مذهبه كآيات المعية وغيرها[4] ـ متى كان بحاحة إليهما لنصرة مذهبه ولكن دون أن يعترف بأن ما ارتكبه هو عين المجاز أو التأويل الذي أنكره سابقا….وإنما يسمي صنيعه تفسيرا لا تأويلا… وكأن القضية هي قضية تلاعب بالأسماء …!!!!

إن هذا التلاعب بالأسماء يُحسنه كلُ الناس وليس ابن تيمية فقط …فكل من أراد تأويلَ آيةٍ أو حديث أو أثرٍ يؤوله ثم يسمي تأويله تفسيرا …..!!

وحين اعتبر ابنُ تيمية ـ رحمه الله ـ نفيَ السلف للكيفية هو نفي للعلم بالكيفية ـ وهذا فَعَله باستخدامه خِلسةً مجازَ الحذف كما سبق ـ أراد بذلك أن يُثبت صحةَ ما نسبه إلى السلف من أنهم كانوا يثبتون أصلَ الكيف لله في الصفات الخبرية، ولكن كانوا يجهلون تفصيلَه وتعيينه … ففوضوا العلمَ بتفصيله وتعيينه إلى الله …!!!!!

وهذا مجرد تصوره كاف لبطلانه[5] …..وفضلا عن ذلك فإن صنيع ابن تيمية هذا ـ وهو زعمه أن السلف أرادوا بقوله “بلا كيف” نفيَ العِلم بالكيف لا نفي الكيف نفسه ـ إن دل على شيء فإنما يدل على أن ابن تيمية هو من يحدد كيف يجب أن يكون مذهب السلف…. وهو من يوجهه إلى الجهة التي يريدها … وهو فقط من يحتكر العلم بما كان عليه السلف …. وهو وحده من يقرر مذهبَ السلف على ضوء مذهبه هو لا على ضوء مذهب السلف والروايات الصحيحة الصريحة الكثيرة عنهم ….!!!!!!

إذن الخلاف مع ابن تيمية ليس حول وجوب اتباع عقيدة السلف … وإنما الخلاف في تعيين عقيدة السلف وتحديد مذهبهم فيها كما نصوا عليه هم أنفسهم لا كما يحدده ابن تيمية …فابن تيمية يقرر مذهبَه أولا ثم يُلصقه بالسلف ليروجه على البسطاء مستدلا برواية من هنا أو هناك عن بعض من سَلَف قد لا تصح أو لا تكون صريحة فيما يدعيه أو قد تكون عن راوٍ نكرة أو مجسم أصلا … وأما الروايات الكثيرة الصحيحة الصريحة عن كبار السلف الصالح وأئمتهم التي تخالف مذهبَه فإنه ينكرها أو يؤولها أو يتجاهلها طرا…!!!!

وأقرب مثال على ذلك ما نحن فيه …حيث أوّل ابنُ تيمية ما ثبت عن السلف من روايات كثيرة وصحيحة وصريحة من قولهم عن آيات الصفات المتنازع فيها أو المتشابهة أنهم يؤمنون بها “من غير تفسير “[6] فتأوله ابن تيمية قائلا ـ مستخدما مجاز الحذف أيضا ـ إن مرادهم بقولهم “من غير تفسير” أي: من غير تفسير الجهمية ….!!! وهذا شيء أشد طرافة…. إذ صارت كلمة “التفسير” في قول السلف السابق: “من غير تفسير” مبهمة ومجملة بحيث تحتاج إلى تفسير، والتفسير يحتاج إلى تفسير وهكذا إلى ما لا نهاية من هذه السفسطة الباردة…..!!!!!!!!! وقد بسطت ذلك بما لا مزيد عليه في موضع آخر[7].

وأما قول ابن تيمية “إن من ينفي الصفات الخبرية…..انتظره

وانظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/801203039947273/

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/793857927348451/

[1] أولُ كلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (5/ 41): فقول ربيعة ومالك الإستواء غير مجهول والكيف غير معقول والايمان به واجب موافق لقول الباقين امروها كما جاءت بلا كيف فانما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا حقيقة الصفة ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ولما قالوا أمروها كما جاءت بلا كيف فان الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنزلة حروف المعجم، وأيضا فانه لا يحتاج….اهـ

ولكن حذفتُ الجزء المتعلق بالاستواء لأني ناقشته في مكان آخر، وهنا أناقش فقط استدلال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ بما ورد عن السلف من قولهم “أمروها كما جاءت بلا كيف”.

وانظر أيضا: موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1178)

[2] انظر منشور: ابن تيمية ومذهب التفويض في الصفات؛ وما قبله وما بعده على: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/486612998119394/

[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية 4/69، وانظر 3/67.

**وكذا زعم ابن عثيمين قائلا: إن معنى قولنا: (بدون تكييف): ليس معناه ألا نعتقد لها كيفية، بل نعتقد لها كيفية لكن المنفي علمنا بالكيفية .اهـ

انظر: http://www.dorar.net/enc/aqadia/157

و قال ابن باز: أهل السنة – رحمة الله عليهم – وإنما يفوض أهل السنة إلى الله سبحانه علم الكيفية لا علم المعاني كما سبق إيضاح ذلك. اهـ

انظر: http://www.alifta.net/fatawa/fatawaDetails.aspx?BookID=4…

وانظر بسط ذلك على: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/407784706002224/

[4] انظر نماذج على تأويلات ابن تيمية في الصفات: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/492025084244852/

[5] إذ حاصل هذا الكلام: أن السلف أثبتوا لله اليدين مثلا على المعنى الظاهر في لغة العرب وهو الجوراح الحسية… ولكن جهلوا طول اليدين وشكلهما ولونهما ووووو…..فتورّعوا وفوّضوا العلم بهذه التفصيلات إلى الله …!!!!

وهذا هذيان وحُمق وسفه لا يستحق الرد أصلا… بل الأجدر أن يُنظر إلى قائله بعين الشفقة على عقله الذي جعله يتصور هذه الحماقات فضلا عن أن يسعى ليُقنع العقلاء بأن سلف هذه الأمة وخيارها كانوا على هذا الحماقة ـ حاشاهم ـ …!!!

وقد بسطت هذا أيضا في موضع آخر سوف أنشره قريبا إن شاء الله.

[6] انظر هذه الروايات والكلام عليها:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/506912476089446/

[7] انظر سلسلتي: “هل تعلم أن عبارات اللاآت التي يرددها ابن تيمية في كتبه ويستشهد بها وينسبها للسلف وهي: “نثبت الصفات بلا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف ولا تأويل” هي عبارة ملفقة ومبتورة ومتلاعَب فيها؟! “

على هذا الرابط وما بعده:https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/468572406590120/

السابق
الخلاف في تكفير المجسمة وبيان أصنافهم وكلام العلماء فيهم (منقول)
التالي
إجماع الحنابلة على امتناع حلول الحوادث بذات الله تعالى