فوائد فقهية

جواز إفراد صيام يوم عرفة إذا صادف يوم الجمعة عند المذاهب الأربعة

الموسوعة الفقهية الكويتية (28/ 96)
ى – صوم يوم الجمعة:
17 – لا بأس عند الحنفية بصوم يوم الجمعة بانفراده، وهو قول أبي حنيفة ومحمد ويندب عند المالكية، لما روي عن ابن عباس – رضي الله تعالى عنهما – أنه كان يصومه ولا يفطر.

وقال أبو يوسف: جاء حديث في كراهته إلا أن يصوم قبله وبعده، فكان الاحتياط أن يضم إليه يوما آخر، قال ابن عابدين: ثبت بالسنة طلبه والنهي عنه، والآخر منهما النهي؛ لأن فيه وظائف، فلعله إذا صام ضعف عن فعلها.
ومحل النهي عند المالكية هو مخافة فرضيته، وقد انتفت هذه العلة بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
وذهب الشافعية والحنابلة إلى كراهة إفراد يوم الجمعة بالصوم، لحديث: لا يصم أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم قبله أو بعده (1) وليتقوى بفطره على الوظائف المطلوبة فيه، أو لئلا يبالغ في تعظيمه كاليهود في السبت، ولئلا يعتقد وجوبه، ولأنه يوم عيد وطعام (2) .


(1) حديث: ” لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله “. أخرجه البخاري (4 / 232) ومسلم (2 / 801) من حديث أبي هريرة واللفظ لمسلم.
(2) ابن عابدين 2 / 83، وحاشية الدسوقي 2 / 534، ومغني المحتاج 1 / 447، وكشاف القناع 2 / 340.

=======================

مذهب الحنفية:

الحجة على أهل المدينة (1/ 407)

– بَاب الرجل يَصُوم يَوْم الْجُمُعَة

قَالَ أَبُو حنيفَة لَا ارى بصيام يَوْم الْجُمُعَة باسا فان تحراه رجل وصامه تَطَوّعا مُفردا فَلَا بَأْس بِهِ وَقَالَ أهل الْمَدِينَة مثل ذَلِك

الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (2/ 375):
وفي الخانية ولا بأس بصوم يوم الجمعة عند أبي حنيفة ومحمد لما روي عن ابن عباس أنه كان يصومه ولا يفطر

منحة السلوك في شرح تحفة الملوك (ص: 279):
قوله: (والجمعة) أي يستحب صوم يوم الجمعة، قال في الإيضاح: لا بأس بصوم يوم الجمعة في قول أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: قد جاء حديث في كراهته، إلا أن يصوم قبله يوماً أو بعده يوماً، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لا يصم أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم قبله بيوم أو بعده” رواه مسلم وأبو داود.

تحفة الفقهاء (1/ 344)
وَكَذَا صَوْم يَوْم الْجُمُعَة وَحده فَإِنَّهُ لَا يكره وَقَالَ بَعضهم يكره لِأَنَّهُ خص هَذِه الْأَيَّام من بَين سائرها
وَعَامة الْعلمَاء قَالُوا بل هُوَ مُسْتَحبّ لِأَن لهَذِهِ الْأَيَّام فَضِيلَة فَكَانَ تعظيمها بِالصَّوْمِ مُسْتَحبا وَإِنَّمَا يكره إِذا كَانَ فِيهِ تشبه بِغَيْر أهل الْقبْلَة وَلم يُوجد فِي هَذِه الصيامات

بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 79)
وكره بعضهم صوم يوم الجمعة بانفراده، وكذا يوم الاثنين، والخميس، وقال عامتهم: إنه مستحب لأن هذه الأيام من الأيام الفاضلة فكان تعظيمها بالصوم مستحبا،

=======

مذهب المالكية:

