مقالات قيمة في التفويض

(1)الرد المفصل على مقال “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”

إذن بدأ الباحث سلطان العميري بحثه ” أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش ” الذي يفاخر به والذي نمّقه بمقدمة طنانة رنانة، وختمه بخاتمة أشد طنينا ورنينا انتهى فيه إلى أنه أبطل ـ بزعمه ـ نسبة الأشاعرة التفويضَ للسلف كما رأينا…. أقول: بدأه بأثر ابن عباس وهو قوله “استوى أي صعد”، ولكن بسند مسلسلٍ بالكذابين…. هذا إن وُجد السند أصلا لهذا الأثر…. فأنعمْ وأكرم بهكذا إسناد وبهكذا بحوث وبهكذا ردود…..!!!!!!
(1)الرد المفصل على مقال “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”
سبق أن ذكرتُ أنني سوف أقوم بعون الله بنشر ردٍّ مفصّل[1] على أحد السلفية وهو الباحث سلطان العميري في مقاله في صفة اليد المسمى “كيف تعامل السلف مع نصوص اليدين”، وعلى بحثه في صفة الاستواء المسمى “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”.
وأشرت إلى أن هذا الرد سيتضمن تخريجا موسعا للآثار التي أوردها الباحث في مقاليه حول اليد والاستواء والتي قلتُ إن غالبها لا سند لها سند أصلا، وما له سند فهو إما أثر إسرائيلي، أو أثر ضعيف، وقلما يصح منها شيء، وحتى هذا الذي قد يصح فلا دلالة فيه على ما رامه الباحث….وهذا ما قلته بشكل مجمل وهذا أوان تفصيل ذلك.
وقبل أن أبدأ أشير إلى أنني أخصّص هذا المنشورَ والمنشورات التي تليه لتخريخ مفصّل لآثار بحثه حول الاستواء المسمى “أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش”.
فأقول مستعينا بالله: بدأ الباحث العميري بحثه بمقدمة قال فيها تحت عنوان: “تفسير أئمة السلف معنى الاستواء وحمله على الحقيقة اللغوية”: (((( فقد جاءت روايات كثيرة عن عدد كبير من السلف فسَّروا فيها صفة الاستواء بناءً على معناها في اللغة، ودخلوا في بيان مدلولها وأعلنوا فيها التزامهم به ووجوب الأخذ بما يقتضيه من معانٍ.
وقد تنوعت المعاني التي نقلت عنهم في صفة الاستواء على العرش، ومما نقل عنهم أنهم فسَّروها بالعلو والارتفاع والصعود والقعود والاستقرار.
فقد روى البيهقي وغيره عن الفراء أنه قال: «قال ابن عباس «ثم استوى» أي: صعد»[ الأسماء والصفات (2/310).].
وفي رواية أخرى أن ابن عباس فسر الاستواء بالقعود[نقله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية عن تفسير السدي (252) ].
وروى البخاري تعليقاً على أبي العالية أنه قال: (استوى إلى السماء) ارتفع….)))).انتهى كلام الباحث العميري.
قال وليد ابن الصلاح : هذا ما قال الباحث بالحرف…. وقد تضمن كلامَه السابق استشهادُه بأثر ابن عباس على ما ادعاه من أن السلف ـ وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم ـ قد فسّروا آيات الاستواءَ بمعناها الظاهر ـ أي الحسي ـ ليردَّ الباحثُ العميري بذلك على الأشاعرة الذين نسبوا التفويضَ إلى السلف في صفة الاستواء خاصة وفي الصفات عامة….. فهل تمّ له ما أراد؟!! هذا ما سنعلمه بعد قليل إن شاء الله.
في الواقع إن أثر ابن عباس هذا هو أول أثر أورده العميري في بحثه هذا وهو بلفظ : «ثم استوى» أي: صعد»… ثم عزاه لكتاب الأسماء والصفات للبيهقي، وعزاه العميري إلى غير البيهقي ولكن دون أن يسميه وإنما اكتفى بقوله”روى البيهقي وغيره”، وأورد الباحثُ أثرا آخر عن ابن عباس وعزاه لكتاب اجتماع الجيوش لابن القيم… ثم انتقل الباحث لإيراد آثار عن التابعين ومن بعدهم… أي أنه لم يورد عن الصحابة شيء في تفسير الاستواء إلا هذين الأثرين عن ابن عباس….. فتعالوا قبل كل شيء ننظر في مدى صحة هذين الأثرين عن ابن عباس رضي الله عنهما.
