مقالات قيمة في الفقه

المسائل التي رجحها الشافعية من المذهب القديم للإمام الشافعي (منقول)

المسائل التي رجحها الشافعية من المذهب القديم للإمام الشافعي
(مقال قيم منشور على موقع الشبكة الفقهية)

https://m.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/1118194618294559/?sfnsn=scwspmo&ref=share

هل اعتمدَ فقهاءُ الشافعيَّةِ أقوالاً قديمةً للإمام ؟
هذه قضيةٌ شغلتْ كثيراً من فقهاءِ الشافعيَّةِ ، وهي أن بعضَ الأصحابِ اختارَ أقوالاً قديمةً للإمامِ ورجَّحَها على الجديدِ ، قال ابن الصلاح (ت643هـ) :
(كلُّ مسألةٍ فيها قولانِ : قديمٌ وجديدٌ ، فالجديدُ أصحُّ وعليه الفتوى إلا في نحو عشرينَ مسألةً أو أكثرَ يفتى فيها على القديم ، على خلافٍ في ذلك بين أئمةِ الأصحابِ في أكثرِها ، وذلك مفرَّقٌ في مصنفاتهم..) ([1]) ثم ذكر أن أول من نبَّه على ذلك إمام الحرمين(ت478هـ) : (وقد قال الإمام أبو المعالي ابنُ الجويني في « نهايته » : قال الأئمة : كلُّ قولين أحدُهما جديدٌ فهو أصحُّ من القديم إلا في ثلاثِ مسائلَ : وذكرَ منها مسألةَ التثويب في أذانِ الصبح ، ومسألةَ التباعدِ عن النجاسةِ في الماء الكثير ، ولم يَنُصَّ على الثالثة ، غير أنه لما ذكر القولَ بعدم استحبابِ قراءَةِ السورةِ بعدَ الرَّكعتينِ الأُوْلَيَيْنِ وهو القولُ القديمُ ذَكَرَ أنَّ عليهِ العملَ ، وفي هذا إشعارٌ بأنَّ عليه الفتوى )([2]).
ثم يعلِّلُ ابنُ الصلاح(ت643هـ) سببَ اعتمادِ بعض أصحابِ الشافعيِّ لبعضِ أقواله القديمة ، فيقول:
(فصاروا إلى ذلك في ذلك مع أنَّ القديمَ لم يبقَ قولاً للشافعيِّ لرجوعِهِ عنه فيكون اختيارُهُم إذن للقديم فيها من قبيل ما ذكرناه من اختيار أحدِهم مذهبَ غيرِ الشافعي إذا أدّاه اجتهادُهُ إليه كما سبق ، وبل أولى ، لكونِ القديم قد كان قولاً له منصوصاً ، ويلتحقُ بذلك ما إذا اختار أحدهم القولَ المخرَّجَ على القولِ المنصوصِ ، أو اختارَ من القولين الذين رجَّحَ الشافعي أحدَهما غيرَ ما رجَّحَهُ ، وبل أولى من القول القديم )([3])