«التوضيح في شرح مختصر ابن الحاجب» (2/ 460):
«وأجاز مالك صوم يوم الجمعة منفردا، قال الداودي: لم يبلغه الحديث
قال عليه الصلاة والسلام: “لا ‌يصومن ‌أحدكم ‌يوم ‌الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده”. قوال: لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا يوم الجمعة بصيام من بين سائر الأيام. ودخل على جويرية بنت الحارث يوم الجمعة وهي صائمة فقال: “أصمت أمس”؟ فقالت: لا. قال: “أتريدين أن تصومي غدا؟ قالت: لا. قال: “فأفطري”. انفرد به البخاري، وانفرد مسلم بقوله:”لا تخصوا ليلة الجمعة” واجتمعا على ما سوى ذلك.
وخرج الترمذي وغيره عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، وقل ما كان يفطر يوم الجمعة، وصححه ابن عبد البر، وفي رواية الحافظ علي بن المفضل المقدسي: ما رأيته مفطرا يوم الجمعة.
أبو عمر: وروي عن ابن عمر أنه قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مفطرا يوم الجمعة قط.
وذكره ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن ليث بن أبي سليم عن عمير بن أبي عمير عن ابن عمر قال: وروي عن ابن عباس أنه كان يصوم يوم الجمعة ويواظب عليه.
قال الحافظ: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [166/أ]: “من صام يوم الجمعة كتبت له عشرة أيام غر زهر من أيام الآخرة لا تشاكلهن أيام الدنيا”. انتهى.
وفي الموطأ: لم أسمع أحدا من أهل العلم والفقه ومن يقتدي به ينهي عن صيام يوم الجمعة، وصيامه حسن، وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأراه أنه كان يتحراه.
قيل: هو محمد بن المنكدر، وقيل: صفوان بن سليم»

مذهب الشافعية:

«النجم الوهاج في شرح المنهاج» (3/ 359):
«قال: (ويكره إفراد الجمعة)؛ لما روى الشيخان [خ 1985 – م 1144]: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يومًا قبله أو يومًا بعده).وروى الحاكم [1/ 437]: (يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده)»

اللهم إلا أن يوافق عادة له كما إذا كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، أو وافق يوم عرفة أو يوم عاشوراء .. فلا يكره له الإفراد، كمن وافقت عادته يوم الشك، والذي قاله المصنف هو الصحيح.
وفي وجه: لا كراهة في إفراده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يفطر يوم الجمعة، قال الترمذي [742]: حسن، وهو محمول على: أنه كان يصله بالخميس.
ونقل القاضي أبو الطيب عن أحمد وابن المنذر وبعض أصحابنا: أنه لا يجوز إفراده بالصوم، ومراده بعدم الجواز: الكراهة.اهـ

=====================

مذهب الحنابلة:

«التعليقة الكبيرة – أبو يعلى – من كتاب الصلاة للجنائز» (2/ 122):
«وأما صوم يوم عرفة إذا صادف يوم جمعة، وكان من عادته صيامه، فقد نص على جوازه، فقال في رواية الأثرم: في رجل كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فوقع فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفطره يوم السبت، فصام يوم عرفة مفردًا، فهذا لم يتعمد صومه خاصة، ‌إنما ‌كره ‌أن ‌يتعمد ‌الجمعة.
وكذلك نقل أبو طالب: إذا كان يوم عرفة يوم جمعة، ولم يكن صام قبله يومًا، يصوم يوم الجمعة. وكذلك قال في رواية أبي الحارث»

«المغني» لابن قدامة (4/ 426 ت التركي):
«‌‌فصل: ويكره إفراد يوم الجمعة بالصوم، إلا أن يوافق ذلك صوما كان

