بسم الله
سألني بعض الأحباب أن أبين ما نسب إلى الإمام المزني من كتاب (شرح السنة)؛ فأقول في عجال سريعة:
1- وردت هذه الرسالة بإسنادين، ومدارهما على شخصٍ اسمه: علي بن عبد الله الحلواني، وهو مجهولٌ لا يُعرف له ترجمة.
2- في السند الذي أورده الذهبي وابن القيم لهذه الرسالة شخص اسمه: الحسن بن علي اليازوري، وهو مجهولٌ أيضًا.
3- في السند الثاني للرسالة (من طريق سعد بن علي الزنجاني) ثلاثة مجاهيل، وهم: أبو محمد الجلياني، وأبوه، وعبد الكريم بن معاذٍ بن كثير.
4- إسنادٌ بهذه الحالة لا يعتمد عليه في نقل مسألةٍ فقهيةٍ، فكيف بمسائل الاعتقاد؟
5- لو سلمنا جدلًا صحة هذه الرسالة؛ فما فيها لا يخالف عقائد الأشاعرة، بل فيها ما ينقض على التيمية أصولهم؛ فقد ورد فيها:
أ- فالخلق عاملون بسابق علمه، ونافذون لما خلقهم له من خير وشر، لا يملكون لأنفسهم من الطاعة نفعًا، ولا يجدون إلى صرف المعصية عنها دفعًا. اهـ
فتأمل؛ فإنه جارٍ على ما يقرره الأشاعرة في باب القدر، من أن الأفعال كلها بخلق الله وإرادته، وأنه ليس للعبد من الفعل إلا الكسب، وأن قدرة العبد يخلقها الله عند الفعل وتتعلق بالفعل ولا تؤثر فيه، ويخلق الله الفعل عندها لا بها؛ (فمن نفذ فيه ما خُلق له من الخير والشر، ولا يملك لنفسه فعل الطاعة ولا دفع المعصية) مع الاعتراف بوجود إرادة وقدرة بالضرورة بها يجد العبد نفسه مختارًا.. لا يكون فعله إلا لخالقه سبحانه وتعالى، وما نفع في التوكل والتسليم وتحقيق الرضا مثل هذا الاعتقاد.
ولا يقول قائلٌ: أنتم جبريةٌ؛ لأنا نقول له: الإجماع منعقد على أنه ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فما مشيئتك إلا تبعٌ لما شاء الله منك فعله، وما تركك إلا لما شاء الله منك تركه، سبحانه وتعالى يتصرف في خلقه كما شاء,.
ولا يقال: هذا يؤدي لترك التكاليف؛ لأنا نقول كما قال سيدنا رسول الله لما سئل بمثل ذلك: كلٌ ميسر لما خلق له؛ فالحريص لما يعتقد ذلك.. يخاف ويسكن ويركن لله ألا يكتبه عنده من المخذولين الذين يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
ب- خلق الخلق بمشيئته من غير حاجةٍ كانت. اهـ هذا ظاهرٌ في نفي تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض، وهو مذهب الأشاعرة، ومع ذلك: لحكمته لا يخلو شرعٌ ولا فعلٌ من حكمةٍ تعود عائدته على خلقه تفضلًا منه ورحمة، لا وجوبًا عليه.
ج- وجعل أكله (أي: أكل سيدنا آدم من الشجرة) إلى الأرض سبيلا؛ فما وجد إلى ترك أكلها سبيلا ولا عنه لها مذهبا. اهـ هذا يؤيد النقطة الأولى.
د- خلق للجنة من ذريته أهلًا؛ فهم بأعمالها بمشيئته عاملون وبقدره وإرادته ينفذون. اهـ تأكيدٌ على النقطة الأولى
هـ – الإيمان قول وعمل، لا إيمان إلا بعملٍ ولا عمل إلا بإيمان. اهـ هذا جري على بيان الإيمان الكامل الذي يريد بيانه عامة أهل الحديث، وهذا لا يخالف الأشاعرة فيه، لأن كلام الأشاعرة في بيان أصل الإيمان؛ فلابد فيه من الإذعان القلبي المسمى بالتصديق، ثم إذا دُعي إلى النطق بالشهادتين.. وجب عليه أن ينطق؛ فإن أبى.. كان إباؤه دليلًا على عدم الإذعان القلبي ؛ فليس بؤمنٍ أصلًا.
