مقالات في الرد على نظرية تقسيم التوحيد وما بني عليها

القول الجلي في النذر للولي

القول الجلي في النذر للولي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله أصحابه ومن اتبع هداه؛ وبعد فهذه رسالة سميتها “القول الجلي في النذر للولي”، سائلا الله السداد والإخلاص في القول والعمل، إنه سميع مجيب.

أقول وبالله التوفيق: لقد نال السلفية من مخالفيهم من أجل مسألة النذر للقبور والأولياء، فكفّروا من فعل ذلك واستحلوا دمه وماله وعرضه كما سيأتي، بعد أن رموهم بالشرك([1])؛ فما هو دليلهم على ذلك؟

في الواقع ليس هنالك نص من الكتاب أو السنة يقول بأن من نذر لميت فقد كفر أو أشرك، ولا السلفية استدلوا بذلك، وإنما دليلهم على ذلك هو قياس منطقي مكوّن من مقدمتين وهما: من نذر لميت فقد عبده، ومن عبد غير الله فقد أشرك وخرج من الملة، ينتج أن من نذر لميت أشرك وخرج من الملة.

وأنت خبير بأن مقدمات هذا القياس مبنية على نظرية تقسيم التوحيد عند ابن تيمية وما أفرزته من مفهوم جديد للعبادة والشرك؛ وبما أن هذه النظرية نظرية باطلة كما أشرت إلى ذلك سابقا، فلا حاجة للاشتغال ببطلان هذا القياس ما دام مبنيا على نظرية باطلة، ولكن أود الكلام على حكم النذر للميت فقهيا.

أولا نتساءل: ما هو النذر للميت؟ إن النذر الذي يقع بين المسلمين للميت له عد صور، منها أنه إذا مات للمرء ابنه أو أحد والديه أو قريب له، يقول: نذرت له كبشا؛ ومنها أن يقول بعض الناس الذين يحبون الأولياء: نذرت للبدوي أن أذبح كبشا، أو ذهب إلى قبره فذبح كبشا، إما عند قبره أو في أي مكان بعيد عن قبره؛ فما حكم هذا النذر والناذر، وهل يكفر هذا الناذر، بمجرد نذره للميت؟

لا بد من التفصيل في هذه المسألة، فالناذر للميت إن أراد بذلك النذر التقربَ إلى الميت فهو حرام؛ ولكن هذا يبعد صدوره من المسلم، وإن صدر منه، فيُعلم برفق كما هو هدي رسول الله، وإن نذر بنية التقرب مع اعتقاد الربوبية في الميت وليا كان أم نبيا، فإن الناذر يكفر بذلك، وهذا صدوره من المسلم أبعد كما هو ظاهر.

وأما إن سألنا الناذر للميت عن قصده من نذره، ومن قوله “نذرت للبدوي كبشا”، فقال: قصدت الصدقةَ عن الميت بالكبش بعد ذبحه، وإهداء الثواب له؛ فهذا جائز، بل مندوب كما سيأتي؛ وإن لم يصرح الناذر للميت بهذه النية، فنحمل نذره للميت على أنه ينوي بذلك التصدق عن روح الميت وإهداء الثواب له، لأن هذا هو الظاهر من حال المسلم؛ ولا نحمله على أنه يريد بذلك التقرب إلى الولي المنذور له، لأن الأصل أن المسلم يعبد الله وحده ويتقرب إليه دون غيره، ويحمل حال المسلم على الصلاح ما أمكن؛ وإن كنا ننصح هذا الناذر بأن يقول: نذرت لله كبشا أتصدق به عن روح فلان، ليخرج من دائرة الإيهام ويذب عن نفسه الاتهام.

وكون الناذر يستخدم اللام في نذره حين يقول “نذرت للنبي أو للولي الفلاني” لا يعني بمجرد ذلك أنه ينوي التقرب إلى النبي أو إلى الولي وعبادتهما حتى يصرح هو بذلك؛ وإنما هذه اللام يؤتى بها أيضا لتعيين من ينوي التصدق على روحه، كما يقول الرجل هذه عقيقة لولدي أحمد، وكما يقول الحاج هذا الهدي للحرم، فليس القصد هنا عبادة الولد أو الحرم، وإنما القصد تعيين وجه القربى، فالعقيقة قربى عند الولادة والهدي قربى عند الحرم وهكذا كما سيأتي من كلام العلماء.

فإن قيل: إن العقيقة والهدي مشروعان فتنصرف اللام إلى فعل المشروع، بخلاف النذر للأموات فإنه غير مشروع، فتنصرف اللام للعبادة المنذور إليه. قلنا: بل إنه يُشرع الذبح والتصدق عن الميت وإهداء الثواب إليه كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة([2])، وصرح بذلك الفقهاء([3]).

فإن قيل: إن التصدق عن الميت غير النذر له، فالأول يعني التقرب إلى الله بالنذر، وإهداء الثواب إلى الميت، والثاني يعني التقرب إلى الميت نفسه بالنذر به له؛ وهذا واضح من الفرق بين “عن” وبين اللام.

والجواب: لا نُسلّم ما ذكرتم، لأن اللام حينما تدخل على لفظ الجلالة في قولنا “هذه صدقة لله” تختلف عن معنى اللام حينما تدخل على قولنا “هذه الصدقة لفلان”، “فإن اللام الداخلة على لفظ الجلالة هي اللام الداخلة على الرب المعبود المبتغى وجهه بالعمل الصالح وهو الصدقة، واللام في الجملة الثانية هي الداخلة على من تعطى له الصدقة سواء كان المتصدق عليه حيا، أو من يكون له ثوابها إن كان ميتا، فهي باعتبار ثوابها لا باعتبار عينها، وهذه اللام كاللام في قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] داخلة على مصرف الصدقة لا على المعبود بها عز وجل، وبهذه التفرقة تظهر اختلافات المعاني ويرتفع الحرج عن المسلمين، ولا يخفى أن نفع المسلم للمسلم من أقرب ما يتقرب به إلى الله عز وجل لا سيما إن كان قد انتقل إلى الدار الآخرة فإن نذرها لهم فهو نذر صحيح يجب الوفاء به”([4]).

