شبهات حول التصوف والصوفية

كتاب تنبيه الفكر إلى حقيقة الذكر للشيخ محمد أديب كلكل (منقول)

هذا كتاب جليل نافع، لمؤلفٍ لم تجُد البلادُ بعده بمثله، سيدي الشيخ العلامة المربّي بحاله وقاله محمد أديب كَلْكَل الحَمَويّ الشافعيّ، شيخ السادة الشافعية في الديار الحموية، وصاحب المؤلفات النافعة التي تفوح إخلاصًا وقَبولًا، وقد كان جلّ تآليفه رحمه الله تعالى من جوف الليل، حيث يصلي ما كتب الله له أن يصلي، ويخلو بربه جل جلاله، ثم يكتب ما يفتح الله تعالى له، وهذا ما أحسبه أسهم في قبول مؤلفاته ولمسِ نفَس الإخلاص فيها.

كتابه هذا وَسَمه بـ”تنبيه الفكر إلى حقيقة الذكر”، فأوضح ما فيه؛ فإنه تنبيه إلى حقيقة ذكر ربنا جل جلاله، وما يتعلق به من مسائل، وجّهه للجميع، فقال في مقدمته:
«وكنت أقصد في ذلك فريقين من الناس:
الفريق الأوّل: الذي هجر ذكرَ الله تعالى، وحارَبَ أهلَه بحُجّة مطاردة البدع، فقسا منه القلبُ، وأظلم منه الفؤاد، وثقُلَت منه الروح، واستولى عليه حبُّ الدنيا، ووقع أسيرَ مجالس اللهو واللغو، ليجدَ الأدلةَ الناصعةَ والبراهين القاطعة، التي تنبّهه من غفلته، وتأخذ بيده إلى النور، حيثُ مجالسُ الذكر الشرعيّ، التي تحفّها الملائكةُ وتغشاها الرحمةُ، وتتنزّل عليها السكينةُ، ويذكرُ الله أهلَها فيمن عنده.

والفريق الثاني: هم الإخوة المؤمنون الصادقون الذين أُشرِبَت أفئدتُهم حلاوةَ الإيمان، وتولّهت قلوبُهم بذكر الله، ويَهُمُّهم أمرُ عبادتهم؛ لأنهم يريدون أن تكون موزونةً بميزان الشرع، وأن يعبدوا الله على علمٍ وبصيرة، ويُحاذروا الانحرافَ عن الجادّة، والانتصارَ للأهواء، والتعصّبَ للأشخاص؛ لئلا يسيئوا إلى الذكر، ويشوّهوا حقيقته، لأنّهم أيقنوا أنّ معرفة الرجال بالحقّ هو الأصل، لا الحقِّ بالرجال». انتهى.
فهو بحقٍّ تنبيهٌ للفكر، إلى حقيقة الذكر.

وحسبُك إشادةً بهذا الكتاب، ما قاله شيخُ البلاد دون نزاع أو عناد: العلامة الشيخ محمد الحامد، فقد كان مما كتب للمؤلف:
«فقد أجدتَّ وأفدتَّ فيما كتبتَ أيّها الأخُ الناصح، وإنّ هذا الذي تدعو إليه جماعةَ الذاكرين هو المَهْيَعُ السليم، والصراطُ المستقيم، والمحجّةُ البيضاءُ الواضحة، وجديرٌ بكلّ مشفقٍ على دينه من النقص أن يعتدّ بهذه النصيحة، ويُحِلَّها مَحَلَّها من القَبول ثم العمل..».

