تنزيه الله عن المكان والجهة والحيز

في الآثار المروية عن أتباع التابعين ـ رحمهم الله ـ في العلو والاستواء والفوقية.

لم يَذكر ابنُ القيم السندَ من أوله لئلا يَكشف عن سقوطه، فإن في أول السند الهَكّاري وهو متهم بوضع الحديث….!!!! بل إن ابن القيم بقوله:”قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي….” قد أوهم أن هذا مذكور في كتاب آداب الشافعي ومناقبه لابن ابي حاتم الرازي أو في غيره من كتب ابن أبي حاتم كالتفسير والجرح والتعديل وغيرهما….والواقع أن هذا لا ذكر له في كتب ابن أبي حاتم وإنما هو من رواية الهكاري ـ المتهم ـ بسنده عن ابن أبي حاتم ….!!!! ومحقق كتابِ اجتماع الجيوش وهو د.المعتق لم ينبس ببنت شفة على صنيع ابن القيم هذا…!!!!

(5)سلسلةاستدلال ابن تيمية وأتباعه بإجماع السلف والبشر كافة والجن والحيوانات على مسألة علوِّ الله_تعالى [1]

سلسلة استدلال ابن تيمية وأتباعه بإجماع السلف على العلو

الفصل الثالث: في الآثار المروية عن أتباع التابعين ـ رحمهم الله ـ في العلو والاستواء والفوقية.

قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 134):
” قول تابع التابعين جملة رحمهم الله تعالى “:
1) ذِكر قول عبد الله بن المبارك رحمه الله… قال: نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماوات على العرش استوى بائن من خلقه ولا نقول كما قالت الجهمية، وفي لفظ آخر “في السماء السابعة على عرشه”…..وعن ابن المبارك قال: قيل له كيف نعرف ربنا؟ قال: بأنه فوق السماء السابعة على العرش بائن من خلقه. … وذكر ابن خزيمة عن ابن المبارك أنه قال له رجل: يا أبا عبد الرحمن قد خفت من كثرة ما أدعو على الجهمية، فقال: لا تخف فإنهم يزعمون أن إلهك الذي في السماء ليس بشيء .
2) ” قول الأوزاعي رحمه الله تعالى “: كنا والتابعون متوافرون، نقول: إن الله تعالى ذكره فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة . ثم قال ابن القيم: وهذا الأثر يدخل في حكاية مذهبه ومذاهب التابعين فلذلك ذكرناه في الموضعين.اهـ
3) ” قول حماد بن زيد رحمه الله تعالى “: ” الجهمية إنما يحاولون أن يقولوا ليس في السماء شيء .
4) ” قول سفيان الثوري “: قال معدان: سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى: {وهو معكم أين ما كنتم} [الحديد: 4] قال: علمه.
5) ” قول وهب بن جرير رحمه الله تعالى “: إنما يريد الجهمية أنه ليس في السماء شيء.
6) قول الإمام أبي حنيفة قدس الله روحه [2] “إن الله سبحانه وتعالى في السماء دون الأرض”… وقوله: ومن قال: لا أعرف ربي في السماء أم في الأرض فقد كفر لأن الله تعالى يقول: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وعرشه فوق سبع سماوات (قلت) : فإن قال: إنه على العرش ولكنه يقول: لا أدري العرش في السماء أم في الأرض قال: هو كافر ; لأنه أنكر أن يكون في السماء ; لأنه تعالى في أعلى عليين وأنه يدعى من أعلى لا من أسفل[3].
7) قول إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله تعالى: الله في السماء، وعلمه في كل مكان (لا يخلو منه مكان) قال: وقيل لمالك: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] كيف استوى؟ فقال مالك رحمه الله تعالى (استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء).
8) (ذكر قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي) : وأن الله تعالى على عرشه في سمائه يقرب من خلقه كيف شاء وأن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كيف شاء[4].
قال وليد : فهذه هي مجموع الآثار التي أوردها ابن القيم عن أتباع التابعين[5] في العلو، وهي ثمانية آثار، والأثر الرابع عن سفيان لا شاهد فيه أصلا على العلو كما هو ظاهر، وإنما فيه تأويل المعية وحملها على العِلم، وهذا لا نزاع فيه أصلا.
يبقى من الآثار السابقة سبعة فقط، وأثر الأوزاعي سبق أن قلنا أنه لا يثبت[6] وفي صحة الأقوال السابقة أبي حنيفة ومالك والشافعي ـ رحمهم الله ـ : نظرٌ لا يخفى، وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله …. ولكن بغض النظر الآن عن مدى صحة هذه الآثار السابقة كلها[7] نسأل السؤال الذي سألناه مرارا وهو: أين في كل الآثار السابقة عن أتباع التابعين ….أين فيها نسبة لفظ الجهة أو لفظ المكان أو لفظ الحيز إلى الله تعالى؟
إن غاية ما ورد فيها أن الله على العرش أو فوقه أو في السماء أو فوق السماوات…. وقد سبق أن قلنا أن هذه العبارات ليست في محل النزاع أصلا، وأن الأشاعرة لا ينكرونها أصلا وإنما ينكرون أن تفهم منها أن الله في جهة أو حيز أو مكان… تماما كما ينكرون على من يفهم من آيات المعية أن الله في كل مكان بذاته .
وبذلك أكون انتهيتُ من سرد كل الآثار التي أوردها ابن القيم عن الصحابة والتابعين وأتباعهم، وقد رأينا أنه ليس في أي منها أثرٌ واحد فيه نسبة المكان أو الجهة أو الحيز لله …وأن غاية ما فيها هو أن الله على العرش أو فوقه أو في السماء أو فوقها… وقد قلنا مرارا أن هذه العبارات إن ثبتت عن السلف فلا نزاع فيها لأنه قد ورد نحوها في الكتاب والسنة… وإنما النزاع في نسبة الجهة والحيز والمكان لله على ما سبق بيانه….. وبالتالي فما قيمة الإجماع الذي يكرره ويهول به ابنُ تيمية وأتباعه في مسألة العلو وأن السلف أجمعوا عليها…. طالما أن كل الآثار الواردة عن السلف ـ بغض النظر عن صحتها ـ لم يرد فيها محل النزاع وهو نسبة لفظ الجهة أو المكان أو الحيز لله….؟!!!!
وبذلك أكون قد أتممتُ الكلام على الوجه الأول في الجواب عما إذا ادعيتم بأن “الصحابة ومن تبعهم أجمعوا على ثبوت الجهة والمكان والحيز معا لله”
وخلاصة هذا الوجه هو أن هذا الإجماع: كَذِبٌ صُرَاحٌ؛ وأنه لم يثبت عن أحد من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم أنهم نسبوا لفظ المكان أو لفظ الحيز أو لفظ الجهة كما سبق بيان ذلك مفصّلا.

