تنزيه الله عن المكان والجهة والحيز

الحكمة من رفع اليدين في الدعاء ليس اعتقاد الجهة في حقه تعالى … وإنما التفاؤول والتعبد والاتباع … وإليكم تقرير ذلك من كلام شرّاح السنّة وفحول العلماء حتى لا يخدعك سحرة الوهابية وكهنتهم

الحكمة من رفع اليدين في الدعاء ليس اعتقاد الجهة في حقه تعالى … وإنما التفاؤول والتعبد والاتباع … وإليكم تقرير ذلك من كلام شرّاح السنّة وفحول العلماء ..

النووي: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، احتجوا بهذا الحديث.

القرطبي: وقد روي عن مالك كراهة رفع الأيدي في شيء من الأشياء، ووجهه: مخافة اعتقاد الجهة.

قال الإمام أبو العباس القرطبي في «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (2/ 541):

«[765]- وعَن أَنَسٍ، أَنَّ نَبِيَّ الله – صلى الله عليه وسلم – كَانَ لا يَرفَعُ يَدَيهِ فِي شَيءٍ مِن دُعَائِهِ إِلا فِي الاستِسقَاءِ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبطَيهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: أَنَهُ عَلَيهِ الصلاة السَلَام استَسقَى فَأَشَارَ ‌بِظَهرِ ‌كَفَّيهِ ‌إِلَى ‌السَّمَاءِ.

رواه البخاري (933)، ومسلم (895) (7) و (896)، وأبو داود (1174 و 1175)، والنسائي (3/ 154 و 155).

* * *

ــ

وقول أنس: إنه – صلى الله عليه وسلم – كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا في الاستسقاء، يعني: أنه لم يكن يبالغ في الرفع، إلا في الاستسقاء. ولذلك قال: حتى يرى بياض إبطيه، وإلا فقد رفع النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم بدر عند الدعاء، وفي غير ذلك. وقد روى الترمذي عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا رفع يديه عند الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه (1). قال: هذا حديث صحيح غريب. وقد استحب جماعة من العلماء رفع اليدين عند الدعاء. وقد روي عن مالك كراهة رفع الأيدي في شيء من الأشياء، ووجهه: مخافة اعتقاد الجهة. ثم اختلفوا في كيفية الرفع، فاختار مالك: الإشارة بظهور كفيه إلى السماء كما في هذا الحديث، وهو رفع الرَّهب. وقيل: يشير ببطونهما إلى السماء. وهو رفع الرغب والطلب»

======

وجاء في «شرح سنن أبي داود للعيني» (5/ 400):

«قوله: ” ولا تسألوه بظهورها ” قد صح عن رسول الله- عليه السلام- أنه استسقى وأشار ‌بظهر ‌كفّيه ‌إلى ‌السماء من رواية أنس بن مالك، وقد تقدم. وهو اختيار جماعة من العلماء، واستحبوه، وهو الذي فسّره المفسرون بالرّهب في قوله تعالى: (يدْعُوننا رغبا ورهبا ” (1) قالوا: وأما عند المسألة والرغبة فتُبْسط الأيدي وظهورها إلى الأرض وهو الرعبُ. والحديث أخرجه: ابن ماجه»

وقال البيضاوي في «تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة» (1/ 406):

«…

332 – 1063 – وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ، فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء.

” عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى ، فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء “.

فعل ذلك تفاؤلا بتقلب الحال ظهرا لبطن ، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء ، أو إشارة إلى ما يسأله ، وهو أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض ، لينصب ما فيه من الأمطار»

======

وجاء في «شرح النووي على مسلم» (6/ 190):

«قوله إن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء قال جماعة من أصحابنا وغيرهم السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء احتجوا بهذا الحديث»

=====

ونقله الألباني مقرا فقال في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة» (9/ 214):

«”أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استسقى، فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء”.

أخرجه مسلم (3/ 24) .

