شبهات حول التصوف والصوفية

تصحيح خطأ تاريخي…. دفاعا عن سيدي أحمد البدوي -رضي الله عنه-.(مقال هام لأبي صهيب الحجيري حول التشكيك بقصة أن البدوي كشف عورته بعد خطبة الجمعة في المسجد، ثم بال على حصر المسجد…)

وقفت على نص نقله الحافظ السخاوي في كتابه (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع)، ينقله عن تقي الدين المقريزي المؤرخ، وفي النص يزعم فيه أن السيد البدوي -رضي الله عنه- كشف عورته بعد خطبة الجمعة في المسجد، ثم بال على حصر المسجد، ثم وضع رأسه في طوقه ولم يصل مع الناس صلاة الجمعة.
وستجدون نص المقريزي مصورا مرفقا بهذا المنشور.
وقد طار بهذه الرواية الوهابية والعلمانيون شرقا وغربا، وطعنوا في دين السيد البدوي وصلاحه وولايته بل اغتر بها بعض الصوفية وظن أن السيد البدوي -رضي الله عنه- كان من المجاذيب.
ودفعا لهذه الفرية ألهمني الله -تعالى- أن أحقق هذه الرواية، وأكشف زيفها وخلطها، حتى وإن تتابع الحفاظ على نقلها عن المقريزي.
فأقول مستعينا بالله -تعالى-:
هذه الرواية التي ذكرها المقريزي –رحمه الله تعالى- في كتابه (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة).
وذكر سنده أنه رواها عن شيخه شمس الدين الغماري، عن شيخه أبي حيان الأندلسي، وكان بصحبتهم الأمير نَاصِر الدّين مُحَمَّد بن جنكلي.
هذه الرواية إما أنه غالط فيها غلطا فاحشا، وإما أن هذه الرواية مدسوسة عليه.
وذلك لما يأتي:
أولا: ذكرت كتب التراجم أن السيد أحمد البدوي -رضي الله عنه- توفي في سنة (675 هـ)
فقد الإمام الشعراني في (الطبقات) وذكر الحافظ السيوطي في (حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة) (1/ 522) في ترجمة السيد البدوي فقال: (( توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول سنة خمس وسبعين وستمائة)).
ثانيا: العلامة أبو حيان الأندلسي –رحمه الله تعالى- دخل إلى مصر بعد وفاة سيدي أحمد البدوي إما (بأربع سنوات) أو (بثلاث سنوات).
فأبو حيان الأندلسي دخل مصر سنة (679 هجري) على حسب ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني –رحمه الله تعالى- في ترجمته:
فقد قال في “الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة” (6/ 59):
وقدم أبو حيان سنة (679 هجري) فأدرك أبا طاهر المليجي وكان آخر من قرأ على أبي الجود فقرأ عليه وحضر مجلس الشيخ شمس الدين الأصبهاني.
فقد كان بداية رحلة أبو حيان من الأندلس في سنة (677 هجري)، أي بعد وفاة السيد البدوي (بسنتين) فقد ذكر الحافظ الحسيني في “ذيل تذكرة الحفاظ”(ص: 14) فقال:
(ثم ارتحل عن الأندلس في أول سنة سبع وسبعين وسمع بسبتة وبجاية وتونس والإسكندرية وقرأ بها القراآت أيضًا، وحج في هذه السنة فسمع بمكة ومنًى ورجع على جدة فسمع بها وبعيذاب وقوص، ثم قدم مصر في سنة ثمانين وستمائة فسمع بها الكثير من مشيخة وقته).
بل إن المؤرخ المقريزي (نفسه) ذكر أن أبا حيان الأندلسي دخل مصر سنة (679 هجري) أي بعد وفاة السيد البدوي -رضي الله عنه- (بأربع سنوات).
فقد قال المقريزي في “المقفى الكبير” (7/ 271):
3600 – الأثير أبو حيّان الأندلسيّ النحويّ [654 – 745]
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان، الشيخ أثير الدين، أبو حيّان، ابن أبي الحجّاج، المطخشارشيّ، النفزيّ، الأندلسيّ، الجيّانيّ الأصل، الغرناطيّ المولد، الإمام الأوحد، الأبرع، العلّامة، الحافظ، المتبحّر في علم القرآن، والحديث، والعربيّة، واللغة، والأدب، والتاريخ.
ولد بغرناطة في أواخر شوّال سنة أربع وخمسين وستّمائة. وقرأ ببلده القرآن الكريم بالروايات على المقرئ النحويّ أبي محمد عبد الحقّ بن عليّ الأنصاريّ، وعلى أبي جعفر أحمد بن عليّ بن الطبّاع، وأبي علي الحسن بن عبد العزيز بن أبي الأحوص.
وقرأ بالإسكندريّة على أبي محمد عبد النصير بن عليّ المريوطيّ، وبمصر على أبي طاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المليجي، بقراءته على أبي الجود غياث بن فارس اللخميّ، في سنة (أربع وستّمائة).
ورحل في ذي الحجّة سنة ثمان وسبعين وستّمائة، فوقف في رحلته، وقدم الإسكندريّة في جمادى الآخرة سنة تسع وسبعين وستّمائة.
تنبيه: قوله: (وبمصر على أبي طاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي المليجي، بقراءته على أبي الجود غياث بن فارس اللخميّ، في سنة (أربع وستّمائة).
هذه السنة المذكورة (604ه) هو تاريخ قراءة أبي طاهر المليجي على أبي الجود اللخمي.
ثالثا: الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلي المذكور في الرواية ولد سنة (697ه) أي بعد وفاة السيد البدوي –رضي الله عنه- باثنين وعشرين سنة (22) سنة، فكيف أخذ هذا الأمير معه أبا حيان الأندلسي وقابلا البدوي وهو مولود بعد وفاة السيد البدوي (22) سنة، وكيف قابل أبو حيان الأندلسي السيد البدوي وهو دخل مصر بعد وفاة السيد البدوي (بأربع أو ثلاث) سنوات.
وهذا والله ما ذكره تقي الدين المقريزي نفسه فقد قال في ترجمته في “المقفى الكبير” (5/ 274):
(محمد بن جنكلي بن محمد بن البابا بن جنكلي بن خليل، ناصر الدين، الفقيه، الأديب، الحنبليّ، أحد أمراء مصر، ولد في سنة سبع وتسعين وستّمائة).