فالسببُ هو اجتهادٌ من الأصحاب في ترجيحِ قول مرجوعٍ عنه من الإمام ، فيكون كمن اختارَ مذهبَ غير إمامه ، وعليه فلا يكونُ من مذهب الشافعي ، ويترتَّبُ على هذا أن المقلِّدِينَ للإمام لا يجوزُ لهم متابعتُهُم فيما ذهبوا إليه ، يقول ابن الصلاح :
(ثم حكمُ من لم يكن أهلاً للتخريج من المتبعينَ لمذهبِ الشافعي رضي الله عنه أن لا يتَّبِعُوا شيئاً من اختياراتِهِم هذهِ المذكورةِ لأنَّهم مقلِّدُون للشافعيِّ دونَ مَنْ خالفَهُ ، والله أعلم)([4]) .
هذا رأيُ ابن الصَّلاح (ت643هـ) ، والذي تابَعَهُ عليه النووي في « المجموع » حيث قال :
(ثم إنَّ أصحابَنَا أفتَوا بهذه المسائلِ من القديم معَ أن الشافعيِّ رَجَعَ عنه فلمْ يَبْقَ مذهباً له ، هذا هو الصوابُ الذي قاله المحقِّقُون وجَزَمَ به المتقِنُون من أصحابنا .. فإذا علمتَ حالَ القديمِ ووجدنا أصحابَنا أفتَوا بهذه المسائل على القديم حملْنَا ذلك على أنه أدَّاهم اجتهادُهُم إلى القديمِ لظهورِ دليله وهم مجتهدون فأفتوا به ، ولا يلزَمُ من ذلك نِسْبَتُهُ إلى الشافعيِّ ، ولم يقُلْ أحدٌ من المتقدِّمِينَ في هذه المسائل أنها مذهبُ الشافعي أو أنَّهُ استثناها ,
قال أبو عمرو[أي ابن الصلاح] : فيكون اختيارُ أحدهم للقديمِ فيها من قبيل اختياره مذهبَ غير الشافعي إذا أدّاه اجتهادُهُ إليه .. فالحاصلُ أنَّ من ليس أهلا للتخريج يتعيَّنُ عليه العملُ والإفتاء بالجديد من غير استثناء ، ومَنْ هو أهلٌ للتخريج والاجتهاد في المذهبِ يلزمُهُ اتباعُ ما اقتضاهُ الدليلُ في العمل والفتيا مبيِّنَا في فتواه أنَّ هذا رأيُهُ ، وأن مذهبَ الشافعيِّ كذا ، وهو ما نَصَّ عليه في الجديد )([5])
ولكن النوويَّ استثنى من هذه المسألة القولَ القديم المعضَّدَ بالحديث الصحيح فجعله من مذهب الشافعي ( هذا كلُّه في قديمٍ لم يعضُدْهُ حديثٌ صحيحٌ : أما قديمٌ عضَدَهُ نَصُّ حديثٍ صحيحٍ لا معارِضَ له فهو مذهبُ الشافعيِّ رحمه الله ، ومنسوبٌ إليه إذا وُجِدَ الشَّرْطُ الذي قدَّمْناه فيما إذا صَحَّ الحديثُ على خلافِ نَصِّهِ ، والله أعلم) ([6]) ولهذه المسألة وقفةٌ أخرى .