فبينت هذه الرواية أن ذلك كان في الاستسقاء، وليس في الاستعاذة، ولا في كل دعاء، وقد قالوا – كما في “المرقاة” (2/ 284) -:

“فعل هذا تفاؤلا بتقلب الحال ظهرا لبطن، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء”.

وقال النووي في “شرحه”:

“قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء كالقحط ونحوه أن يرفع يديه ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله جعل بطن كفيه إلى السماء، احتجوا بهذا الحديث”».اهـ

=====

وقال ابن هبيرة في « الإفصاح عن معاني الصحاح» (5/ 193):

«وفي رواية: (أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استسقى، فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء)].

* هذا الحديث (177/ب) يدل على أن رفع اليدين في الدعاء مستحب ورفع اليدين مناسب لذل الطالب ولإظهار فاقته وحاجته

=======

وفي «شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن» (4/ 1320):

«الحديث الثالث عن أنس قوله: ((فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلي ‌السماء)) قالوا: فعل صلى الله عليه وسلم ذلك تفاؤلاً بقلب الحال ظهرًا لبطن، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء، أو إشارة إلي ما يسأله، وهو أن يجعل بطن السحائب إلي الأرض لينصب ما فيه الأمطار»

=====

وقال ابن الملقن في «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (7/ 593):

«وقد استحب جماعة من العلماء الرفع في الدعاء، وعن مالك كراهته، ونقل ابن بطال عنه أنه كان لا يرى الرفع إلا في خطبة الاستسقاء.

واختلف في كيفية الرفع، فاختار مالك الإشارة ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء كما جاء في الحديث في مسلم، وقيل: ببطنهما، وهو رفع الرغب والطلب.

وقال جماعة من العلماء من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لدفع بلاء كالقحط ونحوه كالأول. فإن كان لنوال شيء وتحصيله فالثاني.

وعن أبي يوسف: إن شاء رفع يديه في الدعاء، وإن شاء أشار بإصبعه. وفي “المحيط” و”القنية”: بإصبعه السبابة.

وفي “التجريد”: من يده اليمنى»

======

وفي «شرح سنن أبي داود لابن رسلان» (6/ 31):

«(2) استسقى فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء (3).

قال الرافعي: السنة لمن دعا لدفع البلاء أن يجعل ظهر كفيه إلى السماء فإذا سأل الله شيئًا جعل بطن كفيه إلى السماء (4)، انتهى.

وأشار إلى ما رواه أحمد من حديث خلاد بن السائب، عن أبيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان إذا سأل جعل بطن كفيه (5) إليه، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إلى السماء (6).

وفي إسناده ابن لهيعة …

‌‌_________

(1) في (ل): للسقا. وفي (م): ليتسقا.

(2) من (م).

(3) “صحيح مسلم” (896).

(4) “الشرح الكبير” 2/ 389.

(5) سقط من (ص، س). والمثبت من (ل، م).

(6) “مسند أحمد” 4/ 56.

(7) في (م): إبط»

=====

وفي «شرح المصابيح لابن الملك» (2/ 285):

«- وعن أنس – رضي الله عنه -: أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – اسْتَسقى، فأشارَ ‌بظهرِ ‌كفَّيهِ ‌إلى ‌السماءَ.

“وعن أنس – رضي الله عنه – أنه قال: كان النبي عليه الصلاة والسلام استسقى فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء”؛ يعني: يجعل بطن كفيه إلى الأرض وظهرهما إلى السماء، يشير بذلك إلى قلب الحال سائلاً من الله أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض.

