«المسالك في شرح موطأ مالك» (3/ 454):
«تشريفٌ:
إنّ اللهَ سبحانه مُنَزَّةٌ عن الحركة والانتقال؛ لأنّه لا يَحْوِيهِ مكانٌ، كما لا يشتمل عليه زمانٌ، ولا يَشغَلُ جُزءًا، ولا يَدْنُو إلى مسافة بشيءٍ، ولا يغيبُ عن عِلْمِهِ شيءٌ. مُتَقَدِّس الذَّاتِ عن الآفاتِ، منزَّه عن التَّغير والاسْتِحَالَاتِ، إلهٌ في (2) الأرض إِلهٌ في السَّموات. وهذه (3) عقيدةٌ مستقرَّةٌ في القلوبِ، ثابتةٌ بواضِحِ الدَّليلِ في المعقولِ.
إشكال ثانٍ:
قال الإمامُ (4): وقد وردَ وراءَ هذا الحديث أحاديث وآيات مشكلات (5)، وإن قد خُضْنَا معهم في البَيَانِ، رأينا أنّ نعطفَ عليها العَنَانَ، بالإشارَةِ إلى التّحقيق والتِّبيان، حتّى لا يمرَّ القلبُ بها عليلًا، أو يكونَ ما يراه منها عنده مبهمًا مجهولًا، مثل قوله: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (6) الآية وقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} الآية (7)، وقوله: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} الآية (8)، ومثل قوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} (9) وقوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} الآية (10)، وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} الآية (11)، وقوله: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (12).
_
= فقال: آمن به ولا تحدّ فيه حدًّا.
(1) علَّقَ بعضهم في هامش: جـ بقوله:”قف على قوله” وأمّا الأوزاعي -وهو إمام عظيم- فقد نزع بالتأويل … إلخ”.
(2) غ: “إله من في”.
(3) غ: “وهي”.
(4) جـ: “القاضي”.
(5) غ: “مشكلة”.
(6) الفجر: 22.
(7) الزخرف: 84.
(8) النحل: 26.
(9) الزخرف: 84.
(10) الملك: 16.
(11) العنكبوت: 69.
(12) هود: 6»
=======
وقولُه فيه: و”بين يديه” و “إليه” و “عليه”، وألفاظٌ كثيرةٌ في القرآن والحديث يحتاجُ إلى بيانٍ شافٍ.
أمّا “عَلَيْهِ”، ففي قوله تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ} (1)، وقوله: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} (2).
وقوله: “لَدَيَّ” هو كقوله: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} (3).
وأمّا “بَينَ يَدَيْهِ” فقوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ} الآية (4).
وأمّا قوله: “إِلَيهِ” ففي قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} (5) وقوله: {إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} (6)، وقوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (7).
وأمّا قوله: “عِنْدَ” ففي قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} (8) وقوله: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} (9) وقوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ} (10) وقوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيد} (11)، وقوله: {وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} (12)
وأمّا “مَعَ” ففي قوله: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ} (13).
وكلُّ كلمةٍ من هذه الكلمات، فعندَ ذِكْرِ نظائرِها وتبيِيِنهَا، يَزُولُ التّشبيهُ (14) والتَّلبيس عن قلْبِ الجاهلِ بمعانيها، ويوقن (15) بالصّواب عند التَّثبيةِ عليها، واللهُ يوفِّقنا للصّواب.
_
(1) النِّساء:17.
(2) إبراهيم: 20.
(3) سورة ق: 29.
(4) الحجرات: 1.
(5) المعارج: 4.
(6) الأنعام: 60.
(7) فاطر:15.
(8) الأعراف: 206.
(9) سورة ق: 28.
(10) المؤمنون: 62.
(11) سورة ق: 28.
(12) المؤمنون: 62.
(13) المجادلة: 7.
(14) غ: “الشبهة”.
(15) جـ: “ويؤمن”
====================
الآية الأولى:
قولُه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} الآية (1)، اعْلَم أنَّه لم يُرِدْ به مجيءَ الانتقالِ والاتيانِ.