ويؤيد كلام الاشاعرة: حديث (لم يعمل خيرًا قط) وحديث (من غير عملٍ عملوه ولا خيرٍ قدموه) وهذه نكراتٌ في سياق العموم فتعم، وكذا قوله تعالى: (آمنوا وعملوا الصالحات) فعطف العمل الصالح على الإيمان يدل على المغايرة بينهما؛ لأن هذا هو الشأن في المتعاطفين، ولو قيل: هو من عطف الخاص على العام.. لم يكن حجةً؛ لأنا نقول: عطف الخاص على العام الغرض منه بيان فضيلة الخاص، ونحن لا ننكر هذه الفضيلة، بل نقول بها ونقر.
فالحاصل: أن كلام المحدثين في بيان الإيمان الكامل الذي هو يزيد وينقص، وكلام المتكلمين في بيان أصل الإيمان الذي لو نقص منه أدنى شيء.. كفر.
ز- ﻭﻛﻠﻤﺎﺕ اﻟﻠﻪ، ﻭﻗﺪﺭﺓ اﻟﻠﻪ، ﻭﻧﻌﺘﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻛﺎﻣﻼﺕ ﻏﻴﺮ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎﺕ، ﺩاﺋﻤﺎﺕ ﺃﺯﻟﻴﺎﺕ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﺑﻤﺤﺪﺛﺎﺕ ﻓﺘﺒﻴﺪ، ﻭﻻ ﻛﺎﻥ ﺭﺑﻨﺎ ﻧﺎﻗﺼﺎ ﻓﻴﺰﻳﺪ. اهـ هذا يخالف عقيدة التيمية من أن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد؛ فإن الإمام يتكلم عن (كلمات الله) التي هي آحاد صفة الكلام، وقد وصفها الإمام بأنها أزليات.
أيضًا؛ فإن قوله: (ولا كان ربنا ناقصا فيزيد) ينقض عليهم كلامهم في مسألة الاستواء (باعتباره صفة فعل) فإن العرش والسماء حادثان، فيلزم أنه لم يكن مستويًا فاستوى، أي: لم يكن متصفًا بكمالٍ ثم اتصف به، وهذا ينافي كلام الإمام من أنه تعالى ما كان ناقصًا فيزيد.
أما الاشاعرة؛ فيثبتون الاستواء صفة لله تعالى بلا كيف، ويعتقدون أنه صفة سلبيةٌ (لنفي الحلول والاتحاد) وهذا مرادنا ومراد السلف من إثبات صفة العلو (أعني الرد على الجهمية القائلين بأنه تعالى في كل مكان) هذا وقد صرح أئمة السلف بنفي المكان عنه تعالى، بل وصرح الطبري بأن استواءه وعلوه علو قهر وسلطان، وقد نقل القاضي حسين عن الشافعي أن من قال بأن الله جالس على العرش فقد كفر.
ثم إنه نقل عن المزني عدة مسائل في الاعتقاد، منها:
1- ما أخرجه الذهبي في السير عن عمرو بن تميم المكي عن محمد بن إسماعيل الترمذي قال: سمعت المزني يقول: لا يصح لأحد توحيدٌ حنى يعلم أن الله على العرش بصفاته، قلتُ: مثل اي شيء؟ قال: سميع بصير عليم قدير. اهـ
وهذا إسناد ضعيف؛ لأن عمرو بن تميم هذا مجهولٌ، ثم إني لم أرَ أحدًا ذكر المزني من شيوخ محمد بن إسماعيل (ولا أجزم بهذا).
ولو صح الإسناد؛ فلا حرج؛ لأنَّا نقول أيضًا: الرحمن على العرش بصفاته، ومن أنكر ذلك كفر؛ إذ فيه إنكار آيةٍ من القرآن، لكن ما المراد بكونه تعالى على العرش؟ هذا هو محل النزاع؛ فنحن نفوض وننفي الجهة والمكانية، ونقول بالعلو، وغيرنا يثبت القعود والجلوس.
مصطفى أحمد عبد النبي أبو حمزة الشافعي