  • عددُ هذه المسائل :
    وبالنسبة لهذه المسائل وعددها ، فقد سُئِلَ عن كَمِّيتها ابن الصلاح(ت643هـ) في «فتاواه» فقال فيها :
    (مسألة : سألَ سائلٌ عن كَمِّيَّةِ الأقوالِ القديمة التي يُفتى بها ، وتبيينها ؟
    أجاب رضي الله عنه : بأن الإمام أبا المعالي بن الجُوَيْنِيِّ رحمه الله كان يذكرُ عن أئمته أنهم قالوا : كل قولين أحدهما جديدٌ فهو أصحُّ من القديم ، إلا في ثلاثِ مسائلَ : وصرَّح الإمام في « المذهب الكبير » على مسألتين منها : إحداهما : مسألةُ التباعد ، والقديمُ فيها أنه لا يجب ، والثانيةُ : مسألة التثويب ، والقديمُ فيها أنه يستحب ، وأما الثالثة وهي مسألة قراءة السورةِ فيما سوى الركعتين الأُوْلَتَيْنِ ، والقديمُ أنها لا تُسَنُّ ، قال : وعليه العمل .
    وكنَّا نظنُّ أن هذه هي الثالثةُ حتى وجدته قد قال في « المختصر المنتخب من النهاية » : أن الثالثةَ تأتي في كتاب زكاة التجارة .
    وذكر بعض من تأخّرَ : أنَّ المسائلَ التي يفتى فيها على القديم دون الجديد أربعَ عشرة مسألةً ، وما سواها فلا يجوز الفتيا فيها بالقول القديم .
    فذكرَ المسائل الثلاث التي قدّمناها عن الإمام ، ومسألةُ الاستنجاءِ بالحجرِ فيما جاوَزَ المخرج ، القديمُ : أنه يجوزُ اذا لم ينتشرْ أكثرَ مما ينتشرُ في حَقِّ معظمِ الناس بأن لا تزيدَ على ما حول المخرج قريبا منه ، ومسألة لمس المحارم ، قال ابن مسعود -يعني صاحب « التهذيب » -: القديمُ أنه لا ينتقض ، وصححه الجُوَيْنِيُّ ، ومسألةُ الماءِ الجاري ، والقديمُ : أنه لا ينجُسُ إلا بالتغيُّر ، ومسألةُ تَعْجِيلِ العِشاءِ ، والقديم : أنه أفضل ، ووقتُ المغرِبِ ، والقديمُ : أنه يمتَدُّ إلى مغيبِ الشَّفَقِ ، والمنفردُ إذا نَوى الاقتداءَ في أثناءِ صلاته ، والقديمُ : جَوَازُهُ ، وأكلُ جلدِ الميتةِ المدبوغ ، والقديمُ : أنه لا يؤكل ، وإذا مَلَكَ مَحْرَمَاً من نَسَبٍ أو رَضَاعٍ ووطئها مع العلمِ بتحريمِها ، والقديمُ : أنه لا يلزمُهُ الحدُّ ، ومسألة قَلْمُ أظفارِ المَيِّتِ ، والقديمُ : أنه يُكرَهُ ، وشرطُ التَّحَلُّلِ في الحجِّ عند المرض ونحوه ، والقديمُ : أنه يجوزُ الشَّرطُ ويتحلَّلُ به ، ومسألةُ نِصابِ الرِّكازِ ، والقديمُ : أنه لا يُعْتَبَرُ ، والله أعلم .
    (… فإن لهذه المسائل أغياراً ذهبَ فيها من يُعْتَمَدُ إلى الفتوى على القديم دون الجديد ، منها : استحباب الخطِّ بين يدي المصلي ، رآه الشافعي رضي الله عنه في القديم ، ورجعَ عنه في الجديد ، وضربَ عليه بعد ما كتبَه ، وإلى القولِ باستحبابه ذهبَ صاحب « المهذب » وغيره من غير ذكر خلاف .
    ومنها : من ماتَ وعليه صيام ، فعلى القديمِ يصومُ عنه وليُّه وهو الصحيح للأحاديث الصحاح في كتاب « مسلم » وغيره : أن من ماتَ وعليه صيامٌ صامَ عنه وليُّه ، ولا تأويلَ له يُفْرَح به .