قال الإمام البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 310) : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، ومحمد بن موسى ، قالا : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن الجهم ، حدثنا يحيى بن زياد الفراء في قوله عز وجل : {ثم استوى إلى السماء فسواهن} قال : الاستواء في كلام العرب على جهتين : إحداهما : أن يستوي الرجل وينتهي شبابه وقوته ، أو يستوي من اعوجاج ، فهذان وجهان ؛ ووجه ثالث أن تقول : كان مقبلا على فلان ثم استوى علي يشاتمني وإلي سواء ، على معنى أقبل إلي وعلي ، فهذا معنى قوله : استوى إلى السماء والله أعلم . قال : وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما : ثم استوى صعد وهذا كقولك للرجل : كان قاعدا فاستوى قائما ، أو كان قائما فاستوى قاعدا ، وكل في كلام العرب جائز . قلت : قوله : استوى بمعنى أقبل صحيح ، لأن الإقبال هو القصد إلى خلق السماء ، والقصد هو الإرادة وذلك هو الجائز في صفات الله تعالى . ولفظ ثم تعلق بالخلق لا بالإرادة . وأما ما حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما أخذه عن تفسيره الكلبي ، والكلبي ضعيف ، والرواية عنه عندنا في أحد الموضعين كما ذكره الفراء .اهـ
وكما ترون فإن البيهقي ذَكر هذا الأثر عن الفرّاء عن ابن عباس دون إسناد، وبين الرجلين ـ أي الفراء وابن عباس ـ مفاوز، إذ الفراء وُلد سنة 144هـ، ومات سنة 207هـ[2] ، وابن عباس مات سنة 67 أو 68 على الأكثر[3]، فبينهما جيلان أو ثلاثة …. وقد أفاد البيهقي أن الفراء أخذ ذلك عن تفسير الكلبي، وأن الكلبي ضعيف، حيث قال البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 310): وأما ما حكي عن ابن عباس رضي الله عنهما فإنما أخذه عن تفسيره الكلبي ، والكلبي ضعيف ، والرواية عنه عندنا في أحد الموضعين كما ذكره الفراء، وفي موضع أخر كما أخبرنا … ثم أسند البيهقي عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى إلى السماء} يعني : صعد أمره إلى السماء.اهـ (انظر الصور: 1، 2، 3، 4)
ثم أورد بالسند نفسه عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى على العرش} يقول : استقر على العرش.
ثم قال البيهقي: وبهذا الإسناد في موضع آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله”ثم استوى على العرش” يقول : استوى عنده الخلائق ، القريب والبعيد ، وصاروا عنده سواء[4].اهـ
فنلاحظ أن البيهقي ذكر أن الفراء أخذ هذا الأثر عن تفسير الكلبي، ولكن البيهقي لم يذكر لنا سندَ أثرِ الفراء هذا إلى الكلبي كما فعل البيهقي بالآثار الثلاثة التي بعده كما سبق، حيث أسندها البيهقي إلى الكلبي عن أبي صالح بها، ولكنه ذَكر أن أثرَ الفراء وقع له مرويا أي مسندا، ثم أسند أثرا مشابها لأثر الفراء وهذا معنى قول البيهقي : “والرواية عنه عندنا في أحد الموضعين كما ذكره الفراء، وفي موضع أخر كما أخبرنا … ثم أسند البيهقي عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما في قوله : {ثم استوى إلى السماء} يعني : صعد أمره إلى السماء.اهـ
فتحصل أن أثر الفراء عن ابن عباس”استوى أي صعد ” ذكره البيهقي بدون سند ولكن ذكر أنه وقع له مرويا من تفسير الكلبي، ثم اكتفى بتضعيف الكلبيَّ هنا … ولكن بعد أن روى الآثار الثلاثة السابقة من طريق الكلبي قال البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 312): وأبو صالح هذا والكلبي ومحمد بن مروان كلهم متروك عند أهل العلم بالحديث ، لا يحتجون بشيء من رواياتهم لكثرة المناكير فيها ، وظهور الكذب منهم في رواياتهم … ثم روى البهقي بسنده عن الكلبي أنه قال: قال لي أبو صالح : كل ما حدثتك كذب….. ثم روى البيهقي بسنده عن البخاري أنه قال : محمد بن السائب أبو النضر الكلبي الكوفي تركه يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي…. ثم روى البيهقي عن يحيى بن معين ، يقول : الكلبي ليس بشيء ….ثم ختم البيهقي كلامه هنا بالقول: قلت : وكيف يجوز أن يكون مثل هذه الأقاويل صحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، ثم لا يرويها ولا يعرفها أحد من أصحابه الثقات الأثبات ، مع شدة الحاجة إلى معرفتها ، وما تفرد به الكلبي وأمثاله يوجب الحد ، والحد يوجب الحدث لحاجة الحد إلى حاد خصه به ، والباري قديم لم يزل .اهـ (انظر الصورة 7، 8)
وما ذكره هنا البيهقي من جرح وقدح في الكلبي غيض من فيض، فقد تتابعت كلمات النقاد في تكذيب الكلبي واتهموه بالوضع وحذّروا من تفسيره الذي يرويه عن أبي صالح عن ابن عباس، بل الكلبي نفسه أقر بأنه يكذب وأنه وضع التفسير الذي رواه عن أبي صالح عن ابن عباس….!!!
