الرد على النصارى

نقل بعض الناس كلاما مُلبسا عن الإمام الغزالي والإمام العز ابن عبد السلام، في حكم من بلغتهم دعوة الإسلام مشوهة (منقول حول نص مبتور للغزالي وهو : إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة..)

نقل بعض الناس كلاما مُلبسا عن الإمام الغزالي والإمام العز ابن عبد السلام، في حكم من بلغتهم دعوة الإسلام مشوهة، أو مات قبل استكمال النظر، وقد هالني جدا اقتطاعُه للكلام، واقتصاصُه، ونزعُه منه ما لا يخدم مقصوده، وهذا والله شيء مؤلم أن يصدر مثل هذا عن باحث فاضل نحترمه ونُجلّه والمظنون فيه أن لا يتعمّد مثل هذه الخديعة المكشوفة.

أما بيان مقصود الإمام الغزالي، فأنصح بقراءة منشور الدكتور Hani Hussein  عنه، ففيه موضع السقط الذي تعمَّد الأستاذ الباحث قطعَه ونزعَه، وهذا رابط منشور الدكتور هاني :

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=10158475260917401&id=561332400
وأنا أنقل هنا نص كلام الإمام الغزالي كاملا غير منقوص ولا مقصوص، قال رحمه الله: “

بل أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى: أعني الذين هم في أقاصي الروم والترك، ولم تبلغهم الدعوة، فإنهم ثلاثة أصناف:

صنف: لم يبلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم أصلاً، فهم معذورون.

(( وصنف: بلغهم اسمه ونعته، وما ظهر عليه من المعجزات، وهم المجاورون لبلاد الإسلام، والمخالطون لهم، وهم الكفار الملحدون.))

وصنف: ثالث بين الدرجتين، بلغهم اسم محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يبلغهم نعته وصفته، بل سمعوا أيضاً منذ الصبا أن كذاباً مُلبساً اسمه محمد ادعى النبوة، كما سمع صبياننا أن كذاباً يقال له المقفع، ادعى أن الله بعثه وتحدى بالنبوة كاذباً.

فهؤلاء عندي في معنى الصنف الأول، فإنهم مع أنهم سمعوا اسمه، سمعوا ضد أوصافه، وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب” انتهى كلام الغزالي.

ماذا فعل الأستاذ !!

قام بحذف الصنف الثاني من النقل، ووضَع مكانه ثلاث نقاط؛ لأنه ببساطة يكرُّ على مقصوده وغرضه بالنقض، لأن الغزالي يصرح فيه بأن غير المسلمين الذي يعيشون في بلاد المسلمين ويخالطونهم ويجاورونهم، وقد طرَق أسماعهم صفاته الحسنة ومعجزاته الكثيرة من وسائل الإعلام ومن اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، ويسمعون الأذان على مدار اليوم والليلة = هؤلاء كفار ملحدون عند الغزالي نفسه وغير معذورين، وهو نفسه الغزالي يُصرّح في غير موضعٍ من كتبه بجحود هؤلاء وعنادهم وعدم إعذارهم أصلا.

وأما القسم الثالث فغير صادق أصلا على من يعيشون في بلاد المسلمين لمن يتأمل في كلام الغزالي ويفهم مراده جيدا.


وللأسف الشديد نفس ما فعله مع الغزالي فعله كذلك مع العز ابن عبد السلام؛ فإن الإمام العز ابن عبد السلام رحمه الله في كتابه” القواعد الكبرى” الجزء الثاني، ص ٢٦٩ و ٢٧٠ ط دار القلم، كان يتحدث عن الكفر باللسان، والكفر بالجَنان، يعني بالقلب، هل يمكن أن يُعفى عنهما في بعض الأحيان!!.

فبعد أن قرّر أنهما مفسدتان عظيمتان ذكر أن الكفر باللسان دون القلب قد يعفو الله عنه في حالة الإكراه، كما في واقعة تعذيب عمار بن ياسر رضي الله عنه، وكما قال الله تعالى:” إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم”.

وأما الكفر بالقلب فقد صرح الإمام بأنه لا يُتصور فيه الإكراه، لأن المُكرِه لا يستطيع الاطلاع على حصول ذلك بنفسه ولا التأكد منه فلا سلطان له على قلب المُكرَه، فيبقى الكفر بالقلب مفسدة مجردة عن حصول أي مصلحة.

ولكن ..

قد يعفو الله تعالى عن كُفر القلب، في حالة ضيقة جدا، ذكرها الإمام، وهي: إذا كان الشخص بالغا عاقلا ولم يكن له اعتقاد صحيح، يعني ليس مسلما مثلا، فهذا أوّلًا يلزمه النظر ( وهذا أمر مهم لا يصح أن يمرّ عليك مرور الكرام، والنظر ببساطة يعني: يجب على هذا الشخص أن يبذل طاقته في البحث عن الدين الحق ويتحرى عن ذلك ويسعى فيه )  فإن بدأ هذا الشخص في البحث عن الدين الحق بالفعل، وشرع في ذلك وسعى فيه ولكنه مع هذا ما زال غير مسلم ولم يصل إلى الحقيقة بعدُ ، ثم مات في أثناء هذه الرحلة = فهذا يعفو الله عنه.

فلاحِظ هنا قيدين مهمين:

الأول: شروعه في النظر بعد تمام البلوغ، يعني بعد بلوغه الخامسة عشرة مثلا أو السادسة عشرة، مع زوال موانع التكليف، وإن أخَّره عن ذلك فهو آثم ويُعذّب عذاب الكفار إن مات مع هذا التأخير، خاصةً إن اتسع له وقت البحث ولم يبحث ولم يهتم أصلا.

والثاني: عدم تقصيره في البحث والنظر، يعني يكون آخذا للأمر بالجد والاهتمام بحيث يشغل باله ويعنيه الأمر ويقضي فيه وقته.
هذان هما القيدان اللذان رتب عليهما العز ابن عبد السلام جواز العفو عن كفر القلب إذا كانت هذه هي الحال ( ثم مات الشخص في أثنائها).

أما الزعم بأن العز رحمه الله يقول بأن نصارى العرب معفوّ عنهما هكذا بإطلاق كما يتسرع الأستاذ الباحث وينشر هذا المنشور في كل مناسبة مشابهة = فهو باطل من القول وزور وادّعاء على أئمة الدين بما لم يقولوه.

السابق
أقوال الشرّاح وغيرهم من العلماء في حديث الجارية : أين الله؟ (منقول)
التالي
بعض الوهابية لا يقولون فقط عن أبي حنيفة أبو جيـــــفة[1]بل الرسول نفسه قالوا عنه جيــــــفة، وزادوا فقالوا: هو ديدان في قبره ـ حاشاه ـ كما قال ذلك الوهابي التكفيري أحمد التركستاني أبو ماجد !!