ومما يؤكد ذلك ما جاء في حديث البخاري: “ثم قام النبي ’ إلى المغرب، فمضمض، ثم صلى لنا المغرب ولم يتوضأ ” ([5])، فصلى لنا هنا ليست بمعنى أنه نوى التقرب بصلاته إلى من صلى عندهم حاشاه ’، بل بمعنى صلى بنا، بدليل أن البخاري روى هذا الحديث بلفظ: فصلى بنا المغرب”([6]) وجاء فيه بلفظ: ثم صلى وصلينا ولم يتوضأ “([7])؛ فاستخدم الراوي “اللام” بمعنى “الباء” بمعنى “مع”، وما ذلك إلا لأن أحرف الجر تتعاور؛ ومن ذلك أيضا ما جاء في حديث البخاري: عن أبي هريرة: أن رسول الله ’ قال: “يصلون لكم، فإن أصابوا فلكم، وإن أخطئوا فلكم وعليهم ” ([8]) ولفظه عند أحمد في المسند: يصلون بكم.([9]).

بل قد جاء في حديث أبي داود عن سعد بن عبادة، أنه قال: يا رسول الله، إن أم سعد ماتت، فأي الصدقة أفضل ؟، قال: ” الماء “، قال: فحفر بئرا، وقال: هذه لأم سعد ([10]). “فانظر إلى تعبير سعد بن عبادة رضي الله عنه باللام في قوله”لأم سعد” فهو كما يقول المسلمون: “هذه الذبيحة للنبي أو للولي الفلاني أو للأولياء” فهم لا يعنون إلا ما عناه ذلك الصحابي الجليل سعد بن عبادة أن ذلك صدقة عنهم، وثواب هذه القربة لهم([11])، وقد روي هذا الحديث بلفظ آخر بيّن هذا، فعند ابن حبان: فقال سعد: يارسول الله هل ينفعها أن أتصدق عنها ؟ فقال النبي ’: (نعم) فقال سعد: حائط كذا وكذا صدقة عليها([12]). وفي لفظ النسائي: حائط كذا وكذا صدقة عليها([13]).

فهذا الحديث والنصوص التي قبله من الكتاب والسنة كلها قاطعة للنزاع وحجة في أن “اللام” لا يريد بها المسلم التقرب إلى غير الله حين يقول “صليت لفلان أن ذبحت أو نذرت أو تصدقت له، أو هذه الصدقة أو الأضحية أو العقيقة أو الذبيحة لفلان”، وإنما قلنا “المسلم” احترازا عن الكافر فإنه إذا قال هذه الذبيحة للصنم أو الشمس أو نحو ذلك فإنه يريد بذلك التقرب إلى ما ذكره؛ وهذا بخلاف المسلم فإن إسلامه قرينة تصرف هذا المعنى عنه، كما سبق.

فهذه هي المسألة بكل هدوء، ولكن كيف عالج السلفية المعاصرة هذه المسألة؟ إن الناظر في كتب القوم يرى الكم الهائل من الشتائم والتكفير والتضليل لأجل هذه المسألة. ولنأخذ أحد السلفية المعاصرة وهو ابن قيصر الأفغاني([14]) نموذجا على ذلك، لنر كيف تكلّم في مسألة النذر للقبور والأموات والأولياء؟

الأفغاني ومسألة النذر للأموات.

إن الأفغاني حين تكلم في مسألة النذر للأموات، بدأ فصادر على المطلوب فقال في أول كلمة: ” من الأمثال الشركية التي وقع فيها القبورية عبادة لغير الله تعالى – النذور لأهل القبور “([15])، ثم راح يفتري على خصومه، ثم افترى على الحنفية، وبتر نصوصهم، ثم جاء إلى آيات القرآن فحرّف معانيها، كلُّ ذلك ليثبت كُفْر من نذر للأموات؛ وهذا بيان لما فعله في الفروع الآتية.

الفرع الأول: كيف افترى الأفغاني على خصومه.

بعد أن بدأ الأفغاني بالشتم والتكفير لخصومه أخذ يسوق بعض نصوص مخالفيه في المسألة ثم استنتج منها أن خصومه يقولون بأن النذر للأموات أعظم القربات وأنه ” يبدو لي أن مقصود القبورية بالنذر للأموات هو الاستغاثة بهم لدفع المضرات وجلب الخيرات”([16])، فهل ما ادعاه الأفغاني على خصومه صحيح؟

إن الأفغاني ذكر من جملة خصومه الشيخ سلامة العزامي القضاعي([17]) ، ولكن لاحظت أن الأفغاني ساق نصوصهم دون نص القضاعي، وإنما اكتفى الأفغاني بذكر أن القضاعي عقد فصلا في إباحة النذر للأموات، ثم قال الأفغاني ” ثم طوّل النفسَ في الدعوة إلى الوثنية السافرة عامة، وإلى النذر للأموات خاصة([18])” ثم عزا الأفغاني إلى كتاب القضاعي؛ فهل فعلا دعا القضاعي إلى الوثنية، وأن النذر للأموات من أعظم القربات، وأن المقصود به أن يدفع الأمواتُ البليّات عن الناذر؟!

لقد رجعت إلى الموضع المشار إليه من كتاب القضاعي، فعلمت أن الأفغاني يكذب على خصومه، لأن القضاعي لم يقل هذا الذي افتراه على لسانه، وما قال القضاعي أكثر مما قررته سابقا وما قرره العلماء في حكم النذر للأموات كما سيأتي من كلام النووي والرافعي وغيرهما؛ وهذا نص القضاعي: “نذرُ الذبيحة للنبي أو الولي فهو (أي المسلم) لا يعني بذلك إلا التصدق عنه بذبيحته، وجعل ثوابها له ولم يعتقد فيه ربوبية ولا خاصة من خواصها، وإنما اعتقده عبدا، يهدي إليه ويتصدق عليه ويرتجي خير الله بإكرامه، أما المشرك فيعتقد في وثنه أنه رب مستحق العبادة فيعبده يذبح الذبائح له، رجاء جلب الخير ودفع الضر للذين (كذا، والصواب اللذَينِ) يعتقد استقلال وثنه بهما، كما يذبح الموحدون نسائكهم لرب العالمين([19])”

فها هو يقول بأن القصد من النذر إلى الميت إهداء الثواب له، وأن المشرك هو الذي يرجو النفع والضر من نذره لوثنه، فأين ما زعمه الأفغاني على القضاعي؟ ولو نقل الأفغاني نص القضاعي لبان كذب الأفغاني فيما رمى به القضاعي من أنه يدعو إلى الوثنية، فأين الوثنية والقبورية في كلام القضاعي السابق، وهل تصحيح نية المسلم والتورع عن تكفيره قبورية إذاً ماذا نقول في رسول الذي لم يكفر معاذا حين سجد له([20])، ولا كفر الجواري حين قالوا “وفينا نبي يعلم ما في غد”([21]).