يصومه، مثل من يصوم يوما ويفطر يوما فيوافق صومه يوم الجمعة، ومن عادته صوم أول يوم من الشهر، أو آخره، أو يوم نصفه، ونحو ذلك. نص عليه أحمد، فى رواية الأثرم. قال: قيل لأبى عبد الله: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديث النهى أن يفرد، ثم قال: إلا أن يكون فى صيام كان يصومه، وأما أن يفرد فلا. قال: قلت: رجل كان يصوم يوما ويفطر يوما، فوقع فطره يوم الخميس، وصومه يوم الجمعة، وفطره يوم السبت، فصام الجمعة مفردا؟ فقال: هذا الآن لم يتعمد صومه خاصة، إنما كره أن يتعمد الجمعة. وقال أبو حنيفة، ومالك: لا يكره إفراد الجمعة؛ لأنه يوم، فأشبه سائر الأيام. ولنا، ما روى أبو هريرة، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا يوما قبله أو بعده”. وقال محمد بن عباد: سألت جابرا، أنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صوم يوم الجمعة؟ قال. نعم. متفق عليهما (6). وعن جويرية بنت الحارث، أن النبى -صلى الله عليه وسلم- دخل عليها يوم الجمعة، وهى صائمة، فقال: “أصمت أمس؟ ” قالت: لا. قال: “أتريدين أن تصومى غدا؟ ” قالت: لا. قال: “فأفطرى”. رواه البخارى (7). وفيه أحاديث سوى هذه، وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع. وهذا الحديث يدل على أن (8) المكروه إفراده؛ لأن نهيه معلل بكونها لم تصم أمس ولا غدا
‌‌_
(6) الأول أخرجه البخارى، فى: باب صوم يوم الجمعة. . .، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 54. ومسلم، فى: باب كراهة صيام يوم الجمعة منفردا، من كتاب الصيام. صحيح مسلم 2/ 81. كما أخرجه أبو داود، فى: باب النهى أن يخص يوم الجمعة بصوم. من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 564. والترمذى، فى: باب ما جاء فى كراهية صوم يوم الجمعة وحده. من أبواب الصوم. عارضة الأحوذى 3/ 279. وابن ماجه، فى: باب فى صيام يوم الجمعة، من كتاب الصيام. سنن ابن ماجه 1/ 549. والإمام أحمد، فى: المسند 2/ 303، 422، 458، 495، 526، 532.
والثانى أخرجه البخارى، فى: الباب السابق. ومسلم، فى: الباب الذى سبق ذكره. كما أخرجه الدارمى، فى: باب فى النهى عن الصيام يوم الجمعة، من كتاب الصوم. سنن الدارمى 2/ 19.
(7) فى: باب صوم يوم الجمعة. . .، من كتاب الصوم. صحيح البخارى 3/ 54.
كما أخرجه أبو داود، فى: باب الرخصة فى ذلك، من كتاب الصيام. سنن أبى داود 1/ 564. والإمام
أحمد، فى: المسند 6/ 324، 430

======================================

«زاد المعاد في هدي خير العباد – ط عطاءات العلم» (1/ 520):
«الحادية والثلاثون: أنه يُكرَه إفرادُ يوم الجمعة بالصوم. هذا منصوص أحمد. قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله: صيام يوم الجمعة؟ فذكر حديث النهي أن يفرد، ثم قال: إلا أن يكون في صيام كان يصومه، وأمَّا أن يفرَد فلا. قلت: رجل كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، فوقع فطرُه يومَ الخميس وصومُه يومَ الجمعة، وفطرُه يومَ السبت، فصار الجمعة مفردًا؟ فقال: هذا الآنَ لم يتعمَّد صومه خاصَّةً. ‌إنما ‌كره ‌أن ‌يتعمَّد ‌الجمعة.
وأباح مالك وأبو حنيفة صومه كسائر الأيام. قال مالك: لم أسمع أحدًا من أهل العلم والفقه وممَّن يُقتدى به ينهى عن صيام يوم الجمعة. وصيامُه حسَنٌ. وقد رأيت بعض أهل العلم يصومه، وأُراه كان يتحرَّاه.
قال ابن عبد البر: اختلفت الآثار عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في صيام يوم الجمعة. فروى ابن مسعود عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: كان يصوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر، وقال: «قلما رأيته مفطرًا يوم الجمعة». وهو حديث صحيح.
‌‌_
(1) «أنه» ساقط من ك ومستدرك في ع.
(2) في ص بياض في موضع «النهي».
(3) في النسخ المطبوعة: «إلا أن يتعمد»، تحريف.
(4) وانظر: «مسائل» أبي داود (ص 137) وابن هانئ (ص 163) والكوسج (3/ 1238).
(5) «الحجة على أهل المدينة» (1/ 407).
(6) في «الموطأ» (865).
(7) في «الاستذكار» (10/ 260 – 263).
(8) أخرجه أحمد (3860) وأبو داود (2450) والترمذي (742) والنسائي في «المجتبى» (2368) و «الكبرى» (2689، 2771) وابن ماجه (1725) وابن حبان (3641، 3645) والبيهقي (4/ 294) كلهم من طريق شيبان عن عاصم عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود. وقد روي موقوفًا على ابن مسعود، ورفعُه صحيح، قاله الدارقطني في «العلل» (704). قال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن عبد البر، وضعفه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 59) من غير بينة. وسيأتي من كلام المؤلف: «إن صحّ»