وأُورد هنا بعض كلام الذهبي في الكلبي وفي تفسيره …. حيث قال في ميزان الاعتدال (3/ 556): محمد بن السائب [ ت ] الكلبى، أبو النضر الكوفى المفسر النسابة الاخباري…. قال الثوري: اتقوا الكلبى، فقيل: فإنك تروى عنه.
قال: أنا أعرف صدقه من كذبه.
وقال البخاري: أبو النضر الكلبى تركه يحيى وابن مهدى.
ثم قال البخاري: قال على: حدثنا يحيى، عن سفيان، قال لى الكلبى: كل ما حدثتك عن أبي صالح فهو كذب[5]……
وقال أحمد بن زهير: قلت لاحمد بن حنبل: يحل النظر في تفسير الكلبى ؟
قال: لا.
عن ابن معين، قال الكلبى: قال ليس بثقة.
وقال الجوزجانى وغيره: كذاب.
وقال الدارقطني وجماعة: متروك.
وقال ابن حبان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الاغراق في وصفه.
يروى عن أبي صالح، عن ابن عباس – التفسير.
وأبو صالح لم ير ابن عباس، ولا سمع الكلبى من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف، فلما احتيج إليه أخرجت له الارض أفلاذ كبدها.
لا يحل ذكره في الكتب، فكيف الاحتجاج به !.اهـ
وفي تهذيب التهذيب ط الرسالة (1/ 536): عن يحيى بن معين: بالعراق كتاب ينبغي أن يدفن وبالشام كتاب ينبغي أن يدفن فأما الذي بالعراق فكتاب التفسير عن ابن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وأما الذي بالشام فكتاب الديات لخالد بن يزيد بن أبي مالك.اهـ
وكذّبه الألبانيُّ في عدة مواضع من كتبه، فقال مثلا في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/ 450): وروي من حديث عائشة، أخرجه المخلص في ” الفوائد المنتقاة ” ( 4 / 176 ) عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس عن عائشة مرفوعا به ، لكن الكلبي كذاب .اهـ (انظر الصور: 9، 10، 11)
وقد علّق مُحقق كتابِ الأسماء والصفات عبد الله الحاشدي ـ وهو من الإخوة السلفية ـ على الآثار الثلاثة السابقة التي أوردها البيهقي عن ابن عباس في الاستواء وأسندها عن محمد بن مروان عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ؟ فقال الحاشدي: “هذا الإسناد معروف عندهم بسلسلة الكذب كما في تدريب الراوي”. انظر الصورة رقم 3.
ونصُّ السيوطي في تدريب الراوي (1/ 266): وأما أوهى أسانيد ابن عباس مطلقا فالسدى الصغير محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عنه، قال شيخ الإسلام (أي الحافظ ابن حجر) هذه سلسلة الكذب لا سلسلة الذهب.اهـ (انظر الصورة : 5، 6)
إذن هذا السند( أي السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح) مسلسل بالكذابين، وهم معروفون بذلك عند أئمة الحديث وكلامهم فيهم كثير ….. إذن بدأ الباحث سلطان العميري بحثه أو مقاله ” أغلوطة التفويض في صفة الاستواء على العرش ” الذي يفاخر به والذي نمّقه بمقدمة طنانة رنانة، وختمه بخاتمة أشد طنينا ورنينا انتهى فيه إلى أنه أبطل ـ بزعمه ـ نسبة الأشاعرة التفويضَ للسلف كما رأينا…. أقول: بدأه بأثر عن ابن عباس ولكن بسند مسلسلٍ بالكذابين…. هذا إن وُجد السند أصلا لهذا الأثر ، وإلا فليس بين أيدينا سندٌ لأثر الفراء سوى إشارة البيهقي إلى أنه وقع له مسندا من تفسير الكلبي…. والكلبي معروف أنه يروي تفسيرَ ابن عباس عن طريق أبي صالح باذام عنه …. وكلاهما أي الكلبي وأبو صالح مطعون بهما ومتهمان بالكذب، وإن كان الطعن في الكلبي أشد وأشهر ومحل اتفاق…. وقد سبق أن ذكرنا طعن العلماء بهذا التفسير الذي يرويه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس … وثالثة الأثافي محمد بن مروان السدي الصغير ـ الذي يروي تفسير الكلبي ـ وهو أيضا كذاب [6]….. ظلمات بعضها فوق بعض ….!!!!!!!