إن القضاعي بعد أن قال ما سبق حيث جعل نذر المسلم للميت من قبيل نذر ثواب الصدقة للميت، بيّن أن التصدق على الميت وإهداء ثواب الصدقة وغيرها له أمر جائز ومندوب جاءت به أحاديث صحيحة صريحة ثم سرد تلك الأحاديث مع سرد ما قاله الشراح كالنووي وغيره ثم ساق طائفة من كلام الفقهاء التي تؤيد ذلك([22])، فهل الاحتجاج بالسنة وسرد الأحاديث وثنية؟ وهل قصد التصدق على الميت قبورية؟ مع أن ذلك قد جاء في أحاديث كثيرة، ضرب الأفغاني بها عرض الحائط.

الفرع الثاني: كيف افترى الأفغاني على الحنفية

بعد أن افترى الأفغاني على خصومه، ادعى على الحنفية بأنهم قالوا بأن النذر لغير الله شرك لأنه عبادة لغير الله ولتضمنه أنواعا من الشرك، ثم نقل كلاما ملفقا مبتورا ليؤيد ما ادعاه عليهم.

فنقل عنهم أنهم قالوا: “وأما النذر الذي ينذره أكثر العوام – على ما هو مشاهد – كأن يكون لإنسان، غائبٌ أو مريضٌ .. فيأتي بعض [ قبور ] الصلحاء، .. فيقول: يا سيدي فلان ! إن رد غائبي، أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي، فلك من الذهب كذا ومن الفضة كذا ومن الطعام كذا ومن الماء كذا ومن الشمع كذا ومن الزيت كذا، فهذا النذر باطل بالإجماع، لوجوه: منها: أنه نذر مخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز، لأنه عبادة، والعبادة لا تكون للمخلوق .ومنها: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك . ومنها: [ أنه ] إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى واعتقاده ذلك كفر .اهـ ثم قال الأفغاني إن هذه النص” يدل على أن القبورية الناذرين لأهل القبور هم عباد القبور، بل هم وثنية، حيث جعلوا القبور وأهلها أوثاناً يعبدونها من دون الله تعالى”([23]).

قلت: وتمام النص كما في الدر المختار للحصكفي: واعلم أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء الكرام تقربا إليهم فهو بالإجماع باطل وحرام ما لم يقصدوا صرفها لفقراء الأنام .اهـ قال ابن عابدين في حاشيته: قوله (ما لم يقصدوا إلخ) أي بأن تكون صيغة النذر لله تعالى للتقرب إليه ويكون ذكر الشيخ مرادا به فقراؤه كما مر([24]).

فهذا هو النص بتمامه وهو يهدم مذهب الأفغاني كما ترى، لذلك بتره، ولم يكن أمينا في نقله عنهم([25])، ليَسلم له قصده في تكفير المسلمين وسفك دمائهم، وليقع في الكذب الذي طالما اتهم به خصومه من علماء الأمة، فما أعظم الله وما أشد انتقامه وأسرعه!!

ثم عقد مطلبا سماه: إبطال علماء الحنفية لبعض شبه القبورية التي تشبثوا بها لتبرير نذورهم للقبور وأهلها؛ ثم حكى الشبهة الأولى وهي أن النذر ليس من قبيل العبادة، ثم رد عليها الأفغاني فحكى أن الحنفية أجمعوا على أن النذر عبادة وأنهم قالوا لا يجوز النذر للقبور وأهلها، ونصوا على أنه شرك بالله تعالى، وعللوا ذلك بأنه عبادة، وعبادة غير الله شرك بالله ([26]).

قلنا: وأين أجمع الحنفية على أن النذر عبادة وأن من ينذر للأموات أشرك؟ إن غاية ما قالوه كما هو واضح من نصهم السابق أن النذر للميت لا يصح وهو حرام، ثم قالوا عند التعليل أن النذر عبادة، ولكنهم لم يطلقوا القول ـ كما يطلق الأفغاني وزمرته ـ أن من نذر للميت فقد عبَده وأشرك وكفر، بل قيدوا الكفر بقيدين: الأول أن يعتقد الضر والنفع في الميت المنذور إليه. والقيد الثاني: أن يقصد التقرب للميت، فإن قصد بالنذر التصدق على فقراء الميت فلا شرك ولا كفر. وهذان القيدان لا يلتفت إليه السلفية ومنهم الأفغاني، لذلك حذف القيد الثاني وبتره من نصوص الحنفية، وأما القيد الأول فاطلع الأفغاني على قلوب خصومه وادعى أنهم”يريدون بنذورهم للأموات استعطاف الأموات لدفع الملمات وجلب الخيرات ([27])”اهـ فانظر من هو الأحق بالشرك، أهو من ينذر لميت بنية التصدق على روحه، أمّن يدعي علم الغيب، والاطلاع على ما في الصدور؟!

وأما ما تمسك به الأفغاني من تعليل الحنفية لبطلان النذر للميت بقولهم ” والنذر للمخلوق لا يجوز، لأنه عبادة، والعبادة لا تكون للمخلوق ” ليثبت الأفغاني أن الحنفية يكفّرون ويحكمون بشرك الناذر للأموات؛ فالجواب أن تعليل الحنفية بأن النذر عبادة وأنها لا تكون لمخلوق؛ هو تعليل لبطلانه وحرمته لا للقول بكفر الناذر للأموات بعد تحقق الشرطين السابقين؛ الذي بتر الأفغاني أحدهما وادعى أن الآخر متحقق فيهما.

فالأفغاني مخالف للحنفية في كلا القيدين، فيُعلم من ذلك أن الأفغاني مفتر عليهم، أضف إلى ذلك أن الحنفية أبعد الناس عن تكفير المسلمين، جاء في حاشية ابن عابدين: ” الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر ….والذي تحرر أنه لا يُفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن، أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة، فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير فيها، وقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها([28]) اهـ. فهذا ما قاله السادة الحنفية رضي الله عنهم، ولعنة الله على الكاذبين.