==========================

وقد روي عن ابن عمر أنه قال: ما رأيتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – مفطرًا يوم جمعةٍ قطُّ. ذكره ابن أبي شيبة، عن حفص بن غياث، عن ليث بن أبي سليم، عن عمير بن أبي عمير، عن ابن عمر.
وروى عن ابن عباس أنه كان يصوم يوم الجمعة ويواظب عليه.
وأما الذي ذكره مالك فيقولون: إنه محمد بن المنكدر، وقيل:
‌‌_
(1) برقم (9352)، والنقل من «الاستذكار». وأخرجه مسدد (المطالب العالية- 1101) والطرسوسي في «مسند عبد الله بن عمر» (31) وأبو يعلى (5709) كلهم من طريق حفص به. ساقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 59، 60) من طريقين فقال: «هذا حديث لا يثبت، في طريقه الأول ليث، وقد جرحناه آنفًا. وفي الطريق الثاني جعفر بن نصر؛ قال ابن عدي: حدث عن الثقات بالبواطيل، وقال ابن حبان: يروي عن الثقات ما لم يحدثوا به»، وقال: «وهذا متن موضوع». وانظر: «تنقيح التحقيق» (3/ 346 – 347).
(2) يعني ابن أبي شيبة. والمؤلف صادر عن «الاستذكار»، والسياق يوهم أنه «رُوي» بالبناء للمجهول كما ضبط في مطبوعة «الاستذكار»، وأنّ المنقول عمل ابن عباس.
(3) حذفت «عن» في الطبعة الميمنية وما بعدها.
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (9351) عن حفص عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: «ما رأيته مفطرًا يوم جمعة قط». قال ابن الجوزي في «العلل» (2/ 59): «هذا حديث لا يصح، وفيه ليث».
(5) ق، م: «المذكور»، تحريف

===================

صفوان بن سُلَيم.
وروى الدَّراوردي عن صفوان بن سُلَيم عن رجل من بني جُشَم أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «من صام يومَ الجمعة كُتِب له عشرةُ أيامٍ غُرٍّ زُهْرٍ من أيام الآخرة لا يشاكلهن أيام الدنيا».
والأصل في صوم يوم الجمعة أنه عملُ برٍّ، لا يمنع منه إلا بدليل لا معارض له.
قلت: قد صحَّ المعارضُ صحَّةً لا مطعن فيها البتة. ففي «الصحيحين» عن محمد بن عباد قال: سألت جابرًا: أنَهى النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم – عن صوم يوم الجمعة؟ قال: «نعم».
وفي «صحيح مسلم» عن محمد بن عباد قال: سألت جابر بن
‌‌_
(1) م: «أبو الدراوردي»، وفي ق: «أبو الدرداء»، وكلاهما تحريف.
(2) تحرَّف «زهر» في ق، م إلى: «رهم» وفي «الاستذكار» ومصدري التخريج: «عددهن»، وهو تحريف «غُرّ زهر». وقد ضبطت الكلمتان بكسرهما في ك، ع.
(3) ق، م: «تشاكلهن».
(4) أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» (3579، 3580) و «فضائل الأوقات» (282).
(5) «صوم» من ق، م و «الاستذكار».
(6) هنا ينتهي النقل من «الاستذكار» (10/ 260 – 263) باختصار.
(7) البخاري (1984) ومسلم (1143). والمؤلف صادر عن «السنن والأحكام» للضياء المقدسي (3/ 476 – 478) إلى حديث أبي هريرة الآتي من «مسند أحمد».
(8) برقم (1143/ 146).
(9) ج: «عبادة»، وهوخطأ

