فوائد فقهية

حكم صيام التطوع في النصف الثاني من شعبان عند السادة الشافعية وسائر الفقهاء

قال الإمام البغوي في «التهذيب في فقه الإمام الشافعي» (3/ 202):
«وإذا انتصف شعبان، يكره الصوم استقبالاً للشهر، إلا أن يوافق صوماً كان يصومه من قبل.
رُوي عن أبي هريرة؛ أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا”».اهـ

وقال ابن الرفعة في «كفاية النبيه في شرح التنبيه» (6/ 410): وقيل: [إذا انتصف شعبان لا يجوز] أن يصوم؛ لما روى أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا انتصف شعبان فلا تصوموا” قال الترمذي: وهو [حسن] صحيح.
قال: إلا أن يوافق عادة له أو يصله بما قبله لما تقدم وهذا ما صححه النواوي، وجزم به في “المهذب”؛ لما تقدم.
والقائل بالأول يحمل الخبر الدال عليه على من كان يضعفه ذلك عن صوم رمضان.
والمتولي قال: إن أهل الحديث قالوا: إنه غير ثابت.
وسلك في “المرشد” طريقاً آخر فقال: إن وافق عادة له بأن كان يصوم الإثنين – مثلاً – فكان ذلك، لم يكره، وإن لم يوافق عادته: فإن كان قوياً ووصله بما قبل النصف جاز، وإن كان ضعيفاً ووصله بما زاد على يومين جاز؛ عملاً بالحديثين.اهـ

وقال العلامة الخطيب الشربيني في «مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج» (2/ 165):
إذا انتصف شعبان حرم الصوم بلا سبب إن لم يصله بما قبله على الصحيح في المجموع وغيره لخبر «إذا انتصف ‌شعبان ‌فلا ‌تصوموا» رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح.
لكن ظاهره أنه يحرم وإن وصله بما قبله وليس مرادا حفظا لأصل مطلوبية الصوم.اهـ

وقال الدميري في «النجم الوهاج في شرح المنهاج» (3/ 317):
«تتمة:
في الصوم بعد نصف شعبان غير يوم الشك أربعة أوجه:
أصحهما: لا يجوز؛ لما روى الأربعة وابن حبان (٣٥٨٩) – بإسناد صحيح – عن» أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا انتصف شعبان ….. فلا تصوموا).
والثاني: يجوز ولا يكره، وبه قطع المتولي، وأشار في (التنبيه) إلى اختياره.
والثالث: يكره كراهة تنزيه، وهو اختيار الروياني.
والوجهان ضعيفان وكل من المتولي والروياني لم يثبت عنده الحديث.
والوجه الرابع: لا يتقدم الشهر بصوم يوم ولا يومين ويجوز بأكثر، وهو مقتضى كلام البندنيجي وابن الصباغ لمفهوم: (لا تقدموا رمضان يوم أو يومين).
وجوابه: أن منطوق النهي عن الصوم بعد النصف تقدم.اهـ

وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في «الغرر البهية في شرح البهجة الوردية» (2/ 217): وإذا انتصف شعبان حرم الصوم بلا سبب إن لم يصله بما قبله على الصحيح في المجموع وغيره لخبر «إذا انتصف ‌شعبان ‌فلا ‌تصوموا» رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح لكن ظاهره أنه يحرم وإن وصله بما قبله وليس مرادا حفظا لأصل مطلوبية الصوم.اهـ

وجاء في «الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي» (2/ 102):
«‌‌ثانياً: الصوم المحرم
يحرم صيام الأيام التالية:
١ـ صيام يومي عيد الفطر والأضحى:»… ٤ـ صوم النصف الثاني من شعبان.
ودليل ذلك ما رواه أبوداود (٢٣٣٧) والترمذي (٧٣٨) ـ وصححه ـ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إذا انتصف شعبان فلا تصوموا “. وعند ابن ماجه (١٦٥١) ” إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان “.
لكن تنتفي حرمة صوم يوم الشك، والنصف الثاني من شعبان إذا وافق عادة للصائم، أو وصل صيامه بما قبل النصف الثاني من شعبان.
روى البخاري (١٨١٥) ومسلم (١٠٨٢) واللفظ له عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه “.اهـ

وجاء في «الموسوعة الفقهية الكويتية» (24/ 291):
«‌‌صيام النصف من شعبان:
٥ – ذهب جمهور العلماء إلى جواز صيام النصف من شعبان وما بعده، لحديث عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا فلان أما صمت سرر هذا الشهر؟ قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: فإذا أفطرت فصم يومين من سرر شعبان (1) ،» وهذا على قول من فسر السرر بالوسط. وذهب الحنابلة إلى كراهية صيام النصف من شعبان لحديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا انتصف شعبان، فلا تصوموا (2) وحرمه الشافعية لحديث النهي عن صيام النصف؛ ولأنه ربما أضعف الصائم عن صيام رمضان، وجمع الطحاوي بين حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وهو النهي، وحديث النهي عن تقدم رمضان بالصيام إلا إذا كان صوما يصومه، بأن الحديث الأول محمول على من يضعفه الصوم، والثاني مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان، وحسن الجمع ابن حجر (3) .

————

(1) حديث: ” يا فلان أما صمت سرر هذا الشهر “. أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٢٣٠ – ط السلفية) ومسلم (٢ / ٨١٨ – ط الحلبي) والسياق للبخاري. قال وليد الذي جاء في «صحيح البخاري» (3/ 41): عن عمران بن حصين رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه سأله – أو سأل رجلا وعمران يسمع -، فقال: «يا أبا فلان، أما ‌صمت ‌سرر ‌هذا الشهر؟» قال: – أظنه قال: يعني رمضان -، قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: «فإذا أفطرت فصم يومين»، لم يقل الصلت: أظنه يعني رمضان، قال أبو عبد الله: وقال ثابت: عن مطرف، عن عمران، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من سرر شعبان».اهـ
(2) حديث: ” إذا انتصف شعبان فلا تصوموا “. أخرجه أبو داود (٢ / ٧٥١ – تحقيق عزت عبيد دعاس) وأخرجه الترمذي (٣ / ١٠٦ – ط الحلبي) بلفظ: ” إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا “. وقال: حديث حسن صحيح.
(3) كتاب الفروع ٣ / ١١٨، حلية العلماء ٣ / ٢١٣، فتح الباري ٤ / ٢٣٠ – ٢٣١، بدائع الصنائع ٢ / ٩٧٩.

السابق
وابن تيمية لا ينفي التشبيه، وإذا ورد في بعض كلامه نفيُ التشبيه فإنما يريد به التشبيهَ التّامَّ المساوي للتمثيل.
التالي
أَلْقِ حُسْنَ الظَّنِّ عَلَى الْخَلْقِ وَسُوءَ الظَّنِّ عَلَى نَفْسِكَ