    ومنها : أنه إذا أبى أحدُ الشريكينِ من العمارة الحافظةِ للوجودِ فالجديد أنه لا يجبر ، والقديم أنه يجبر ، وهو صحيحٌ عند صاحب « الشامل » ، وبه أفتى صاحبه الشاشي وبه نفتي .
    ومنها : الصَّداق مضمونٌ ، يَدُ الزوج ضمانُ اليد على القديم ، قال الشيخ أبو حامد الإسفراييني والشيخ أبو نصر بن الصباغ رضي الله عنهما : هو الصحيح ) ([7]).
    هذه المسائل كما ذكرها ابن الصلاح (ت643هـ) عددها 18 مسألة ، وتابعه عليها النووي في « المجموع » وزاد مسألة واحدة فتصبح 19 مسألة :
    1- عدم وجوب التباعدِ عن النجاسة في الماء الكثير .
    2-استحبابُ التثويبِ في أذانِ الصُّبح .
    3-عدمُ استحبابِ قراءةِ السورةِ في الركعتينِ الأخيرتين .
    4-جوازُ الاستنجاءِ بالأحجارِ فيما جاوزَ المخرَجَ ولم يبلُغْ ظاهرَ الأليتين .
    5-عدم النَّقْضِ بلَمْسِ المحارم .
    6-الماءُ الجارِي لا ينجُسُ إلا بالتغير .
    7-استحبابُ تعجيلِ العشاء .
    8-امتدادُ وقتِ المغرب إلى مغيبِ الشفق .
    9-جوازُ اقتداءِ المنفرِدِ بجماعةٍ في أثناءِ الصلاة .
    10-تحريمُ أكلِ جلد المَيْتَةِ المدبوغ .
    11-وجوبُ الحدِّ بوطءِ المَحْرَم بمِلْكِ اليمين .
    12-كراهيَّةُ تقليمِ أظفار الميِّتِ .
    13-جوازُ اشتراطِ التحلُّلِ من الإحرامِ بعذر المَرَضِ .
    14-عدم اعتبارِ النِّصابِ في الرِّكاز .
    15-صيامُ الوليِّ عن الميِّتِ الذي عليه صوم .
    16-استحبابُ الخطِّ بين يدي المصلّي عند عَدَمِ الشَّاخِصِ .
    17-إجبارُ الشَّريكِ الممتنعِ عن العمارَةِ .
    18-جعلُ الصَّداق في يَدِ الزوج مضمونا ضمانَ يَدٍ .
  • والمسألة التي زادها النووي :
    19- الجهرُ بالتأمين للمأموم في الصلاة الجهرية .
    هذه أشهر المسائل التي رجَّحَ فيها بعضُ فقهاءِ الشافعية أقوالا قديمة للإمام ، ونظمها بعضهم لشهرتها ([8]):
    مسائلُ الفتوى بقولِ الأقدَمِ
    هِيْ للإمام الشافعيِّ الأعظَمِ
    1-2-3 لا ينجسُ الجاري ، ومَنْعُ تَبَاعُدٍ
    والطهرُ لم يُنْقَض بلَمْسِ المَحْرَمِ
    4 واسْتَجْمِرَنْ لِمُجَاوِزٍ عَنْ مَخرَجٍ
    للصَّفْحَتَيْنِ وَلَوْ تَلَوَّثَ بالدَّمِ
    5-6-7 والوقتُ مُدَّ إلى المَغِيْبِ لمغْرِبٍ
    ثَوِّبْ لصُبْحٍ ، والعشاءَ فَقَدِّمِ
    8-9 لا تَأتِيَنَّ في الاُخرَيَيْنِ بسورةٍ
    والإقتداءُ يجوزُ بَعْدَ تَحَرُّمِ
    10-11 والجهرُ بالتَّأمِينِ سُنَّ لمقتَدٍ
    والخطُّ بَين يَدِي المصلِّي فَاعْلَمِ
    12-13 والظفرُ يُكْرَهُ أخذُهُ مِنْ مَيِّتٍ
    وكذا الرِّكازُ نِصَابُهُ لم يَلْزَمِ
    14-15 ويصحُّ عَنْ مَيْتٍ صِيامُ وَلَيِّهِ
    ويجوزُ شَرْطُ تَحَلُّلٍ للمُحْرِمِ
    16 ويجوزُ إجبارُ الشريكِ على البِنَا
    وعلى عَمارة كُلِّ مالِ يُقْسَمِ
    17 والزوجُ إن يَكُنِ الصَّدَاقُ بِيَدِّهِ
    فضمانُ يَدٍّ حُكْمُهُ في المَغْرَمِ
    18-19 والجلدُ بعدَ الدَّبْغِ يحرُمُ أكلُهُ
    والحَدُّ في وَطْءِ الرَّقِيْقِ المَحْرَمِ

