مقالات في علم التحقيق والمكتبات والكتب

مقال للشيخ عبد الحميد التركماني حول نقد كتاب “الحد الأرسطي أصوله الفلسفية وآثاره العلمية، لسلطان العميري”

قرأت كتاب الحد الأرسطي أصوله الفلسفية وآثاره العلمية لسلطان بن عبد الرحمن بن حميد العميري وكنت كتبت قبل أكثر من أسبوعين عن كتاب النقد التيمي للمنطق وذكرت أنه كتاب ضعيف، ثم كتبت عدة منشورات أعلق فيها على كتاب لا أذكر اسمه، تلك المنشورات كانت تعليقا على نصوص من كتاب الحد الأرسطي. وكما قلت سابقا، لا أعرف صاحب الكتاب شخصيا ولا لي به صلة من قبل، هو يحمل فكرة فيعرض فكرته في كتابه، وأنا أرى أنها غير صحيحة فأكتب في نقدها. هذا كل ما في الأمر عندي. ورأيي في الكتاب أنه ضعيف، والمشتغل بالمعقول سيرى بوضوح أن صاحب الكتاب ليس ممن زاول المعقول وتتبعه حتى فهمه ثم كتب هذا الكتاب، وأنا نقلت في منشوراتي السابقة مواضع يستطيع القارئ المنصف -إن شاء الله- أن يرى هذا الضعف وبُعدَ الكاتب عن المجال الذي تكلم فيه. وما ذكرته في المنشورات السابقة ليست هي كل المؤاخذات على الكتاب، بل هي بعض مما نشطت لذكره لعدم حاجته -في نظري- إلى شرح وإيضاح، وأما ما احتاج إلى تمهيد وإيضاح فلم أذكره. والحق عندي أن مثل هذا الكتاب لا يقدم ولا يؤخر شيئا في الفن، بمعنى أن من دخل في المنطق ودرسه وفهمه -ويحسن التنبيه هنا أن عدد من يدرس المنطق ولا يفهمه ليس قليلا- لا يحتاج إلى كتاب يردّ على اعتراضات صاحب هذا الكتاب، وإنما أثره فيمن لا يدرسون المنطق!! ولا يفهمونه!! فشكل الكتاب ونقوله من مصادر كثيرة قديمة وحديثة ودعاويه وجزمه في مواقفه كلها قرائن لغير الفاهم للفن أن يأخذ برأيه ويقلده فيما يقوله، فإنه بالفعل لا يحمل من المنطق شيئا يستطيع به المحاكمة، وإنما يستقي تصوره ومعرفته المنطقية من الكتاب نفسه. فالكتاب لا يحتاج إلى كتاب يناقشه ويرد عليه. هذا في حد ذاته صحيح عندي. ولولا كثرة الجماعة الخارجة من الفنون في عصرنا التي تتوهم أنها تفهم العلوم دون خوض في كتبها، وإنما بالنظر إلى مجلات وأشباه مجلات ومن خلال المحاضرات السهلة اليسيرة، ولولا غلبة الروح الديمقراطية وزعمهم أن الحكم للغالبية في كل شيء حتى في المجالات العلمية لكنا في راحة من إيضاح الواضحات.ويكفيني أن يكتب الرجل رأيه معتنيا به -سواء وفق فيه أم لم يوفق، سواء أصاب أم أخطأ- دون التعرض للاستهزاء بالشخصيات التي يرد عليها، فأن يقول: قال فلان …، وهو خطأ، و …، هذا عندي مقبول.ولكن من صدق الرجل في الكتابة والرد هو أن يحاول أولا فهم الرأي المخالف الذي يرد عليه، وكيف ترد على ما لم تتصوره، فقد يكون هناك خطأ في تصورك فلا يكون ردك على الرأي المخالف، وإنما على الفهم المغلوط منه الذي حصل عندك لعدم عنايتك به!والكتاب يصدق عليه هذا الوصف في أهم محاوره التي ناقشها ورد فيها على المناطقة! وهو كما هو واضح من عنوانه في التعريف/الحد/الموصل إلى التصور عند أرسطو من تبعه من الإسلاميين، والرد عليهم.1. وجعل الباب الأول من كتابه في حقيقة الحد وقواعده، وستجد أنه لا يحمل تصورا صحيحا عن الحد المنطقي، فزعم أن مطلق الموصل عندهم منحصر في الحد المركب من الذاتيات، ولما وجد عندهم التعاريف الرسمية زعم أنهم لم يستطيعوا الالتزام بقاعدتهم في الحد! وأردفه بلوازم أخرى على حد فهمه الخاطئ. وزعم أن اعترافهم بعجز الإنسان عن إدراك حقائق الأشياء تناقض التزامهم في الحد بالذاتيات! وفوق ذلك جعل عجز الإنسان عن إدراك الذاتيات أصلا ليقول: ليس