ثم لو فرضنا جدلا بأن الحنفية يكفرون الناذر للأموات، فإن أهل المذاهب الأخرى كالشافعية والمالكية لا يكفرون من ينذر للأموات بل يفصلّون على نحو ما سبق([29])، ومن ذلك ما جاء في المجموع للإمام النووي: وفي كتاب القاضي ابن كج([30]) أن اليهودي لو ذبح لموسى أو النصراني لعيسى صلى الله عليهما وسلم، أو للصليب حرمت ذبيحته وأن المسلم لو ذبح للكعبة، أو ذبح لرسول الله ’ فيقوى أن يقال يحرم لأنه ذبح لغير الله تعالى، قال: وخرّج أبو الحسين بن القطان([31]) وجها آخر أنها تحل لأن المسلم يذبح لله تعالى، ولا يعتقد في رسول الله ’ ما يعتقده النصراني في عيسى، قالوا: وإذا ذبح للصنم لم تؤكل ذبيحته سواء كان الذابح مسلما أو نصرانيا، ثم نقل النووي عن الرافعي أن من “ضحى أو ذبح للكعبة تعظيما لها لكونها بيت الله تعالى أو لرسول الله ’ لكونه رسول الله فهو لا يجوز أن يمنع حل الذبيحة، وإلى هذا المعنى يرجع قول القائل أهديت للحرم أو الكعبة ومن هذا القبيل الذبح عند استقبال السلطان لأنه استبشار بقدومه نازل منزلة ذبح العقيقة لولادة المولود ومثل هذا لا يوجب الكفر وكذا السجود للغير تذللا وخضوعا لا يوجب الكفر وان كان ممنوعا، وعلى هذا فإذا قال الذابح باسم الله واسم محمد وأراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد فينبغي أن لا يحرم، وقول من قال لا يجوز ذلك، يمكن حمله على أن اللفظة مكروهة؛ لأن المكروه يصح نفي الجواز والاباحة المطلقة عنه، قال: ووقعت منازعة بين جماعة ممن لقيناهم من فقهاء قزوين في أن من ذبح باسم الله واسم رسوله هل تحرم ذبيحته وهل يكفر بذلك وأفضت تلك المنازعة إلى فتنة قال والصواب ما بيناه.اهـ ثم قال النووي: هذا كلام الرافعي وقد أتقن رحمه الله هذا الفصل، ثم أيد كلام الرافعي بفروع مماثلة حكم فيها الشافعي وأصحابه بمثل قول الرافعي فمنها ما ذكره عن الروياني أن من ذبح للجن وقصد به التقرب إلى الله تعالى ليصرف شرهم عنه فهو حلال، وإن قصد الذبح لهم فحرام([32]).اهـ

فانظر إلى تفصيل هؤلاء السادة العلماء الأتقياء الفضلاء الورعين، وانظر إلى كلام الأفغاني ومن على شاكلته وتكفيره للمسلمين وتعشقه لسفك دمائهم فنعوذ بالله من الخذلان.

ثم إن النذر ليس بعبادة ولا قربة عند جمهور الفقهاء([33])، واستدلوا على ذلك بما رواه مسلم مرفوعا بقوله ” لَا تَنْذِرُوا، فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ([34]) “، فإذا كان النذر منهيا عنه فكيف يكون عبادة؟ ومعلوم أن العبادة تكون بالمأمورات لا بالمنهيات([35])، فكيف ترك الأفغاني هذه الأحاديث ولم يذكرها أصلا، وراح ينقّب في الكتب هنا وهناك ليجد نصا يكفر به المسلمين ويسفك دماءهم؟!

الفرع الثالث: كيف حرّف الأفغاني معاني آيات القرآن؟

جاء الأفغاني إلى القرآن ليأخذ منه أن من ينذر للأموات فإنه يشرك ويكفر؛ فاستدل بقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } [البقرة: 173]ثم ذكر كلاما طويلا في دلالة هذه الآية على ما يريد فقال ما حاصله: إن الإهلال هو رفع الصوت بالشيء، فيدخل الناذر للميت في الآية، ويكون ممن أهل لغير الله وإن ذكر اسم الله عند ذبحه فلا “تأثير لذكر اسم الله تعالى عليه عند الذبح ما دام المنذور لغير الله تعالى، فذبحهم باسم الله تعالى ليس إلا حيلة قبورية لا تنجيهم من الشرك والتحريم؛ لأن العبرة للنية لا لذكر اسم الله تعالى على اللسان، فهذا الناذر مشرك وهذا المنذور حرام وإن ذكر اسم الله عليه وقت الذبح”([36]) .

كذا قال الأفغاني؛ ولكن ما علاقة النذر للأموات بقوله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } [البقرة: 173]، فالآية على القول المشهور عند السلف([37])

والخلف([38]) كما اعترف بذلك الأفغاني نفسه بأن المقصود من الآية هو: ما ذبحه المشركون لآلهتهم ذاكرين اسم أصنامهم عند الذبح بقولهم: بسم اللات والعزى؛ فأين في الآية أن النذر لا يجوز للميت إن قصد به إهداء الثواب إلى الميت؟!

إن المحذور الذي في الآية غير موجود في النذر للأموات وليس له علاقة به، إذ المحذور أن يسمي غير الله على الذبيحة، والمسلم الذي ينذر للميت ذبيحة لا يذكر إلا الله عند ذبحه فانتفى المحذور وهو ذكر غير اسم الله على الذبيحة، ولو أن الناذر للميت ذكر اسم ميته عند الذبح لصح الاستشهاد بالآية، ولكن نحن ليس نزاعنا في ذكر اسم غير الله على الذبيحة فهذا محرم اتفاقا، وإنما نزاعنا فيمن يقول نذرت كبشا للرفاعي مثلا ناويا بذلك التصدق على روح الرفاعي بإهداء ثواب الصدقة له، ثم يذبح الكبش ذاكرا الله تعالى عليه ثم إن الناذر للميت قد ينذر ثمارا أو ملابس ليتصدق بها عن روح ذلك الميت المنذور له، ومعلوم أن هذه الأمور لا تحتاج إلى ذبح لكي نوجب اسم الله عند الذبح ونحرم ذكر غيره، فالآية بمعزل عما يريده الأفغاني منها.