وأنتقل إلى الوجه الثاني: …. انتظره.

——————————————-

[1] انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/770458499734841/

[2] وقد ذكر ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 137)قولَ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد تحت عنوان: “ذكر أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله تعالى”.اهـ

قال وليد: ولم أذكر هنا قولَ الإمام أحمد بن حنبل لأمرين:

الأول: لأن ابن القيم سرد عدةَ صفحات بأكملها عن الإمام أحمد وأقواله في العلو، وتحتاج إلى منشور أو عدة منشورات خاصة حتى نبسط الكلام على هذه الأقوال من حيث سندها ومتنها.

الأمر الثاني: لأن هذا الفصل مخصص لسرد أقوال أتباع التابعين في العلو كما سردها ابن القيم في كتابه اجتماع الجيوش، والإمام أحمد ليس من أتباع التابعين لأنه لم يدرك أحدا من التابعين، بخلاف الأئمة الثلاثة الآخرين فالإمام أبو حنيفة عدّه الحافظُ ابن حجر في تقريب التهذيب من الطبقة السادسة وهم من الذين عاصروا صغار التابعين لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، جاء في تقريب التهذيب(ص: 563): النعمان بن ثابت الكوفي أبو حنيفة الإمام …فقيه مشهور من السادسة …اهـ

والإمام مالك عدّه الحافظُ في التقريب من طبقة كبار أتباع التابعين، والإمام الشافعي عدّه الحافظُ في التقريب من الطبقة الصغرى من أتباع التابعين.
قال الحافظ في مقدمة تقريب التهذيب (ص: 75) وهو يعدد الطبقات : السادسة : طبقة عاصروا الخامسة ، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة ، كابن جريج .السابعة : كبار أتباع التابعين ، كمالك والثوري . الثامنة : الطبقة الوسطى منهم ، كابن عيينة وابن علية . التاسعة : الطبقة الصغرى من أتباع التابعين : كيزيد بن هارون ، والشافعي ، وأبي داود الطيالسي ، وعبد الرزاق . العاشرة : كبار الآخذين عن تبع الأتباع ، ممن لم يلق التابعين ، كأحمد بن حنبل .اهـ