وقال بعض العلماء (2): إنّ الواو هاهنا بمعنى الباء.
ومنهم من قال: جاءَ أَمْرُ ربِّكَ وحُكْمُه، يريدُ أمر الله في القيامة وما يختصّ به ذلك (3).
وقال آخر: يحتمل وجاءَ ربّك بالملائكة، فيكون المجيءُ للملائكة.
وتحقيقُ القولِ في هذا: أنّ كلَّ فِعْلٍ يضافُ إلى اللهِ تعالى ممّا يتعلَّقُ بأبداننا يتعالى الله عنه، وانّما المرادُ به مخلوقاته، وذلك جائزٌ من وجهين:
إمّا بأنْ يفعلَ فِعْلًا فيسمى إتيانًا.
وإمّا أنّ تأتي الملائكة بآمْرهِ، كما قال الله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} (4) بخَفْضِ الهاء وبرفعها، فَبِرَفْعِها يكونُ الفعْلُ المسمَّى إثباتًا مخصوصًا بالظُّلَلِ. وبكسرها يكون الفعلُ المسمَّى إثباتًا عامًّا فيه (5).
الآية الثّانية:
قوله تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (6) قال علماؤنا (7): المراد به مَنْ فَوْقَها، فإذا كان ظاهرًا في اللُّغة استعمال “في” بمعنى “فوق” وقد قال الله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (8) وقال: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} الآية (9)، وقد أطلقَ المسلمونَ على (10) أنّ
_
(1) الفجر: 22.
(2) هذا القول والذي بعده نقلهما المؤلِّف من مشكل الحديث لابن فورك: 82.
(3) تتمة الكلام كما في المشكل: ” … ذلك الوقت من أمره المخصوص وحكمه الّذي لا يقع فيه بالدُّعاء والنِّداء”.
(4) البقرة: 210.
(5) جـ: “فيها”.
(6) الملك:16
(7) المراد هو الإمام ابن فُورَك في مشكل الحديث: 64.
(8) الأنعام: 18.
(9) النحل:50.
(10) “على” غير واردة في مشكل الحديث
================
الله تعالى فَوْقَ خَلْقِهِ ومخلوقاته، كان حَمْلُه (1) على ذلك أوْلَى، وعليه يُتَأَوَّل أيضًا قوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} الآية (2)، أي: هو فوقَ الأرضِ وفوقَ السَّماء إلهٌ.
وقيل: إنّه بمعنى معبود في الأرض ومعبودٌ في السَّمَاءِ.
وقال الإمام أبو بكر بن فُورَك (3): “اعلم أنّ قولنا: إنّه فوقها، يحتمل وجهين:
أحدهما: أنّه يريد (4) أنّه قاهرٌ لها مُسْتَوْلٍ عليها إثباتًا لإحَاطَةِ قُدْرَتِه بها، وشُمُولِ قَهْرِهِ لها، وكونها تحت تدبيرِه جارية على حسبِ عِلْمِهِ ومشيئتهِ.
الوجه الثّاني: أنّ المراد به فوقها، على معنى أنّه متباين عنها (5) بالصِّفَةِ والنَّعْتِ“.
قال الإمام: ويحتمل قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} (6) أَنْ يُرادَ به مَنْ فيها من الملائكة والزّبانية وخَزَنَة جهنَّم المُوَكَّلِينَ بعذابِ المُجْرِمين، ولذلك قال: {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} (7).
الآية الثّالثة:
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} الآية (8)، وقوله: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} (9) قال علماؤنا: المراد به والّذين جاهدوا لنا وفي مَرْضَاتِنَا؛ وذلك أنّ “في” على ثمانية أَوْجُهٍ: تكون وعاءً، وتكون بمعنى “إلى”، وتكون بمعنى “مع”، وتكون بمعنى “عند”، وتكون بمعنى “عن”، وتكون بمعنى “على”، وتكون بمعنى “اللام” فيكون المراد به: والّذين جاهدوا فينا، أي عملوا لنا وفي ذَاتِنَا وأَخلَصُوا لَنَا.