وذكر المؤرخ والأديب صلاح الدين الصفدي في ترجمة الأمير ناصر الدين محمد بن جنكلي في “أعيان العصر وأعوان النصر” (4/ 380) فقال:
وتوفي -رحمه الله تعالى- في شهر رجب الفرد سنة إحدى وأربعين وسبع مئة..
ومولده سنة سبع وتسعين وست مئة.
وذكر الحافظ ابن حجر نفس ما ذكره الصفدي ففي “الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة” (5/ 155):
– محمد بن جنكلي بن محمد بن البابا بن خليل بن جنكلي بن عبد الله ولد سنة (697ه) بديار بكر وقدم مع والده القاهرة سنة (703ه).
قلت: يعني أن محمد بن جنكلي دخل مصر مع والده بعد وفاة السيد البدوي -رضي الله عنه- بـــــــ (8) سنوات.
وفي “طبقات المفسرين” للداوودي (2/ 118):
469 – محمد بن جنكلى بن محمد بن البابا بن جنكلى بن خليل ناصر الدين.
الفقيه الأديب الحنبلي، أحد أمراء مصر، ولد في سنة سبع وتسعين وستمائة.

مما سبق يتبين لكل ذي عينين أن هذه الرواية التي ذكرت في كتاب (درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة)، إما رواية مكذوبة ومدسوسة على المقريزي، وإما أن المقريزي غلط غلطا فاحشا في نسب هذه الرواية الغير صحيحة، على حسب ما ذكرناه وحققناه عن المقريزي نفسه من كتبه.
وأن من نقل هذه الرواية من بعده من المؤرخين كالحافظ السخاوي -رحمه الله تعالى- قد قلد المقريزي بدون تثبت فيما ذكره المقريزي -ولله في خلقه شئون-

هذا وإني أعد هذا البحث التاريخي كرامة للسيد أحمد البدوي -رضي الله عنه- ألهم الله -تعالى- به العبد الفقير، أن أتقصى سند هذه الرواية وتواريخها، فكان هذا التحقيق، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد وصحب سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.
ورضي الله عن سيدي أبي الفتيان السيد أحمد البدوي ونفعنا الله به في الدينا والآخرة.

كتبه/ أبو صهيب الحجيري فتحي بن سعيد بن عمر الحجيري الأزهري الشاذلي
في صبيحة يوم الأحد الموافق الثاني من شهر المحرم سنة (1441هجري).
1/9/2019م
لتحميل هذا التحقيق بصيغة pdf من على هذا الرابط
https://drive.google.com/file/d/1xQj8QUMekRJC7WhdDxnAIJBy_3uT0wIc/view?fbclid=IwAR38QX9ITZrRMONl-Z4BwO1ZKenwtotIS8KkTh1RKOcU0W-nyPMtvtdIeos

السابق
فتوى الإمام ابن الصلاح في المنطق وتعليق ابن السبكي عليها
التالي
سلسلة عقيدة الإمام مالك:1 (روابط منشورات قيمة لأخينا الشيخ ياسين بن الربيع وفقه الله)