=========

عبد الله وهو يطوف بالبيت: أنَهى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – عن صيام يوم الجمعة؟ قال: «نعم، وربِّ هذه البنيَّة».
وفي «الصحيحين» عن أبي هريرة قال: سمعت النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – يقول: «لا يصومنَّ أحدُكم يومَ الجمعة إلا يومًا قبله أو بعده». واللفظ للبخاري.
وفي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تختصُّوا ليلة الجمعة بقيامٍ من بين الليالي، ولا تختصُّوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صومٍ يصومه أحدكم».
وفي «صحيح البخاري» عن جويرية بنت الحارث أنَّ النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل عليها يوم الجمعة وهي صائمة، فقال: «أصُمْتِ أمسِ؟». قالت: لا. قال: «تريدين أن تصومي غدًا؟». قالت: لا. قال: «فأفطِري».
وفي «مسند الإمام أحمد» عن ابن عباس أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «لا تصوموا يوم الجمعة وحده».
‌‌_
(1) كذا في جميع النسخ ما عدا ص التي كان فيها: «البيت»، فغيِّر إلى «البنية».
(2) البخاري (1985) ومسلم (1144/ 147).
(3) ما عدا ق: «يومًا بعده»، ولفظ البخاري ما أثبت، وكذا في «السنن والأحكام».
(4) برقم (1144/ 148).
(5) مب: «تخصوا» في الموضعين.
(6) في المطبوع: «سائر الأيام».
(7) برقم (1986).
(8) برقم (2617)، وفيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، ضعيف

=================

وفي «مسنده» أيضًا عن جُنادة الأزدي قال: دخلت على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في يوم جمعة، في سبعةٍ من الأزد أنا ثامنهم، وهو يتغدَّى، فقال: «هلمُّوا إلى الغداء». فقلنا: يا رسول الله، إنَّا صيام. قال: «أصمتم أمس؟». قلنا: لا. قال: «فتصومون غدًا؟». قلنا: لا. قال: «فأفطِروا». قال: فأكلنا مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. قال: فلما خرج وجلس على المنبر دعا بإناء من ماء، فشرب وهو على المنبر، والناس ينظرون، يُريهم أنه لا يصوم يوم الجمعة.
وفي «مسنده» أيضًا عن أبي هريرة قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «يوم الجمعة يوم عيد، فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده».
وذكر ابن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة، عن عمران بن ظَبيان، عن حكيم بن سعد، عن علي بن أبي طالب قال: من كان منكم متطوِّعًا من الشهر أيامًا، فليكن في صومه يوم الخميس. ولا يصُمْ يومَ الجمعة فإنه يوم طعام وشراب وذكر، فيجمع لله يومين صالحَين: يوم صيامه ويوم نسكه
‌‌_
(1) برقم (24009/ 4). وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة (9334) والبخاري في «التاريخ الكبير» (2/ 233، 3/ 97) والنسائي في «الكبرى» (2786، 2787) والطبراني (2/ 281، 282) والحاكم (3/ 608). ومداره على حذيفة الأزدي، ضعيف؛ وقال الحافظ عن جنادة: «مختلف في صحبته، قال العجلي: تابعي ثقة». وانظر: «تنقيح التحقيق» (3/ 339 – 342) وتعليق محققي «المسند».
(2) برقم (8025، 10890)، وأخرجه إسحاق بن راهويه (524) وابن خزيمة (2161، 2166) والحاكم (1/ 437). وفي إسناده أبو بشر وعامر بن لُدَين، كلاهما فيه لين. والحديث ضعفه الألباني، انظر: «الضعيفة» (5344، 6826).
(3) في «مصنفه» (9335)، وكذلك أخرجه عبد الرزاق (7813) عن ابن عيينة به.
(4) ج: «نسكين». وقبله في النسخ المطبوعة: «فيجمع الله له»