_
(1) غ: “جعله”.
(2) الزخرف: 84.
(3) في كتاب مشكل الحديث: 64 – 65.
(4) في شكل الحديث: “أنّه يراد به”.
(5) في مشكل الحديث: “مباينٌ لها” وهي أسدّ.
(6) الملك:16.
(7) الملك:16.
(8) العنكبوت: 69.
(9) الحجّ: 78
================
الآيةُ الرّابعة:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1) وقال: {يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (2)، قال علماؤنا: معناه يؤذون ويحاربون أولياءه وعباده المخلصين (3) المؤمنين، وكذلك قوله: {فَلَمَّا آسَفُونَا} (4) معناه: آسَفُوا أولياءَنَا.
الآبة الخامسة:
قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} (5) يريد: أصفياءَهُ والمُخْتَارِينَ من عباده، كما يقال: إنّ العلماء (6) عند السُّلطان بالمكان الرّفيع والمنزلة العالية.
ويجوز أنّ يكون أراد به الموضع الّذي لا حُكْمَ فيه لأحَدٍ إلَّا لله.
ويجوز {عِنْدَ رَبِّكَ} بمعنى: في ملك (7) ربِّك، كما تقول العرب: عندي من الخيل والمال كذا، يريد به: في مُلْكِي وفي قبضَتي (8)، وذكر الملائكة بذلك لعُلُوِّ شأنهم.
الآية السّادسة:
قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} الآية (9)، وقوله: {إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} الآية (10). قال علماؤنا: المَعيَّةُ في كتاب الله تنطلقُ على أربعة عشر وجهاً، ولم يرد مولانا سبحانه أنّه معهم من حيثُ المُجَامَعَةُ والمُرَافَقَةُ، وإنّما أراد من حيثُ العلمُ والإحاطةُ والرِّعَايَةُ لهم.
وقوله: {أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} (11) معناه: بالنَّصْر والمَعُونةِ.
_
(1) الأحزاب: 57.
(2) المائدة: 33.
(3) جـ: “الصالحين”.
(4) الزخرف: 55.
(5) الأعراف: 206.
(6) جـ: “العالم”.
(7) غ: “علم”.
(8) جـ: “قبضي”.
(9) النحل: 128.
(10) المجادلة: 7.
(11) البقرة: 194
================
الآية السابعة:
قوله: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (1) فإن الآية نزلت في نَفرٍ من أصحاب رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – قَتَلُوا رجُلين من بني سُلَيْم بغير أَمْرِ اللهِ ورسوله، فأنزل اللهُ الآيةَ (2).
الآية الثامنة:
قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (3) قال علماؤنا: لم يرد به قُرْبَ المُجالَسَة ولا المُلامَسَة، ولا من حيث المجاورةُ ولا الملاصقةُ والمراقبةُ، وإنّما أرادَ قُرْبَ الرَّأفَةِ لا قُرْبَ المسافَةِ والقُرْبُ ينطلقُ على خمسة عشر وجهًا، بيَّنَّاهَا في موضعها.
وقال: المرادي (4) في قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} (5) بالغَوْثِ والإحاطَةِ.
الآية التّاسعة:
قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} (6) قال الإمام (7): قال بعضُ المبتدعة: كيف يصعدُ الكلِمُ الطِّيِّبُ وهو عَرَضٌ؟ هذا لا يُتَصَوَّر!.
قلنا: إنّ البارئ تعالى ضربَ بصُعودِ العملِ مثلًا بقوله؛ لأنّ موضِعَ الثَّواب فوق، وموضع العذاب أسفل، والصعودُ رِفْعَةٌ والنُّزُولُ هَوَانٌ، والكلامُ الطَّيِّبُ هو التَّوحيد، فيكون صعودُ الكَلِمِ الطَّيِّبُ إلى المكان الّذي أمرَ اللهُ تعالى الملائكة أنّ تضعَهُ بالصُّحُفِ إليه؛ لأنّ الكلم (8) الطَّيِّب هو التّوحيد الصادق عن عقيدَةٍ طَيِّبَةٍ.