ثم لو سلمنا أصلا بصحة هذا السند وهو السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح… وجعلناه من أصح الأسانيد إلى ابن عباس لكان ذلك أشد ضررا على العميري وأمثاله من التيمية…..!!!!
وبيان ذلك… انظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/868122166635140/
=================
[1] انظر: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/856156004498423/

[2] قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (10/ 118): الفراء أبو زكريا يحيى بن زياد الأسدي العلامة، صاحب التصانيف، أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسدي مولاهم، الكوفي، النحوي، صاحب الكسائي….. مَاتَ الفَرَّاءُ: بِطَرِيقِ الحَجِّ، سَنَةَ سَبْعٍ وَمائَتَيْنِ، وَلَهُ ثَلاَثٌ وَسِتُّوْنَ سَنَةً -رَحِمَهُ اللهُ-.اهـ
وجاء في معجم الأدباء = إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب (6/ 2814): توفي أبو زكريا الفراء في طريق مكة سنة سبع ومائتين وقد بلغ ثلاثا وستين سنة.اهـ يعني أنه وُلد سنة 144 هـ.
[3] جاء في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (3/ 359): قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: تُوُفِّيَ ابْنُ عَبَّاسٍ سَنَةَ ثَمَانٍ، أَوْ سَبْعٍ وَسِتِّيْنَ. وَقَالَ الوَاقِدِيُّ، وَالهَيْثَمُ، وَأَبُو نُعَيْمٍ: سَنَةَ ثَمَانٍ. وَقِيْلَ: عَاشَ إِحْدَى وَسَبْعِيْنَ سَنَةً.اهـ
[4] انظر ذلك: الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 311)، وانظر الصورة : 3
[5] وقد سبق في رواية البيهقي أن أبا صالح قال للكلبي كل ما حدثتك به عن أبي صالح كذب.
وقد حقق د. حاتم الشريف ذلك فقال في بحث له بعنوان ” القول المحرر لترجمة أبي صالح باذام المفسر”:
((((ما منزلته من الجرح والتعديل:
فالحقّ يُقال: إن من أعظم ما أضرّ بأبي صالح روايةُ الكلبي عنه لذلك التفسير الموضوع على ابن عباس رضي الله عنهما .
ولم يكتفِ الكلبي بذلك، حتى ادّعى أن أبا صالح قال له: « كل شيء حدثتك فهو كذب ». (التاريخ الكبير للبخاري: 1/101، والأوسط: 3/399 رقم 609، والضعفاء: رقم 337، ومنتخب علل الخلال لابن قدامة: 127 رقم 60، والكامل لابن عدي: 2/69، 7/114، 115، والأسماء والصفات للبيهقي: رقم 875، 876).
وقد رُوي عنه هذا التكذيب بلفظ آخر مجمل، غير صريح بتكذيب أبي صالح، وهو أنه قال للثوري: « ما حدثت عني، عن أبي صالح، عن ابن عباس، فهو كذب، فلا تروه ». (الجرح والتعديل 7/271، والمجروحين 2/254).
وسواءً أقال العبارة الأولى التي زعم أن أبا صالح اعترف له فيها بالكذب، أو قال الثانية التي تحتمل تكذيبه نفسه، فالكلبي نفسه كذّاب، ولا يجوز أن يُجْرح أحدٌ بكلام كذّاب.