ولقد أدرك الأفغاني صعوبة تأويل الآية وليِّ عنقها لاستنطاقها بما يريده الأفغاني من تكفير المسلمين وسفك دمائهم، فأنكر أن يكون المراد من الآية: ما ذبح للصنم، ولكن الأفغاني يعلم أن هذا التفسير قال به كثير من السلف والخلف، فادعى أن هذا التفسير عن السلف إنما هو من قبيل ذكر فرد من أفراد الآية([39]) وهو ما جرت عادة المشركين عليه وهو الذبح للصنم، وليس مقصودهم الحصر، وعليه فالآية عامة في كل من ذكر اسم غير الله سواء كان ذبحا أم غيره من المطعومات، وفي ذلك يقول الأفغاني: ” فما أهل به لغير الله أعم من المذبوح باسم غير الله؛ فإن ما أهل به لغير الله قد يكون من قبيل المشروبات، أو الملبوسات، أو المشمومات قد يكون من المعادن كالذهب والفضة ….كالسمك والزيت والسمن والعسل([40]) “

وحاصل كلام الأفغاني أن معنى {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 3]، أي: ما رُفع فيه الصوت قاصدا به غير الله ولو ذكرُ اسم الله على الذبيحة، بل حتى ولو لم تكن ذبيحة فإن من ينذر سجادة للبدوي أو أخذ باقة من الورد إلى قبره، فهذا ممن أهل لغير الله. هكذا استنطق الأفغاني الآية، فهل هذا المعنى صحيح؟

إن هذا المعنى يقلب الآية رأسا على عقب، فيكون من يرفع صوته بالبكاء جزعا على مصيبة دنيوية، أو رفع صوته بالضحك سخرية على المسلم، أو رفع صوته يجادل بالباطل، أو رفع صوته بالسبائب والشتائم للمسلمين ـ كما يفعل الأفغاني ـ فكل هؤلاء يدخلون فيمن أهل به لغير الله، ومن ثَّم فهؤلاء مشركون كفرة فيكون الأفغاني داخلا فيهم حسب تفسيره هو؛ فانظر كيف يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله عدوه به؟!

والواقع أن ما ذكره الأفغاني تفسيرا للآية باطلٌ لا يساوي سماعه، إذ الإهلال في الآية ليس على معناه اللغوي وهو رفع الصوت مطلقا لغير الله، بل معناه هو رفع الصوت على الذبيحة بغير اسم الله كما ذكر المفسرون من السلف والخلف، لأن السياق يحتم هذا المعنى إذ الآية تتكلم عن المحرمات من الأطعمة على وجه الحصر كما في قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [الأنعام: 145] وذلك ردا على مشركي العرب الذين حرموا صنوفا من الأنعام التي لم يحرمها الله واستحلوا أخرى، فردت عليهم الآية بإباحة ما حرموا وبتحريم ما أحلوا، فأباحت الآية كل مطعوم حرمه المشركين افتراء على الله([41])، وحصرت المحرمات من المطعومات بأربعة كانت تستحلها العرب في الجاهلية، منها: التي أهلت لغير الله، أي الذبيحة التي ذبحت باسم أصنامهم، فهذه كالميتة لا يجوز أكلها، وأما غير الذبيحة فلا ذكر للآية فيها، لذلك أجاز العلماء بالإجماع([42]) مطعومات أهل الأوثان من الثمار وغيرها لأنها لا تحتاج إلى تذكية بل تأكل كما هي، بل من السلف من أجاز أكل ذبيحة أهل الكتاب حتى ولو ذكر اسم المسيح عليها، فقد قال عطاء: كلْ من ذبيحة النصراني وإن قال باسم المسيح، لأن الله عز وجل قد أباح ذبائحهم، وقد علم ما يقولون([43]).اهـ فإذا كان ذبيحة أهل الكتاب تصح حتى مع ذكر اسم المسيح وغيره أفلا تصح ذبيحة المسلم للولي أو النبي مع ذكره اسم الله على الذبيحة؟! فأين ما زعم الأفغاني السابق؟! ثم ما علاقة نذر سجادة للبدوي مثلا بما أهل لغير الله على ضوء سياق الآية وسباقها ومعناها عند السلف والخلف؟ أليس هذا افتراء على كتاب الله وتحريفا للكلم عن مواضعه ؟

إن الأفغاني تلاعب بالآية فما لم تدل عليه الآية ولا له ذِكرٌ فيها مثل النذر للميت، حرّف الآيةَ لتشمله كما سبق؛ وما دلت عليه بمفهوم المخالفة من جواز أكل ما ذكر اسم الله عليه وهو ما دلت عليه منطوق الآية الآخرى وهو قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: ١١٨ – ١١٩] ، لم يقل به الأفغاني، لأنه حرم ذبيحة المسلم الناذر للميت ولو ذكر اسم الله عليها، مع أن هذا هو ما دل عليه القرآن منطوقا ومفهوما في نفس الآية التي استدل به الأفغاني، ألا يكون الأفغاني وفق آية الأنعام السابقة من الذين يحرمون ما ذكر اسم الله عليه ليضلوا الناس بأهوائهم بغير علم، ويوافق المشركين الذين حرموا أصنافا من الأنعام بحجج واهية افتراء على الله كما سبق؟! فانظر ماذا فعل الله بمن يتهم الأمة بالشرك؟!

الفرع الرابع: ادعاء الأفغاني أنه مطلع على قلوب خصومه

لم يكتف الأفغاني بكل من ما سبق من تكفير المسلمين والافتراء على علمائهم وتحريف كتاب الله، فادعى أن خصومه وإن ذكروا اسم الله على الذبيحة ظاهرا فإنهم كاذبون لأنهم “يذكرون اسم وليهم باطناً في قلوبهم قبل ذبحه وعند ذبحه وبعد ذبحه، دل على ذلك نذرهم له ونيتهم وتقربهم إليه واستعطافهم إياه لدفع الملمات وجلب الخيرات([44])” وذهب إلى أبعد من ذلك فجعل ذكر المشركين اسم اللات والعزى على ذبيحتهم منقبة لهم، وأما ذكر الله على الذبيحة من خصومه المسلمين فهي سبة، لأن المشركين كانوا يصرحون بما في قلوبهم عند الذبح صادقين، وأما المسلمون فإنهم منافقون إذ هم يسمون الولي في قلوبهم، وعلى ألسنتهم يسمون الله([45]).