وقوله: {وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (9) قال علماؤنا: هو العملُ الموافِقُ للسُّنَّةِ.
وقوله: {يَرْفَعُهُ} فإن قيل: إنّ الفاعلَ في {يَرْفَعُهُ} مُضْمَرٌ يعود على الله، أي: هو الّذي يرفعُ العملَ الصالحَ كما أنّ إليه يصعدُ الكلم الطَّيِّب.
_
(1) الحجرات: 1.
(2) وهي رواية الضّحاك عن ابن عبّاس، نصّ على ذلك القرطبي في تفسيره: 16/ 301 معتمدًا على الماوردي.
(3) سورة ق: 16.
(4) غ: “المراد”.
(5) سورة ق: 16.
(6) فاطر: 10.
(7) جـ “القاضي”.
(8) جـ: “الكلام”.
(9) فاطر: 10
==============
قلنا: هذا كلامٌ صحيح، وهذان الوجهان صحيحان، فالأوَّلُ حقيقة أنّ الله هو الرّافع الحافظُ، والثّاني مجازٌ، ولكنه جائزٌ سائغٌ لُغَةً وشَرْعًا.
الآية العاشرة:
قوله: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (1) الكلامُ (2) في هذه الآية كالكلام فيما تقدَّم في قوله: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} الآية (3)، وإنّما المرادُ به: إلى طاعة الله ورسوله، وإليه الإشارة بقَوْل إبراهيم الخليل في قوله: {إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي} (4) ومعلومٌ أنّ الله سبحانه لم يكن حَالًّا في مدائن لُوط بالشّام، وإنّما أراد حيثُ أَمَرنِي رَبِّي، وحيث يُطَاعُ رَبِّي ويُعْبَد.
الآية الحادية عشر:
قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (5) أي بقُدْرَتِي، وكذلك قولُه: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} الآية (6)، أي: بقوة، وهي تشريفٌ لآدَمَ. كذلك قوله: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ} (7) أضافَهُ إلى نفسه إضافةَ تشريفٍ وتخصيصٍ؛ لأنّ البارئ تعالى إذا أرادَ أنّ يشرِّفَ من مخلوقاته من (8) شاءَ، أضافَه إلى نفسه إضافة التّخصيص.
الآية الثّانية عشر:
قوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (9) قلنا: هذه الآية (10) نزلت على سَبَبِ آيةٍ أُخْرَى، وذلك أنّ البارئ تعالى لمّا أنزل هذه الآية {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} (11) قالت الملائكةُ: هلك أهل الأرض، وطمعتِ الملائكةُ في الخُلُودِ والبَقَاءِ وأنّهم لا يموتون،
_
(1) النِّساء: 100.
(2) جـ: “قيل له الكلام”.
(3) فاطر:10.
(4) العنكبوت: 26.
(5) سورة ص: 75.
(6) الذاريات: 47.
(7) الحجّ: 26.
(8) جـ: “ما”.
(9) القصص: 88.
(10) جـ: “آية”.
(11) الرّحمن: 26
=================
فأنزلَ اللهُ هذه الآية: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} (1) فأخبر الله تعالى في هذه الآية أنَّ الملائكةَ من أهل السموات والأرض، وأنّهم يموتون، وأزال هذه الصِّفة من الملائكة والآدَميِّين؛ لأنّ من صِفَاتِهِ البقاء، فلا بقاءَ لأحدٍ من المخلوقين، وأمّا الجنّة فلا تبيد، وعرش ربِّنا لا يبيد؛ لأنّ العرشَ سقف الجنَّة (2).
الآية الثّالثة عشر:
قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الآية (3)، وقد بيَّنَّا أنّ القُرْبَ من البارئ على الوجه الّذي تَقَدَّمَ. والوريدُ عِرْقٌ خَالَطَ القلبَ، والبارىء تعالى أقرب إلى قلب المؤمنِ من ذلك العِرْق، ومصداقُه قولُه: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ} الآية (4)، وقال: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (5) اللّطيف عِلْمُهُ الخبيرُ بالسِّرِّ.