وقيل: من أراد دفع بلاء من قحط ونحوه فليجعل ظهر كفيه إلى السماء، ومن سأل نعمة من الله فليجعل بطن كفيه إلى السماء»

===

وجاء في «الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي» (1/ 357):

«ومنه: حديث الآخر حديث أنس – رضي الله عنه (كان النبي ? إذا استسقى أشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء) المعنى أنه كان يجعل بطن كفيه إلى الأرض وظهرهما إلى السماء يشير بذلك إلى قلب الحال ظهراً لبطن، وذلك مثل صنيعه في تحويل الرداء، ويحتمل وجهاً آخر، وهو أنه جعل بطن كفيه إلى الأرض إشارة إلى مسألته من الله تعالى بأن يجعل بطن السحب إلى الأرض لينصب ما فيه من المطر كما أن الكف إذا جعل وجهها إلى الأرض انصب ما فيها من الماء»

===

وقال ملا علي القاري في «مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (3/ 1107):

– (وعنه) أي: عن أنس. ( «أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استسقى فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء» ) قالوا: فعل هذا تفاؤلا بتقلب الحال ظهرا لبطن، وذلك نحو صنيعه في تحويل الرداء، أو إشارة إلى ما يسأله، وهو أن يجعل بطن السحاب إلى الأرض، لينصب ما فيه من الأمطار كما قال: إن الكف إذا جعل بطنها إلى الأرض، انصب ما فيها من الماء، وقيل: من أراد دفع بلاء من القحط ونحوه، فليجعل ظهر كفه إلى السماء، ومن سأل نعمة من الله فليجعل بطن كفه إلى السماء. وروى أحمد: أنه – عليه الصلاة والسلام – كان يفعل الأول إذا استعاذ، والثاني إذا سأل. (رواه مسلم)

===

وقال القاضي عياض في «إكمال المعلم بفوائد مسلم» (3/ 315):

«وقوله: ” استسقى فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء “: هذا اختيار جماعة من العلماء فى رفع اليدين عند مواطن الدعاء، وفى الاستسقاء، واستحبابهم ذلك، وروى استحبابه عن مالك فى الاستسقاء، وعنه كراهة رفع الأيدى فى شىء من الأشياء الحديث، وهو الذى فسَّره مفسرون بالرَّهب فى قوله تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} (1)، قالوا: وأما عند المسألة والرغبة فبسط الأيدى وظهورها إلى الأرض، وهذا الرغب»

===

وقال المظهري في «المفاتيح في شرح المصابيح» (2/ 370):

«- وعن أنس – رضي الله عنه -: أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – اسْتَسْقى، فأشارَ ‌بظهرِ ‌كفَّيهِ ‌إلى ‌السماءِ.

قوله: “فأشار ‌بظهر ‌كَفَّيه ‌إلى ‌السماء” هذا إشارةٌ إلى دفع البلاء والقحط، فمن أراد من الله نعمة؛ فليجعل بطن كفه إلى السماء، ومن طلب دفع بلاء فليجعل ظهر كفه إلى السماء.

ويحتمل أن يريد بقلب بطن كفه إلى الأرض: نزول المطر؛ أي: اُصْبُب مطرَ السَّحاب إلى الأرض كما ينصبُّ ماء في الكف إذا جعل بطنه إلى الأرض»

=====

وفي «حاشية السيوطي على سنن النسائي» (3/ 159):

«استسقى فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء ولأبي داود من حديث أنس كان يستسقى هكذا ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأيت بياض إبطيه قال النووي قال العلماء السنة في كل دعاء لرفع بلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهر كفيه إلى السماء وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء وقال غيره الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن كما قيل في تحويل الرداء هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض»

=====

وقال الصنعاني في «سبل السلام شرح بلوغ المرام» (3/ 231 ت حلاق):

«وَعَنْ أَنَسٍ – رضي الله عنه -: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. [صحيح]

(وعن أنسٍ – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استسقَى فأشارَ بظهرِ [كفَّيْهِ] إلى السماءِ. أخرجهُ مسلمٌ).

فيه دلالةٌ أنهُ إذا أريدَ بالدعاءِ رَفْعُ البلاءِ فإنهُ يرفعُ يديهِ ويجعلُ ظهرَ كفيهِ إلى السماءِ، وإذا دعا بسؤالِ شيءٍ وتحصيلهِ جعلَ بطنَ كفّيهِ إلى السماءِ.