==============================

مع المسلمين.
وذكر جرير عن مغيرة عن إبراهيم أنهم كرهوا صوم الجمعة ليتقَوَّوْا على الصلاة.
قلت: المآخذ في كراهته ثلاثة، هذا أحدها. ولكن يشكل عليه زوال الكراهية بضمِّ يوم قبله أو يوم بعده إليه.
والثاني: أنه يوم عيد، وهو الذي أشار إليه النبي – صلى الله عليه وسلم -. وقد أُورِد على هذا التعليل إشكالان، أحدهما: أنَّ صومه ليس بحرام، وصوم يوم العيد حرام. الثاني: أن الكراهة تزول بعدم إفراده.
وأجيب عن الإشكالين بأنه ليس عيد العام، بل عيد الأسبوع، والتحريم إنما هو لصوم يوم عيد العام. وأما إذا صام يومًا قبله أو يومًا بعده فلا يكون قد صامه لأجل كونه يوم جمعة وعيد، فتزول المفسدة الناشئة من تخصيصه، بل يكون داخلًا في صيامه تبعًا.
وعلى هذا يحمل ما رواه الإمام أحمد في «مسنده» والنسائي
‌‌_
(1) في النسخ المطبوعة: «ابن جرير»، وهو تحريف.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» برقم (9340)، ومغيرة كثير الإرسال عن إبراهيم النخعي.
(3) كذا قرأت. ويحتمل: «المأخذ» بالإفراد.
(4) لم يرد لفظ «يوم» في ق، م، مب.
(5) لم يرد هنا أيضًا لفظ «يوم» في ق، م، مب.
(6) ما عدا ق، م، مب: «كونه جمعة وعيدًا»

===========

والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود ــ إن صحّ ــ قال: قلما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يفطر يوم جمعة. فإن صحَّ هذا تعيَّن حملُه على أنه كان يدخل في صيامه، لا أنه كان يفرده، لصحة النهي عنه. وأين أحاديث النهي الثابتة في «الصحيحين» من حديث الجواز الذي لم يروه أحد من أهل الصحيح، وقد حكم الترمذي بغرابته؛ فكيف يعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة، ثم يقدَّم عليها؟
والمأخذ الثالث: حماية الذريعة من أن يُلحق بالدِّين ما ليس منه ويُوجِب التشبُّه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرُّد عن الأعمال الدنيوية. وينضمُّ إلى هذا المعنى: أنَّ هذا اليوم لما كان ظاهر الفضل على الأيام كان الداعي إلى صومه قويًّا، فهو في مظِنَّةِ تتابعِ الناس في صومه واحتفالهم به ما لا يحتفلون بصوم يومٍ غيره. وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه. ولهذا المعنى ــ والله أعلم ــ نهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي، لأنها من أفضل الليالي حتى فضَّلها بعضُهم على ليلة القدر، وحكيت رواية عن أحمد. فهي في مظنَّة تخصيصها بالعبادة، فحمَى الشارع الذريعة، وسدَّها بالنهي عن تخصيصها بالقيام. والله أعلم.
‌‌_
(1) أحمد (3860) والنسائي في «المجتبى» (2368) و «الكبرى» (2689، 2771) والترمذي (712)، وقد تقدم.
(2) ص: «على صيامه».
(3) في ص: «لأنه»، تحريف.
(4) في ص بياض في موضع «الصريحة».
(5) ما عدا ص، ج: «سدّ الذريعة».
(6) في النسخ المطبوعة: «فحسم»، ولعله تصرف بعض النساخ

=====================

«شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (3/ 414):
«واستشكل زوال الكراهة بتقدم صوم قبله أو بعده بكراهة صوم يوم ‌عرفة فإن كراهة صومه أو كونه على خلاف الأولى على ما رجحه محققو أصحابنا لا يزول بصوم قبله.

وأجيب: بأن في اليوم قبله اشتغالاً بالتروية والإحرام بالحج لمن لم يكن محرمًا ففيه شيء من معنى يوم ‌عرفة، واختلف في صوم يوم الجمعة على أقوال: كراهته مطلقًا وإباحته مطلقًا من غير كراهة وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن وكراهة إفراده وهو مذهب الشافعية، والرابع أن النهي مخصوص بمن يتحرى صيامه ويخصه دون غيره فمتى صام مع صومه يومًا غيره فقد خرج عن النهي، وهذا يردّه قوله عليه الصلاة والسلام لجويرية أصمت أمس الحديث الآتي قريبًا إن شاء الله تعالى، والخامس: أنه يحرم إلا لمن صام قبله أو بعده أو وافق عادته وهو قول ابن حزم لظواهر الأحاديث»

السابق
[4] مناظرة في العلو، ودلالة قوله تعالى : { بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: 158] عليه.
التالي
في الآثار المروية عن أتباع التابعين ـ رحمهم الله ـ في العلو والاستواء والفوقية.