الآية الرّابعة عشر:
قولى: {فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} (6) قلنا: لفظُ “أتى” ههنا إنّما هو فعل الله فعلًا في بُنْيَانِهِم سمَّاهُ إتْيَانًا، هذا معنى قوله: “أتى” معناه: هَدَّهُ اللهُ من قَوَاعِدِه.
الآية الخامسة عشر:
قوله: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} الآية (7) قالت المبتدعة: هذا يقتضي المقابلة، ولو كان قريبًا لكان يُرَى بعضه أو كلّه، وكان في جهةٍ محاذية (8) مخصوصة.
قال الإمام: وحُجَّتُهُم في ذلك باطلةٌ (9)، وهو أنّ يقال لهم: إنّ المرئيَّ إنّما يكون مرئيًا بوجودِهِ ووجودِ رُؤْيَتِهِ.
فإن قالوا: ما الفائدة في رؤيته مع وجوده ووجود العطاء والرِّضَا؟
_
(1) القصص: 88، وقد أورد أحمد بن حنبل سبب النزول هذا في الرَّدِّ على الزنادقة والجهمية: 42.
(2) انظر مثل هذه العبارة في المصدر السابق.
(3) سورة ق: 16.
(4) الملك:13.
(5) الملك:14.
(6) النحل: 26.
(7) القيامة: 22 – 23.
(8) غ: “منحازة”.
(9) غ: “باطلٌ”
=========
الجواب: أنّ في الرُّؤْيَةِ سبع فوائد:
أحدها: إظهارُهُ.
الثّانية: إدراك (1) الأُمْنِية.
الثّالثة: كمال اللَّذَّة (2) والعِزِّ.
الرّابعة: زوالُ الشُّبْهَةِ.
الخامسة: سُكونُ الروية (3).
السّادسة: ظهور قَدْرِ العبادة.
السّابعة: بيانُ انقطاعِ المُعَايَنَةِ.
التوجيه:
على هذه المعاني احتجَّ العلماءُ عليها من القرآن العزيز، قالوا: لو لم يره المؤمن لما ظهر الفرق بين المؤمن المحبوب (4) والكافر المحجوب.
أمّا الثّانية، لَوْ لم يره المؤمن لما أدرك أُمْنِيته، كالّذين عبدوه لا رغبةً في الجنَّةِ ولا رَهْبَةً من النَّار، وإنّما عَبَدُوهُ لأنّه أهل العبادة.
وأمّا الثّالثة: فعِنْدَ رَفْعِ الحجابِ تسكن روعة الأحباب، فإنّه لم يبقَ عليهم حسابٌ ولا عذاب.
الرّابعة: إذا رآه العبدُ عَلِمَ أنّه يستحسن أكثر من ذلك، أعني أكثر ممّا عنده.
الخامسة: أنّ الملوكَ إذا رفعوا الحجاب تركوا العتاب، ألَمْ تسمع إلى قوله في يوسف لما تَعَرَّفَ إلى إخوته، قال: {عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} (5).
وأمّا من السُّنَّةِ، فقولُه في الصّحيح: “إنكم سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ” (6) وقوله: “ما منكم من أحدٍ إلَّا سيكلِّمُه اللهُ، ليس بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ” (7)
_
(1) غ، جـ: “ذكر” ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(2) غ: “الدين”.
(3) ويمكن أنّ تقرأ: “الرّؤية”.
(4) جـ: “المحجوب” وهي ساقطة من: غ، ولعلّ الصواب ما أثبتناه.
(5) يوسف: 92.
(6) أخرجه البخاريّ (554)، ومسلم (633)، من حديث جرير.
(7) أخرجه البخاريّ (6539)، ومسلم (1016) من حديث عديّ بن حاتم
=============
وسترون رَبَّكُم كفَاحًا كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيلَةَ البَدْر (1) وغير ذلك من الآثار الّتي لو سردناها لطَالَ المَقَال.