ولذلك فما أحسن تصرّف البخاري عندما أورد هذه العبارة في ترجمة الكلبي، لا في ترجمة أبي صالح. للذي ذكرناه من أن الكلبي نفسه كذاب، ومن جهة أن الكلبي قد ملأ الدنيا بتفسيره المطوَّل المكذوب هذا، فما باله يحدّث بما عَرّفه شيخُه -بزعمه- أنه كَذِبٌ؟! ولماذا لم يمتنع عن رواية هذا التفسير الموضوع ؟!!
وقد بيّن يحيى بن معين من يستحق التكذيب في هذه النسخة، حيث قال (كما سيأتي) : « الكلبي إذا روى عن أبي صالح فليس بشيء؛ لأن الكلبي يحدّث به مَرّةً من رأيه، ومَرَّةً عن أبي صالح، ومَرَّةً عن أبي صالح عن ابن عباس. فإذا حدّث غير الكلبي عن أبي صالح: فليس به بأس ».
ووازن هذين الموقفين المنصفين من عبارة الكلبي تلك بقول الجوزجاني في أحوال الرجال (رقم 64) : « أبو صالح مولى أمّ هانئ، كان يقال له دُرُوزَن: غير محمود (ثم أسند إلى سفيان الثوري:) عن الكلبي، قال: قال أبو صالح: كل ما حدثتُك كذب » .
فـ(غير محمود) لا تساوي في الدلالة اتّهامه بالكذب، فإن قصد أنه غير محمود لكنه غير كذاب: فعبارته موهمةٌ، لا تؤدّي هذا المعنى؛ إذ كيف يَسْتدل لكونه غير كذاب بوصفه بالكذب؟! وإن استدلّ لوصفه بالكذب بعبارة الكلبي، فهذا ما لا يُقبل؛ إذ كيف يُجرح أحدٌ بقول كذاب؟!
وأحسب الجوزجاني وصفه بهذا الوصف لكونه من شيعة علي رضي الله عنه ؛ لأنه ذكره في شيعة الكوفة، كما أنّ أبا صالح قد وصفه الدولابي بأنه علوي، ومراده بذلك أنه ممن له ميلٌ إلى عليّ رضي الله عنه. وهذا سببٌ من أسباب انحراف الجوزجاني عنه، فإنه (كما هو معروف عنه) فيه مَيْلٌ زائدٌ عن شيعة علي رضي الله عنه .
وقد ظهر لي سبب افتراء الكلبي لهذه الفرية، التي يدّعي فيها أن أبا صالح أقرّ على نفسه بالكذب، مع ما لا يخفى من بُعْد وقوع مثل هذا الإقرار في العادة، مما يشهد على كذب دعوى هذا الإقرار نفسها، وهذا السبب هو أن أبا جناب يحيى بن أبي حيّة، قال: « حلف أبو صالح: أني لم أقرأ على الكلبي من التفسير شيئًا ». (الجرح والتعديل 7/271). فيبدو أن الكلبي لمـّا بلغه أن أبا صالح كذّبه، واجه التكذيب بالتكذيب !!
وعلى عدم اعتماد تكذيب الكلبي لأبي صالح عامة النقّاد؛ لأنّ من ضعّف أبا صالح منهم، لم يصل الأمر بغالبهم درجة اتّهامه بالكذب، بل ظاهر عبارات غالبهم أنه خفيف الضعف؛ وهذا ردٌّ لقول الكلبي، وهو حريٌّ بكل ردّ.
ومع ذلك: فقد استصحب شؤمُ كَذِب الكلبي بتلك النسخة أبا صالح في غير سياقه الصحيح، في كثير من الأحيان.)))).
وقد انتهى د.حاتم إلى أن حديث أبي صالح باذام هذا لا ينزل عن درجة الحسن.
انظر بحث د.حاتم الشريف كاملا على http://vb.tafsir.net/tafsir6090/#.VhGJFSt33VI
[6] فالسدي هذا : قال الذهبي في ترجمته :
” محمد بن مروان السدى الكوفى ، وهو السدى الصغير ، يروى عن هشام بن عروة والأعمش ، تركوه ، واتهمه بعضهم بالكذب . وهو صاحب الكلبي ” انتهى .
“ميزان الاعتدال” (4 /32)
وانظر للمزيد حول سند السدي عن الكلبي عن أبي صالح : http://islamqa.info/ar/179020
وانظر أيضا:
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=85655
و : https://library.islamweb.net/hadith/display_hbook.php?bk_no=1857&pid=655237

السابق
قال الإمام الشافعي في سبع عشرة مسألة: “فيها قولان”، كيف ذلك؟
التالي
التفويض عند الإمام أبي عمرو ابن الصلاح