بل وزاد الفقهاء بعدهم مسائل أخرى ونظموها ، منها ما ذكره البُجَيْرِمِيُّ(ت1221هـ) ([9]) :
وبعدُ فالحقُّ القديمُ المعتبرْ
المذهبُ الجديدُ طَيِّبُ الأثَرْ
والهجرُ للقديمِ حَقَّاً قد ثَبَتْ
إلا مسائلاً قليلةً أَتَت
أربعَةٌ مَعْ عَشْرَةٍ بالسَّنَدِ
عن صَاحبِ (الأشباهِ) خُذْ واعَتَمِدِ
وزدتُها سبعاً عن النَّسَّابةِ
السيِّدِ الشريف ذِي المهابةِ
1 المسحُ بالأحجارِ غيرُ جائزِ
مِنْ خارِجٍ مُلَوِّثٍ مُجاوِزِ
2-3 ولمسُ جِلْدِ مَحرَمٍ لا نقضَ بِهْ
وقَصُّ نَحْوِ الظُّفْرِ مِنْ مَيْتٍ كُرِهْ
4 وإن تَرَى رِجساً بِماءٍ رَاكدِ
ولم يُنَجِّسْهُ فلا تَبَاعَدِ
5 لِفَائتٍ سُنَّ الأَذَانُ يا فتى
ولو بلا جماعةٍ فيما أَتَى
6 ووقتُ مَغْرِبٍ حقيقيٍّ بَقِي
مُوَسَّعاً إلى مَغِيبِ الشَّفَقِ
7-8 وفضلُ تقديمِ العِشَاءِ قَدْ زُكِنْ
وسُنَّ تَثْوِيبٌ لصُبْحٍ يا فَطِنْ
9 وفي أخِيرَتَيْ صَلاةٍ قد كُرِهْ
شيءٌ مِنَ القرآنِ يا ذا فانتَبِهْ
10-11 وإن نَوَى فَذٌّ جماعةً يَصِحْ
ودبغُ جِلدِ الميت أكلاً لم يُبَحْ
12 والجهرُ بالتأمينِ للمأمومِ في
جهريةٍ يا صاحِ سُنَّةٌ قُفِيْ
13 وسُنَّ خَطٌّ للمُصَلِّي إن فَقَدْ
نحوَ العَصَا مما عليه يُعْتَمَدْ
14 وَمَنْ يَمُتْ وصومُهُ قَد عُلِّقَا
بذمتِهْ يُصَامُ عَنْهُ مُطلَقَا
15 وشرطُ تَحلِيلٍ من التحرُّمِ
لنحوِ تمرِيضٍ جوازُهُ نُمِي
16 وغَرَّمُوا شهودَنا إن رَجَعُوا
عَنِ الأَدَا لَعَلَّهُم يَرْتَدِعُوا
17 وصَحَّحُوا شهادةَ الفَرْعَين
في نَصِّهِم على كِلا الأصْلَين
18 وأسقَطوا بَيِّنَتَيْ خَصمين
تعارَضَا جَزْما بغير مَيْنِ
19 والشاهدان قَدَّمُوهما على
شَطْرٍ مع اليمين فيما نقلا
20 ولم يحلَّفْ داخلٌ قد عارضَتْ
حُجَّتُهُ لخارجٍ فيما ثَبَتْ
21 وجائزٌ تزويجُ أمَّ الولَدْ
في أرجحِ القولينِ والمعتَمَدِ