فصل في مفترقات من الآيات ومجموع الوظائف من الأحاديث المُشْكِلَات
وهي ثمانية أحاديث:
الحديث الأوّل:
وقع في “الصّحيح” (2) لمسلم قوله: “إنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، والشَّجَرَ والثَّرى على إصْبَعٍ، والخَلَائِقَ على إصْبَعٍ، ثُمَّ يقولُ: أَنَا المَلِكُ”.
قال علماؤُنا: قد استقرَّ في عقائِدِ المسلمينَ أنَّ البارِىء تعالى مُنَّزَّةٌ عن الجَارِحَةِ؛ لأنّه إنّما يرادُ به القُدْرَة والاجْتِمَاع.
وقال قوم: إنّ الإصبعَ هنا هي النِّعمة.
وقال آخرون: إنّما أراد به أنّ اللهَ تعالى خَلَقَ السَّماوات والأَرَضَ وما بينهما في سِتَّةِ أيَّامِ، ولم يدركه في ذلك لُغُوبٍ ولا نصبٍ، كما قال (3).
وقال آخرون: يحتملُ أنّ يريدَ بالإصبع بعض خَلْقِهِ. وهذا غير مُسْتَنكَرٍ في قُدْرَةِ اللهِ (4).
وقال آخرون (5): قد يريد أنّ تكون المخلوقات (6) اسم (7) إصبع، فأخبر بخَلْقِ هذه الأشياء عليه (8).
_
(1) انظر تخريجنا للحديث ما قبل السابق.
(2) الحديث (2786) عن عبد الله بن مسعود.
(3) في الآية: 38 من سورة ق.
(4) وهو الّذي ارتضاه ابن فُورَك في مشكل الحديث: 103.
(5) المقصود هو محمّد بن شجاع الثّلجي، كما في مشكل الحديث لابن فورك: 103.
(6) لعل الصَّواب: “للمخلوفات”.
(7) جـ: “أسمته”.
(8) كذا، والعبارة فيها اضطراب، والفكرة كما حكاها ابن نورك عن الثّلجي هي: “يحتمل أنّ يكون خَلْقٌ =
===============
قال الإمام: والغَرَضُ في هذا الحديث إبطال أنّ تكون للهِ جارحة لإحَالَةِ العَقلِ.
حديث ثانٍ:
قوله: “إنّ اللهَ يَطْوِي السَّماواتِ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُن بِيَدِهِ اليُمْنَى، ثمَّ يقولُ: أَنَا المَلِكُ، أَنَا الجَبَّارُ، أَينَ المُتكَبِّرُونَ، ثُمَّ يَطوِي الأرضَ بِشِمَالِهِ، ثُمَّ يقولُ: أَنَا المَلِكُ، أَيْنَ المُتكَبِّرُونَ؟ ” (1) قال الإمامُ: قد تقدَّمَ الكلام في اليَدَيْنِ واختلاف الأُصوليِّين في ذلك، وإنّهما بمعنى الصِّفَة لا بمَعْنَى الجارحة، وشرح قوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (2) ولكن تُذْكَرُ ههنا بمَعْنَى اليمين والشِّمال.
قلنا: قد استحالَ عليه إثبات يد (3) الجارحة ووصفها باليمين والشِّمال، فلا بدّ من حَمْلِهِ على ما يجوز على اللهِ.
وأمّا ذِكْرُ الشِّمال في هذا الحديث، فإنّه قَيَّدَهُ كذلك (4) مسلم في “صحيحه” (5)؛ وإنّما ذلك خَلْقٌ من خَلْقِ اللهِ يُسَمَّى يَمِينًا والآخر شِمَالًا، وهذا أَبْيَن وأَقْرَب إلى الخَلْقِ من أنّ يكون للهِ يمين أو شمالٌ جارحتَانِ، تعالى اللهُ عن ذلك.
حديث ثالث:
قوله عليه السّلام: “إنّ اللهَ خَلَقَ الملائكة من شَعَرِ ذِرَاعَيْهِ” (6).