وكما جرت سنّة الله في خلقه، فإنّ رضاء الناس غايةٌ لا تدرك، ولو كان للناس أن يجتمعوا لاجتمعوا على خالقهم، وعلى نبيّهم ﷺ، ولكنهم لا يزالون مختلفين، وأيضًا لا بدّ للجاهل من إنكارٍ يدلّ على أنه جاهل، ولا بدّ للعالِم من غضّ طرف يدلّ على أنه عالِم!
وقد أصاب المؤلفَ شيءٌ من ذلك، فقد قال في مقدمته:
«واتُّهِمتُ -أثناء ذلك- من قِبَل بعض الجاهلين المتعصّبين للأشخاص والآراء ممّن يتَّسِمون بسِيْما أهلِ العلم: بأنّي عدوٌّ لأهل الذكر، وعدوٌّ للتصوّف وأهله، وأنّ لديّ نزعاتٍ منحرفة، وأفكارًا شاذّةً تتبنّاها جهاتٌ معيّنة!..». انتهى.

ولكنّ الله أعلىٰ وأجلّ، ورضاه هو الغاية العظمىٰ، والمقصد الأسمىٰ، فإنّنا نقرّ ما هو من دين الله عز وجل على ما هو عليه، وننكر الدخيلَ ولا كرامة، ونحفظ للصالحين حقّهم واحترامهم وإجلالَهم، بل إنّ إنكار الدخيل إنما هو المتعيّن المترتّب على كل من يحب الصالحين ويرجو أن يحشر معهم، فإنّ هذا أمرٌ من سيّد الصالحين وإمام المصلحين ﷺ.
وإذا كنّا ننكر على بعض المعاصرين خروجَهم عن منهج الأمة، وانسلاخَهم عن المذاهب الأربعة المتّبَعة، فما عسانا نقع فيما ننكر، ونخرج عن هذا المنهج القويم السليم، الذي حفظ دين الأمة على مدى القرون؟!
ثمّ حسبك أن المؤلف إنما هو من داخل البيت، بل هو من أربابه، ومن قرأ سيرته وأخباره: عرف قدره ومقامَه، وأنه ممن تُحكى ولايتُه! وذلك فضلُ الله يؤتيه من يشاء.

وقد طبع هذا الكتاب أوّل ما طبع سنة ١٣٨٧، ثم زاد عليه مؤلفه زيادات هامّة، وأخرجه بحلة جديدة قشيبة سنة ١٤١٥، بعد قريب من ثلاثين سنة، وقد بحثت في هذه العوالم الافتراضية عن هذا الكتاب فلم أجده، إلى أن أرشدني إليه بعض الإخوة المنقّبين الكرام، فوجدت أن المرفوع منه إنما هي الطبعة الأولى، أما الثانية فليست موجودة وهي مزيدة بنحو أربعين صفحة، فعزمت على تصويره، فدفعته لبعض الإخوة لتصويره بالأجرة، وهأنا ذا أرفعه ليتيسر بين أيدي الناس.

ولا بدّ لهذا الفقير من كلمة في محاولةٍ لجَبّ الغيبة عن نفسه، مع أنه يدّعي أنه لا يهمه في سبيل البيان شيء، ولكن لا أقل من الإيضاح، فأقول: إنّ هذا الكتاب كما يدافع عن أهل الذكر، ويدحض عنهم شبهةَ الابتداع، ويقرّر المشروع من هذه المسائل، فإنّه يقرّر حرمةَ بعض ما يعتري هذه المجالس مما أنكره أهلوها وأئمتها ابتداءً، والمحبون لأهلها تبعًا، وإنني من أبناء أهل الذكر، ومن حضّار مجالسهم، وما يزال مجلس الذكر عندي أعلى المجالس، ولأجل ذلك فلا بدّ من التنبيه إلى خطر ما قد يعتري هذه المجالس من كَدَرٍ يعكّر صفوها، فإنها أصفى المجالس وأعلاها، وإنها فسحة الدنيا إلى الجنة، والسكوت عن الكدر كدرٌ مثله، وإنما السيل اجتماع النقط!

السابق
عقيدة السلف والسلفية الوهابية في الضحك (منقول)
التالي
من البدع العقدية التي ابتدعها مدَّعو السلفية (منقول)