ففي هذا النظم أثبت 21 مسألة ، ذكر منها سبع مسائل لم تكن من المسائل التسعة عشر الماضية وهي :
1- سُنِّيَّةُ الأذانِ للفائتة (رقم 5) .
2- تغريمُ شهودِ المال إذا رَجَعُوا عن الشهادة (رقم 16) .
3- قبولُ شهادةِ الأصلِ والفرعِ بعضِهم لبعض (رقم 17) .
4- سقوطُ البيِّنَتَيْنِ المتعارِضَتَيْنِ المُطْلَقَةِ والمؤَرَّخَةِ (رقم 18) .
5- تقديمُ صاحِبِ الشاهدِيْنِ على صاحِبِ الشاهِدِ واليمين (رقم 19) .
6- لا يشترط تحليفُ ذي اليَدِ مع بَيِّنَتِهِ إذا عارضتْها بيِّنةُ مَنْ ليس بيده العين (رقم 20)
7- جوازُ تزويجِ أُمِّ الولد (رقم 21)
فتصبح 26 مسألة .
ثم زاد الشيخ محمد بن سليمان الكردي(ت1194هـ) في « الفوائد المدنية » ([12]) مسألتين :
1- عدمُ تنجيس الميتةِ التي لا دَمَ لها سائلٌ للماءِ القليل .
2- نجاسةُ الخنزيرِ كنجاسة الكلبِ تغسلُ سبعا .
فتصبح 28 مسألة .
ثم زاد الباحث عبدالعزيز عبدالقادر قاضي زادة في رسالته للماجستير « الإمام الشافعي والمسائل التي اعتمدت من قوله القديم » والتي حاول فيها استقراء هذه المسائل :
1- الاغتسال من غُسل الميِّتِ آكد من غُسلِ الجمعة ([13]).
2- جوازُ صومِ المتمتع أيامَ التشريق إذا لم يجد الهدي([14]) .
3- ثبوت الاستيلاد بوطءِ الشبهة ([15]).
فتكون المسائل 31 مسألة .
ومن خلال بحثي وجدت مسألتين كذلك مما أفتيَ فيها بالقول القديم :
الأولى : في مسألةِ تكفين المرأة ، قال النووي في « الروضة » :
(وإن كفِّنَتِ المرأةُ في خمسة ، فقولان : الجديدُ : إزارٌ وخمارٌ وثلاثُ لفائفَ ، والقديم – وهو الأظهر عند الأكثرين – إزارٌ وخمارٌ وقميصٌ ولفافتان ، وهذه المسألة مما يفتى فيه على القديم ، قلتُ : قال الشيخُ أبو حامد والمَحَامِليُّ : المعروفُ للشافعي في عامة كتبه أنه يكونُ فيها قميص ، قالا : والقول الآخر لا يعرف إلا عن المزني ، فعلى هذا الذي نقلا لا يكونُ إثبات القميص مختصاً بالقديم ، والله أعلم) ([16]) .
وقال في « المجموع » ([17]): (قال أصحابنا: وإذا كُفِّنَ الرجلُ والمرأةُ في ثلاثةٍ فهي لفائفُ ، وإن كُفِّنَ الرجلُ في خمسةٍ فثلاثُ لفائفَ وقميصٌ وعمامةٌ يُجعلان تحت اللفائفِ ، وقد سبقَ بيانُ هذا ، وإن كُفِّنَتْ في خمسةٍ فقولان : أحدُهما : إزارٌ وخمارٌ وثلاثُ لفائف ، والثاني : إزارٌ وخمارٌ ودِرْعٌ وهو القميص ولفافتان وهذان القولان مشهوران ، وقد ذكرهما المزني في « المختصر» فقال : أحبُّ أن يكونَ أحدَ الخمسةِ درعا لما رأيتُ فيه من فعل العلماء ، وقد قاله الشافعي مرَّةً ثم خَطَّ عليه ، هذا كلام المزني رحمه الله ، فأشار إلى القولين ، وسماهما جماعةٌ من الخراسانيين قديما وجديدا ، فجعلوا القديم استحبابَ الدِّرعِ والجديدَ عدمه ، قالوا : والقديمُ هنا هو الأصحُّ ، وهي من المسائل التي يفتى فيها على القديم)
والمسألة الثانية : في باب الرضاع ، فيمن عنده أربعُ زوجات وأرضعتْ أكبرهن زوجاتِهِ الثلاثَ ، والخلافُ فيما إذا أرضعتهن على التعاقب قال النووي في « الروضة » :
(الثالثُ : أن تُرْضِعَهُنَّ متعاقباً فينفسخُ نكاح الأولى مع الكبيرةِ لما ذكرنا ، ولا تنفسخُ الثانية بمجردِ ارتضاعها لأنها ليست محرَّمَةً ، ولم تجتمعْ هي وأمٌّ ولا أختٌ ، فإذا ارتضعتْ الثالثةُ انفسخَ نكاحها ، لأنها صارتْ أختا للثانية التي هي في نكاحه .
وهل ينفسخُ معها نكاحُ الثانية أم يختصُّ الانفساخُ بالثالثة ؟ قولانِ ، وينسب الثاني إلى الجديد ورجَّحهُ الشيخ أبو حامد ، والأول إلى القديم ، وهو الأظهر عند أكثر الأصحاب ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، واختاره المزني ، فعلى هذا المسألةُ من المسائل التي رُجِّحَ فيها القديم) ([18])
فتكون المسائل 33 مسألة ، وهذا آخرُ عدد أمكنني إحصاؤه في المصادر المتوافرة ، وإلا فالشيخ الكردي يقول : (ولو تتبعتَ كلامَ أئمَّتنا لزادتْ المسائلُ على ثلاثينَ بكثير ، لأنَّ هاتين المسألتين اللتين زدتُهما من متعلَّقَاتِ النجاسة فقط .. ) ثم قال : ( وإذا كانت هذه المسائلُ بالنسبةِ للنجاسة فقطْ فما بالُكَ لو تتبعتَ أبوابَ الفقه )([19]) .