شرحه وتبيينه:
قلنا: هذا حديثٌ مُنْكَرٌ وليس بثابتٍ (7)، ولكن له تأويلٌ عند علمائنا (8)، وذلك
_
= من خَلْقِ الله يوافق اسمه اسم الإصبع، فقال: إنّه يحمل السموات على ذلك، ويكون ذلك تسمية للمحمول عليه بما ذكر فيه”.
(1) أخرجه البخاريّ (7412)، ومسلم (2788) من حديث عبد الله بن عمر.
(2) سورة ص 75.
(3) كذا “ولعلّ الصواب: “اليد”.
(4) غ: “فإنه بيده كذلك قال”.
(5) الحديث (2788) عن ابن عمر.
(6) أورده ابن فورك في مشكل الحديث: 52 وذكر أنّ سفيان بن عُيَيْنَة رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو، وانظر أقاويل الثقات لمرعي: 163
(7) بقول ابن فورك: “اعلم أنّ أول ما فيه [أي في الحديث] أنّ عبد الله بن عمرو لم يرفعه إلى النّبيّ س. وقد قيل: إنّ عبد الله بن عمرو أصاب وسقين من الكتب يوم اليرموك، فكانوا يقولون له إذا حدّثهم: حَدِّثنا ما سمعت من رسول الله – صلّى الله عليه وسلم – ولا تحدِّثنا من وسقك يوم اليرموك”.
(8) انظر المصدر السابق: 53
====================
أنّهم قالوا: الذِّراعانِ مَلَكٌ من ملائكة اللهِ وخَلْقٌ مِنْ خَلْقِهِ سِوَى الملائكة.
وأمّا قوله: “مِن شَعْرِ ذِراعَيْهِ” فإضافته إضافة ملكٍ، كما تقول سماءُ اللهِ وأرضُ اللهِ، وكذلك ذِرَاعَيْهِ.
وقوله (1): “كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ” معناه: أنّ إحداهما لا تنقص عن الأخرى.
قال الإمام: ولمِثْلِ هذا وأشباهه مِمَّا لا يجوز على الله صَرَّحَ أحمد بن حنبل في تأويل ثلاثة أحاديث فقط:
أحداهما – قوله – صلّى الله عليه وسلم -: “الحَجَرُ الأسْوَدُ يمينُ الله في الأرْضِ” (2).
الثّاني – قولُه -صلّى الله عليه وسلم-: “إنِّي لأجِدُ نفسَ الرَّحمن مِنْ قِبَلِ اليَمِينِ” (3).
الثّالث – قولُه – صلّى الله عليه وسلم -: “قَلْبُ المُؤْمنِ بينَ إصْبعَيْنِ من أَصَابِعِ (4) الرَّحمنِ”.
قال: هذا يستحيل على الله فينبغي أنّ يردّ إلى قانون للتّأويل، وكان أسلم له.
حديثٌ رابعٌ:
قوله: “يضحكُ اللهُ إلى رَجُلَيْنِ يقتلُ أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجَنَّة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثمّ يتوبُ اللهُ على القاتلِ فَيُقْتَلُ شَهِيدًا” (5).
شَرْحُهُ:
معناه: يُظْهِر لَهُما أدلّة الكرامة وعلامات الرِّضَا، كما يفعل الضَّاحك منَّا لِمَا يُسَرُّ به (6).
حديث خامس:
قوله: “عَجِبَ ربَّكُمْ مِن شَابِّ لَيْسَتْ لَهُ صَبْوَةٌ” (7).
_
(1) أي قوله – صلّى الله عليه وسلم – في حديث مسلم (1828) عن عبد الله بن عمرو.
(2) أخرجه من حديث جابر: ابن عدي في الكامل: 1/ 342، والخطيب في تاريخ بغداد: 6/ 328، وابن
الجوزي في العلل المتناهية: 2/ 575 وقال: “هذا الحديث لا يصحّ”.
(3) أورده علي القاري في المصنوع في معرفة الحديث الموضوع: 69 ونقل عن العراقي قوله: “لم أجد له
أصلًا”.
(4) أخرجه مسلم (2654) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، بلفظ: “إنّ قلوب بني آدم كلَّها بين إصبعين من أصابع الرّحمن”.
