التأويل

تفسير الصفات المتشابهة بلازمها وهي التي ظاهرها حلول الحوادث بذاته تعالى (2)/ منقول

السابق:
https://web.facebook.com/yacine.ben.rabie/posts/3156353801265901
تابع لمناقشة كلام المعترض حول المجيء…الخ:
((و “مجيء أمره”، فالله لما أراد ” مجيء أمره” بيّن فقال
” إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ “، ولمّا أراد ” المجيء الحقيقي” قال
” وَجَاءَ رَبُّكَ”، فمن زعم أن المجيء لازِمٌ له الانتقالُ جهل لسان العرب،
وإلا فإن العرب قالت جاء الرجُل وجاء المطر وجاء النّوم،
فهل الانتقال في كل هذه لازِمٌ غيرُ منفك فيها ؟
فمن عطَّل ضاق به اللسان والوضع))..الخ كلامه
التعقيب:
• قول المعترض: ((ولمّا أراد ” المجيء الحقيقي” قال “وَجَاءَ رَبُّكَ”))..وجوابه:
قال العلامة الراغب: ((جاء يجيء ومَجِيئا، والمجيء كالإتيان، لكن المجيء أعمّ، لأنّ الإتيان مجيء بسهولة، والإتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول، والمجيء يقال اعتبارا بالحصول، ويقال: جاء في الأعيان والمعاني، ولما يكون مجيئه بذاته وبأمره، ولمن قصد مكانا أو عملا أو زمانا، قال الله عزّ وجلّ: }وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى{ [يس:20]، }وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ{ [غافر:34]، }وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ{ [هود:77]، }فَإِذا جَاءَ الْخَوْفُ{ [الأحزاب:19]، }إِذا جَاءَ أَجَلُهُمْ{ [يونس:49]، }بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي [الزمر:59]، }فَقَدْ جاؤُوا ظُلْماً وَزُوراً{ [الفرقان:4]، أي: قصدوا الكلام وتعدّوه، فاستعمل فيه المجيء كما استعمل فيه القصد، قال تعالى: }إِذْ جَاؤُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ{ [الأحزاب:10]، }وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا{ [الفجر:22]، فهذا بالأمر لا بالذات، وهو قول ابن عباس رضي الله عنه…)) [المفردات في غريب القرآن (ص:212)]..
وقال العلامة محمد الطاهر بن عاشور: ((وَإِسْنَادُ الْمَجِيءِ إِلَى اللَّهِ إِمَّا: مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، أَيْ: جَاءَ قَضَاؤُهُ، وَإِمَّا: اسْتِعَارَةٌ بِتَشْبِيهِ ابْتِدَاءِ حِسَابِهِ بِالْمَجِيءِ، وَأَمَّا إِسْنَادُهُ إِلَى الْمَلَكِ فَإِمَّا حَقِيقَةٌ، أَوْ عَلَى مَعْنَى الْحُضُورِ وَأَيًّا مَا كَانَ فَاسْتِعْمَالُ “جَاءَ” مِنِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي مَجَازِهِ وَحَقِيقَتِهِ، أَوْ فِي مَجَازَيْهِ)) [التحرير والتنوير (30/337-338)]..إذن: فالمجيء لغة:

  1. مجيء حسي = حقيقي = الانتقال…
  2. مجيء معنوي = مجازي…
    فحمل المجيء على حقيقته في حقه تعالى = نسبة الانتقال والحركة لله = تجسيم..
    فأمام المعترض إما:
  3. التجسيم !
  4. أو التأويل بضوابطه = “عين التعطيل” عنده !
  5. أو التفويض مع التنزيه أي: إحالة المعنى الحقيقي للفظ = “الحقيقة غير مرادة” وليس كما يدندن !
  6. أو يذكر معنى حقيقة الاتيان في حقه تعالى من دون لف ولا دوران كما يقال، ليبين كيف نفى متكلمة أهل السنة هذا الكمال المزعوم عن ربهم !
    • قول المعترض: ((فمن زعم أن المجيء لازِمٌ له الانتقالُ جهل لسان العرب…)) والجواب:
    مَن قال مِن متكلمة أهل السنة أن المجيء لا يكون إلا بنقلة حتى يكون لهذا الزعم معنى؟!!!..نتحدى المعترض أن يثبت صحة هذه الدعوى العريضة من كلامهم؟!!! أم تراه يحسب حقا أن كبار متكلمة أهل السنة لا يفرقون بين معنى “المجيء” من ناحية الوضع الحقيقي في اللغة = الانتقال، وبين معانيه الأخرى المجازية في سياق كلام؟!!!…ثم كيف يزعم أن حقيقة المجيء مرادة في حقه تعالى ثم يستدل لهذه الدعوى العريضة بإيراد معانيه المجازية ؟!!!…
    قال الإمام القرطبي: ((قَوْلُهُ تَعَالَى: }وَجاءَ رَبُّكَ{[الفجر:22] أَيْ: أَمْرُهُ وَقَضَاؤُهُ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَهُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ. وَقِيلَ: أَيْ جَاءَهُمُ الرَّبُّ بِالْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: }إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ{[البقرة:210]، أَيْ بِظُلَلٍ. وَقِيلَ: جَعَلَ مَجِيءَ الْآيَاتِ مَجِيئًا لَهُ، تَفْخِيمًا لِشَأْنِ تِلْكَ الْآيَاتِ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْحَدِيثِ: “يَا بْنَ آدَمَ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، وَاسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي، وَاسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي”. وَقِيلَ: “وَجاءَ رَبُّكَ” أَيْ: زَالَتِ الشُّبَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، وَصَارَتِ الْمَعَارِفُ ضَرُورِيَّةً، كَمَا تَزُولُ الشُّبَهُ وَالشَّكُّ عِنْدَ مَجِيءِ الشَّيْءِ الَّذِي كَانَ يُشَكُّ فِيهِ. قَالَ أَهْلُ الْإِشَارَةِ: ظَهَرَتْ قُدْرَتُهُ وَاسْتَوْلَتْ، وَاللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُوصَفُ بِالتَّحَوُّلِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَّى لَهُ التَّحَوُّلُ وَالِانْتِقَالُ، وَلَا مَكَانَ لَهُ وَلَا أَوَانَ، وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ وَقْتٌ وَلَا زَمَانٌ، لِأَنَّ فِي جَرَيَانِ الْوَقْتِ عَلَى الشَّيْءِ فَوْتُ الْأَوْقَاتِ، وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ فَهُوَ عَاجِزٌ)) [تفسير القرطبي (20/55)]..
    وقال العلامة الفخر الرازي عند قوله تعالى: }وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا{[الفجر:22]: ((وَاعْلَمْ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ أَنَّ الْحَرَكَةَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ، لِأَنَّ كُلَّ مَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ جِسْمًا وَالْجِسْمُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ أَزَلِيًّا فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّأْوِيلِ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، ثُمَّ ذَلِكَ الْمُضَافُ مَا هُوَ؟ فِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: وَجَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ بِالْمُحَاسَبَةِ وَالْمُجَازَاةِ، وَثَانِيهَا: وَجَاءَ قَهْرُ رَبِّكَ كَمَا يُقَالُ: جَاءَتْنَا بَنُو أُمَيَّةَ أَيْ: قَهْرُهُمْ، وَثَالِثُهَا: وَجَاءَ جَلَائِلُ آيَاتِ رَبِّكَ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ تَظْهَرُ الْعَظَائِمُ وَجَلَائِلُ الْآيَاتِ، فَجُعِلَ مَجِيئهَا مَجِيئًا لَهُ تَفْخِيمًا لِشَأْنِ تِلْكَ الْآيَاتِ…) [مفاتيح الغيب (31/159)]..الخ كلام أيمة الإسلام..
    فأنت ترى بأن علماء أهل السنة وحتى المتكلمة منهم – على حد تعبير المعترض – وقد اكتفينا بذكر كلام بعضهم: ينفون المعنى الحقيقي للمجيء في حقه تعالى = الانتقال، ثم يجتهدون في إيراد معانيه الأخرى المجازية الجائزة في حقه تعالى..
    فما محل كلام المعترض من الإعراب!!!…
    • أما استشهاد المعترض بكلام الشيخ سالمَ بن عَدُّود والذي تبع فيه هذا الأخير مذهب الشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب “أضواء البيان”، فأنصحه إن لم يفعل بمطالعة ردود علماء شنقيط عليهما، ومن هذه الردود “المناقشات والردود على نظمي العقيدة للشيخ عدُّود” للشيخ أبا بن الحسين بم محمذ بن حيمود الجكني وغيرها من الردود..
    والله الموفق..
السابق
تفسير الصفات المتشابهة بلازمها وهي التي ظاهرها حلول الحوادث بذاته تعالى (3)/ منقول
التالي
فذلكة تاريخية عن الإمام الطاهر العبيدي (منقول)