فانظر كيف ادعى الأفغاني وشيوخه الاطلاع على ما في الصدور، وكيف يجعل ذِكر الله نفاقا وذِكر الأصنام صدقا؟! إن الأفغاني يبرئ أبا جهل من الشرك في الربوبية ثم يدعي الأفغاني صفات الربوبية، فهو يدعي أنه يعلم كذب خصومه حين يصرحون بأن قصدهم بالنذر للميت إهداء الثواب له، ولكن هل يعلم ما في النيات والقلوب إلا الله؛ والله يقول {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ} [آل عمران: 179]، ويقول {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59]، ويقول { فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ } [يونس: 20]، {إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [فاطر: 38]، والنبي يقول كما حكى الله عنه: {وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ} [الأنعام: 50]، والأفغاني يقول: أنا أعلم الغيب وأنا مطلع على قلوب العباد، فنعوذ بالله من الخذلان.

النبي عليه الصلاة والسلام يقول: إنما أقضي على نحو ما أسمع([46])، والأفغاني يقول: أنا أقاضي على ما أعلم من قلوب العباد. فتأمل هذه الصفاقة!! ويا ليت الأفغاني جنى شيئا منها؛ فإن النزاع ليس فيمن يبطن خلاف ما يظهر عند الذبح أو عند غيره من العبادات أو المعاملات، فهذا متفق على ذمه، ولكن هذا لا يعلمه إلا الله، وإنما النزاع فيمن أظهر ما أبطن، فيمن ذكر اسم الله ظاهرا وباطنا على الذبيحة المنذورة للولي فهل هذا يشرك بهذا أم لا؟!

إن الفقهاء يفصّلون في مثل هذه الأحوال التي تتوقف معرفة حكمها على نية المكلف، فأحيانا يكون الفعل صورته واحدة ولكن يختلف حكمه بحسب القصد منه، فإن كان القصد مشروعا كان الفعل كذلك، وإن كان القصد غير مشروع كان الفعل غير مشروع؛ لأن الشارع جعل للنية تأثيرا في الحكم، وبما أن الفقهاء لا يعلمون النيات فيذكرون الاحتمالات التي يحتملها الفعل حسب اختلاف نية المكلف، وفي ذلك يقول ابن القيم: “قد تظاهرت أدلة الشرع وقواعده على أن القصود في العقود معتبرة وانها تؤثر في صحة العقد وفساده وفي حله وحرمته بل أبلغ من ذلك وهي أنها تؤثر في الفعل الذي ليس بعقد تحليلا وتحريما فيصير حلالا تارة وحراما تارة أخرى باختلاف النية والقصد كما يصير صحيحا تارة وفاسدا تارة باختلافها وهذا كالذبح فإن الحيوان يحل إذا ذبح لأجل الأكل ويحرم إذ ذبح لغير الله وكذلك الحلال يصيد الصيد للمحرم فيحرم عليه ويصيده للحلال فلا يحرم على المحرم([47]).

إذاً كلام الفقهاء منصب على ظاهر الأمر، وأما باطنه فهذا موكول إلى الله، بل قال ابن القطان: وأجمعوا أن أحكام الدنيا على الظاهر وإلى الله علم السرائر([48]). ومن هنا اشتهر قولهم لنا الظاهر والله يتولى السرائر([49]).

وليس لهم شأن ولا علم بما في صدور بني آدم، بل إن رسول الله الذي يوحى إليه لا يتدخل في النيات، وإنما يفرع الاحتمالات ويعطي لكل حكمه، روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري قال: جاء رجل إلى النبي ’ فقال يا رسول الله ما القتال في سبيل الله ؟ فإن أحدنا يقاتل غضبا ويقاتل حمية فرفع إليه رأسه قال وما رفع إليه رأسه إلا أنه كان قائما فقال (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز و جل) ([50]) .

فانظر كيف وضع النبي معيارا يعرف به من يقاتل في سبيل الله، وهو القتال لإعلاء كلمة الله، فمن كان هذا قصده فهو في سبيل الله، وما لا فلا، ولم يقل النبي إن فلانا أو القبيلة أو الفرقة الفلانية تقاتل أو ستقاتل في سبيل الله وأخرى لا، سدا لذريعة الطعن، وعن كعب بن عجرة قال: مر على النبي ’ فرأى أصحاب النبي ’ من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله لو كان هذا في سبيل الله ؟ فقال رسول الله ’: إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان ([51]).

فانظر كيف وضع رسول الله أربعة احتمالات لهذا الرجل، ثلاثة حسنة؛ والرابع سيئ ولذلك أخره، حملا لحال المسلم على الصلاح ما أمكن، ولم يجزم عليه الصلاة والسلام بحكم فيه، وإنما وكل هذا إلى الله، ولكن علّم أصحابه ما فيه خير لهم، وهو أن السعي على الأولاد والأبوين والنفس كل ذلك في سبيل الله، وأما من يسعى للرياء فهو في سبيل الشيطان، وأن لا يحكموا على الإنسان بنيته الباطنة ويكلوا ذلك إلى الله؛ وعلى هذا درج الفقهاء كما سبق؛ فأين هذا من فعل الأفغاني وزمرته!!

ومن تمام خذلان الأفغاني أن يصدق المشركين حين قالوا {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] مع أن الله نفسه المطلع على قلوبهم كذبهم في آخر الآية فقال {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر: 3]، ولكن الأفغاني لم يأبه بهذا بل بتر آخر الآية، وراح يرد على خصومه لأنهم كذّبوا المشركين؛ وهنا تراه يكذّب المسلمين في قولهم إننا قصدنا من النذر للميت التصدق عن روحه، فيكون الأفغاني قد صدّق المشركين وكذّب المسلمين، بل كذّب الله الذي أخبر بكذب المشركين([52]). فانظر كم يرتكب الأفغاني وشيوخه من العظائم والكبائر ليصل إلى تكفير المسلمين؟! وكأن تكفير المسلمين من أعظم القربات وأنجح المنُجيات، فلا حرج عليه إذاً أن يقترف كل تلك الموبقات، ولو أن خصومه أخذوا بمنطقه لقالوا له إنك من ألد أعداء الإسلام والمسلمين، وشر منهم لأنهم أعلنوا العدواة؛ وأنت أبطنتها، وعلمنا ذلك بتحريفك لكتاب الله وسنة رسوله، وتكفيرك للمسلمين، وتعشقك لسفك دمائهم، وشتمك لعلمائهم، وافترائك عليهم؟!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/ 1545) .

([2]) منها حديث البخاري (2609)، كتاب الوصايا، باب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا عنه وقضاء النذور عن الميت، عن عائشة رضي الله عنها: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم إن أمي افتلتت نفسها وأراها لو تكلمت تصدقت أفأتصدق عنها ؟ قال (نعم تصدق عنها).