  • مناقشة حول اعتمادية القول القديم في هذه المسائل :
    هذه المسائل الماضية في كتب الفقه اشتُهِرَ أنها مما يُعتمَدُ فيها على القول القديم للشافعيِّ ويفتى بها وتكون مستثناة من القاعدة التي قرَّرُوها من عدم العمل بالقديم ، وعدم عدِّهِ من مذهب الشافعي ، يَدُلُّ على ذلك تتابع الفقهاء في كتبهم على ذكرها ونظمُها .
    ولكن رأي جماعةٍ من الفقهاء المعتبرين كابن الصلاح(ت643هـ) المتقدِّمَةِ فتواه سابقا التشكيكُ في هذه الاعتمادية من طرفين :
    أولا : في أن هذه المسائل هي مما يفتى به على القديم .
    وثانيا : في أنه لا يوجد غيرها مثلها .
    فلا تسلم الدعوتان ، دعوى الإثبات أنها من القول القديم ، ودعوى حصر هذه المسائل .
    يقول ابن الصلاح : (إنَّ شيئا من هذا لا يُعزَى – على خلافٍ بين الأصحابِ فيه – ولا شيءَ من هذه المسائل اتفقَ الأصحابُ على أنها مسألةُ خلافٍ بين الجديدِ والقديمِ والفتيا فيها على القديم ، ولا موافقةَ أيضا على أنه ليسَ غيرها يُترَكُ فيه الجديد ويفتى به على القديم ، فلم يسلَّم ، إذ كلُّ واحد من هذين الحصرَينِ عَنَّ الخلاف في طرفيه إثباتا ونفيا .
    إثباتاً من أنَّ الأمرَ فيما ذُكِرَ من المسائل على ما ذُكِرَ فيها
    ونفياً في أنه ليسَ غيرها بالمثابة المذكورة .
    أما في طرف النفي هذا فإن لهذه المسائل أغيارا ..)([20])ثم قال :
    ( وأما انتفاءُ الموافقةِ على ذلك في طرفِ الإثبات ، فإنَّ فيها ما صَحَّ فيه عن الجديدِ قولٌ موافقٌ للقديم ، فلا يكونُ الإفتاء بما صارَ إليه القديم إفتاءً بالقديم دون الجديد ، بل بِهِما معا ، ومنها ما ذَهَبَ فيه بعضُ الأئمة إلى أن الصحيحَ هو الجديدُ لا القديمُ ، ومنها ما قَطَعَ فيه بعضُ الأئمة بالقول الواحد ولم يجعل خلافاً بين الجديد والقديم ، ومنها ما يجعلُهُ بعضُ الأئمة مسألةَ وجهين لا مسألةَ قولين ، والله أعلم)([21]) .
    فتبين أن كلَّ مسألة من هذه المسائل غير متَّفقٍ بين الفقهاء على أن المفتى به هو القول القديم للشافعي ، ومنهم من جعل في المسألة قولاً واحداً ، ومنهم من جعلها مسألة وجهين للأصحاب لا قولين للإمام .
    ومن الذين نَفَوا هذا الرأي :
    1- ابن الفركاح الفزاري(ت690هـ) ([22]) الذي صنف رسالة في الرَّدِّ على من زعم أنه يفتى بالقديم في مسائل .
    2- الإسنوي(ت772هـ) في « المهمات » حيث يقول : (على أنَّ المسائل التي عَدُّوها لا تُسلَّمُ أن الإفتاءَ فيها على القديم لأمرين :أحدهما : أن الأكثرين خالفوا في معظمِها فأفتَوا فيها بالقولِ المشهور الجديد .ثانيهما : أنَّ أكثرَها فيها قولٌ جديد موافقٌ للقديم ، فتكون الفتوى فيه على الجديد لا القديم ).([23])
    3- السُّلَمِيُّ المُنَاوِيُّ(ت803هـ) ([24]) في رسالته « قلائد الفرائد » عقد فصلا بعنوان (ذكرالمسائل التي زعموا أنه يفتى فيها بالقديم) وتتبَعَ النوويَّ في المسائلِ التي أوردها في « المجموع » وهي تسعَ عشرة مسألةً ، وبيَّنَ أن الفتوى في جميعها على الجديد .
    4- الشيخُ محمد بن سليمان الكرديُّ(1194هـ) حيث عَقدَ فصلا لذلك في كتابه « الفوائد المدنية » وبيَّن أن الفتوى في جميعها على الجديد الموافق للقديم ([25])
    5- والشيخ أحمد ميقري الأهدل(ت1390هـ) ([26]) في «سلم المتعلم المحتاج»([27]) .
    6- وهو ما توصل إليه الباحث عبدالعزيز عبدالقادر قاضي زادة في رسالته ، في كثير من المسائل التي جمعها ([28]) حيث توصلَ إلى أن الفتوى فيها على الجديد ، أو أن الجديدَ موافق للقديم فيها .

