‘‘‘‘‘تعليق ابن السبكي على فتوى ابن الصلاح ويتضمن فتوى والده الإمام تقي الدين السبكي أيضاً وغيره:
قال تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى وأعلى درجاته (1) :
“واعلم أن الإمام حجة الإسلام أبا حامد الغزالي سقى الله عهده افتتح كتاب المستصفى بقواعد منطقية، وقال: “هذه مقدمة العلوم كلها ومن لا يحيط بها، فلا ثقة له بمعلومه أصلاً”.
واختلف أهل العلم والدين بعهدهم، فذكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أنه سمع الشيخ العماد بن يونس يحكي عن الإمام يوسف الدمشقي، أنه كان ينكر هذا القول ويقول: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان، يعني: أن أولئك السادة عظمت حظوظهم من العلم واليقين، ولم يحيطوا بهذه المقدمة وأشباهها، ثم أفتى ابن الصلاح بتحريم الاشتغال بالمنطق، وقال: هو مدخل الفلسفة، ومدخل الشر شر، وليس الاشتغال بتعليمه وتعلمه مما أباحه الشارع، ولا استباحه أحد من الصحابة والتابعين، والأئمة المجتهدين، والسلف الصالحين، وسائر من يقتدى بهم من أعلام الأمة وسادتها، وأركان الأمة وقادتها قد برّأ الله الجميع من معرفة ذلك وأدناسه، وطهرهم من أوضاره.
وأما استعمالات الاصطلاحات المشنعة المنطقية في مباحث الأحكام الشرعية فمن المنكرات، وليس بالأحكام الشرعية والحمد لله افتقار إلى المنطق أصلاً، وما يزعمه المنطقي للمنطق في أمر الحد والبرهان، فقاقيع قد أغنى الله
__________
(1) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تأليف تاج الدين السبكي (727-771هـ)، نشر عالم الكتب 1999م، ط1 (1/278).
********************************
عنها كل صحيح الذهن، لا سيما من خدم نظريات العلوم الشرعية، ولقد تمت الشريعة وخاض في بحر الحقائق والدقائق علماؤها، حيث لا منطق. انتهى وتابعه غير واحد ممن بعده.
ورأيت في المسائل التي سألها يوسف بن محمد بن مقلد الدمشقي، الشيخ الإمام أبا منصور العطاردي المعروف بـ “حضرة”: هل يجوز الاشتغال بالمنطق، أم هو دهليز الكفر؟
أجاب: المنطق لا يتعلق به كفر ولا إيمان، ثم قال: إن الأولى ألا يشتغل به، لأنه لا يأمن الخائض فيه، أن يجرَّه إلى ما لا ينبغي. انتهى.
ونحن نقول: قول يوسف الدمشقي: “:أبو بكر وعمر وفلان وفلان”، المتقدم كلام لا حاصل له، فإن أبا بكر وعمر أحاطا بهذه المقدمة إحاطة لم يصل الغزالي وأمثاله إلى عشر معشارها، ومن زعم أنهما لم يحيطا بها، فهو المسيء عليهما، والذي نقطع به أنها كانت ساكنة في طباع أولئك السادات، وسجيَّة لهم، كما كان النحو الذي ندْأَبُ نحن اليوم في تحصيله.
وما ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ليس بالخالي عن الإفراط والمبالغة، فإن أحداً لم يدع افتقار الشريعة إلى المنطق، بل قصارى المنطق عصمة الأذهان التي لا يوثق بها عند الغلط، وهو حاصل عند كل ذي ذهن لمقدار ما أوتي من الفهم، وأما ترتيبه على الوجه الذي يذكره المنطقي، فهو أمرٌ استحدث، ليرجع إليه ذو الذهن إذا اشتبهت الأمور، وهل المنطق للأذهان إلا كالنحو للسان، وإنما احتيج للنحو وصار عِلْماً برأسه عند اختلاط الألسنة، وكذلك المنطق، يدعي الغزالي أن الحاجة اشتدت إليه عند كلال الأذهان واعتوار الشبهات.
وقوله: “لقد تمت الشريعة حيث لا منطق”، إن أراد حيث لا منطق مودعٌ في الكتب على هذه الأساليب فصحيح، ولا يوجب تحريم هذا، ولا الغض منه، وإن أراد حيث لا منطق حاصلٌ لهم، وإن لم يعبَّر عنه بهذا الوجه فممنوعٌ كما ذكرناه.
فإن قيل: ماذا تفتون به في المنطق؟
قلت: نحن نذهب إلى ما أفتى به شيخ المسلمين وإمام الأئمة ، الذي خضعت له الرِّقاب، وهو أبي – تغمده الله برحمته – حيث قال، وقد سئل عن ذلك: ينبغي أن يقدم على الاشتغال به الاشتغال بالقرآن والسنة والفقه حتى يرسخ في الذهن تعظيم الشريعة وعلمائها، فإذا تمَّ ذلك، وعلم المرء من نفسه صحة الذهن، حتى لا تروج عليها الشبهة، ولقي شيخاً ناصحاً حسن العقيدة جاز له والحالة هذه الاشتغال بالمنطق، وانتفع به وأعانه على العلوم الإسلامية. قال: وهو من أحسن العلوم وأنفعها في كل بحث، قال: وفصل القول فيه إنه كالسيف يجاهد به شخص في سبيل الله، ويقطع به آخر الطريق” اهـ.
وكلام الإمام تاج الدين السبكي هنا ليس بحاجة إلى تعليق بل هو يحتوي خلاصة المعاني.’’’’’’
كذا في : تدعيم المنطق ص277 لشيخنا العلامة سعيد فودة.