وقد وردَ صريحًا في حديثٍ خلادِ بن السائبِ عن أبيهِ: “أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم –

‌‌_________

(4) أخرجه أحمد في “المسند” (4/ 56) من حديث خلاد بن السائب.

وأورده الهيثمي في “المجمع” (10/ 168) وقال: رواه أحمد مرسلًا وإسناده حسن

—–

كانَ إذا سألَ جعلَ بطنَ كفيهِ إلى السماءِ، وإذا استعاذَ جعلَ ظهرَهما إليها”، وإنْ كان قد وردَ من حديثٍ ابن عباسٍ: “سَلُوا اللَّهَ ببطونِ أكفِّكم ولا تسألوهُ بظهرِها”، وإنْ كانَ ضعيفًا، فالجمعُ بينَهما أن حديثَ ابن عباسٍ يختصُّ بما إذا كانَ السؤالُ بحصولِ شيءٍ لا لدفعِ بلاءٍ.

وقد فُسِّرَ قولُه تعالى: {وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}، أن الرَّغَبَ بالبطونِ والرَّهَبَ بالظهورِ.

* * *

‌‌_________

(1) أخرجه أبو داود (1485) وقال: روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضًا. قلت: لأن فيه راويًا مجهولًا وهو الذي رواه عن محمد بن كعب القرظي.

والخلاصة: فالحديث ضعيف، والله أعلم

===

وقال الصنعاني أيضا في «التحبير لإيضاح معاني التيسير» (6/ 95):

«ولأبي داود (2) من حديث أنس: “كان يستسقي هكذا، ومد يديه وجعل بطونهما مما يلي الأرض حتى رأينا بياض إبطيه”.

قال النووي (3): قال العلماء: السنة في كل دعاء لرفع بلاءً أن يرفع يديه جاعلاً ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء وتحصيله أن يجعل بطن كله إلى السماء. انتهى»

===

وقال الأثيوبي في «البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج» (17/ 534):

«(فأشار ‌بظهر ‌كفيه ‌إلى ‌السماء) وفي رواية أبي نعيم في “المستخرج” من رواية حماد، وحميد، كلاهما عن أنس بن مالك: “أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – استسقى، فمد يده هكذا، فأومأ حماد بيده حيال ثندوته، جعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأينا بياض إبطيه، وهو على المنبر”.

قال النووي – رحمه الله -: قال جماعة من أصحابنا وغيرهم: السنة في كل دعاء لرفع بلاء، كالقحط ونحوه أن يرفع يديه، ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله، جعل بطن كفيه إلى السماء، واحتجوا بهذا الحديث. انتهى.

وقال غيره: الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن، كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسؤول، وهو نزول السحاب إلى الأرض. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان»

وقال أيضا في «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» (17/ 62):

«قال النووي: قال العلماء: السنة في كل دعاء لرفع البلاء أن يرفع يديه جاعلا ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء، وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء انتهى. وقال غيره: الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهرا لبطن، كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسؤول، وهو نزول السحاب إلى الأرض، انتهى (1)»

=====

وأضاف بعض الفضلاء النصوص التالية:

  • وفي شرحي الرسالة للقلشاني والفاكهاني في حديث:((من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله…الحديث))، أنّ فائدة رفع الطرف إلى السماء شغل البصر بأعظم المخلوقات المرئية لنا، وللإعراض بالقلب والقالب عن الدنيا، وليكون أدعى لحضور القلب، للإعتبار بآثار خالق المرئيات وبديع السماوات.[حاشية بن حمدون على ميارة: ج1ص76]
  • وفي الرسالة القدسيةللغزالي إنّ رفع الأيدي في الدعاء للسماء لكونها قبلة الدعاء، وللإشارة إلى وصف المدعو من الجلال والكبرياء والمجد والسناء، تنبيهًا بالعلو الحسي على المعنوي.
  • وقال أيضا حجة الإسلام أبو حامد الغزالي: ((فإن قيل: فإنْ لم يكن [=تعالى] مخصوصاً بجهةِ فَوْقٍ..فما بالُ الوجوهِ والأيدي تُرْفَعُ إلى السماء في الأدعية شرعاً وطبعاً؟…