هناك فرق بين الذاتي والعرضي!! فجعل صعوبة التفريق أو استحالته دليلا على عدم وجود الفرق!2. وفوق هذا لم يعرف أن مطلق الموصل -سواء فيه الحد الأرسطي الذي يرد عليه صاحب الكتاب، أو الحد الجامع المانع الذي يرتضيه- لا يمكن أن يوصل إلى تصور جزئي حقيقي! ومن لا يعرف هذا لا يعرف ماذا يكون الحد/الموصل التصوري أصلا، وقد نقلت فيما سبق نقد صاحب الكتاب للحد الأرسطي بأنه لأجل التزامه بالذاتيات لا يفيد إلا مفاهيم كلية لا صلة لها بالجزئيات!! زاعما أن الحد الجامع المانع موصل إلي الجزئيات!!3. ثم تكلم في الباب الثاني عن الأصول الفلسفية التي قام عليها الحد الأرسطي، وذكر أنه مبني على أصول منها: إثبات المبادئ الفطرية، وزعم أن المبادئ الفطرية اثنان مبدأ الهوية ومبدأ السببية، ولم يفهم مبدأ الهوية! وقد نقلت هذا سابقا. 4. وذكر أن من أصوله الفلسفية القول بوجود الكليات في الخارج، ومبحث الكليات الطبيعية أهم محاور الكتاب، وعليه يبتني غالب ردوده على المنطق الأرسطي! ولم يفهم مقصود القوم من الكلي الطبيعي، فمع نقله من المناطقة أن الكلي هو الماهية من حيث هي هي أخذها بمعنى الماهية بقيد الإطلاق وبقيد العموم، وزعم أن تصريحهم بعدم الوجود الكلي في الخارج مناقض لقولهم بوجود الكلي الطبيعي في الخارج! وقد نقلت بعضا من كلامه فيما سبق. 5. ثم عقد الباب الثالث -وهو الباب الأخير- في بيان الآثار العلمية للحد الأرسطي، وهذا كما هو واضح مبني على البابين الأولين، فإذا ثبت الخطأ في المباحث الأصلية في البابين الأولين فلا غرو أن البناء عليهما بناء على الفاسد. ولا يقتضي الأمر شرحا وتعليقا حينئذ، على أني نقلت في المنشورات السابقة بعض الأوهام الغريبة التي وقع فيها صاحب الكتاب في هذا الباب أيضًا، وبها يتبين مستوى الرجل في الفن الذي تكلم فيه.6. هذا وإذا ضممت إلى هذا المنشور المنشورات التي تكلمت فيها -قبل هذا المنشور- عن الكتاب حصل لك تصور إجمالي عن وضع الكتاب إن شاء الله. 7. والكتاب يقع في 570 صفحة تقريبا، وما لم أذكره من المؤاخذات أكثر من التي ذكرتها، وأهم أسباب تركي لتلك المؤاخذات إما حاجتها إلى التمهيد والتوضيح، أو بعدها عن المقصود الأصلي. 8. ونظرا لاهتمامي بالمنطق القديم فلدي رغبة أن أطلع على ما كتب في نقد المنطق، سواء ممن تأثروا واتبعوا الشيخ ابن تيمية رحمه الله أو غيره، قبله أو بعده، وأنا ناظر وقارئ لهذا الصنف من الكتب إن شاء الله حسب الوسع والقدرة والفهم، وسأشارك القراء رأيي أحيانا في بعض ما يتعلق بها، فإن اقضى الأمر وناسب ووجدت مباحث مشتركة واعتراضات متشابهة سأرجع أحيانا إلى الكتب التي جاوزت قراءتها -منها لحد الآن الكتابان الحد الأرسطي لسلطان العميري، والنقد التيمي للمنطق للعريفي-، فالملف مفتوح، وكلامي في هذين الكتابين بل في هذا الصنف من الكتب لم ينته بعد، بل هذه بداية القصة. وقد جمعت من الكتب ما استطعت، وساعدني فيه بعض الأحباب، وألتمس ممن يوافقني في الرأي والغرض ويستطيع أن يزودني بمصادر وكتب في هذا المجال (أي في نقد المنطق) سواء باللغات الفارسية أو العربية أو الأردوية أو التركية أو الإنجليزية أو حتى باللغات الأجنبية الأخرى أكون شاكرًا له.

السابق
وثائق فيديو: عاجل: محمد شمس الدين (وكذا دمشقية والتلبنتي) يرجع عن الوهابية إلى الأشعرية ج٢ (هل الطبري “سلفي”؟)
التالي
هذا سند العلامة السيد السند الشريف الجرجاني رضي الله عنه إلى القاضي عضد الدين الصديقي الإيجي الشافعي رضي الله عنهما (منقول)