[3] قال ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 139): وفي لفظ سألت أبا حنيفة عمن يقول: لا أدري ربي في السماء أم في الأرض قال: قد كفر لأن الله يقول: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] وعرشه فوق سبع سماوات قال: فإنه يقول: على العرش استوى ولكنه لا يدري العرش في الأرض أو في السماء، قال إذا أنكر أنه في السماء فقد كفر.اهـ

قال وليد: وفي ثبوت هذه الأقوال كلها عن أبي حنيفة نظرٌ، فإنها بعضها مروي من طريق نوح بن أبي مريم الجامع، قال الحافظ في تقريب التهذيب (ص: 1010): ويُعرف بالجامع لجمعه العلوم لكن كذّبوه في الحديث، وقال بن المبارك: كان يضع.اهـ
وبعضها مروي في كتاب الفقه الأكبر، وفيه كلام طويل في ثبوته عن أبي حنيفة … انظر:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/772526862861338/

[4] وهذا لا يصح عن الإمام الشافعي رحمه الله …وبيان ذلك أن ابن القيم قال في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 164): (ذكر قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي) : رحمه الله تعالى وقدس روحه ونور ضريحه؛قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي حدثنا أبو شعيب وأبو ثور عن أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله…..اهـ

قال وليد ابن الصلاح: لم يَذكر ابنُ القيم السندَ من أوله لئلا يَكشف عن سقوطه، فإن في أول السند الهَكّاري وهو متهم بوضع الحديث…بل إن ابن القيم بقوله:”قال الإمام ابن الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي….” قد أوهم أن هذا مذكور في كتاب آداب الشافعي ومناقبه لابن ابي حاتم الرازي أو في غيره من كتب ابن أبي حاتم كالتفسير والجرح والتعديل وغيرهما….والواقع أن هذا لا ذكر له في كتب ابن أبي حاتم وإنما هو من رواية الهكاري ـ المتهم ـ بسنده عن ابن أبي حاتم ….!!!!

ومحقق كتابِ اجتماع الجيوش وهو د.المعتق لم يَنبس ببنت شفة على صنيع ابن القيم هذا … وإنما اكتفى بعزو الأثر إلى كتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة.(انظر الصورة رقم: 4، 5، 6)

وبالرجوع إلى كتاب إثبات صفة العلو لابن قدامة نجده يقول (ص: 121): ….قال اخبرنا شيخ الاسلام ابو الحسن علي بن احمد بن يوسف القرشي الهكاري….إلى أن يقول ابن قدامة: قال شيخ الاسلام واخبرنا ابو يعلى الخليل بن عبدالله الحافظ أنبأنا ابو القاسم بن علقمة الأبهري حدثنا عبد الرحمن بن ابي حاتم الرازية عن ابي شعيب وابي ثور عن ابي عبد الله محمد بن ادريس الشافعي …. اهـ

قال وليد : وشيخ الإسلام هذا هو نفسه الهكاري الذي تقدم والمتهم بوضع الحديث، وبذلك صَرّح محققُ الكتاب . (انظر الصورة رقم: 1، 2، 3)

[5] هذا على القول بأن أبا حنيفة هو من أتباع التابعين كما ذهب إلى ذلك ابن حجر في التقريب كما سبق، وثمة قول آخر وهو أنه من التابعين لأنه رأى أنس بن مالك وغيره من الصحابة رضي الله عنهم كما ذهب إلى ذلك جمعٌ من الحفاظ كأبي نعيم والخطيب وابن عبد البر وغيرهم ، وقد بسط ذلك العلامة الكوثري ـ رحمه الله ـ في تأنيب الخطيب على ما ساقه فى ترجمة أبى حنيفة من أكاذيب ص32.

[6] انظر:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/770458499734841/

[7] سيأتي تخريج مفصّل لكل هذه الآثار السابقة عن أتباع التابعين إن شاء الله.

السابق
جواز إفراد صيام يوم عرفة إذا صادف يوم الجمعة عند المذاهب الأربعة
التالي
التبرك بالأنبياء والصالحين وبآثارهم عند الإمام الطبري/ منقول