(5) أخرجه البخاريّ (2826)، ومسلم (1890) من حديث أبي هريرة.
(6) جـ: “يَسرُّهُ”.
(7) أخرجه أحمد: 4/ 151، وأبو يعلى (1749) من حديث عُقْبَة بن عامر، وذكر الهيثمي في مجمع =
===================
شرحه:
معناه: فعل به من الكرَامةِ فحل المتعجِّب من فِعْلِهِ.
حديث سادس:
قوله – صلّى الله عليه وسلم -: “لا تَزالُ النَّارُ يُلْقَى فيها، حتَّى يضَعُ الجَبَّارُ فيها قَدَمَهُ” وفي بعض طُرُقِهِ: “حتّى يَضَعُ الجَبَّارُ فيها قَدَمَهُ، فتقولُ: قَطْ قَطْ” (1).
شرحه:
قال علماؤنا: معنى “قدمه” خَلْقٌ من خَلْقِهِ يُسَمَّى قَدَمًا، أضَافَهُ إضافَةَ الملك إلى نَفْسِهِ (2)، كما يقال: سماؤُه وأرضه، وبيانُه في قَولِه: {لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ} (3).
وقال آخر: معناه أنّ البارئ تعالى يَخلقُ خَلْقًا يُسَمَّى قَدَمًا يملأُ بهم جهنَّم.
حديث سابع:
قوله: “إذا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ فَلْيَتَّقِ الوَجْهَ، فإنَّ اللهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتهِ” (4).
شرحه:
معناه: على صُورَةِ المَضْرُوبِ، فالهاءُ عائدةٌ على عَبْدِهِ (5)، وغير ذلك من الأحاديث المُشْكِلَات، والتَّأويلُ عليها يطولُ.
خاتمةٌ:
واعلم أنّ الآي المتشابهة والأحاديث المشكلات امتحنَ اللهُ بها عبادَهُ على ما قدَّمناهُ في صدر الكلام (6)، فلا يجوزُ لأحدِ أَنْ يتكلَّمَ بشكٍّ (7)، ويكلِّف سامِعَهُ أنّ يردَّه
_
= الزوائد: 10/ 270 وقال: “إسناده حسن”.
(1) أخرجه البخاريّ (4848)، ومسلم (2848) من حديث أنس.
(2) قاله ابن فورك في مشكل الحديث: 45.
(3) يونس:2.
(4) أخرجه مسلم (2612) من حديث أبي هريرة.
(5) وهو الّذي اختاره ابن فورك في مشكل الحديث: 7.
(6) جـ: “الكتاب”.
(7) غ: “بثلثه”
====
إلى مثل تأويله؛ لأنّ هذا المتكلِّم ليس له تكليف العبادِ، وإنّما ذلك إلى الله والرَّسولِ.
وقال أبو بكر بن باقي (1): الشَّرطُ في طَلَبِ عِلْمِ الكلامِ ثلاثة أشياء:
أحدها: أنّ يطلبه للهَ تعالى لا لما سواه.
الثّاني: أنّ يُحْسِنَ العبارةَ فيه ما استطاعَ.
الثّالث: ألَّا يتكلَّم فيه إلّا مع أهله، واللهُ الموفّق للصَّوابِ.
_
(1) من علماء الأندلس، يرد اسمه في بعض المصادر عرضًا.
(2) في الموطّأ (571) رواية يحيى
الحديث
الكتاب: المسالِك في شرح مُوَطَّأ مالك
المؤلف: القاضي محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المعافري الاشبيلي المالكي (ت ٥٤٣هـ)
قرأه وعلّق عليه: محمد بن الحسين السُّليماني وعائشة بنت الحسين السُّليماني
قدَّم له: يوسف القَرَضَاوي
الناشر: دَار الغَرب الإسلامي
الطبعة: الأولى، ١٤٢٨ هـ – ٢٠٠٧ م
عدد الأجزاء: ٨ (٧ وجزء للفهارس)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
تاريخ النشر بالشاملة: ١٣ رجب ١٤٣٥