فالجواب..أنَّ هذا يُضاهِي قولَ القائل: إنْ لم يَكُن الله في الكعبةِ وهي بيتُهُ..فما بالُنا نحجُّهَا ونزُورُهَا؟ وما بالُنا نستقبلُهَا في الصلاة؟ وإن لم يكنْ في الأرض..فما بالُنا نتذلَّلُ بِوَضْع وُجُوهنا على الأرض في السُّجودِ؟ هذا هَذَيَانٌ، بل يُقال: قصدُ الشَّرْع مِن تَعَبُّدِ الخلق بِاستِقْبَالِ الكَعْبةِ في الصَّلَوَاتِ مُلَازمَةُ الثُّبوت في جهةٍ واحدةٍ؛ فإنَّ ذلك – لا محالةَ – أقربُ إلى الخشوع وحضور القلب من التَّردُّدِ على الجهاتِ.

ثم لَمَّا كانت الجهاتُ مُتَساويةً من حيث إمكانُ الاستقبال..خصَّصَ الله تعالى بُقْعَةً مَخصوصةً بِالتَّشريفِ وَالتَّعْظِيم، وشَرَّفها بالإضافةِ إلى نفسه، واسْتَمَالَ القلوبَ إليها بتشريفه؛ ليُثِيبَ على استقبالها.
وكذلك السَّماءُ قِبلةُ الدُّعاءِ؛ كما أنَّ البَيْتَ قِبلةُ الصَّلاةِ، والمعبودُ بالصَّلَاة وَالمقصودُ بالدُّعاء مُنَزَّهٌ عنِ الحُلُولِ في البَيْتِ والسَّمَاءِ)) [الاقتصاد في الاعتقاد(ص:113-114)].

وبعد أن تكلَّم عن سِرِّ رفع الوجوه إلى السماء عند قصد التَّعظِيم..قال الحجَّة: ((وَينضافُ إليه عند الدُّعَاء أَمْرٌ آخَرُ، وهو أنَّ الدُّعاءَ لا يَنْفَكُّ عَن سُؤالِ نِعْمَةٍ مِن نِعَمِ الله تعالى، وخَزَائنُ نِعَمِهِ السَّمَاوَاتُ، وَخُزَّانُ أَرْزاقه الملَائِكةُ، ومَقَرُّهُم مَلَكُوتُ السَّمَاواتِ، وَهُم الْمُوَكَّلُون بِالأَرْزاقِ، وقد قال اللهُ تَعالى: }وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ {[الذَّاريات:22] والطَّبعُ يتقاضى الإقبالَ بالوَجْهِ إلى الخِزانَةِ التي هي مَقَرُّ الرِّزقِ الْمَطْلُوب، فَطُلَّابُ الأَرْزَاق مِن الْمُلُوك إِذا أُخْبِروا بتفرقة الأرزاق على باب الْمَلِكِ..مَالَتْ وُجُوهُهُم وَقُلُوبُهُم إلى جِهةِ الخِزانةِ وإن لم يعتقدوا أنَّ الْمَلِكَ في الخِزانَةِ، فهذا هو مُحرِّكُ وُجوهِ أَربابِ الدِّينِ إِلى جِهةِ السَّماءِ)) [الاقتصاد في الاعتقاد (ص:116)].

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/6083462335101071

السابق
ما الحكم الشرعي لقراءة القرآن على الموتى من أهل القبور، مع ذكر السند؟ (منقول)
التالي
رفع السارية في بيان أقوال العلماء في حديث الجارية (منقول)