([3]) قال الكاساني في بدائع الصنائع 2/212: من صام أو صلى أو تصدق جعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز، ويصل ثوابه إليهم عند أهل السنة والجماعة وعلى ذلك عمل المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، من زيارة القبور وقراءة القرآن عليها، والتكفين والصدقات والصوم والصلاة، وجعل ثوابها للأموات. وانظر نحوه في: تبيين الحقائق 2/83، وقال ابن قدامة: أي قربة فعلها الإنسان وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك إن شاء الله تعالى: كالدعاء والاستغفار، والصدقة والواجبات التي تدخلها النيابة. انظر: المغني 2/225. تحفة المحتاج 7/73.

([4]) كشف الستور ص253.

([5]) صحيح البخاري – كتاب الوضوء، باب الوضوء من غير حدث، حديث: 211.

([6]) صحيح البخاري – كتاب الأطعمة، باب ليس على الأعمى حرج، حديث: 5075.

([7]) صحيح البخاري – كتاب الأطعمة، باب السويق – حديث: 5081.

([8]) صحيح البخاري- كتاب الأذان، أبواب صلاة الجماعة والإمامة – باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه، حديث: 673.

([9]) مسند أحمد – الرسالة (14/299).

([10]) سنن أبي داود – كتاب الزكاة، باب في فضل سقي الماء – حديث: 1444 .

([11]) كشف الستور ص252.

([12]) صحيح ابن حبان (8/140) .

([13]) السنن الصغرى – كتاب الوصايا، إذا مات الفجأة – حديث: 3610.

([14])انظر ترجمته رقم [2].

([15]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1545) .

([16]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1547) .

([17]) انظر ترجمته رقم [64].

([18]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1546) .

([19]) انظر: البراهين الساطعة للقضاعي ص456، ص468.

([20]) كما في حديث ابن ماجه في سننه (1853) وابن حبان في صحيحه (9/470)، وأحمد في مسنده (32/145): عن عبد الله بن أبي أوفى قال: – لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه و سلم . قال (ما هذا يا معاذ ؟) قال أتيت الشام فوافقتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم . فوددت في نفسي أن نفعل ذلك بك . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم (فلا تفعلوا. فإني لو كنت آمرا أحد أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. والحديث جيد الإسناد كما قال محققو المسند، وقال الألباني في إرواء الغليل (7/56) والأرناؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان: إسناده حسن.

([21]) أخرج البخاري (3779) عن الرُبَيِّع بنت معوذ قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى الله عليه و سلم (لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين).

([22]) البراهين الساطعة ص457.

([23]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1551)

([24]) رد المحتار (8/50) وكذا في البحر الرائق شرح كنز الدقائق (6/289) ونقله في حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/456.

([25]) وهذا تكررمن الأفغاني مرارا، فمثلا نقل عن الكشميري نصا هو التالي: (واعلم أن التوسل بين السلف – لم يكن كما هو المعهود بيننا [ أي الديوبندية خاصة والقبورية عامة ]، فإنهم [ أي السلف الصالح] إذا كانوا يريدون أن يتوسلوا بأحد – كانوا يذهبون بمن يتوسلون به أيضاً معهم، ليدعو لهم، ثم يستعينون بالله ويدعونه، ويرجون الإجابة منه… أما التوسل بأسماء الصالحين كما هو…) كذا نقله مبتورا في جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1519). ولكن النص كاملا من فيض الباري (5/186) للكشميري: واعلم أن التَّوَسِّل بين السَّلف لم يكن كما هو المعهود بيننا، فإِنَّهم إذا كانوا يريدون أن يتوسَّلُوا بأحدٍ، كانوا يذهبون بِمَنْ يتوسَّلون به أيضًا معهم، ليدعوا لهم، يستغيثون بالله، ويدعونه، ويرجون الإِجابة منه، ببركةِ شموله، ووجوده فيهم؛ وهو معنى الاستعانة بالضعفاء، أي استنزال الرَّحمةِ ببركةِ كَوْنه فيهم. أما التوسُّل بأسماء الصالحين.اهـ فانظر كيف بتر التبرك لأن الأفغاني لا يجيزه ويراه قبورية. والطريف أن الأفغاني يشتم العلماء ويتهمهم بالكذب، فحقا الإناء بما فيه ينضح.

([26]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1559) .

([27]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1560) .

([28]) حاشية رد المحتار (4/408) .

([29]) جاء في مواهب الجليل (3/340): ابن عرفة ونذر شيء لميت صالح معظم في نفس الناذر لا أعرف فيه نصا، وأرى أن قصد مجرد كون الثواب للميت تصدق به بموضع الناذر وإن قصد الفقراء الملازمين لقبره أو زاويته تعين لهم إن أمكن وصوله لهم. وجاء في فتاوى الرملي الشافعي 4/111: (سئل) هل يصح النذر على الأضرحة كما هو المعهود الآن أو لا ؟ (فأجاب) بأنه إذا عاد نفعه على الأحياء انعقد، وإلا فلا ينعقد. وانظر نحو ذلك في: الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر الهيتمي 4/2284، ومصباح الأنام وجلاء الظلام للسيد علوي الحداد ص84، حاشية الشرقاوي على شرح التحرير 2/488، نوازل الوزاني 2/548. كشف الستور ص254.

([30]) انظر ترجمته رقم [113].

([31]) انظر ترجمته رقم [110].

([32]) المجموع لمحي الدين النووي (8/409)، وجاء نحو ذلك في: روضة الطالبين للنووي (2/496)، مغني المحتاج (4/273)، ط/ دار الفكر.

([33]) مذهب الحنفية، والغزالي والمتولي ومال إليه ابن الرفعة من الشافعية، أن النذر قربة وعبادة، وذهب المالكية إلى أن النذر المطلق – وهو الذي يوجبه المرء على نفسه شكرا لله على ما كان ومضى – مستحب؛ وذهب الفقهاء الباقين إلى أن النذر ليس بقربة ولا عبادة بل هو مكروه وهو قول عند الشافعية وجزم به النووي وهو الصحيح من مذهب الحنابلة، وقول المالكية في بعض صوره ونقله الترمذي عن بعض أصحاب النبي، نعم الوفاء به واجب، ففرقوا بين ابتداء النذر والوفاء به، وعند بعض الحنابلة أنه مباح. انظر: بدائع الصنائع 6/ 2883، ط/ العاصمة، التاج والإكليل شرح مختصر خليل 3/319 – 320، ط/ دار الفكر؛ نهاية المحتاج 8/ 218، المغني لابن قدامة 10/67، المجموع للنووي 8/434.

