دليل الحدوث

وكذلك رجعت للتدمرية والدرء واجتماع الجيوش؛ فعرفت كم كنتُ ساذجاً عندما كنت أمدح أو قدح بلا معرفة أو علم بالعقليات (منقول)

في مطلع عمري، وقبل الانتقال من السلفية للأشعرية، وأثناء تحضير رسالة الماجستير في العقيدة، كانت كل مطالعاتي في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه العلامة ابن القيم، رحمهما الله وممن استقى منهما. وكنت أقرأ في كتبهم الكلامية وردودهم على المتكلمين، في درء تعارض العقل والتدمرية واجتماع الجيوش … وكنت مبهورا مشدوها من كبر حجمها ولا أفهم من كلامهم إلا النذر اليسير، وكنت أتهم عقلي وقلة زادي وضعفي في العقليات؛ وكلما قرأت ازددت قناعة بقول ابن تيمية عن علم المنطق وقلة فائدته (كما رأيتُه صعبا كانه لغة منقرضة لا يمكنني فهمها) وأنه سبب ضلال المعتزلة والأشعرية والجهمية، وانزلاق الكبار في وحل الجدال العقيم والمخاصمة التي نرى كيف يردها ابن تيمية وابن القيم على أربابها دون أن نفهم الإشكال (الاعتراض والشبهة) والرد عليها؛ يكفينا أن شيخ الإسلام فهم عليهم ودحض باطلهم وألجمهم الحجة بطريقتهم. فلما أدركت من العلوم العقلية بعضها، وقرأت على شيوخي كتبا من علم الكلام، وغاصت قدماي بساحله المتلاطم؛ رجعت أقرأ ما استعصى علي قبل، ومن ذلك كتاب أوهام المادية للبوطي وموقف العقل والعلم لمصطفى صبري …. وكذلك رجعت للتدمرية والدرء واجتماع الجيوش؛ فعرفت كم كنتُ ساذجاً عندما كنت أمدح أو قدح بلا معرفة أو علم بالعقليات، لكتب كلها مبني على المبادئ العقلية المنطقية، وعلم الكلام. وإنما كنتُ معتمدا على ثقتتي بسعة علم المولف (أعني ابن تيمية) وما غرس في عقلي من قوة حجته وإلزامه لخصومه بالحجج التي يفهمونها؛ وأنه قد ألزمهم الحجة ودحض خصوم أهل الأثر! وكم كانت صدمتي عندما قرأتُ كلام ابن تيمية رحمه الله بعد ذلك، وهو ينقض الدليل العقلي البدهي عند المتكلمين (دليل الحدوث) بطريقة السوفسطائية؛ وينقل اعتراضات الفخر الرازي في أساسه من كتبه، فيرد عليها بردوده (أعني الرازي) مرة ، وبردود من ابن تيمية مرة، وأقل ما يقال في تلك الردود إنها مشاغبة تضحك العالم، وتعجب الجاهل والمنبهر بالمولف! فكم تعجبت وضحكت وحزنت وأنا أقرأ بوعي وتجرد هذه المرة. رحمه الله وسامحه، وضع نفسه في مقابل أهل السنة بطريقة غريبة عجيبة (ارجع إلى مناظرته مع الصفي الهندي لتعرف كم هي بسيطة ردوده أمام العلماء لمًا نوظر بمصر والشام). ولو تجرد إخواننا السلفية وتعلموا شيئا من العقليات الرياضية، ثم قرؤوا بعد ذلك الكلام منفصلا عن حالة السلب تجاه المولف وعصمته عندهم؛ لبان لهم شي خفي عليهم وأقلها السفسطة والمشاغبة والبعد عن موضع النزاع واختراع كلام على الخصم لم يقله وإلزامه لوازم غير ملزمة في العقليات وتخيل أقوال لم يقلها أحد وآخرها عندما ينقطع به الحبل ولا يجد ما يقوله قوله المعتاد (وهذه بعض الردود عليهم ولولا الإطالة لأسهبت في ذلك) أوكلمة نحوها.
وقلت مرة لبعض الطلاب: إن هذه الكتب التي ألفها ابن تيمية هي خاصة بطلابه ومحبيه ممن سلب عقله أمامه، فهي تعمل عمل السياج المحكم على عقولهم بأن شيخهم قد كفاهم مؤونة الرد وظهر الحق فلا داعي لعلم الكلام فقد كفيتموه بشيخ الإسلام وردوده الصاعقة، وهم والله لا يفهمونها ولا يستطيعون اكمال بحث فيها بشكل مستمر بحيث يدركون مغزى ما يقول إلا من خلال تقولاته الغير صحيحة على خصومه، ويحسبون أنهم على شي ولا يدركون أن الكتاب يمكن نقضه بإثبات عدم قول الخصم ثلاثة أرباع ما أتعب ابن تيمية قلمه في الرد عليه! والله الهادي والموفق.

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=5505509322881234&id=100002666637260&sfnsn=mo&mibextid=6aamW6

السابق
إعجاز نبوي في ظهور من يقتدي في عقيدته بفرعون (منقول)
التالي
الرد على استدلال الوهابية بعبارة العلامة ابن أبي زيد القيرواني المالكي(وإنه فوق العرش المجيد بذاته)