فتكون القاعدة على أصلها (القول المتأخر –الجديد- هو المُرَجَّحُ عند الشافعية)

وهذه الظاهرة التي شاهدناها في هذه المسائل ، وهي ظاهرة وجود قول قديم يعارضه قولان جديدان ، أحدهما موافق له ([29]) ، يؤكد الدكتور لمين الناجي أثناء استقرائه لمسائل القديم والجديد أنها كثيرة جدا .
وهذا كله راجع إلى اختلاف الفقهاء أنفسهم في ثبوت بعض الأقوال وفي تحديد كونها من القديم أو الجديد ، فبعضهم يقرها ، وبعضهم ينكرها ، وبعضهم يجعلها قولين ، وبعضهم يقطع بقول واحد ، وهو ما يسمى بـ(الطرق في المذهب) ([30]) .

كذا في http://www.feqhweb.com/vb/t5063.html

([1]) ابن الصلاح ، أدب المفتي والمستفتي (1/128) .

([2]) المصدر نفسه .

([3]) المصدر نفسه .

([4]) المصدر نفسه .

([5]) النووي ، المجموع (1/109)

([6]) المصدر نفسه .

([7]) ابن الصلاح ، أدب المفتي والمستفتي (1/225) .

([8]) الكردي ، الفوائد المدنية في من يفتى بقوله من متأخري الشافعية ، (البابي الحلبي 1938م) ص249 .

([9]) البجيرمي ، حاشية البجيرمي على الخطيب ، (دار الفكر ، الأخيرة ، 1988م) (1/49)

([10]) يقصد كتاب (الأشباه والنظائر) للإمام السيوطي حيث ذكر الأربعة عشر المسألة الأولى في آخر كتابه (دار الكتب العلمية ، بيروت ، ط1 ، 1983م) ص540 .

([11]) النسابة هو : الشريف النسابة: حسن بن محمد بن أيوب بدر الدين أبو محمد الحسيني الشافعي الشهير بالشريف النسابة المقري توفى سنة 866 هـ انظر : إسماعيل باشا البغدادي ، هدية العارفين ، (اسطنبول ، 1951م) ( 1/152) ، في رسالته (نزهة القصاد في شرح منظومة الاقتصاد في كفاية العقاد) لابن العماد ، ومنها نسخة بمكتبة الأزهر الشريف برقم (335377) .

([12]) الكردي ، الفوائد المدنية (249-252) .

([13])عبدالعزيز عبدالقادر قاضي زادة ، « الإمام الشافعي والمسائل التي اعتمدت من قوله القديم » ، رسالة ماجستير ، مقدمة للجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة ، ص89 .

([14]) المصدر نفسه ، ص194 .

([15]) المصدر نفسه ، ص280 .

([16]) النووي ، روضة الطالبين (2/112) .

([17]) المصدر نفسه (5/159) .

([18]) النووي ، روضة الطالبين ، (9/28) .

([19]) الكردي ، الفوائد المدنية ، ص255 .

([20]) ابن الصلاح ، أدب المفتي والمستفتي (1/225) .

([21]) المصدر نفسه .

([22]) عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري البدري، أبو محمد، تاج الدين الفركاح: مؤرخ، من علماء الشافعية، قال ابن شاكر: بلغ رتبة الاجتهاد. مصري الاصل، دمشقي الاقامة والشهرة والوفاة. له عدة مصنفات في الفقه والأصول ، انظر : التاج السبكي ، طبقات الشافعية الكبرى (5/ 60) وابن شاكر الكتبي ، فوات الوفيات (1/250) .

([23]) نقلا عن الإسنوي ، كافي المحتاج لشرح المنهاج ، تحقيق : محمد سند الشاماني ، رسالة ماجستير ، الجامعة الإسلامية ، 1426هـ ص(208) .

([24]) السلمي ، فرائد الفوائد (64-71) .

([25]) الكردي ، الفوائد المدنية ص255 .

([26]) أحمد ميقري شميلة الأهدل ، ولد بمدينة المراوعة من تهامة اليمن ، ونشأ بها وأخذ على علمائها حتى برع في الفقه ، وتولى القضاء بها ، له مجموعة مؤلفات (إسماعيل عثمان زين ، مقدمة سلم المتعلم المحتاج للأهدل ، ص611).

([27])أحمد ميقري شميلة الأهدل ، سلم المتعلم المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج ،(دار المنهاج ، جدة ، 1426 ، ط1 ) ص120.

([28]) على سبيل المثال انظر كلامه في :ص 287 – 284 – 277 – 269- 265- 226- 219- 200 وغيرها .

([29]) وذكر أمثلة منها (2/256) .

([30]) انظر : الشربيني ، مغني المحتاج . (1 /12) .

السابق
(2)التحقيق المبارك فيما رُوي في الحَدِّ عن ابن المبارك ـ رحمه الله ـ[1]
التالي
تفسير الصفات المتشابهة بلازمها وهي التي ظاهرها حلول الحوادث بذاته تعالى (1)/ منقول