([34]) صحيح مسلم (3/1261)، 1640، كتاب النذر، باب النهي عن النذر وأنه لا يرد شيئا. وفي رواية لمسلم أيضا: ” أَنَّهُ نَهَى عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ: إِنَّهُ لَا يَرُدُّ مِنَ الْقَدَرِ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ “.

([35]) انظر: كشف الستور ص256.

([36]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1561)

([37]) جامع البيان، للإمام الطبري (3/321)، وهذا قول الربيع وابن زيد ورواية عن قتادة، وقول أبي عبيد في كتابه غريب الحديث (1/285)، والقول الآخر للسلف كمجاهد ورواية عن قتادة وعطاء أن “وما أهلّ به لغير الله”، ما ذبح لغير الله، وقال بعضهم ما ذبحه أهل الشرك غير اليهود والنصارى للطواغيت، انظر: جامع البيان، للإمام الطبري (3/320)

([38]) جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال (4/220) ومنه قوله تعالى: (وما أهل به لغير الله) [ البقرة: 173 ] يعنى ما رفع به الصوت عند ذبحه للآلهة، وجاء في شرح النووي على مسلم (8/89): ومنه قوله تعالى وما أهل به لغير الله أي رفع الصوت عند ذبحه بغير ذكر الله تعالى، وجاء في هدي الساري لابن حجر ص 202: قوله “وما أهل به لغير الله” أي ما ذبح لغيره وأصله رفع الذابح صوته بذكر من ذبح له، وجاء في التمهيد لابن عبد البر (13/168): ومنه قول الله عز وجل {وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ } [البقرة: 173]لأن الذابح منهم كان إذا ذبح لآلهة سماها ورفع صوته. ومثله في جاء في مشارق الأنوار للقاضي عياض (2/269)، وعمدة القاري للعيني (14/320)، (30/468).

([39]) ولقائل أن يعارض الأفغاني فيقول: إن الوسيلة في قوله تعالى “وابتغوا إليه الوسيلة” عامة فهي تشمل التوسل بالأشخاص والتوسل بالأعمال كما قال الكوثري وغيره، بل يدخل في الآية الاستغاثة بالغائب والميت، وما ذكره المفسرون من “أن الوسيلة في الآية هي التوسل بالأعمال الصالحة” ليس من قبيل الحصر وإنما هو من قبيل ذكر فرد من أفراد الآية، تماما كما قال الأفغاني في هنا في تفسير الإهلال لغير الله وما هو جوابه هو جوابنا؛ وبذلك يبطل تشنيع الأفغاني على الكوثري الذي فسّر الوسيلة بعمومها، بل ترتد شتائم الأفغاني لأجل ذلك عليه بنفس كلامه. فتأمل كيف يدين الأفغاني نفسه وهو لا يدري. انظر: جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1493)؛ وانظر: محق التقول في مسألة التوسل ص102، للعلامة محمد زاهد الكوثري، تحقيق الشيخ وهبي سليمان غاوجي، ط1/ 1997م.

([40]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1561)

([41]) كما قال تعالى{وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لَا يَطْعَمُهَا إِلَّا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 138]

([42]) الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/ الرسالة (7/317) .

([43]) الجامع لأحكام القرآن، للإمام القرطبي، ط/ الرسالة (7/316).

([44]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/1562) .

([45]) المصدر نفسه.

([46]) صحيح البخاري (6/2609)، 6748، كتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم؛ صحيح مسلم، كتاب الأقضية، باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة رقم 1713.

([47]) إعلام الموقعين (3/109) .

([48]) الإقناع في مسائل الإجماع 2/310، للإمام الحافظ أبي الحسن بن القطان، تحقيق حسن الصعيدي، طبعة دار الفاروق الحديثة، ط1/ 2004م. وانظر: التمهيد لابن عبد البر 10/157.

([49]) قال الزركشي وابن حجر العسقلاني اشتهرت هذه العبارة في كتب الفقه وأصوله على أنها: حديث مرفوع؛ وقال الأخير: ولا وجود له في كتب الحديث المشهورة ولا الأجزاء المنثورة، وقد سئل المزي عنه فلم يعرفه، والذهبي قال: لا أصل له. قال ابن كثير: يؤخذ معناه من حديث أم سلمة في الصحيحين، إشارة إلى حديث: إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض… الحديث.اهـ وقال الزركشي: أفادني شيخنا علاء الدين مغلطاي أن الحافظ أبا طاهر إسماعيل بن علي الجنزوي رواه في كتابه إدارة الحكام.اهـ وقال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على هذا الكتاب ولا أدري هل ساق له إسماعيل المذكور إسنادًا أم لا. وقد ذكر الحافظ ابن حجر سبب جعل هذه العبارة حديثًا فقال: رأيت في الأم للشافعي بعد أن أخرج حديث أم سلمة رضي الله عنها، “فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إنما يحكم بالظاهر وأن أمر السرائر إلى الله” فأظن أن بعض من رأى كلامه ظن هذا حديث آخر، وإنما هو كلام الشافعي استنبطه من الحديث الآخر.اهـ لكن ذكر الزركشي له شواهد؛ أحدهما: ما رواه البخاري عن عبد الله بن عتبة قال سمعت عمر يقول: إن ناسًا كانوا يُؤخذون بالوحي على عهد رسول الله، وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم. انظر: المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي ص99، وموافقة الخُبر الخبَر للحافظ ابن حجر العسقلاني 1/181، والتلخيص الحبير 4/352، والمقاصد الحسنة للسخاوي ص92.

([50]) صحيح البخاري (1/58)، (123)، باب من سأل وهو قائم عالما جالسا، كتاب العلم؛ أخرجه مسلم في الإمارة باب من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا رقم 1904.

([51]) المعجم الكبير للطبراني 19/129، قال الهيثمي: رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح. انظر: مجمع الزوائد (4/596)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/141)، ط/ المعارف.

([52]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1/192)، (1/281).

السابق
تنزيل 82 وثيقة لستة مجالس بعنوان ” دعوى ابن تيمية أن السلف على عقيدة واحدة”
التالي
انعقد إجماع المسلمين على المَذَاهب الأربَعَة السُّنِّيَّة